مناقشة الأخلاقيات عبر الثقافات المختلفة

3 دقائق
الأخلاقيات عبر الثقافات المختلفة

قبل بضع سنوات، كنت أُدرّس برنامجاً ليومين عن الأخلاقيات عبر الثقافات المختلفة مثل الأخلاق في الهند لرواد الأعمال والعاملين في كلية إدارة الأعمال الذين يدرّسون مادة ريادة الأعمال. وكان برنامجاً أمضيت سنوات في تنقيحه بانيةً على الأبحاث التي تقترح بأن التدريب — بما يقتضيه من كتابة مُسبقة وممارسة للصوت وتدريب الأقران — وسيلة فعالة لبناء ذاكرة لضبط النفس والكفاءة والثقة بالذات واكتساب عادة التصرف على نحو أخلاقي. وبدلاً من الوعظ والتظاهر، أردنا الانخراط في الوقائع اليومية التي تخلق ضغوطاً للتصرف على نحو أخلاقي حتى عندما يعرف الموظفون كيف يتصرفون بطريقة أفضل وتكون هذه غايتهم.

بدأ البرنامج في دلهي، مثل كثير من تلك البرامج: مجموعة من المشاركين الودودين ولكن المتشككين جلسوا عاقدي أذرعهم وتعلو وجوههم ابتسامة متكلفة واسترخوا في مقاعدهم. وعندما استطعت في نهاية المطاف إقناع أحدهم بالتعبير عما يجول بخاطره قال: "سيدتي، إننا سعداء جداً بوجودك بيننا والاستماع لما لديك بخصوص الأخلاق والقيم في محل العمل. لكننا في الهند ونحن رواد أعمال ولا يمكننا حتى الحصول على رخصة قيادة بلا رشوة".

اقرأ أيضاً: التعامل مع المواجهات الحاصلة ضمن الفرق المتعددة الثقافات

لقد أثار قضية عانيت منها كثيراً عندما وضعت البرنامج، ألا وهي "التعبير عن القيم". كانت غايتي تبني نهجاً جديداً نحو تنمية القيادة المدفوعة بالقيم؛ تنمية تمثل انحرافاً تاماً عن الطريقة التي عكفت بها الشركات والملقنون على تعليم أخلاقيات العمل. لسنوات طويلة استند التدريب في هذا المجال إلى فرضية أن الطريقة المثلى لبناء مكان عمل أخلاقي هي تلقين الموظفين القوانين والأعراف الأخلاقية وقيم الشركة بحيث يمكنهم تقرير "الصواب" الذي يتعين عليهم فعله في أي موقف محدد. لكنني أمسيت مقتنعة على نحو متزايد بأن كثيرين يعرفون بالفعل الصواب – بل وكثير منهم حتى أرادوا فعله – لكنهم أحسّوا بضغوط تملي عليهم العكس من البيئة التنافسية وزملائهم ومدرائهم وعملائهم، وغالباً، كما أوضح ذلك المشارك في برنامج دلهي، من السياق الثقافي الذي يعملون في إطاره.

كيفية بناء الأخلاقيات عبر الثقافات المختلفة

وقد تعلمت أنه بمشاركة أسلوب "التعبير عن القيم" مع الجمهور حول العالم — في الهند ونيجيريا وجنوب أفريقيا وغانا والصين والفلبين والإمارات العربية المتحدة والقاهرة وموسكو وكوستاريكا والأرجنتين والأوروغواي وأستراليا وشتى أرجاء أوروبا — أن هناك سبلاً أساسية لبناء محيطات عمل أخلاقية عبر الثقافات المختلفة.

أولاً، من المهم الإقرار بواقع السياق

فقد أراد رواد الأعمال الهنود مني التدليل على فهمي للضغوط التي يواجهونها يومياً. وجمهوري في بقاع أخرى من العالم – ولا سيما في أجزاء من قارة آسيا – بحاجة إلى الإقرار بالتركيز الشديد على احترام السلطة. فمن دون هذا الإقرار، سيبدو أي نقاش للقيم في محل العمل منفصلاً عن الواقع في أحسن الأحوال وضرباً من النفاق في أسوأها. ولكن، كما نُقر بتلك الوقائع، فإننا نعترف أيضاً بأن هذا لا يعني أن الأفراد في منطقة بعينها سعداء بدفع رشاوى مثلاً أو أنهم راضون عن كبت مخاوفهم.

ثانياً، بدلاً من البدء بمقولة "إليكم القيم التي ينبغي أن تتحلو بها"

ابدأ بمقولة "أعرف أنكم تتحلون بالقيم بالفعل وأود مساعدتكم في وضعها موضع التنفيذ". وبتعبير آخر، ابدأ من موقف احترام وتماسٍ مع ما يطمحون إليه. لم يكن رواد الأعمال الذين قدمت لهم استشاراتي في دلهي سُعداء بالضغوط التي واجهوها، ولكن بتمكينهم من الإقرار بواقعهم ومبتغاهم، منحتهم مساحة للتفكير في سبل أخرى للتصرف.

اقرأ أيضاً: 3 طرق لتحديد الاختلافات الثقافية ضمن أي فريق عالمي

ثالثاً، أعطِ الناس فسحة وجدانية بعيداً عن القضايا المطروحة

فلا تسأل الموظفين: "ماذا يمكنك أن تفعل؟"، بدلاً من ذلك، شاركهم حالة متعلقة بثقافة معينة واسألهم "ماذا لو كنتم بطل هذه القصة الذي قرر بالفعل (الصواب) من وجهة نظره وأراد أن يفعله؟ كيف لكم فعل الصواب؟". هذا السيناريو يحررهم من الحاجة إلى التبرير أو الدفاع عن ترددهم في التصرف. وما أن يضعوا نصاً مقبولاً وواقعياً أو خطة عمل لبطل الحالة المتخيلة، سيشعرون بمزيد من التمكين للتفكير فيما يمكنهم فعله بأنفسهم.

رابعاً، اضرب أمثلة واقعية لأناس تصرفوا على نحو أخلاقي في سياق الثقافة التي يجري فيها الحوار

فهم بحاجة إلى الإيمان بأن التصرف على نحو أخلاقي ممكن هنا بحيث يمكنهم البدء في الإحساس بالفخر بتلك الثقافة. في برنامجي مع رواد الأعمال الهنود وهيئة التدريس، أثار هذا المثل أيضاً إحساساً صحياً بالمنافسة: "إذا استطاع أن يفعل ذلك، فكذلك سنستطيع نحن!".

وأخيراً، من المهم إيضاح النحو الذي سيُترجم إليه الإقدام على الفعل

فقد يقتضي طرح سؤال وكتابة مذكرة وإجراء بحث ما وإضافة بعض المعلومات الإضافية للنقاش، أو قد يتطلب محاولة التوصل إلى الشخص الذي يُنصت إليه حقاً صانع القرار باعتباره وسيلة للتأثير في الشخص الفيصل في قضية ما.

ومن المفيد مساعدة الموظفين على صياغة الحجج وإعادة تأطير المشكلات بطرائق لا سبيل للفكاك منها على نحو محترم حقاً سوى بالتأكد من إعلام مشرفيهم بالكامل بجميع المعلومات والحجج ذات الصلة بدلاً من تركهم دون إعداد. وبتعبير آخر، التصرف على نحو أخلاقي لا ينبغي أن يقتضي تحدي رئيسك في العمل.

إن التعبير عن القيم وتطبيقها — ولا سيما عبر الثقافات المختلفة — لا يعني عادةً الإعراب عن غضبنا وثورتنا، بل يعني أغلب الظن إيجاد طرائق مبتكرة لإعادة صياغة القضايا مع الإقرار بالسمات الواقعية والمحببة عادةً للثقافة التي يعمل المرء في سياقها واحترام تلك السمات. وعليك أيضاً التحلي بالصبر بحيث تستوعب أن التغييرات المنتظمة تقتضيها الحاجة غالباً غير أن الحاجة للتغيّر المنتظم لا يُسوِّغ التخلي عن الإمكانات والمسؤولية وقوة الفرد.

وكما هو حال جميع الأخلاقيات عبر الثقافات المختلفة، حان الوقت للنأي عن فكرة أن الشجاعة الأخلاقية هي كل ما يتطلبه الأمر والإقرار بأن الكفاءة — كما في أي تحدٍ عملي آخر — وأعني الكفاءة الأخلاقية في هذه الحالة — هي عامل النجاح المحوري.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي