يعتمد الفوز في مجال الأعمال على السرعة في الدخول إلى أسواق جديدة وتقديم عروض مبتكرة، لا على التحرك البطيء الثابت. وهذه هي بالتحديد المشكلة التي تواجهها الكثير من الشركات في مسألة منهج عدم التدخل والتعاون مع الشركاء ومشاركة الموارد والمعرفة وابتكار منتجات وخدمات جديدة.
بالنسبة للعديد من قادة الشركات، وتحديداً 85% منهم وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها شركة "أكسنتشر" (Accenture)، يعد هذا الابتكار المفتوح في غاية الأهمية لخططهم الاستراتيجية. وعلى وجه التحديد، ترغب الشركات الكبيرة بإقامة شراكات مع الشركات الصغيرة التي طورت تكنولوجيات متقدمة ثورية. والشركات الصغيرة بدورها ترى الفائدة من هذه الشراكات في تمكينها من الوصول إلى موارد تتجاوز إمكاناتها.
ولكن العديد من هذه الشراكات تبدأ دون إيلاء الاهتمام اللازم للأخطاء التي قد تحدث، والنتائج تثبت ذلك. تعد التحديات الناتجة عن الشراكة بين الشركات الكبيرة والصغيرة هائلة: ثقافات مختلفة ومواقف مختلفة تجاه مشاركة الملكية الفكرية ومخاوف مختلفة أيضاً حول مشاركة المخاطر وغيرها من التحديات. وبالتالي، فإن تحقيق الأهداف الاستراتيجية لمثل هذه الشراكات ليس بالمهمة السهلة.
من خلال الدراسة الاستقصائية، التي بحثت في 200 تعاون في مجال الابتكار بين شركات كبيرة وأخرى تكنولوجية ناشئة (100 منها في الولايات المتحدة و50 في الصين و50 في الهند)، استطعنا تحديد انقسام كبير في الطريقة التي تعامل بها كبار القادة في الشركات الكبيرة مع هذا التحدي. ضمن أحد القسمين اللذين لاحظناهما، سلك كبار القادة منهج عدم التدخل المطلق. لم يفرض القادة سيطرة كبيرة في مرحلة التفاوض، وعند حدوث عدم توافق استراتيجي أو تشغيلي أو ثقافي بين الشركتين لاحقاً، بل كانوا يتركون مهمة التعامل مع عدم التوافق هذا إلى الفرق المتخصصة بالابتكار، وهي العقلية التي تعتمد على حل المشاكل أولاً بأول. قد لا يبدو هذا غير معقول ربما، ولكن تأمل النتائج التالية: قال 38% فقط من القادة الذين سلكوا هذا النهج إنهم يعتقدون أن الشراكة في مجال الابتكار حققت أهدافها الاستراتيجية فعلاً. ومن الصعب اعتبار هذه النتائج مشجعة.
أما القسم الثاني من كبار القادة في الشركات الكبيرة، فقد سلك منهج التدخل أو منهج الفاعلية. عملت هذه المجموعة على المشاركة وحل المشاكل حتى قبل بدء عملية التطوير المشترك. وقد بلغت نسبة النجاح في تحقيق الأهداف الاستراتيجية، التي عززتها المشاركة الفاعلة للإدارة العليا، نسبة أقوى بكثير تبلغ 68%، وهي ضعف نسبة مجموعة منهج عدم التدخل تقريباً. لكن ما هو الخبر السيئ؟ تُصنف 14% فقط من الشركات المدروسة ضمن فئة الإدارة الفاعلة.
منهج عدم التدخل مقابل منهج التدخل
بالتعمق أكثر في بياناتنا، وجدنا 3 اختلافات رئيسية بين إجراءات الشركات القائمة على منهج التدخل وإجراءات الشركات القائمة على منهج عدم التدخل.
شارك الرؤساء التنفيذيون في الشركات الكبيرة في المراحل الأكثر أهمية
ومن الشائع في أي مبادرة مهمة أن يقال إن "مشاركة الرئيس التنفيذي مهمة جداً". ولكن هذا لا يعني شيئاً عملياً بما أن الرئيس التنفيذي لا يمكن أن يكون في كل مكان في وقت واحد. ما وجدناه هو أن الرؤساء التنفيذيين في الشركات الكبيرة الفائزة في دراستنا شاركوا في المنعطفات الأكثر أهمية. خذ مهمة البحث عن شركاء، على سبيل المثال. في الشركات القائمة على منهج التدخل، قام 85% من الرؤساء التنفيذيين بأكثر الأدوار فاعلية. وفي المقابل، اعتمدت الشركات القائمة على منهج عدم التدخل أكثر على رئيس قسم البحث والتطوير أو الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا. تتسم أكثر المراحل دقة، خلال عملية التطوير الفعلي للمنتج، بقابلية الأشياء للانهيار سريعاً. بالنسبة لـ 40% من مجموعة الإدارة الفاعلة، كان الرئيس التنفيذي هو المحور الذي يؤدي الدور الأكثر فاعلية، أما بالنسبة للباقي، فغالباً ما كان الرئيس التنفيذي غائباً أو كان واحداً من مجموعة حائرة من القادة.
كان تركيزهم على المواهب الريادية لا على التكنولوجيا
ركزت الشركات القائمة على منهج عدم التدخل بصورة كبيرة على الحل السريع المتمثل في الاستفادة من التكنولوجيات الجديدة: اعتبر 72% منهم هذا الحل نتيجة "مقنعة للغاية" للتعاون مع شركة صغيرة ذات مستوى تقني رفيع. وفي المقابل، اعتبره أقل من 50% من المدراء الفاعلين حلاً مقنعاً للغاية. فقد كان تركيزهم منصبّاً أكثر على العمل مع المواهب الريادية: وجد 65% منهم هذا الأمر مقنعاً للغاية، وهي نسبة أعلى بكثير من مجموعة منهج عدم التدخل. الدرس المستفاد هو أنه بالنسبة للشركات التي تتطلع إلى المزيد، فإن إدخال المواهب الريادية وعدم الاعتماد على تلك التقنية فقط يعد أمراً أساسياً.
استخدموا المقاييس الصحيحة لقياس النجاح
اكتشافك لحقيقة ما إن كانت شراكتك في مجال الابتكار المفتوح ناجحة أم لا ليس بالأمر السهل. تأمل بعض الفروقات بين الأمور التي قاسها المدراء الاستباقيون مقابل المجموعات الأخرى. تركز أكثر من 65% من الشركات القائمة على منهج عدم التدخل بصورة أكبر على إنشاء مؤشر خاص بها لقياس أدائها المالي في مشروع محدد. قد يكون هذا إجراءً حكيماً، ولكنه يفتح الأبواب للتلاعب والتناحر الداخلي، ويبدو أن المدراء الفاعلين قد أدركوا هذه المشكلة نظراً لأن 25% منهم فقط سلكوا هذا الطريق. وفي الوقت ذاته، كانت الشركات في مجموعة الإدارة الفاعلة أكثر ميلاً لقياس المال والوقت المدخرَين بتجاوز البحث والتطوير الداخلي. كما كانت هذه الشركات أكثر ميلاً لقياس تقييم العملاءلنتائج الشراكة.
بالنظر إلى هذه النتائج، ينبغي على المسؤولين التنفيذيين الذين ينوون البدء بمبادرة في مجال الابتكار المفتوح دراسة الخطوات التالية:
- لتكن المحادثات الصادقة والعلنية مع الشركاء المحتملين أولوية منذ البداية. من المهم جداً ليس فقط مشاركة أهدافك الاستراتيجية فحسب، بل التأكد أيضاً من فهم شريكك لهذه الأهداف. إذ لا ينبغي عليك الافتراض أن أهداف كل طرف منكما واضحة بالنسبة للآخر.
- ولهذا عليك التعامل مع التفاعلات بين الشركاء على أنها عمليات تحقيق لا استجواب. إن الشراكة في مجال الابتكار المفتوح ليست علاقة مصلحة بسيطة. ولذلك يجدر بالنقاشات بين الطرفين أن تتيح لكليهما الكشف عن الجوانب "غير المادية" لمؤسساتهما، مثل المعتقدات الأساسية والقيم. فإذا كان الطرفان على علم بهذه النواحي، فسيساعدهم ذلك على تحديد مواطن النزاع المحتملة والحلول كذلك.
- احرص على إنشاء "بنية تشغيلية" تسهل الاستجابة السريعة للتحديات المحتملة. يمكن للمشاريع أن تتعطل بسهولة بسبب الاستفسارات المتروكة دون إجابة حول الملكية الفكرية أو العمليات مثلاً. يساعد النهج التشغيلي المناسب في الحفاظ على التركيز على الأهداف الاستراتيجية.
وفي نهاية الحديث عن منهج عدم التدخل، يعد الابتكار المفتوح الموضة الرائجة التي تساعد على إدخال المنتجات الجديدة إلى السوق سريعاً. ولكن بالنسبة للشركات الكبيرة، لا يعد الأمر بسيطاً كبساطة إيجاد شريك ومنحه إذن الابتكار والانطلاق. في النهاية، يمكن النجاح عن طريق إصلاح المشاكل عند ظهورها، وحتى بالبقاء بعيداً عنها. ولكن في الشراكات الأكثر نجاحاً، يكون كبار القادة قادرين على تحديد المشاكل مسبقاً وحلها.