أتذكر أول مرة شعرت فيها بالكبر في السن منذ أكثر من عشر سنوات من الآن. كان ذلك أثناء تناول وجبة الغداء مع فريقي الجديد عندما ذكرت أول أغنية "45" اشتريتها عندما كنت طفلاً. نظرت إليّ إحدى الموظفات التابعات لي، وكانت تصغرني بعشر سنوات، وسألتني متعجبة "ما هي الـ 45؟". فهي لم تر مطلقاً الأسطوانة "الفينيل" المحتوية على أغنية واحدة، فنحن من عوالم مختلفة. وفي نفس الفريق توجد موظفة أخرى تابعة لي أيضاً وتكبرني بثلاثين سنة، أجابت بسرعة على سؤالي عن أول "45" اشترتها، ولكني لم أسمع من قبل عن الأغنية أو المطرب. وفي العامين التاليين لذلك، حدث ما توقعته في الفريق من "مشاكل تفاوت الأجيال". وقد تعلمت بعض الدروس في إدارة الفجوة بين الأجيال.
أهم درس هو أن ترى ما وراء النماذج النمطية، فالاختلافات بين الأجيال أمر واقعي ولكننا نميل إلى المبالغة بشأنها. بعض السلوكيات أو المواقف التي قد تنسبها إلى الاختلافات بين الأجيال تكون ببساطة نتيجة أن أحد الموظفين يختلف عنك في السن والمرحلة العمرية. فقد يكون أداء الموظفة البالغة 23 عاماً متشابهاً بشكل كبير مع الموظفة البالغة 63 عاماً بعد أن تمضي 40 سنة في العمل.
فالعمر والمرحلة لا يفسران كل شيء، وإذا كان لديك أعضاء متعددين في الفريق من جيل الألفية، ستدرك أنه لا الجيل ولا العمر يمكن أن يفسرا الاختلاف بين هؤلاء الأعضاء. فمعظم الاختلافات بين الموظفين لا ترجع إلى الجيل ولا العمر، ولكن إلى شخصياتهم الفريدة. فالاختلافات الشخصية في الجيل الواحد أكبر بكثير من الاختلافات بين الأجيال. خذ بعض الوقت للنظر في كل موظف يتبعك باعتبارهم شخصاً شاملاً – وظيفة خاصة بجيلهم وأعمارهم ومرحلتهم العمرية وشخصيتهم. ولا تقع في خطأ تهميش أحدهم بسبب السنة التي ولد فيها.
بعد ذلك، ابحث فيما وراء النماذج النمطية عن مفاتيح للغز اعتراض أحدهم على أسلوب قيادتك. إذا شعرت بالمقاومة من جانبهم حاول أن تتعاطف معهم بدلاً من الشعور بالإحباط. إذا كنت مديراً لأشخاص أكبر منك بكثير، قد يكون لديهم مخاوف مشروعة من أسلوب قيادتك لأنه ضد ثقافتهم أو يختلف تماماً عما كانت تسير عليه الأمور. وقد تكون مقاومتهم ليس لها علاقة بأسلوب إدارتك على الإطلاق. في حين أنه قد تكون ردود أفعالهم موجهة تجاه شبابك الذي يذكرهم بأن القطار قد تخطاهم في مسارهم الوظيفي، وهذا أمر ليس من السهل تقبله.
أما إذا كنت مديراً لأشخاص أصغر منك، فقد تكون المقاومة لأسلوب قيادتك مختلفة تماماً. ربما يعتقدون أن أسلوب إدارتك بطيء وحذر أو يتسم بالجمود. ولا تتفاجأ إذا كانوا يعتقدون أن وظيفتك تبدو سهلة وأنهم يشعرون بالإحباط من طول الوقت للحصول على المزيد من الفرص. وبغض النظر عن وجهة الفجوة بين الأجيال، اطرح أسئلة مدروسة واستمع بعناية حتى تتعلم من الإجابات. مثلاً: كيف يشعر الموظفون؟ وما الذي يقدرون قيمته؟ كلما زادت هذه المناقشات، زادت قدرتك على فهم الكيفية التي يحكم بها أعضاء الفريق عليك، وما يسببه أسلوب قيادتك ليجعلهم يواجهون أنفسهم.
إن إصدار الأحكام يعد بمثابة الشارع ذي الاتجاهين، فكما يقيّمك الموظفون التابعون لك، فمن المرجح أنك تقيمهم أيضاً. ومن الأهمية بمكان أن تواجه نموذجك النمطي الخاص بشأن اختلاف الأجيال. وإلى أن تتخلص من هذه المفاهيم الخاطئة، سيتخذ التقييم طريق بناء علاقات قوية مع أعضاء الفريق. على سبيل المثال، هل تفترض بشكل تلقائي أن الموظفين الأكبر سناً لديهم ذكاء تقني أقل؟ تبلغ أمي من العمر الآن 84 عاماً، ولكنها عند سن 65 درست النشر الرقمي حتى استطاعت أن تجعل من عملها الخيري أول نشاط في المجتمع يملِكُ موقعاً إلكترونياً. ولذلك تخليت عن فكرة النموذج النمطي للمسنين قليلي الحظ الذين تتملكهم الرهبة من التقنية منذ زمن طويل.
خصص بعض الوقت لتسجيل كل التعميمات والرسومات الكاريكاتورية للموظفين الأكبر والأصغر سناً والتي شكلت انطباعك على مر السنين. وراجع كلاً منها الآن وفكر في كل شخص في فريقك، وبعد المزيد من الفحص ستجد أن هذه النماذج النمطية لا تتلاءم بشكل جيد. وعليك إدارة كل شخص وفقاً لنقاط قوته ونقاط ضعفه المستقلة.
يوجد شيء واحد يمكنك الاعتماد عليه بغض النظر عن العمر، وهو أن الجميع يريدون أن يشعروا بقيمتهم. وإذا كان الأسلوب الذي تدير به أعضاء فريقك الأكبر والأصغر سناً يحمل إشارة خفية أو جلية أنك لا تقدر قيمتهم، فسوف ترى أعراض المشاعر المجروحة: كالمقاومة أو الانفصال أو الغضب أو التمرد. ابدأ بالدخول في مناقشة مع كل شخص مبدياً اهتمامك بأفكارهم. بالنسبة للموظفين الأكبر سناً جرب الاختيارات الآتية: "ما هي رؤيتك حول تطور المؤسسة خلال الفترة التي قضيتها هنا؟"، "بما أنك تعرف ثقافة المكان جيداً، برأيك ما سر النجاح في ذلك التحول؟"، "ما أكثر ما يقلقك بشأن النهج الجديد؟". ثم أنصت جيداً لما ستتعلمه.
أما بالنسبة للموظفين الأصغر سناً، استفد من شبابهم ومنظورهم الجديد: "ما أكثر ما يثير اهتمامك بشأن الانضمام إلى الشركة؟"، "أين رأيت أفكاراً رائعة يمكننا تطبيقها هنا؟"، "ما الذي يمكن أن أتعلمه منك ليساعدني على مواكبة العصر الرقمي؟"، "إذا كنت تستمع بانفتاح، فسوف تسمع أفكاراً يمكنك التصرف بناءً عليها.
ليس الغرض من هذه المناقشات المفتوحة الإيحاء بأن أسلوب مؤسستك للقيام بالأعمال اختيارياً، ليس الأمر كذلك. لكن الغرض هو فهم المقاومة التي يحتمل أن تواجهها والاستفادة من أي مصدر للقوة والدعم يمكنك الحصول عليه. فمثلاً عندما تسأل: "بالنظر إلى ما أخبرتني به وما تعرفه عن الفريق، ما النصيحة التي تقدمها لي لإنجاح هذا الأمر؟"، و"من وجهة نظرك ما نقاط القوة التي تعتقد أن بإمكانك إضافتها للفريق؟"، "وما الدور الذي يمكن أن تلعبه لدعم هذا التغيير؟". كل سؤال من هذه الأسئلة سيعطي الفرصة لشخص معارض للمشاركة بشكل بناء. فمعظم الناس، سواء الصغير أو الكبير، تقل مقاومتهم عندما يرون أفكارهم مفعلة وستبدأ الفجوة في الانسداد.
قد تختار نسبة صغيرة من الموظفين عدم المشاركة. سوف يعارضون أسلوب قيادتك بغض النظر عن محاولاتك. لذا، تعامل مع هذا الأمر مثل أي مشكلة تتعلق بالأداء الإداري، سواء كان الشخص من جيل الألفية أو الجيل إكس أو جيل الطفرة الإنجابية.
لقد حان وقت التوقف عن التفكير في المشاكل باعتبارها "مشاكل اختلاف الأجيال". فإذا كانت تواجهك مشكلة مع جيل بالكامل، فهي مشكلتك وانحيازك الخاص. إذا كان لديك مشكلة مع موظف تصادف أنه من جيل مختلف عنك، فمشكلتك إذاً مع موظف واحد فقط. لقد حان وقت التوقف عن استخدام الأجيال كمبرر للمسافات الموجودة بيننا، والبدء بالتواصل الفعلي لنتقرب جميعاً من بعضنا البعض.