من أهم دعائم القيادة الشمولية التنوع والإنصاف والشمول، التي كانت محور النقاش في مؤتمر الجمعية الأميركية لعلم النفس الصناعي والتنظيمي (SIOP) الذي عُقد مؤخراً في بوسطن. ويكاد يكون المؤتمر الوحيد الذي يجمع بين الأكاديميين والممارسين والمستشارين لمناقشة آخر الدراسات والأبحاث وتحويلها إلى أفضل الممارسات التي يُوصى بتطبيقها لتطوير بيئات الأعمال وخلق مؤسسات صحية تساعد على تطوير كل من الموظف والمؤسسة. ومن خلال حضوري لهذا المؤتمر للعام الثاني على التوالي لفت انتباهي توجه كبرى المؤسسات إلى تبنّي واحد من أبرز أساليب القيادة الحديثة وهو ما يُعرف بالقيادة الشمولية. فكان الحديث عن التنوع والإنصاف والشمول من أهم أجندة المؤتمر لهذا العام.
ما القيادة الشمولية؟
من المتعارف عليه في عالم الأعمال، أن الموظفين لا يستقيلون بسبب أعمالهم، ولكن يستقيلون بسبب رؤسائهم، لذلك فإن القيادة الضعيفة هي السبب وراء ترك الموظفين مقاعدهم. وتشير الأبحاث والدراسات إلى أن القادة الشمولين يستخدمون لغة توضح الخبرة في المواضيع التي يطرحونها بنسبة 21%. أيضاً، كورن فيري واحدة من كبرى الشركات الاستشارية نشرت في أحد تقاريرها أن المؤسسات التي تستخدم نموذج القيادة الشمولية تتمكن من الاستحواذ على أسواق جديدة بنسبة 70%، وعلى الرغم من ذلك فإن القادة الشموليين المهرة نادرون في الواقع؛ إذ يظهر التقرير أنه يمكن تعريف 5% فقط من القادة على مستوى العالم بأنهم يطبّقون ممارسات النهج الشمولي في قيادة الأعمال.
إن مفهوم القيادة الشمولية لا يعتمد على الأفراد فقط، بل على المؤسسات أيضاً. فهي مبادرات يتم تطبيقها من عدة إدارات، مثل الموارد البشرية، الفعالية التنظيمية، الثقافة التنظيمية وغيرها، للقيام بالدور المنوط بها لأداء المهام بفعالية وكفاءة. أما تطبيق القيادة الشمولية من قِبل القائد فيعتمد على التنوع واحتواء الأفكار والتقبّل وعدم التحيز لأي فكرة ضد الأخرى. فهو مؤمن بجميع السيناريوهات المتاحة من قبل الموظفين ويعمل على مبدأ التنوع الذي يقبل الأفكار، وبالتالي فإن القيادة الشمولية هي نوع من الإدراك الذي يحتضن جميع الاختلافات الممكنة.
بغض النظر عن مجال المؤسسة التي تنتهج مبادئ القيادة الشمولية، فإنها تساعد على تطوير المؤسسات والفِرق المختلفة وتدفع للحفاظ على المرونة عند التنفيذ، ما يتيح مخرجات متنوعة قادرة على الوصول إلى تطبيق الأفكار التي من شأنها الحفاظ على المواهب وأصحاب الأفكار الخلاقة.
ميزات القيادة الشمولية
تمكين الأفراد من الشعور بالحرية
يكون ذلك عن طريق إتاحة الفرصة للعاملين في المؤسسات في إظهار ذواتهم الحقيقية وتقبّل أفكارهم التي يطرحونها على اختلاف ثقافاتهم وتنوع مستوياتهم الأكاديمية وخبراتهم العملية، فهم مصدر القوة حينما يشعرون بأن صوتهم مسموع وقيد المناقشة. ما يؤدي إلى صقل التجربة المهنية وبلورتها بما يتقاطع مع الخطط والاستراتيجيات العامة للمؤسسات ويشمل ذلك الموظفين وأصحاب المصلحة وكذلك العميل، حيث إن احتواء جميع الأفكار هو ما يعكس النتاج الهائل من العقول التي تستطيع أن تقدم قيمة مضافة ومنفعة تساند التوجهات العامة في تحقيق إدارة المنافع.
المرونة في تحمل المخاطر
هل هناك أفكار جديدة لا يوجد بها مخاطر؟
إن الانغلاق على الأفكار يقصي الابتكار المؤسسي والإبداع؛ لذلك تحمُّل الأفراد للمخاطر ينتج عنه قدرة عالية نحو تقدير تلك المخاطر وتجاوزها لينتج عنها مزايا إيجابية للمؤسسات من رفع العوائد على الاستثمار ودعم الرؤى الخلاقة التي تصنع التميز المؤسسي. بناءً على توفير الفرص التي تتناسب مع تطبيق الأفكار لصناعة التغيير، واستغلال جوانب القوة في تقدير الأفراد وإعطائهم الثقة الكاملة في المساهمة في صناعة القرار.
العدالة المقترنة بالإنصاف
الإنصاف القائم على العدل هو أساس متين للبيئة الصحية، لذلك فإن إنصاف الكوادر البشرية في المؤسسات يقوي العلاقات بين الفريق المتنوع وينمّي ثقافة الولاء وإعطاء الموظفين حقوقهم وتمكينهم من أخذ زمام المبادرات نحو أفكارهم التي تنصّب إلى صالح المؤسسة، وينتج عنه تحمل المسؤولية الذي يعمل على كسب الثقة للأداء الأفضل لجودة ضمان عمل مستدام يقوم على العدل في توزيع الفرص المناسبة للجميع.
أمثلة على القيادة الشمولية
تنمية الوعي الاجتماعي في مكان العمل
من خلال التعرف على الموظفين وتسهيل أنشطة الفريق الشمولية، فمثلاً عن طريق تقدير الموظف بالمؤسسة وإبراز خبراته ومهاراته ودوره في المؤسسة، أو إرسال إيميل ترحيبي للموظف الجديد ومشاركته مع العاملين في المنشأة، حيث يعزز من تنمية الوعي الاجتماعي بين العاملين في المؤسسات ويبعث رسالة بأن هذا الموظف الجديد أصبح جزءاً من كيان المؤسسة بغض النظر عن جنسه أو لونه أو أي اختلافات أخرى.
الاعتراف بالتحيزات الشخصية ومعالجتها
تقديم الدورات التدريبية التي تناقش التحيزات الشخصية وعمل ورش عمل متخصصة بالعصف المهني لتمكين الأفكار المختلفة من الظهور ومن ثم تطبيقها على الجانب العملي هو أحد الأساليب والممارسات في الحد من التحيزات الشخصية، كما أن تخصيص صندوق يستطيع فيه الموظفون كتابة أي فكرة دون توضيح أسمائهم يسهم في إخراج جميع التحيزات المخفية التي قد لا يدركها القائد الشمولي مع ضرورة تبني الأسلوب الفعال في أخذ المقترحات على محمل الجد من خلال الإدارة التنفيذية القائمة على التمكين الشمولي في القيادة.
خلق مساحات آمنة للتواصل
إن وجود مساحة من حرية طرح الآراء وإنصافها وتقبّلها يساعد في عدم التردد في طرح أي فكرة عن طريق جميع القنوات التواصلية المتاحة سواء عن طريق الإيميل أو الاتصال أو الاجتماع. لا بد أن يكون أعلى الهرم متقبلاً ومنفتحاً للأفكار عبر تبنّي نموذج القيادة الشمولية مع مكاتب مشتركة ومفتوحة للموظفين. مع إتاحة الفرصة لهم وتمكينهم من إبداء الأفكار لأي مستوى قيادي والشعور بتلك المساحة الآمنة للتواصل وبالتالي المزيد من العطاء المهني.
المساواة في الأجور والشفافية الهيكلية
من الممارسات المهمة في القيادة الشمولية هو تقدير الجميع بناءً على تراكم الخبرات والتنوعات المهنية، لذلك فإن عنصر المساواة هو جزء لا يتجزأ من القيادة الشمولية كما أن وضوح الهياكل التنظيمية أمام الجميع يساعد في بناء طموح الموظف للنمو المهني وارتقاء السلم الوظيفي ويحفز الانتماء المؤسسي بناءً على تساوي الأجور بين الموظفين ما يمنحهم الثقة والتقدير ويضع على عاتقهم تحمل المسؤولية والأمانة دائماً.
مؤسسات وشخصيات عربية تتبنى القيادة الشمولية
أحد النماذج التنظيمية الناجحة في تطبيق القيادة الشمولية هو شركة أرامكو السعودية، إذ تتسم بيئة العمل في عملاق النفط بثقافة قائمة على جذب المواهب المتنوعة وتطويرها ورؤية الفروق الفردية كفرص للابتكار والنمو. وعلى مدى سنوات طويلة، أنشأت الشركة برامج ومبادرات في مجالات متنوعة ضمن إطار التنوع والإنصاف والشمول مثل برنامج "المرأة في الأعمال التجارية"، و"برنامج الإرشاد"، بالإضافة إلى برنامج "شركة متنوعة وشاملة للجميع" وغيرها من البرامج التي تُعنى بمسؤوليات متفرقة ولكن ذات صلة بخلق بيئة أكثر شمولية. يُذكر أن أرامكو السعودية أطلقت مبادرة منظمة منطقة الخليج للمرأة، التي تسعى إلى تعزيز الفرص المهنية للمرأة. هذه الجهود ما هي إلا جزء من الحراك الكبير الذي تشهده المملكة للوصول إلى مستهدفات رؤيتها 2030 التي تقوم على تعزيز الانصهار الثقافي والاجتماعي، بالإضافة إلى تمكين المرأة وإبراز جهودها في المشهد العام.
وتُعد الشيخة لبنى بنت خالد بن سلطان القاسمي مثالاً فريداً للقائد الشمولي، إذا كانت أول امرأة تشغل منصباً وزارياً في الإمارات العربية المتحدة عندما تم تعيينها وزيرة للاقتصاد في عام 2004، لتفتح الباب على مصراعيه للمرأة الإماراتية للمشاركة في صنع القرار والمساهمة في نهضة بلادها. عُرف عن الشيخة القاسمي تمكينها الدائم للمرأة العربية، بالإضافة إلى حرصها المستمر على تعزيز مبدأ التنوع والإنصاف والشمول بين الجنسين، كما تم اختيارها من قبل مجلة فوربس ضمن أكثر 100 امرأة تأثيراً على مستوى العالم، لعدة سنوات.
بالختام، القيادة الشمولية هي مجرد واحدة من أساليب قيادية كثيرة يمكن استخدامها بفعالية في المؤسسات والأماكن التي يحظى فيها كل من التعاون والخبرة بقيمة عالية. يمكن للقادة الشموليين الاستفادة من التنوع الثقافي والفكري لدى الموظفين لحل المشكلات واتخاذ القرارات التي قد لا تصل إليها أنماط القيادة الأخرى. ومن المؤكد أن القادة الشموليين سيتمكنون من جذب الموظفين المؤهلين تأهيلاً عالياً والاحتفاظ بهم حيث إنهم يقدّرون أسلوب القيادة الشمولي ويشعرون بالاحترام المتبادل والمشاركة والتعاون في العمل. لا سيما في ظل الانصهار الثقافي الذي تعيشه المؤسسات مع التحول التدريجي إلى العمل الهجين أو العمل عن بُعد. ما يجعل القيادة الشمولية أسلوباً قيادياً رئيسياً في المؤسسات التي ترغب في تعزيز التنوع الثقافي وأواصر المشاركة، والتقبّل، والانفتاح، والتمكين.