كيف تستعملون منهجية أجايل لتحديد غاية سامية لشركتكم؟

5 دقائق
غاية سامية

البشر مفطورون على السعي إلى تحقيق غاية سامية في الحياة. كما أثبت العلم الحديث أن ما ذهب إليه الفلاسفة القدماء من أن الأشخاص الذين يتوقون إلى عيش حياة ذات مغزى يتمتعون بصحة عقلية أفضل وهم أكثر مرونة، ويمتلكون دافعاً أكبر في الحياة. كما أنهم أقوى بدنياً ويعيشون عمراً أطول، عدا عن أن ما يقدّمونه لعائلاتهم وأصدقائهم ومجتمعهم عموماً أكبر بكثير مما يقدّمه غيرهم.

بمقدور الشركات أن تجعل عيش حياة ذات مغزى أكبر أمراً أسهل أو أصعب. فالمدراء ومنذ عقود طويلة كانوا يثقون بما ذهب إليه الاقتصاديون النافذون الذين وعدوا الشركات التي تسعى إلى تحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح أن هناك يداً خفية ستسهم في تحقيق منافع أكبر للمجتمع عموماً. لكن هذا الشيء لا يحدث حالياً بالطريقة التي قالوا إنه سيحدث بها. فتركيز الإدارات التنفيذية على تحقيق القيمة للمساهمين يؤدي إلى حرمان أصحاب مصلحة آخرين من نصيبهم من القيمة. وأحد التجليات التي ظهرت مؤخراً لهذه الحالة هو أن هناك أعداداً قياسية من الناس الذين يسارعون إلى ترك وظائفهم، فيما يلجأ آخرون إلى التظاهرات النقابية معبّرين عن قناعة متنامية مفادها أن الحياة أقصر من أن تُهدَر في عمل محبط للمعنويات. وثمة تصاعد في المخاوف بشأن حالات انعدام المساواة الاجتماعية والأضرار البيئية. إذن، النظام العام يعاني من اختلال في التوازن، والوضع يزداد سوءاً.

لا تخفى هذه المشاكل على التنفيذيين الذين يدركونها. فقد قال 7% فقط من الرؤساء التنفيذيين للشركات المدرجة على قائمة فورتشن 500 أنهم يوافقون على فكرة أن شركاتهم يجب "أن تركز بصورة أساسية على تحقيق الأرباح دون أن يتشتت انتباهها بسبب الأهداف الاجتماعية"، بحسب استطلاع لفورتشن في عام 2019. بيد أن التحدي يكمن في أن قلّة فقط من التنفيذيين تعرف كيف تحوّل نظاماً يقوم على مبدأ تعظيم الأرباح إلى نظام يسعى إلى خدمة غاية سامية دون التسبب بتهديد مستقبل شركاتهم ومسيراتهم المهنية الشخصية.

يمكن لطرق منهجية أجايل أن تساعد على تحويل النقاشات العامة حول غاية الشركة إلى إجراءات ونتائج حقيقية. ونحن نقدّم فيما يلي أربع توصيات.

1. إنشاء نموذج مصغر للعالم الذي تطمحون بالوصول إليه

عوضاً عن أن تنتظروا تحوّل شركتكم إلى مؤسسة ذات غاية أسمى من تلقاء نفسها ذات يوم، بوسعكم استعمال أخلاقيات منهجية أجايل القائمة على مبدأ الإنجاز الذاتي من أجل تحويل مجموعة عملكم إلى مجتمع مصغّر يشبه المؤسسة التي تطمحون إلى بلوغها. وكل ما يجب فعله هو اتباع ذات المنهجية المستعملة للوصول أي ابتكار آخر:

  • إنشاء فريق مكوّن من أشخاص ينتمون إلى اختصاصات متعددة ويضم خبراء من خارج مجموعتكم المنعزلة على نفسها.
  • إظهار التعاطف العميق مع المستخدمين ومحاولة استكشاف أهدافهم والأشياء المحبطة لهم.
  • مراجعة أداء النظام الحالي لتحديد الأسباب الكامنة وراء هذه الأشياء المحبطة.
  • تصوّر نظام ينطوي على غاية أسمى.
  • وصف التغييرات التي قد تسهم في تحسين النظام.
  • تحديد سلّم أولويات لهذه التغييرات والتتابع الذي يجب تنفيذها به.
  • اختبار التحسينات المحتملة.
  • التكيف بحسب التغييرات غير المتوقعة والتأثيرات الجانبية.
  • تطبيق الحلول على نطاق أوسع من أجل إغناء حياة أصحاب المصلحة بطريقة ميسّرة.

أجرينا نحن الثلاثة تحليلاً شمل عدداً كبيراً من المؤسسات، وقد وجدنا أنه مهما كانت المتاعب التي تعاني منها الثقافة في مؤسسة ما، كنا دائماً نعثر على جيوب ضمن المؤسسة يتّصف العاملون بها بالتفاعل الكامل، والإنتاجية العالية، والشعور العارم بالإنجاز. وهم كانوا غالباً ما يلجؤون إلى استعمال طرق منهجية أجايل ويتمتعون بإحساس كبير بالغاية، والتعاطف، والاستقلال الذاتي، والشغف بالتعلم والنمو.

2. بناء ثقافة تقوم على مبدأ "كيف بوسعنا اختبار هذا الشيء؟"

لا يمكن لنظام العمل الذي يريد تحقيق غاية سامية أن يشبه الساعة الميكانيكية. فلو كان كذلك، لكان بوسع المدراء تحليل المكونات لكي يحددوا تأثير كل قطعة على القطع الأخرى، ويشيروا إلى المكونات المعطوبة، ويستبدلوها بالممارسات الفضلى المتّبعة في الشركات الناجحة، وينتجوا مؤسسة جديدة هادفة، والسلام!

لكن الشركة التي تسعى إلى تحقيق غاية سامية تشبه المنظومة البيولوجية المعقدة التي لا يمكن للمرء أن يتنبأ بمآل الأمور فيها لأن هناك الكثير من المتغيرات والمتحولات المجهولة، عدا عن أن هذه المتغيرات والمتحولات تتصرف بطرق مختلفة عندما تُمزج بطرق مختلفة أو توضع في أوضاع مختلفة. فالدرب إلى جهنّم مفروش بالنوايا الحسنة، وهو أحد الأسباب الأساسية التي تجعل الممارسين الذين يطبّقون طريقة أجايل يصرّون على اختبار الأشياء في بيئاتهم الذاتية وباستعمال تجاربهم الذاتية.

يتمثل العنصر الأساسي للنجاح في أي نظام معقّد في الابتكار المستمر الذي يُبقي المنظومة في حالة توازن، حتى لو تغيّرت الظروف البيئية. وتتجلى إحدى المقاربات الذكية لفعل ذلك في تخصيص الموارد – أي الناس، والوقت، والتكنولوجيا، والمال – بطريقة مدروسة لخدمة القضايا الهادفة المصممة بطريقة تسمح بتحقيق المنافع على المدى البعيد لصالح مجموعة من أصحاب المصلحة عبر سلسلة متتالية من التأثيرات التي يصعب تحديدها سلفاً. وبالإمكان اختيار هذه القضايا باستعمال خمسة معايير.

الأهمية الاستراتيجية. هل تدعم هذه المبادرة أهدافكم الاستراتيجية؟ هل تحقق منافع مهمة لأصحاب المصلحة ممن قد يتركون الأثر الأكبر على نجاح شركتكم؟

دعم أصحاب المصلحة. هل سينشط أصحاب المصلحة الأساسية لديكم – ولاسيما الموظفون والزبائن – في دعم هذه المبادرة؟

القيمة التي تتجاوز المال. هل سيسهم كل دولار تستثمرونه في هذه المبادرة في تحقيق قيمة أكبر لأصحاب المصلحة المستهدفين بالمقارنة مع كتابة شيك ببساطة لمبتكر أقل تكلفة؟

فرضيات قابلة للاختبار. هل بالإمكان إنجاز عملية الاستثمار على مراحل تسمح باختبار فرضيات محددة والتخفيف من الآثار الجانبية السلبية قبل تنفيذ المشروع على نطاق أوسع؟

تكلفة التأخير. هل سيؤدي تأجيل إطلاق المشروع لمدة عام إلى التقليل من قيمته أو زيادة تكلفته بشكل كبير؟

3. فعل الأشياء المناسبة لأصحاب المصلحة المناسبين

يحدد المدراء الذين يسعون إلى تحقيق أقصى مكاسب ممكنة مستهدفات مالية عالية، ويضعون الخطط التي تساعدهم على تحقيقها، ثم يحددون الطرق التي تساعد على دفع الموظفين والزبائن إلى الالتزام بها. أما منهجية أجايل فتساعد على تطبيق هذه المقاربة بطريقة معكوسة، حيث ينصبّ تركيزها في المقام الأول على تحقيق القيمة لصالح أصحاب المصلحة ومن ثم يكون التركيز على تحقيق مكاسب كافية خلال هذه العملية. وعوضاً عن أن يطرحوا على أنفسهم السؤال التالي: كيف بوسعنا تحسين أرباحنا دون الإضرار بزبائننا أو التقليل من رضا موظفينا؟ يسألون: كيف بوسعنا إغناء حياة الزبائن والموظفين؟

4. إعطاء الأولوية للتعاون على حساب المنافسة

يُعتبر البشر كائنات اجتماعية للغاية، وبالتالي فإن العلاقات الداعمة هي شيء أساسي بالنسبة لهم لكي يعيشوا حياة هادفة في البيت وفي العمل. والموظفون الذين يتمتعون بعلاقات عمل أقوى يشعرون بقدر أكبر من الفخر بمؤسساتهم ويركزون على الزبون تركيزاً أقوى، ويطرحون أفكاراً أكثر ابتكاراً، ويمتلكون دافعاً أكبر للعمل بجد، ويكونون أكثر عزماً على البقاء في وظائفهم. مع ذلك، ولمدة تزيد على 100 عام، كانت الإدارة تركز على أداء الموظفين الأفراد عوضاً عن أن تركّز على تقوية الفِرق وتعزيز الأنظمة.

أحد الأسباب الأساسية لنجاح الطرق المتبعة في منهجية أجايل هو أنها تعطي الأولوية للعمل الجماعي للفريق على حساب الأداء الفردي. ويُظهر بحث لمجموعة ستانديش غروب (Standish Group) التي درست نجاح مشاريع تكنولوجيا المعلومات منذ 1994 أن الفِرق التي تتّبع منهجية أجايل تحسّن الابتكار بأكثر من 60% وسطياً، وبنسبة 100% عندما يكون الابتكار كبيراً ومعقداً. ويقول أكثر من ثلثي الفِرق التي تستعمل منهجية أجايل وتعمل في طيف واسع من الوظائف في المؤسسة أن هناك توافقاً أفضل في العمل عبر الوظائف والأقسام المختلفة، فيما يتحدث 60% منهم عن ارتفاع في معنويات الموظفين، بحسب "تقرير حالة منهجية أجايل" الصادر عن ديجيتال. أيه آي (Digital.ai)، وهي شركة تركز على التحولات الرقمية الحاصلة.

تستفيد تجمّعات الفِرق التي تعمل وفق منهجية أجايل من فكرة التنوع لتجميع أشخاص قد تكون اختلافاتهم مزعجة وسبباً لشق الصفوف ضمن فِرق ذات نقاط قوى أكبر وعيوب أقل مقارنة بالفِرق الموجودة ضمن مؤسسات تضم أقساماً منعزلة عن بعضها البعض. فالتعاون مع شركاء غير تقليديين مثل الخبراء الماليين، والمحامين، والمنادين بالاستدامة وآخرين يمتلكون وجهات نظر تجاه العالم تسهم في تغيير وجهة نظرك به، يمكن أن يؤدّي إلى تحسين هائل في الابتكار والمعنويات على حد سواء.

كلما أسرع قطاع الأعمال في تبنّي مقاربة هادفة، والبدء بتحقيق قيمة أكبر للمجتمع، وتغيير طريقة عمله، كان ذلك أفضل، ولا شك أن منهجية أجايل مفيدة في دعم هذا التوجه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي