قطع الذكاء الاصطناعي أشواطاً كبيراً من التقدّم، من برنامج "ألفا غو" (AlphaGo) من شركة جوجل الذي هزم في مطلع العام الماضي بطل مسابقة "غو ورلد" (Go World) العالمية لي سيدول بأربعة مقابل واحد، إلى "إيكو" من شركة أمازون، وهو عبارة عن مساعد رقمي يعمل بالأوامر الصوتية. وثمّة تصاعد هائل في هذا التوجّه أيضاً في حقل المبيعات، لاسيما تعامل في ما يتعلق بتعامل مندوبي المبيعات مع الذكاء الاصطناعي الأمر الذي سيساعد في ظهور طرق جديدة بالكامل في البيع. فالشراء، على سبيل المثال، آخذ بالتحوّل نحو العمليات المؤتمتة (أو البوتات bots)، حيث أنّ 15% إلى 20% من إجمالي الإنفاق يتمّ عبر المنصات الإلكترونية. وبحلول العام 2020، سيدير الزبائن 85% من علاقاتهم مع أي شركة دون التواصل مع أي كائن بشري. وقد بدأت الشركات الرائدة بتجريب إمكانيات هذه التكنولوجيات لمعرفة ما بوسعها أن تقدمه للزبائن، وتتمحور هذه التجارب عادة حول العمليات التي تجري في المراحل المبكرة من الصفقات.
كيف يتعامل مندوبو المبيعات مع الذكاء الاصطناعي؟
على سبيل المثال، بوسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي تولي المهام التي تستهلك وقتاً كبيراً مثل المبادرة إلى التواصل مع الزبون المحتمل، ومن ثم تهيئته، والمتابعة معه، والمحافظة على هذه الفرصة. فمثلاً بوسع إميليا، وهي "الوكيل الذهني" كما تسمّيه شركة "آي بي سوفت" (IPsoft) التي طوّرته، تحليل اللغة الطبيعية لفهم أسئلة الزبائن، والتعامل مع أكثر من 27 ألف محادثة في الوقت ذاته وبعدّة لغات.
و"هي" متّصلة بجميع الأنظمة ذات الصلة، فيمكنها لذلك تحقيق النتائج المطلوبة أسرع من أي مشغّل بشري.
وبطبيعة الحال، فالذكاء الاصطناعي نفسه قد يدخل في حالة من الحيرة والارتباك، لكنّ إيميليا تتمتّع بما يكفي من الذكاء لتعرف متى يجب أن تستعين بكائن بشري.
اقرأ أيضاً: 4 طرق تمكّن فرق المبيعات من الحصول على قيمة أكبر من الذكاء الاصطناعي
وجدنا في معرض أبحاثنا الخاصة بكتابنا "نمو المبيعات" أنّ الشركات التي كانت رائدة في استعمال الذكاء الاصطناعي في المبيعات تتحدّث بافتتانٍ عن أثره، بما في ذلك زيادة أعداد الزبائن المحتملين والمواعيد معهم بأكثر من 50%، وتخفيض التكاليف بنسبة 40% إلى 60%، وانخفاض زمن الاتصالات الخاصة بالمبيعات بنسبة 60% إلى 70%. وإذا أضفنا إلى ذلك القيمة المتأتية من تفرغ المندوبين بدرجة أكبر لإتمام الصفقات، فإن جاذبية الذكاء الاصطناعي تصبح أكبر وأكبر.
من الواضح أنّ الذكاء الاصطناعي قد أحدث تغييرات كبيرة. لكن ما الذي تعنيه هذه التغييرات بالنسبة للمبيعات – ومندوبي المبيعات؟
ستتزايد أتمتة أنشطة المبيعات مع مرور الوقت
إن مقولة "موت مندوب المبيعات" هي مقولة تنطوي على مبالغة كبيرة، لكن المستقبل يُنبئ بتغييرات هائلة في طريقة إنجاز المبيعات. وتركّز التغييرات بصورة أساسية على أتمتة الأنشطة وليس الوظائف الشخصية، لكن من المرجّح أن حجم هذه التغييرات سيخلخل بشدة طريقة عمل مندوبي المبيعات.
أجرينا تحليلاً لبيانات مركز ماكنزي العالمي (McKinsey Global Institute) الخاصة بإمكانية أتمتة 2,000 نشاط مختلف في مكان العمل، وأجرينا مقارنة بين المتطلبات الوظيفية والقدرات الحالية لأحدث أشكال التكنولوجيا وأكثرها تقدّماً. وقد وجدنا أنّ 40% من الوقت المخصص لأنشطة المبيعات يمكن أن يؤتمت من خلال توظيف أشكال التكنولوجيا الحالية. وإذا وصلت التكنولوجيا التي تعالج اللغة الطبيعية وتفهمها إلى متوسط الأداء البشري، فإن هذا الرقم سيرتفع إلى47%.
وهنا نشعر بالأسف تجاه مندوب المبيعات المتخصص بقطع الغيار، حيث إن 85% من جميع أنشطة هذه المهنة يمكن أن تؤتمت باستخدام التكنولوجيا المتاحة اليوم. فجمع المعلومات المتعلقة بالزبائن أو المنتجات بهدف تحديد احتياجات الزبائن، ومعالجة تفاصيل عملية البيع أو غيرها من العمليات، وأخذ طلبيات المنتج من الزبائن، وتحضير عقود البيع أو غيرها من العقود تستهلك ما يُقارب من ثلاثة أرباع وقت مندوب المبيعات المتخصص بقطع الغيار – وهي كلها أنشطة يمكن أتمتتها. وفي المقابل، فإن معظم أنشطة مدير المبيعات، التي تشمل اتخاذ القرارات الاستراتيجية، والإشراف على الموظفين وإرشادهم، غير قابلة للأتمتة.
سيظل قادة المبيعات بحاجة إلى "لمسة بشرية"
انصبّ معظم التركيز في مجال الذكاء الاصطناعي والأتمتة على تحديد الوظائف أو المهام التي يمكن الاستغناء عنها. وهذا أمر مفهوم، بطبيعة الحال. ولكن من الواضح أيضاً أنّ قادة ومندوبي المبيعات سيظلون عنصراً أساسياً في عملية المبيعات حتى أثناء تكيّفهم مع العمل مع الآلات.
سيتوجب على هذه "اللمسة البشرية" التركيز بشكل أكبر على إدارة الاستثناءات، وتحمّل حالات الغموض، واستخدام المحاكمة المنطقية، وتحديد شكل الاستراتيجيات والأسئلة التي ستساعد الآلة في تمكينها والإجابة عنها، وإدارة شبكة متنامية التعقيد من العلاقات مع الموظفين، والبائعين، والشركاء، والزبائن.
سوف تكون الأدوات الخاصة بالأتمتة وتعلم الآلة، مثلاً، قادرة على تحديد عدد أكبر بكثير من فرص المبيعات المحتملة، وتأهيلها وتنفيذها بالمقارنة مع ما يمكن لمندوبي المبيعات أن يفعلوه. وبالتالي يجب على مندوبي المبيعات وضع بروتوكولات واضحة للحالات الاستثنائية أو التي تتطلب رفع المسألة إلى مستوى أعلى. هذه البروتوكولات ستساعد في التعامل مع الأوضاع الأكثر إشكالية أو قيّمة، بحيث يضمن مندوبو المبيعات أن لا يفوّت الإنسان الآلي أية فرصة بيع كبيرة.
اقرأ أيضاً: كيف تستطيع فرق المبيعات أن تزدهر في عالم رقمي؟
سيستمر تعلّم الآلة في الارتقاء، ويجب على كبار المسؤولين التنفيذيين أن يوجّهوا هذه التكنولوجيا في الاتجاه الصحيح في المستقبل المنظور. وسوف يتعيّن عليهم التفكير في عدّة أسئلة: ما نوع القرارات التي يجب أن تؤتمت؟ ما أنواع الأتمتة التي ستساعد في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الخاصة بالنمو؟ ما هي المخاطر والتبعات القانونية؟ كيف يمكن إدارة العلاقات بين البائعين والتكنولوجيا وتحقيق التكامل فيما بينها لخلق أكبر قدر من الميزة التنافسية؟
سيؤثر ذلك أيضاً على توظيف مندوبي المبيعات وإدارتهم. فالشخصية المتعاطفة مع الآخرين ستظل أمراً هاماً، ولكن بعيداً عن المهارات التي يمتلكها المندوبون في مجال إدارة العلاقات مع الناس، سيتوقّف نجاحهم على قدرتهم على فهم البيانات وتفسيرها، والتعامل بفعالية مع الذكاء الاصطناعي، واغتنام الفرص بسرعة. وهذا النمط في طريقة عمل مندوبي المبيعات مختلف عن النمط الذي توظف شركات عديدة اليوم مندوبي المبيعات على أساسه.
لا شكّ بأن الآلات قد باتت تنجز الكثير من مهام المبيعات بقدر أكبر من الكفاءة والفعالية مقارنة بنظرائها من البشر، وهي في معرض أدائها لتلك المهام تعزّز رضى الزبون كذلك. وطريقة تعامل مندوبي المبيعات مع الذكاء الاصطناعي هي التي ستحدد شكل مستقبل المبيعات، ومدى نجاحه.
اقرأ أيضاً: