ملخص: عندما يتعلق الأمر بـ "منع خسارة العملاء" يبدأ خبراء التسويق عادة بتحديد العملاء الذين تزداد احتمالات خسارتهم ثم إجراء اختبارات أ/ب لتحديد مدى فعالية إجراء الاستبقاء المقترح في الحفاظ على هؤلاء العملاء أصحاب المخاطر العالية. على الرغم من إمكانية أن تكون هذه الاستراتيجية فعالة، تشارك المؤلفة بحثاً جديداً مستنداً إلى التجارب الميدانية مع أكثر من 14 ألف عميل يشير إلى أنها ليست دائماً أفضل طريقة لتعظيم العائد على الاستثمار الخاص بالإنفاق التسويقي. وتقول إنه بدلاً من هذه الاستراتيجية يجب على الشركات استخدام بيانات اختبار آ/ب إلى جانب البيانات السلوكية والديموغرافية للعملاء من أجل تحديد مجموعة العملاء الفرعية التي ستتمتع بأعلى حساسية تجاه الإجراء المقترح، والأهم هو أن البيانات تشير إلى أن هذه المجموعة الفرعية لا تتوافق بالضرورة مع مجموعة العملاء "عالية المخاطر". بعبارة أخرى، من المحتمل جداً ألا يكون الإجراء المتخذ فعالاً في استبقاء العملاء أصحاب المخاطر العالية بنفس درجة فعاليته في استبقاء مجموعة أخرى من العملاء. وعن طريق تحديد الخصائص التي تترابط فعلياً مع الحساسية العالية تجاه إجراء ما، يمكن لخبراء التسويق توجيه حملاتهم بصورة استباقية نحو العملاء الذين سيبدون تجاوباً أكبر معها ليتمكنوا بذلك من تخفيض معدلات خسارة الزبائن ورفع العائد على الاستثمار.
ينفق خبراء التسويق كل عام مليارات الدولارات على حملات يفترض بها أن تجذب العملاء وتستبقيهم وترتقي بمبيعاتهم، لكن وعلى الرغم من هذا الاستثمار الضخم يمكن أن يواجهوا صعوبة بالغة في تحديد مدى فعالية هذه المبادرات على أرض الواقع والطرق الممكنة لتحسينها. النهج الشائع المعتمد في قياس العائد على الاستثمار الخاص بالحملات التسويقية هو إجراء اختبار أ/ب؛ يستهدف خبراء التسويق مجموعتين من العملاء بإجراءين مختلفين، ثم يجرون مقارنة بين نتائجهما. ومع استخدام أسلوب التحليل المناسب يمكن لاختبارات أ/ب تقديم معلومات مفيدة، ولكن من المحتمل أيضاً أن تكون مضللة بدرجة كبيرة.
فلننظر إلى مثال فرضي كي نفهم سلبيات الاستخدام الشائع لاختبارات أ/ب. تخيل أنك تعمل لدى مؤسسة فنون كبيرة تقلقها معدلات استبقاء أعضائها الآخذة بالتدني، وتفكر بإرسال هدية صغيرة مع إشعار تجديد العضوية إلى الأعضاء الذين ترى أن خطورة إلغاء العضوية عالية لديهم. لكن ذلك مكلف، ولذلك يجب أن تتحقق من فعالية هذا الإجراء قبل تطبيقه على نطاق أوسع. فتقرر أن تجري حملة تجريبية صغيرة، وتنشئ مجموعتين عشوائيتين من الأعضاء "أصحاب الخطورة" ترسل الهدايا إلى أفراد إحداهما وتعتبر الأخرى مجموعة ضبط من أجل معرفة ما إذا كانت الهدية ستزيد احتمالات تجديد العضوية.
لنفترض أنك لم تلاحظ أي فرق في معدلات الاستبقاء بين المجموعتين. إذا أنهيت تحليلك هنا فستلغي برنامج الهدايا لأن البيانات تشير ظاهرياً إلى أنه لا يؤثر على الاستبقاء. لكن عند التمعن في البيانات بدقة أكبر قد تلاحظ أنه بالنسبة لبعض المجموعات الفرعية، كالعملاء الذين قاموا بزيارة موقع المؤسسة في العام الماضي، أدت الهدية إلى زيادة كبيرة في احتمالات تجديد العضوية، في حين أنها أدت إلى انخفاض هذه الاحتمالات لدى العملاء الذين لم يزوروا موقع المؤسسة منذ وقت طويل، وقد يكون ذلك لأن الهدية كانت بمثابة تذكير لهم بأنهم لا يستخدمون هذه العضوية كثيراً. قد يؤدي استخدام اختبارات أ/ب لتقييم الأثر الوسطي لإجراء ما إلى إخفاء معلومات مهمة تساعد في تحديد العملاء الذين يحتمل أن تزداد استجابتهم للحملة أو تنقص (أي معرفة ما إذا كان للإجراء أثر إيجابي أو سلبي أو غير ذي أهمية كما هو الحال في هذا المثال)، ما يؤدي إلى اتخاذ خبراء التسويق قرارات خاطئة فيما يتعلق باختيار الحملات واختيار العملاء الذين يجب استهدافهم بها.
تحسين حملات منع خسارة العملاء
هذا المثال ليس مجرد مثال فرضي في الحقيقة، بل هو مستند إلى ما حدث في مؤسسة حقيقية عملت معها في بحثي. عندما يتعلق الأمر بزيادة معدلات الاستبقاء تقوم الشركات عادة بتحديد العملاء أصحاب "الخطورة العالية"، أي العملاء الذين يشير سلوكهم الأخير أو خصائصهم الأخرى إلى احتمال أن يلغوا اشتراكاتهم أو يتوقفوا عن شراء منتجات الشركة، ثم إجراء اختبارات أ/ب لتحديد مدى فعالية حملة استبقاء العملاء مع هذه المجموعة. على الرغم من أن هذه الاستراتيجية مفهومة (فأنت بالتأكيد لن ترغب في هدر موارد التسويق على العملاء الذين لم تكن ستخسرهم أساساً)، يشير البحث الذي أجريته إلى إمكانية أن تعود هذه الاستراتيجية بأثر عكسي خطير لأنها تقود خبراء التسويق إلى اتخاذ قرارات معيبة تؤدي إلى انخفاض إجمالي معدلات الاستبقاء والعائد على الاستثمار الخاص بالإنفاق التسويقي.
وعلى وجه التحديد، أجريت تجارب ميدانية بالتعاون مع شركتين كبيرتين كانتا تجريان حملات لاستبقاء العملاء. في القسم الأول من دراستي قامت الشركتان بتطوير إجراءات لتخفيض معدلات خسارة العملاء ثم إجراء اختبارات أ/ب لتتبع معدلات خسارة العملاء لدى ما يزيد على 14,000 عميل قسموا إلى مجموعتين عشوائيتين طُبقت الإجراءات على إحداهما ولم تطبق على الثانية. ثم جمعتُ قاعدة بيانات غنية من معلومات العملاء تتضمن نشاطاتهم وتفاعلاتهم الأخيرة مع الشركة ومواقعهم ومقاييس أخرى استُخدمت في توقع خطورة خسارة العملاء، ودرستُ الخصائص المرتبطة بالاستجابة الإيجابية لحملات الاستبقاء.
لاحظتُ في كلتا الشركتين أن العملاء الذين تم تحديد خطورة خسارتهم بأنها الأعلى لم يكونوا بالضرورة أفضل أهداف برامج الاستبقاء. بل في الحقيقة كانت العلاقة ضعيفة بين مستوى خطورة خسارة العملاء ودرجة حساسيتهم تجاه الإجراءات. أظهرت البيانات مجموعة مميزة من العملاء الذين استجابوا بقوة لكل إجراء (عملاء لديهم خصائص سلوكية أو سكانية محددة ترتبط دائماً باحتمالات ضعيفة لخسارتهم بعد تطبيق الإجراءات عليهم)، لكن تلك المجموعة "عالية الحساسية" لم تتداخل على الإطلاق مع العملاء الذين تم تحديد خطورة خسارتهم بأنها عالية. عاد هذا الأمر بتبعات مهمة على العائد على الاستثمار: توصلت في بحثي إلى أنه إذا أنفقت الشركتان المبلغ ذاته على التسويق الذي يستهدف مجموعة العملاء أصحاب الحساسية العالية بدلاً من مجموعة العملاء الذين تكون خطورة خسارتهم عالية فستنخفض معدلات خسارة العملاء لديها أكثر بنسبة 5% في الشركة الأولى و8% في الشركة الثانية.
بالطبع ستختلف العوامل المحددة التي تزيد استعداد العميل للتجاوب مع حملة الاستبقاء باختلاف الشركات والحملات، لكن إجراء حملات تجريبية كما وضحنا أعلاه سيساعدك في تحديد الخصائص التي ستنبئك على نحو أفضل بدرجة حساسية عملائك تجاه إجراء معين. على سبيل المثال، تعاونت في دراستي مع شركة اتصالات تتمتع بإمكانية الوصول إلى بيانات مفصلة حول المقاييس السلوكية مثل عدد المكالمات التي أجراها العملاء على مدى الشهر الماضي، وعدد الرسائل النصية التي أرسلوها وحجم البيانات التي تم تنزيلها على أجهزتهم وغير ذلك. بالنسبة لهذه الشركة أظهرت البيانات أن زمن آخر تفاعل بين العميل والشركة ينبئ بمستوى خطورة خسارته، ولكن لم يكن له أي تأثير على حساسيته تجاه الإجراء المتبع بهدف الاستبقاء. كان استخدام البيانات هو ما تنبأ بدرجة حساسية العميل، وهو ما يشير إلى أن زيادة العائد على الاستثمار تتطلب من الشركة التفكير في عدم توجيه حملات الاستبقاء نحو العملاء الذين لم يتفاعلوا معها منذ وقت طويل، بل إلى العملاء الذين استخدموا أكبر حجم من البيانات.
الانتقال من التنبؤ إلى الإلزام
ماذا يعني ذلك بالنسبة لخبراء التسويق؟ المعلومة الأساسية هي أنه من الضروري توجيه إجراءات التسويق بناء على استجابة العميل المتوقعة تجاه هذا الإجراء، وليس ما تتوقع المؤسسة منه فعله في غياب هذا الإجراء. يشبه خبراء التسويق الأطباء نوعاً ما: فالأطباء لا يطبقون علاجاً عشوائياً على المرضى الذين تزداد احتمالات وفاتهم، بل يصفون علاجاً محدداً للمرضى الذين تزداد احتمالات استجابتهم لهذا العلاج على نحو إيجابي.
وبدلاً من محاولة التنبؤ بما سيفعله العملاء (كمحاولة تحديد خطورة خسارتهم) يجب على خبراء التسويق التركيز على طرق استجابة العملاء على اختلافهم لحملات محددة، ومن ثم تصميم الحملات التي يتوقع أن تتمتع بأعلى فعالية في تخفيض معدل خسارة العملاء ضمن مجموعة معينة. يجب أن تستفيد الحملات من بيانات اختبارات أ/ب ليس من أجل محاولة قياس الفعالية الكلية للحملة بين جميع العملاء بل لاستكشاف أنواع العملاء الذين سيبدون أعلى حساسية تجاه إجراءات محددة. وهذا يعني دمج تفاعلات العملاء التاريخية وبياناتهم الديموغرافية مع البيانات التي يتم جمعها في اختبارات أ/ب من أجل تحديد السلوكيات والخصائص التي تزيد احتمالات تجاوب العميل مع إجراء معين. والشركات لحسن الحظ تجمع هذه البيانات بالفعل، وليس عليها سوى أن تستفيد منها بهذه الطريقة.
إن مفهوم الحملات التسويقية الموجهة ليس بالأمر الجديد، لكن من الضروري أن تفكر بعناية في طريقة صنع قرارات الاستهداف هذه. بدلاً من تخمين العوامل التي قد تشير إلى أن عميلاً ما يشكل هدفاً قوياً، أو التركيز على مجموعة تم اعتبارها ذات أولوية عالية (مثل العملاء ذوي المخاطر العالية)، يجب على الشركات استهداف العملاء الذين سيبدون أعلى درجة من الحساسية تجاه الإجراء الذي تطبقه. ومن أجل تعظيم العائد على الاستثمار يجب على خبراء التسويق التوقف عن طرح السؤال: "هل هذا الإجراء فعال؟" واستبداله بالسؤال: من هم العملاء الذين سيكون تطبيق الإجراءات عليهم فعالاً بأعلى درجة ممكنة؟" ثم وجه الحملات بما يتناسب مع الجواب لـ "منع خسارة العملاء".