ثمة ضجة عارمة جداً نسمعها حول الشركاء الذكور. فالحوارات والدراسات والعروض التقديمية المختصة بالموجهين والرعاة تتناول دائماً على وجه التقريب كيف أن القادة الرجال بوسعهم مد يد العون للنساء. وهذه الروايات مهمة وضرورية بطبيعة الحال عند الحديث عن صفات المشرف الناجح. لكنها تقدم أيضاً تعريفاً ضيق الأفق للقيادة، حيث تصور الرجال بصورة الأبطال في القصة التي تحتاج فيها النساء إلى المساعدة. وبينما أشارك أنا أيضاً الأمثلة عن الشركاء الذكور وأساعد على تسليح الرجال بحيث يصبحون أنصاراً للنساء، فقد بدأت أشعر بالضجر من هذا التصوير أحادي الجانب المتعلق بمعايير اختيار المشرف.
فوائد توجيه الإرشاد للنساء والرجال
والواقع أنه كما تستفيد النساء من الموجهين والرعاة والشركاء الرجال، يجني الرجال أيضاً الكثير من إرشادات النساء وقيادتهن ورعايتهن. غير أن القصص المتعلقة بالقادة من النساء تكاد تكون شحيحة وكثيراً ما تركز بشكل يشوبه ضيق الأفق على كيفية مساعدة النساء بعضهن بعضاً. وحتى الأمثلة على القائدات ذوات الأثر الإيجابي على المسيرات المهنية للرجال وأعمالهم أكثر ندرة. يعزز هذا الاختلال في التوازن التحيز السلبي تجاه قدرة النساء على القيادة، ويساهم في ندرة النساء في المناصب القيادية.
وحقيقة الأمر، هناك بالفعل أمثلة على قائدات يوجهنّ الرجال ويتعهدهنّ بالرعاية ويستثمرنّ فيهم ويطورنّ أعمالهم. فقد أهّلت كارول تومي المديرة المالية المتقاعدة مؤخراً لمتاجر "هوم ديبوت" (Home Depot) خلَفَها، ريتشارد ماكفايل ودربته. وخلف رامون لاجوارتا إندرا نوي في شركة "بيبسي"، ذاكراً أنها موجهته ومرشدته. وفي مجال الأغذية، من الشائع أن نرى امرأة تدير أعمال رئيس طهاة ذائع الصيت. مارغريت زابار ماريسكال هي الرئيسة التنفيذية لموموفوكو غروب (Momofuku Group) التي يملكها رئيس الطهاة ديفيد تشانغ، والبالغة إيراداتها السنوية مائة مليون دولار. وكيمبرلي غرانت هي الرئيس لمجموعة "ثينك فود غروب" (ThinkFoodGroup) لصاحبها خوسيه أندريس، وتدير المجموعة مطاعم في ثماني مدن. وشَغَلت لويس فريدمان منصب رئيس مجموعة مطاعم "جين جورجيز فونجريتن" (Jean-Georges Vongerichten) لأكثر من ثلاثة عقود.
المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالنساء القائدات
ولكي تجني الشركات والاقتصادات والناس المنافع المثبتة المترتبة على الفرق القيادية الموازِنة بين الجنسين، علينا محو المفاهيم الخاطئة الملحّة المتعلقة بالنساء كقائدات. ومن بين سبل إنجاز ذلك رصد وسرد القصص عن كيفية استفادة الرجال من القائدات الإناث. وبحسب ما جاء على لسان د. أليس إيجلي، أستاذة علم النفس المتخصصة في دراسة الصور النمطية: "يمكن أن تتغير الصور النمطية عندما يتلقى الناس ملاحظات جديدة. وهذه الصور النمطية تتشكل نظراً لما يعيشه الناس في حياتهم اليومية من تجارب، وما تقع أعينهم عليه".
انطلاقاً من هذه الروح، أردت أن أشارككم القليل من التجارب التي نقلها لي رجال ونساء عملت معهم ودربتهم وارتبطت بهم في شتى أنحاء البلاد. وهم يختلفون من حيث أعمارهم وأعراقهم ومراحل مسيراتهم المهنية، ويعملون في مجالات تتفاوت ما بين رأس المال المغامر (أو ما يسمى برأس المال الجريء) والخدمات المالية والمعمار والأعمال الدبلوماسية والقطاع غير الربحي. (الأسماء الأولى فقط ذُكرت نزولاً على رغبة أصحابها). وتبين قصصهم كيف أن القائدات من حولنا في كل مكان وكل يوم يستثمرن في الرجال ويمددن إليهم يد المساعدة كي يتطوروا في مسيراتهم المهنية وأعمالهم.
اقرأ أيضاً: المنافسة بين الموظفين
لننظر إلى غلوريا بيس كينغ التي ساعدت تروي روبنسون على التكيف مع محل العمل بصفته قائداً من أصحاب البشرة السوداء. قال تروي الذي عمل تحت إمرة غلوريا لثلاثة عشر عاماً: "كانت غلوريا متطلبة ومؤثرة، وهما صفتان ليس من المفترض أن تتحلى بهما النساء، خاصة ذوات البشرة السوداء في الجنوب. وكثيراً ما كانت غلوريا المرأة الوحيدة، والشخص صاحب البشرة السوداء الوحيد، في غرفة تعج برجال بيض البشرة متحمسين جداً للبحث عن صدوع في درعها. كانت تقول: "لقد شغلت هذا المقعد لأنني أستحقه. لو استحققتم مقعداً حول الطاولة، فطالبوا به، ولكن كونوا متأهبين". لقد كانت تتحلى بالشجاعة والجرأة، وها أنا قد ورثت عنها مثابرتها وإصرارها".
أو لننظر إلى بيث، رئيسة قسم السوق في واحد من البنوك الإقليمية، التي اكتشفت طريقة لتعزيز مَوَاطن قوة مسؤول الإقراض التجاري على نحو أخفق فيه أقرانها الذكور. قالت بيث: "اعتُبر أداؤه متدنياً، وأسقطه القادة الذكور في البنك أساساً من حساباتهم، وتُرك ليتوصل وحده إلى طريقة للوفاء بأهدافه المرصودة له". حددت بيث مكمن مواهبة وخبرته، والجوانب التي عززت فيها مَواطن قوته مَواطن قوتها. وأعادت هيكلة دوره بحيث يستطيع أن يسهم إسهاماً إيجابياً في البنك. وأوضحت قائلة: "نعمل الآن أنا وهو بانسجام وتواؤم وعن كثب. ولقد ساقنا تعاوننا ومزيج مهاراتنا إلى جذب عملاء جدد، وتقديم خدمة أفضل إلى عملائنا الحاليين. وعادت التجربة بالنفع عليه وعليّ وعلى البنك".
أوضح جون وايتيكر، المهندس المعماري والمرشح للحصول على درجة الماجستير من "كلية سام فوكس للتصميم والفنون المرئية" (Sam Fox School of Design and Visual Arts) التابعة لجامعة واشنطن في سانت لويس، أنه على العكس من رؤسائه الذكور السابقين، لم ينصب تركيز جاكلين، المشرفة على أطروحته، على المنافسة أو تحصيل معارف أكثر من زملائي. "لم أحظَ بمديرة أو مرشدة في حياتي من قبل حتى العام الماضي. وعلى النقيض مما اعتدت عليه تحت إمرة الرؤساء/ الموجهين الذكور، أثبتت لي جاكلين أنه عندما نتعلم مع الآخرين، ونشاطرهم معارفنا، فإننا ننجح معاً".
ووصف لي أيضاً كيف علمته جاكلين إدارة المتطلبات الشخصية والمهنية. "لقد تعاملَت مع الناس على علّاتهم، وتعاونت معهم بتعقيداتهم كلها، فتقبلت جوانبهم الشخصية والمهنية على حد سواء بمنتهى الصراحة"، هكذا أخبرني وايتيكر. "لدي ابن في الثانية من عمره، وتشجعني جاكلين على جلبه إلى الاستوديو متى اقتضت الحاجة لأن زوجتي تسافر للعمل في الخارج".
ظلت دارسي هو العضوة المؤسِّسة والمستثمرة في شركة "ويمنز كابيتال كونيكشن" (Women’s Capital Connection)، تستثمر في الشركات ذات القيادات النسائية لأكثر من 10 سنوات. ولكن، بصفتها مستثمرة مغامرة، ومؤسسة ومديرة إدارية في صندوق "كيه سي رايز" (KCRise Fund)، فقد استثمرت أيضاً في 23 شركة يديرها رجال. وكان ما تعلمته عن الطريقة التي ينظرون بها إليها كاشفاً. قالت لي: "إن ما أخبرني به رواد الأعمال الذكور عن طريقتي المختلفة في الإنجاز هو أنه على الرغم من أسلوبي المباشر، شأني شأن مستثمريهم المغامرين الذكور، فإنني أصرح بقلقي بالتعاطف مع مدى مشقة الأمور بالنسبة لهم. "كما أنني أصل بينهم وبين غيرهم من الممولين والشركات والخبرات والمدربين والموارد التي يحتاجون إليها كي ينجحوا. ويشجعهم النهج الذي أتبعه، ويطورهم بحيث يستطيعون المثابرة وتنمية أعمالهم".
وأخيراً، لدينا إيوان ماكدوجال، ضابط البحرية السابق الذي أمسى دبلوماسياً، ووصف تجربته في العمل لصالح السفيرة الأميركية السابقة ماري يوفانوفيتش بكل إعجاب وتقدير. قال لي: "يحدوني الشك حينما أنسب أوجه اختلاف في أساليب المدراء الذي عملت معهم إلى جنس كل منهم، لكنني على يقين من التالي: السفيرة ماري يوفانوفيتش أعظم قائدة ومسؤولة دبلوماسية عملت معه على الإطلاق، وأكثرهم إبهاراً. فعقلها يعمل بوتيرة لا يستطيع مواكبتها إلا القلائل. ومع ذلك، دائماً ما كانت تبذل مجهوداً خارقاً للعادة لبناء فريق يشمل للجميع. وأنا أسعى بكل ما أوتيت من قوة للاقتداء بتميزها بوصفها قائدة شاملة متأهبة تماماً وتستغل الإمكانات الكاملة لكل عضو من أعضاء الفريق، وتهتم بشأن كل فرد، وكذلك بالمهمة ككل. وأعلم تمام العلم أن هذه الخصال ستفيدني جداً طوال مسيرتي المهنية".
إن هذه القصص وغيرها الكثير يمكن أن تساعد على تغيير الرواية القائلة أن النساء وحدهن هنّ اللاتي بحاجة إلى دعم الرجال ليحققن النجاح، ما يعني تغيير معايير اختيار المشرف. الجميع يحتاج إلى مرشدين وراعين وقادة في مسيراتهم المهنية. أجل، إننا بحاجة إلى رجال يرعون النساء ويساعدونهن على التقدم، وكذلك إلى نساء يقمن بالمهمة نفسها لبعضهن البعض. لكن، آن الأوان أن نقص المزيد من قصص الرائدات اللاتي يطورن الرجال ويدعمنهم ويطورنهم بسبلٍ غير متوقعة ومؤثرة أيضاً، وبهذه الطريقة سنتمكن من تحديد صفات المشرفين الناجحين.
اقرأ أيضاً: