تصنيف 42 بلداً بحسب مقياس سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية

12 دقيقة

وُصفت الدراسة الاستقصائية لممارسة الأعمال التجارية (Doing Business) التي يجريها البنك الدولي كل عام بأنها "كأس العالم" أو "الألعاب الأوليمبية" بالنسبة للحكومات التي تتنافس فيما بينها لجعل بلدانها جذابة للأعمال. يقيس التصنيف الذي يتمتع بتأثير هائل مدى سهولة ممارسة الأعمال التجارية في بلد ما من خلال دراسة البيئات التنظيمية، وقد أفضى إلى إجراء أكثر من 3,500 تدبير إصلاحي في 190 اقتصاداً. وفي الفترة بين عامي 2017 و2018 وحدها، سجلت اقتصادات 128 بلداً 314 تدبيراً إصلاحياً.

وفي حين أنّ هذا الاهتمام باستجابة السياسات مثير للإعجاب، إلا أنّ ممارسة الأعمال التجارية تعتبر مثالاً على أحد العوامل الأساسية المفقودة من التصنيفات. فهذه التصنيفات لا تفصح سوى عن القليل فيما يتعلق بسهولة أو صعوبة ممارسة عمل تجاري رقمي. نهدف إلى سد هذه الفجوة بأول تحليل لسهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية في 42 بلداً حول العالم. وقد اخترنا هذه البلدان لأنها تضم أهم الأسواق للأعمال التجارية الرقمية على مستوى العالم، وتقدم مجموعة متسقة من البيانات حول تشكيلة واسعة من المؤشرات. يتبين لنا أنّ بيئات الأعمال التجارية الرقمية تتطلب استثمارات وتركيزاً مميزاً على السياسات. والغرض من تقييمنا هو استكمال العمل الذي أجراه البنك الدولي. إذ يقدم لصانعي القرارات أساساً لمقارنة البلدان ليس من ناحية توفر الظروف المواتية للأعمال التجارية "التقليدية" فحسب، بل من ناحية عوامل تؤثر على إقامة أعمال تجارية رقمية أيضاً.

تمتلك جميع الأعمال التجارية عناصر تكنولوجيا رقمية مدمجة فيها، لكننا نعرف "الأعمال التجارية الرقمية" على أنها أعمال تمتلك منصة رقمية تمثل جوهر نموذج عملها. قمنا بتحليل أربع منصات رقمية أساسية: منصات التجارة الرقمية (مثل "أمازون" و"إيباي") ومنصات الإعلام الرقمي (مثل "يوتيوب" و"نتفليكس") ومنصات الاقتصاد التشاركي (مثل "أوبر" و"إير بي إن بي") ومنصات العمل الحر عبر الإنترنت (مثل "أب وورك" و"توبتال").

لكن الأعمال التجارية الرقمية تمثل أحد جوانب النمو الأكثر نشاطاً لمعظم الاقتصادات الرئيسة. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، نما الاقتصاد الرقمي بوتيرة تعادل 3.7 أضعاف في غضون 11 عاماً حتى عام 2016، مقارنة بالاقتصاد بشكل عام، وفقاً لتحليل مكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة الأميركية.

أخذنا بعين الاعتبار بعض التحديات الخاصة التي تواجهها الأعمال التجارية الرقمية:

  • تنمو الأعمال التجارية الرقمية أو تنكمش بسرعات مختلفة وتخضع لعوامل متعددة خاصة بمنظومات الأعمال الرقمية.
  • تواجه الأعمال التجارية الرقمية مقاومة ومنافسة لا مثيل لها في السوق.
  • تأتي الأعمال التجارية الرقمية بتحديات تنظيمية معقدة. يمكن للقوانين التي تحكم نقل البيانات أو حماية خصوصية المستخدم أو حيادية الإنترنت أن تؤثر بصفة أساسية على سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية. وتختلف هذه القوانين في مختلف البلاد.
  • وفي ضوء القيمة الاستراتيجية للأعمال التجارية الرقمية، فإنها تعتبر مهمة على نحو خاص بالنسبة للحكومات. وتعتبر المنافسة بين الولايات المتحدة والصين أحد الأمثلة على ذلك، حيث حاولت الكثير من الأعمال التجارية الرقمية الدولية الدخول إلى الصين وفشلت في مسعاها بينما تُعد الولايات المتحدة موطناً للكثير من الشركات التكنولوجية القوية، وقد وجّهت الحكومة الأميركية ضربات لشركات مثل عملاق الشركات الرقمية الصينية هواوي (Huawei) حين فرضت عليها قيوداً صارمة على نحو خاص.

ثمة العديد من عوامل البنية التحية الأخرى بالغة الحساسية بالنسبة للأعمال التجارية الرقمية، مثل الوصول الرقمي وملاءمة النطاق الترددي، والعوامل المؤسسية المساعدة لصناعة محتوى رقمي، والرقابة على الإنترنت، فضلاً عن توفر المواهب. وعلى الرغم من قوة الاقتصاد الرقمي، إلا أنّ هذه العوامل غير مفهومة على نحو جيد، حيث يقوم واضعو السياسات وقادة الأعمال والمستثمرون بمقارنتها بين البلدان أو تقييمها بشكل متكرر لكي يجري العمل على أساسها.

تطوير بطاقة أداء لسهولة ممارسة الأعمال التجارية (EDDB): المنهجية

أردنا أن نعرف: ما مدى سهولة دخول المنصات الرقمية الأهم إلى الأسواق حول العالم أو تشغيلها فيها أو ازدهارها فيها أو خروجها منها، وما هي العوامل الرئيسة الميسرة والعوائق التي تحول دون ذلك؟

اعتمدنا على 236 متغيراً في 42 دولة من 60 مصدراً للبيانات، يشتملون على قواعد بيانات عامة مثل قاعدة البيانات الخاصة بالبنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي، وخدمات الاشتراك مثل الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (GSMA) وشركة "يورومونيتور" (Euromonitor) المتخصصة في أبحاث الأسواق الاستراتيجية، ومصادر الملكية مثل شركة "أكاماي" (Akamai) المتخصصة في تسليم المحتوى والحوسبة السحابية وشركة "تشارت بيت" (Chartbeat) المتخصصة بتحليل المحتوى ومعهد "برايفت كابيتال ريسيرش" (Private Capital Research Institute). ولنصنع صورة مركبة من "الأعمال التجارية الرقمية"، قمنا بدراسة أربعة أنواع من المنصات الرقمية التي تمثل قيماً مقترحة مميزة ونماذج أعمال أساسية، وهي منصات التجارة الإلكترونية ونموذج الإعلام الرقمي ومنصات الاقتصاد التشاركي والعمل الحر عبر الإنترنت، بصفتها مؤشرات رئيسة لفرص الأعمال التجارية الرقمية في بلد ما.

حصلنا على نتيجة سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية لبلد ما من خلال مجموعة نتائج خاصة بالمنصات ودعائم مؤسسية، كما هو مبين في القائمة أدناه:

شكلت المنصات الرقمية 50% من النتيجة. ووزّعت حسب ما يلي:
تجارة التجزئة عن طريق الإنترنت/التجارة الإلكترونية: 20%
الإعلام الرقمي، والذي يعرَّف على أنه الإعلام والتسلية المقدمة من خلال وسائل رقمية: 15%
الاقتصاد التشاركي/التيسير الرقمي لمشاركة الأصول بين الأفراد والمجموعات: 10%
المستقلون من أصحاب المهارات العالية الذين يعملون عبر الإنترنت ويستخدمونه لتأمين مشاريعهم وإنجازها وتقديمها: 5%

شكلت العوامل المؤسسية الـ 50% الأخرى من النتيجة الإجمالية. ووزّعت حسب ما يلي:
الوصول إلى البيانات، ويعرف بأنه الحد الذي يصل إليه انتقال البيانات بسهولة عبر الحدود وداخلها، بما في ذلك كثافة تدفق البيانات والقيود عليها. هذه التدفقات الحرة من البيانات، فضلاً عن تقبل الحكومات لمشاركة بيانات مجهولة المصدر علناً، مع سياسات قائمة ترمي إلى حماية خصوصية المستخدمين: 25%
الأسس الرقمية والتناظرية مهمة لجميع المنصات الرقمية، في مجالات الطلب والإمداد والمؤسسات والابتكارات: 15%
نتيجة عام 2019 لسهولة ممارسة الأعمال التجارية للبنك الدولي، وهي تمثل كيفية أداء بلد ما بالمقارنة مع أفضل مقياس ممكن: 10%

يُظهر الرسم البياني الموجود أدناه سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية وأوجه المقارنة بين 42 بلداً، من خلال أداء سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية بالمجمل وفي المنصات الرقمية الأربع.

ثمة تأثيرات عديدة لوحظت من نتائجنا. سنستكشف ثلاثة أنواع: النتائج الأساسية للبلدان المهمة، والقوالب التي تصنعها المنصات الرقمية، ومقارنة سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية مع تصنيفات ممارسة الأعمال التجارية التي يعدها البنك الدولي.

نتائج البلدان المهمة: البلدان ذات الأداء القوي

تعتبر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أعلى الدول أداء بصفة عامة، وهي تستند في ذلك إلى عدة عوامل للقوة: تطور الأسواق والعرض والمعززات المؤسسية للاقتصاد الرقمي والوصول إلى البيانات، إلى جانب الأداء القوي من ناحية ترجمة "السهولة" في مختلف المنصات الأربع. وبالطبع، فمن المتوقع أن تمر المملكة المتحدة ببعض التغيرات الكبيرة فيما بعد البريكست. وضعنا نماذج للعديد من السيناريوهات الممكنة، لبريكست صعب وبسيط، ووجدنا أنّ المملكة المتحدة تحتفظ بمركزها الثاني على الرغم من تدني نتيجتها الإجمالية.

وإليك بعض النتائج الأخرى البارزة:

  • في سنغافورة، يشكل العاملون المستقلون 6% من عدد السكان، ما يجعلها تحقق النتيجة الأعلى في مجال العمل الحر عبر الإنترنت. وبالتالي، فإنّ نموها في التجارة الإلكترونية وكاقتصاد تشاركي يمكن أن يعزى إلى أسسها الرقمية، وشعبية عروض الاقتصاد التشاركي التي تتناقلها الألسن. وعلى أي حال، فإنّ قيود سنغافورة على المشاركة المفتوحة للبيانات والقيود التنظيمية على أعمال الإعلام الرقمي تساهم في أداء أضعف على تلك المنصة. كما أنّ سنغافورة ليست من الدول الموقعة على مبادرة شراكة الحكومة المفتوحة التي تخفض نتيجة إمكانية الوصول إلى البيانات.
  • كوريا الجنوبية هي صاحبة الأداء الأفضل على صعيد معايير تطور الأسواق، مثل تغطية الهاتف المحمول بتقنية النطاق العريض، والسرعات، ورضا المستهلكين. لكن نتائج الإعلام الرقمي هناك تتأثر سلباً بحالات الرقابة على الإنترنت. وهي تحقق نتيجة متدنية نسبياً في جانب الوصول إلى البيانات نظراً لقوانين توطين البيانات هناك التي تقيد المعلومات المكانية والمتعلقة بالمواقع بسبب هواجس الأمن القومي. كما أنّ اتحادات العمال القوية والأنظمة الصارمة ضمنت استمرار حظر خدمات مشاركة الركوب ومشاركة السكن بشكل جزئي أو كلي في كوريا.
  • إستونيا تبلي بلاء حسناً على نحو خاص في الاقتصاد التشاركي لأسباب عدة. وترسي مؤسساتها المبتكرة أسساً متينة. ففي حين ردّت بعض الدول الأوروبية على الاقتصاد التشاركي بالحظر، عملت إستونيا مع الشركات، مثل شركة "إير بي إن بي" وشركة "أوبر"، لوضع ترتيبات ضريبية جديدة، ما يسمح للمضيفين والسائقين بدفع الضريبة للسلطات دون عناء. أسست شركة "بولت" (Bolt)، وهي من المنافسين الكبار لشركة أوبر في أفريقيا وأوروبا، في إستونيا. تكمن أعظم فرصة للتحسن لدى إستونيا في تهيئة المناخ لأعمال التجارة الإلكترونية التي يجب أن تعمل على محور تقاطع العالمين الرقمي والمادي. كما أنها تمتلك معدل استخدام تجارة إلكترونية متدنٍّ للفرد، يتأثر سلباً بتكاليف الشحن بين الدول في الاتحاد الأوروبي.

وبين دول الاتحاد الأوروبي، كانت مجموعة دول الشمال من بين الدول الريادية الأولى في اعتماد التكنولوجيا الرقمية، وتطورت باستمرار إلى حد كبير على الصعيد الرقمي، وفقاً لمؤشرنا الخاص بالتطور الرقمي (Digital Evolution Index). كما أنّ أداء هذه الدول على مقياس سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية قوي لأسباب عديدة: تقبّل المستهلكون في دول الشمال نماذج الأخبار الرقمية والوصول إلى الإعلام القائمة على الاشتراكات بشكل أسرع من غيرها من الدول: تبقى شهيتهم لاشتراكات الفيديو حسب الطلب في أعلى مستوياتها على مر الزمن، وتعتبر المنطقة موطناً لبعض المتسوقين الأكثر إسرافاً على الإنترنت، حيث يشارك ثلث إجمالي عدد المستهلكين هناك في تجارة إلكترونية عابرة للحدود بشكل شهري، وخصوصاً من مواقع إلكترونية في المملكة المتحدة وألمانيا والصين. تعتبر فنلندا على نحو خاص دولة رائدة في الاقتصاد التشاركي، وقد تشكل نجاحها بتوليفة من نظام الحكومة المفتوحة والمستويات العالية من الثقة.

وعلى أي حال، يوجد تباين كبير فيما بين دول الشمال نفسها في أداء سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية الخاص بها الذي يتأثر بشكل رئيس بالاختلافات في مستويات الوصول إلى البيانات. تمتلك العديد من دول الشمال قوانين قوية لتوطين البيانات، ما يؤثر على نتائج الوصول إلى البيانات فيها. على سبيل المثال، يُلزم قانون مسك الدفاتر التجارية في الدنمارك الشركات بتخزين البيانات المالية للمواطنين الدنماركيين إما في الدنمارك أو دولة أخرى من دول الشمال لمدة خمس سنوات.

نتائج البلدان المهمة: البلدان التي تحتاج إلى سدّ ثغرات كبيرة

تعتبر الصين مثالاً للتناقض والخروج عن المألوف، فبينما كانت تمثل الاقتصاد الرقمي الأسرع حسب نتيجة الزخم على "مؤشر التطور الرقمي"، إلا أنّ أداءها ضعيف على مقياس سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية. ويعزى ذلك إلى أنها على الرغم من أنها خلقت بيئة مواتية بشكل كبير، إلا أنها سوق صعبة لمؤسسي الأعمال الجديدة والدولية بسبب القيود الحكومية المتعددة. "السهولة" المقيمة هنا تراعي منظور مؤسس الأعمال الرقمية المحتمل الموجود في أي مكان. وعلاوة على القيود الحكومية على الدخول، تعتبر البيئة العامة للصين صعبة للأعمال التي تخطط إلى ترسيخ نفسها في السوق نظراً لمجموعة من السياسات والقوانين الصارمة المتعلقة بالاقتصاد الرقمي، بما فيها قوانين توطين البيانات وانعدام انفتاح البيانات. وبالتالي، على الرغم من المنظومة الرقمية المبتكرة والمتقدمة بوتيرة سريعة في الصين، إلا أنّ أداءها على مقياس سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية ضعيف إلى حد كبير.

وضعنا نموذجاً لأثر سيناريوهات لا يوجد فيها عقوبات على تقييد تنقل البيانات للتعرف على أثر ذلك على بلدان، مثل الصين، تدفع تكلفة باهظة على مقياس سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية جرّاء تلك القيود. وفي هذا السيناريو، تتحسن الصين بشكل ملحوظ وترتفع بـ 13 درجة إلى المرتبة الـ 26 على مقياس سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية.

وكما قد يكون متوقعاً، بخلاف الصين، فإنّ الأسواق الناشئة بصفة عامة تحمل فرصاً كبيرة للتحسن، حيث أنّ كل سوق تمثل تحدياً مختلفاً يجب التغلب عيه، على الرغم من وضعها كأسواق "تبدأ في الانتشار" في بحثنا السابق حول الاقتصادات الرقمية، أي "مؤشر التطور الرقمي". خذ بعين الاعتبار الأمثلة التي في ثلاثة بلدان رئيسة للأسواق الناشئة، وهي الهند وإندونيسيا وتركيا، وكلها تمتلك فرصاً مختلفة للتحسن على مقياس سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية:

مقارنة أداء مقياس سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية مع أداء ممارسة الأعمال التجارية

ثمة علاقة متواضعة بين نتائج ممارسة الأعمال التجارية ومقياس سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية (درجة قدره 0.42). امتلاك قدرة كبيرة على المنافسة في ممارسة الأعمال التجارية ليس ضرورياً أو كافياً للتنافس في سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية. ثمة طريقتان يمكن للنتائج فيهما أن تختلف من مقياس إلى آخر.

الأولى هي أنّ التدابير الإصلاحية في المجال الرقمي لم يقابلها إصلاحات في مجالات أخرى، مثل المجال التشريعي. وبالنسبة لسهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية، فقد أجرت الكثير من الاقتصادات المتقدمة مثل هولندا أو اليابان أو سويسرا تحسينات على مستوى السهولة الرقمية، بينما تخلفت أنظمتها التشريعية التقليدية عن العديد من بلدان الأسواق الناشئة مثل تايلاند أو روسيا أو ماليزيا، التي انتقلت بقوة إلى فرض إصلاحات شاملة ولم تقم بعد بمعالجة جوانب قصورها الرقمية.

وللتمعن أكثر في ذلك، يمكنك دراسة حالتي سويسرا وماليزيا. بينما تتمتع سويسرا بأداء أفضل نسبياً على مقياس سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية مقارنة بنتيجة ممارسة الأعمال التجارية، إلا أنّ العكس صحيح بالنسبة لماليزيا. ومن ناحية أخرى، كانت سويسرا تتراجع في مستويات ممارسة الأعمال التجارية، وتحديداً بسبب أدائها الضعيف في تصنيف "بدء الأنشطة التجارية". ولم تقم بما يكفي لمواكبة التدابير الإصلاحية التي أجرتها البلدان الأخرى التي كانت أكثر قوة في تعزيز ريادة الأعمال. ومع ذلك، احتفظت سويسرا دائماً بنتيجة قوية في العوامل التأسيسية الرقمية وهي متميزة على نحو خاص في تمكين الإعلام الرقمي، ما عزز مكانتها في نتيجة سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية.

وفي هذه الأثناء، أجرت ماليزيا مؤخراً 6 إصلاحات على صعيد الأعمال التجارية، ما أدى إلى صعودها بتسعة مراكز على تصنيف البنك الدولي لممارسة الأعمال التجارية لتصل إلى المركز 15 لكن ماليزيا لم تتعامل مع عدة عقبات تؤثر على الأعمال التجارية الرقمية. وتتضمن هذه العقبات: انعدام الكفاءة عبر الحدود وسهولة الدخول إلى الأسواق، ونسبة متدنية نسبياً من السكان تتمتع بشبكة اتصالات من الجيل الثالث أو أفضل، وعوامل تؤثر على الإنجاز بكفاءة (حسن التوقيت، وجودة البنية التحتية للتجارة والنقل، وجودة الخدمات اللوجستية، وأنظمة التتبع والتعقب). كما تمتلك ماليزيا نتيجة متدنية على صعيد الوصول إلى البيانات نظراً لطلبات الإزالة الكثيرة من الحكومة والموجّهة إلى شركات مثل جوجل، وطلبات الحكومة من فيسبوك للحصول على بيانات المستخدمين، فضلاً عن نتائج متدنية على صعيد مؤشر حرية الصحافة (Freedom of the Press) ومؤشر حرية الشبكة (Freedom of the Net).  وفي المقابل، كان أداء سويسرا ممتازاً على جميع هذه المقاييس.

الطريقة الثانية، وهي أنّ بعض المنصات الرقمية تتعزز بالتدابير الإصلاحية التي تعزز ممارسة الأعمال التجارية: في ضوء الاعتماد الكبير من التجارة الإلكترونية على الأسس التماثلية للتسليم والخدمات اللوجستية، فإنها تظهر علاقة قوية مع نتائج ممارسة الأعمال التجارية (درجة 0.49). ويبرز الإعلام الرقمي باعتباره منصة تتمتع بأدنى علاقة مع نتائج ممارسة الأعمال التجارية. وبعبارة أخرى، فإنّ البلدان القوية في ممارسة الأعمال التجارية تحصل على دعم في نتائجها الخاصة بمنصات التجارة الإلكترونية، ما يؤدي في المقابل إلى تعزيز أداء سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية.

ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للأعمال؟

أولاً، من غير المفاجئ أنّ خيارات القوانين الرقمية والسياسات العامة هي مُحدّدات رئيسة لمقياس سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية. ويمكن أن تتراوح هذه المحدِّدات من قوانين سياسة المستخدم والوصول إلى البيانات إلى القوانين التي تحكم شركات الاقتصاد التشاركي أو تلك التي تحمي حقوق العاملين المستقلين. وتعتبر إمكانية الوصول إلى البيانات عنصراً أساسياً للنمو المستدام للأعمال التجارية الرقمية حيث تدمج تحليل البيانات في المنتجات والخدمات التي تستمر بتقديمها. وتمتلك الكثير من البلدان قيوداً على تدفق البيانات أو قوانين سارية المفعول لتوطين البيانات لأسباب تتعلق بخصوصية المستخدمين أو هواجس أخرى. سيبلي واضعو السياسات الحريصون على تعزيز اقتصادات رقمية قوية بلاء حسناً من خلال قياس ما ندعوه بناتج البيانات الإجمالي أو "الناتج المحلي الإجمالي" الجديد، وتوخي العناية اللازمة في تقييم العقبات التي تقف في طريق الوصول إلى البيانات.

ثانياً، عناصر البنية التحتية التي تجمع بين العالمين الرقمي والمادي، من الوصول إلى الإنترنت والمحمول إلى الدفع والوفاء، جميعها بالغة الأهمية للأداء على مقياس سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية، تماماً كأهميتها بالنسبة للأعمال التقليدية.

ثالثاً، نظراً لأنّ الأعمال الرقمية تستند إلى منصات تقوم بالوصل بين طرفي المعاملة، فإنّ العوامل التي تحكم جميع إمكانات المستخدمين أساسية بالنسبة لسهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية. ومن هذه العوامل: المهارات ورضا المستخدمين والاستعداد للمشاركة في المنصات الرقمية.

رابعاً، لا تعبِّر السهولة الكبيرة بالنسبة لمنصة رقمية ما في بلد ما تلقائياً عن سهولة بالنسبة لجميع أنواع المنصات الرقمية الأخرى. كل منصة رقمية تعتمد على دعائم مختلفة. تعتمد التجارة الإلكترونية على أسس تماثلية للوفاء والأمور اللوجستية. وتساعد التشريعات الصديقة للتجارة الإلكترونية وإنفاذ ممارسات مكافحة الاحتكار عمليات التسوق الإلكتروني بين الدول. أما على صعيد الإعلام الرقمي، فتشكل الحريات على الإنترنت هدية بالنسبة لها، حيث تعاني البلدان في الربع الأدنى من قيود على الإعلام ورقابة عليه. ولدى البلدان في الربع الأعلى على صعيد الاقتصاد التشاركي وفرة كبيرة في الأصول الخاملة، وبنية تحتية، وقد قامت بتخفيف المقاومة والاحتجاجات من الشركات القائمة التي تأثرت سلباً بأعمال الاقتصاد التشاركي. ينتفع العاملون المستقلون عبر الإنترنت من إجادة اللغة الإنجليزية ومجموعات المواهب المهرة ونظم إعداد فواتير وتقديم إقرارات ضريبية أكثر سهولة.

وأخيراً، فإنّ المنصات الرقمية عالمية. لا يتوقف الأمر على التشريعات الوطنية وحدها، فالقيود على نقل البيانات والقوانين التي تحكم تدفق الدفعات، يمكنها أيضاً أن تتحكم في نمو المنصات الرقمية.

تشكل كل هذه الأشياء دعائم ممكنة يمكن لواضعي السياسات والأعمال والمستثمرين التركيز عليها وتفعيلها إذا أرادوا تعزيز الأعمال التجارية الرقمية في أي بلد كان.

ملاحظة المحرر: كل تصنيف أو مؤشر هو طريقة واحدة فقط لتحليل الشركات أو الأماكن والمقارنة بينها وفقاً لمنهجية ومجموعة بيانات محددة. في هارفارد بزنس ريفيو، نعتقد أنّ المؤشر حسن التصميم يمكن أن يوفر معلومات مفيدة، على الرغم من أنّ تعريفه يعطي لمحة عن صورة أكبر. ونحن نحثكم دائماً على توخي العناية اللازمة في قراءة المنهجية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي