تقرير خاص

كيف يمكن أن نمنح الثقة للتقنية؟

4 دقائق
منح الثقة للتقنية
shutterstock.com/Titima Ongkantong

اعتاد الإنسان منح الثقة للتقنية خلال السنوات الأخيرة، وبالأخص خلال جائحة "كوفيد-19"؛ حيث ازداد الاعتماد على شبكات الإنترنت. فمن الطبيعي استخدام الهواتف الذكية للولوج إلى الخدمات البنكية، ومن المقبول إدارة استثماراتنا عبر الضغط على لوحة المفاتيح عن طريق الأجهزة المحمولة. ونثق بالتقنية لحفظ صورنا وبياناتنا ومعلوماتنا الشخصية وتوثيق أعز لحظاتنا وذكرياتنا مع أحبتنا. ونظراً لهذه الثقة المتزايدة بالتقنية، نجد أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ مــن حياتنا اليومية ونقضـي معهـا في المتوسـط مـا يقارب الست ساعات يومياً. وقد ساهمت التقنية في اختزال سنوات من حياتنا كان يمكن أن نقضيها في الانتظار للحصول على خدمات مهمة مثل الخدمات المصرفية أو الحكومية أو حتى الخدمات الشخصية والتنقل بين الأماكن وغيرها الكثير، فالعالم بوسعه اليوم أصبح على بعد بضع نقرات منا فقط.

الثقة بالتقنية

لقد منحنا التقنية الثقة لأنها مكنتنا من التعامل مع المهام بشكل أسرع وأكثر موثوقية، ولأنها متاحة في جميع الأوقات ولأنها أثبتت قوتها وإمكانية الاعتماد عليها. لكن ثقتنا فيها تنبع من قدرتنا على التحكم فيها؛ فلا نعتبرها منافسة أو عدواً، ولأن بيننا تفاهماً متبادلاً فهي لا تتخذ قرارات مصيرية بالنيابة عنا، لكن في المستقبل القريب، قد لا تكون الأمور كالسابق. ففي الواقع، شهدت العقود الأخيرة تحقيق العديد من الإنجازات في مجال الاستفادة من التقنيات والحلول الرقمية، ما يجعلها تعمل بشكل مستقل عن الإنسان وتنوب عنه في اتخاذ القرارات وتنفيذ العمليات. وأصبح البعض يخشى أن تخرج التقنية عن السيطرة. ولنفهم التحدي الذي نحن في صدده، لنتخيل السناريو التالي: كنت مسافراً إلى أحد البلدان وشعرت بألم –لا قدر الله- واستدعى ذهابك لأقرب مستشفى. تم استقبالك في المستشفى عن طريق خدمة آلية بالكامل. فمن قـام باستقبال الحالة "روبوت آلي" (Robot) أحالك بدوره إلى غرفة أخرى؛ حيث شخص حالتك "روبوت آلي" آخر. وقد كان التشـخيص أن هناك حاجة عاجلة للتدخل جراحياً من أجل الحفاظ على حياتك خال الساعات القادمة، علماً أنه سيتم إجراء العملية عن طريق "روبوت آلي" آخر متخصص أيضاً. هل ستوافق على إجراء العملية وأنت لم تقابل إنسان واحد في كل مراحل التشخيص؟ قد تكون قرأت لوحة وأنت تدخل المستشفى أنهم يستخدمون التقنيات والذكاء الاصطناعي بشكل فعال وأن نسبة دقة التشخيص تصل إلى 93% –هذا رقم حقيقي، وصل إليه الذكاء الاصطناعي اليوم- وهو يفوق متوسط دقة الطبيب المحترف البالغة 71%. ولكن هل هذا مهم؟ هل ستسمح للروبوت الآلي بإجراء العملية؟ هل ستثق بالتقنية لتسلمها حياتك وتحدد مصيرك؟

قد يمر في ذهنك عدة احتمالات يمكن أن تحصل بشكل سيئ. ماذا لو توقفت الكهرباء عن العمل في أثناء العملية؟ ماذا لو تم اختراق أنظمة هذا المستشفى وتم التلاعب ببيانات المرضى أو بإعدادات هؤلاء الآليين؟ ماذا لو كان الألي مخطئاً ببساطة!

ولو كنت مختص بالتقنية يمكن أن تتساءل ماذا لو كان تشخيص الروبوت مبني على ما تعلمه من إصابات مشابهة لكن جمعيها محلية من نفس هذه الدولة التي تزورها وأنت قادم من دولة أخرى. هل ما زال التشخيص بنفس الدقة؟ وكما تعلم أنه لا يوجد لديهم بيانات مرضية سابقة لك. هل يملك الروبوت القدرة على اتخاذ رد فعل مناسب لكل ما يمكن أن يحصل خلال العملية أو خلال أخذ الأدوية وهو لا يعلم التاريخ المرضي الخاص بك؟

الأركان الأساسية للثقة بالتقنية

الثقة هي حالة عقلية عند الإنسان ينتج عنها الاعتمادية والقبول، حين تثق في التقنية، فأنت تقبلها وتعتمد عليها. في مثالنا السابق، إذا وثقت بالتقنية ستقبل بإجراء العملية وإذا لم تثق لن تجري العملية. لكن يبقى السؤال كيف يمكن أن نتأكد من موثوقية التقنية واعتماديتها؟ هذا السؤال هو في صميم عمل شركة مثل "هواوي" التي تقدم حلولاً تقنية مختلفة لشتى القطاعات مثل القطاعات الحكومية والاتصالات والبنوك والقطاع الصحي وغير ذلك. لذا نحن كل يوم نسعى للتأكد من أننا ما نقدمه لعملائنا هي خدمات موثوقة ويمكن الاعتماد عليها.

إن الثقة بالتقنية هي صميم عمل مختصي الأمن الإلكتروني ويتم التركيز فيها على ثلاثة أركان أساسية:

الأول: الحفاظ على وجود التقنية وعدم تعطلها (Availability).

الثاني: الحفاظ على سلامة البيانات والإعدادات وعدم تعرضها للتلاعب (Integrity).

والثالث: حماية البيانات وأن يكون الوصول إليها للمصرح لهم (Confidentiality).

لكن الوصول إلى ذلك عملية معقدة لا تستطيع أي شركة أو جهة أن تقوم بها بنفسها من دون التعاون مع الآخرين. إنها عملية تستلزم أن يقوم كل طرف بمسؤوليته على أكمل وجه حيال الحفاظ على أمن التقنية واعتماديتها

كيف يمكن الحفاظ على أمن التقنية واعتماديتها؟

يجب على الدول الاتفاق على استبعاد البنى الحيوية التقنية من الحروب ومن محاولات التجسس أو التلاعب بها لضمان بقائها لصالح الإنسان. ويجب على مشرعي التقنية أن يضعوا سياسات تقنية عادلة قائمة على التأكد من الحقائق ولا تجعل الثقة معتمدة على معايير سياسة أو غير تقنية. ويجب على مبتكري التقنيات العمل على الوصول لمعايير موحدة لأمن وموثوقية التقنية من أجل ضمان سلامة المعدات والبنية التحتية ثم تطبيقها والقبول بطرف ثالث للتأكد من التزامهم بذلك. ويجب على مشغل التقنية التأكد من معايير الأمن الإلكتروني في مراحل التشغيل من حين استلام المعدات إلى تنفيذ المشاريع وخلال مرحلة التشغيل وما يتلو ذلك من التخلص من المعدات والبيانات التي تحتويها. وما يكون بالتوازي مع كل ذلك من الحفاظ على خصوصيات المستخدمين والالتزام بالمعايير المحلية والدولية في هذا المجال.

ويجب على مطوري التطبيقات التأكد من سلامة وأمن الخوارزميات والتشفيرات المستخدمة والحفاظ على البيانات بشكل موثوق وآمن وإجراء الاختبارات للتطبيقات عن طريق طرف ثالث. ويجب على مطوري تطبيقات الذكاء الاصطناعي التأكد من صحة وعدالة وأمن نتائج تلك التطبيقات والبعد عن التحيزات وجعل الإنسان في صميم عملها.

ونحن في شركة "هواوي" نعمل كل يوم للتأكد من موثوقية وأمن التقنية وذلك بتحقيق الشراكة مع المشرعين أو مشغلي ومطوري التقنية أو مستخدميها وذلك عبر الابتكارات المتطورة كالجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء، وذلك إيماناً بأن الثقة بالتقنية ستساهم في قدرتنا على تعزيز مستويات الإنتاجية والكفاءة وتحسين أوجه الاستدامة وتحقيق قيم حقيقية جديدة ومميزة للبشرية عبر العمل بأعلى معايير الأمان والموثوقية في كل مراحل تصنيع وعمل التقنية من خلال التأكد من ذلك بأنفسنا أو من طرف ثالث أو حتى من خلال إتاحة التقنية لمجتمع الأمن السيبراني لاختبارها والإبلاغ بطريقة رسمية ومسؤولة عن أي نقاط تحتاج إلى تعديل.

إن ثقة الإنسان بالتقنية هـي امتـداد لتعريفه بالثقة بيـن البشر. فحتى يكون الشخص جديراً بالثقة يجب أن يكون صادقاً وأن تعكس أفعاله أقواله ويمكن الاعتماد عليه بغض النظر عن جنسه أو لونه أو عرقه. ووجود نظام تقني موثوق يعني وجود نظام مفتوح متعاون قائم على معايير ُمحددة يمكن اختبارها للتأكد من صدق مطوريها وإمكانية الاعتماد عليها بغض النظر عن جنسية من طورها. فالاختبارات المحايدة هي مـن يحدد أمن وموثوقية تلك التقنية. وينبغي لجميع الأطراف العاملة في التقنية إدراك أهمية التعاون المنفتح البناء لتطوير تقنية موثوقة وآمنة لتحقيق قيمة دائمة وعادلة ومشتركة لجميع الدول. فاليوم، نستفيد جميعاً من التقنيات دون معرفة موثوقة بالشخص الذي قام بتطويرها أو في أي بلد تم ذلك، ما يساهم في نهاية المطاف إلى تمكين البشر، وإثراء أنماط الحياة، والمساهمة في تحقيق مجتمع متصل وذكي وآمن.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي