يقبع الخوف من الفشل في أعماق معظم القادة، إلا أنّ دراسة جينوم الرؤساء التنفيذيين "سي إي أو جينوم" (CEO Genome) حول سؤال كيف يكون الطرد مفيداً بالنسبة للأفراد وشملت أكثر من 2,600 قائد على مدار 10 سنوات أظهرت أنّ نصفهم تقريباً (45%) عانوا من إخفاق واحد على الأقل كطردهم من أعمالهم أو فشل صفقة مهمة أو فشل في إتمام صفقة استحواذ على شركة أخرى وهكذا. وعلى الرغم من ذلك، تمكن 78% من هؤلاء التنفيذيين بعد ذلك من الوصول إلى منصب الرئيس التنفيذي.
كيف يكون الطرد مفيداً بالنسبة لك؟
أجرينا بدورنا بحثاً إضافياً شمل 360 رئيساً تنفيذياً عملنا فيه على تحليل حياتهم المهنية بعمق، حيث وجدنا أنّ جميعهم عانوا من مجموعة من الانتكاسات، في حين واجه 18% منهم على وجه التحديد ما يعتبره الكثيرون أسوأ سيناريو ممكن وهو الطرد أو التسريح من العمل، حيث فقد معظمهم وظيفته في مرحلة متقدمة نسبياً من حياته المهنية (17% فقط كانوا في العقد الأول من حياتهم المهنية عندما تم صرفهم من الخدمة).
اقرأ أيضاً: كيف تتقدم لوظيفة جديدة بعد تسريحك من العمل؟
واكتشفنا أنّ التسريح من الخدمة أو الطرد لم يتسبب بالضرورة بآثار كارثية على مستقبل القادة، كما وجدنا أنه يمكن للقادة القيام ببعض الأمور للتأكد من عدم تسبب تلك النكسة في إنهاء مسيرتهم المهنية.
أما الجانب الإيجابي فهو أنّ 68% من الرؤساء التنفيذيين الذين تم صرفهم من عملهم انتهى بهم المطاف إلى وظيفة جديدة في غضون ستة أشهر، فيما استغرق الأمر عاماً كاملاً لما نسبته 24% منهم للحصول على وظيفة جديدة. والخبر الأفضل هو حصول 91% من الرؤساء التنفيذيين الذين تم فصلهم على وظيفة بمستوى مماثلة أو حتى أعلى.
كما أننا وجدنا بعض الدلائل على أنّ تجربة فقدان الوظيفة قد تجعل المرء مرشحاً أقوى لمناصب مستقبلية إذا تم التعامل مع الوضع بالطريقة الصحيحة. ففي دراستنا، وعندما تضمنت عملية المقابلة عمل خبراء تقييم خارجيين مع أرباب عمل لمنع أخطاء التوظيف لديهم، فقد أوصى هؤلاء الخبراء بما نسبته 33% من الرؤساء التنفيذيين الذين تم طردهم بالمقارنة مع 27% من المرشحين الذين لم يُطردوا مطلقاً. يعرف مدراء التوظيف ذوي الخبرة أنّ النكسات أمر لا مفر منه ويرغبون في رؤية كيف تعامل الأفراد مع الفشل في الماضي، في حين يعتبر التعاقد مع أشخاص لم يختبروا الفشل أمراً أخطر. ويمكن للمدراء التنفيذيين الذين واجهوا الفشل وتعلموا منه إثبات المرونة والقدرة على التكيّف والوعي الذاتي في أوساط القادة.
ومع ذلك، فإنّ الرؤساء التنفيذيين الذين تم التخلي عنهم كانوا أكثر احتمالية لتلقي توصية شديدة "بعدم توظيفهم" مقارنة بأولئك الذين لم يُطردوا مطلقاً (46% مقابل 36%)، ما يشير إلى تأثير سبب إزاحة شخص ما عن منصبة والطريقة التي تعامل بها تلك التجربة على إمكاناته الوظيفية المستقبلية.
وقد قام القادة الذين شهدت مهنهم تطوراً بارزاً ولم يعانوا بعد النكسة بثلاثة أشياء بشكل مختلف:
النظر إلى الحقائق كما هي دون مواربة:
كان أولئك الذين لا يتقبلون مسؤولياتهم عما حدث ويشيرون إلى عوامل خارجية أو يلومون الآخرين على الفشل أداءهم أقل من نظرائهم، حيث توضح بياناتنا أنّ المرشحين الذين يلومون الآخرين يقللون من فرصهم في الحصول على وظيفة بمقدار الثلث. ويتحمل أصحاب الأداء القوي مسؤولية أخطائهم ويصفون ما تعلموه وكيف قاموا بتعديل سلوكهم واتخاذ قراراتهم بطريقة تقلل فرص ارتكاب نفس الأخطاء مستقبلاً. يجب ألا يثبطك مرورك بأشكال مختلفة من الإخفاقات الوظيفية طوال الوقت، بل تكرار نفس الخطأ مرة بعد مرة هو ما يؤدي إلى ذلك.
عندما كان أصحاب الأداء القوي يتحملون مسؤولية أخطائهم كانوا يفعلون ذلك دون الشعور بالذنب أو الخجل. كان التنفيذيون الذين رأوا أخطاءهم كإخفاقات أقل نجاحاً بنسبة 50% من أولئك الذين اتبعوا نهجاً موجهاً بشكل أكبر نحو التعلم/النمو والتطور.
اقرأ أيضاً: كيف تجعل التسريح المؤقت للموظفين أكثر إنسانية؟
لقد أدى تحمل هؤلاء التنفيذيين للمسؤولية عن أخطائهم من دون خجل إلى إظهارهم لأنفسهم بأنهم محبوبون وواثقون في ذواتهم أثناء المقابلة الوظيفية للمنصب التالي، وأثبتت تلك الصفات أنها تزيد من فرص الحصول على الوظيفة. وقد أظهر تحليل تقييمات شركة جي آتش سمارت (ghSMART) الذي أجراه كابلان وسورنسن أنّ القادة المحبوبين بصورة أكبر كانت فرصهم في الحصول على وظيفة في أي منصب قيادي أعلى من غيرهم. ووجد بحثنا مع شركة ساس (SAS) أنّ المرشحين الذين يتمتعون بثقة عالية كانت فرصهم في التوظيف للمرة الثانية أكثر بنسبة 2.25 مرة من غيرهم.
الاعتماد على شبكتهم المهنية للحصول على الوظيفة التالية:
كان احتمال عثور المرشحين على وظيفة من خلال الشبكة المهنية أعلى بمرتين مقارنة مع استخدامهم شركات توظيف أو شبكات شخصية (59% في مقابل 28%). وبينما قد يكون الأصدقاء حريصين على المساعدة والإصغاء وإبداء الاهتمام، يأتي الدعم الأقوى في نهاية المطاف من أولئك الذين اختبروا النتائج التي يمكنك تقديمها استناداً إلى تجربتهم العملية المباشرة معك. يُعرض على شركات البحث الوظائف الشاغرة إلا أنها قد تقرر عدم المخاطرة أو قد تكون مترددة في وضع مصداقيتها على المحك أمام الشركة التي تتعامل معها إن قامت بترشيح مرشح سبق وأن تم طرده. بالتالي سيكون التواصل الاستباقي مع الرؤساء والزملاء والعملاء السابقين أو الأقران الذين عملت معهم سابقاً مثمراً أكثر من أصدقاء الجامعة أو أولئك الذين تلعب الجولف معهم أو إرسال سيرتك الذاتية إلى شركات التوظيف وذلك على الرغم من الرغبة الشديدة في المساعدة التي يعرب عنها هؤلاء.
الاعتماد على خبراتهم:
كان لدى 94% من أولئك الذين حصلوا على وظيفة جديدة في غضون 6 أشهر خبرة سابقة في هذه الصناعة، الأمر الذي يدعونا لتقديم النصيحة بالحصول على خبرة في 2 إلى 3 صناعات في مرحلة مبكرة من الحياة المهنية، بحيث في حال حصلت عملية الطرد، سيكون هناك عدة صناعات يمكن العمل فيها بدل حصر المرء لنفسه في واحدة.
وأهم نصيحة بالنسبة لأولئك الذين يتطلعون إلى البقاء في الوظيفة ومنع طردهم هي اختيار وظائف تقع في نطاق مهاراتهم ودوافعهم.
ونأمل أن يقدم ما سبق أخباراً مفعمة بالأمل للأشخاص الذين تم صرفهم من العمل وإلى الرؤساء الذين هم في حاجة إلى صرف شخص ما من الخدمة. وقد استغرق ثلث القادة في "دراسة سي إي أو جينوم" فترة طويلة جداً لاستبدال الأشخاص في فرقهم، الأمر الذي كان له عواقب وخيمة على أنفسهم وعلى فرقهم وعلى المدير التنفيذي الذي لا يلائم وظيفته. وإذا كنت تتألم بسبب الحاجة إلى إبعاد شخص ما من فريقك، وتخشى من أن تدمر حياته المهنية، فإننا نأمل أن يساعدك هذا البحث على اتخاذ القرار الصحيح لصالح فريقك بالكامل ويمنحك الأدوات اللازمة لدعم الشخص الذي تريد تسريحه لمساعدته على الوصول إلى فرصة عمله القادمة المناسبة.
كما نأمل أن يكون هذا البحث مفيداً لكل من يعاني من الخوف من الفشل. صحيح أنّ الأخطاء والانتكاسات المهنية مؤلمة، إلا أنّ الخطأ الأكبر بكثير، وفقاً لبياناتنا، هو عدم القيام بأي مخاطر. فعندما قمنا بتحليل وظائف الرؤساء التنفيذيين الذين وصلوا إلى القمة بشكل أسرع من المتوسط، كان ما يميزهم هو المخاطرة عبر قبول وظائف فوضوية أو وظائف أصغر لم يرغب فيها أحد أو أنهم خطوا خطوات كبيرة كانت أكبر بكثير مما تدركها عقولهم.
اقرأ أيضاً: كيف تدير أعمالك بحيث لا تلجأ إلى تسريح موظفيك مطلقاً؟
وفي نهاية الإجابة عن سؤال كيف يكون الطرد مفيداً بالنسبة لك؟ وبعد أكثر من 20 عاماً من الخبرة في تقديم الاستشارات وتمرين القادة، فقد تبين لنا أنه عندما تحاول تحقيق شيء ذي مغزى، ستواجه الهجوم من وقت لآخر. وما يهم هنا هو قيامك برؤية الفشل كفرصة للنمو. وقد يكون من المحزن حقاً قيام الكثيرين منا بتفويت فرصة تطوير إمكاناتهم إلى حدها الأقصى والعيش حياة ذات معنى بشكل أفضل وذلك عندما لا يقومون بأي مخاطر طوال حياتهم المهنية. وعلى حد تعبير أوليفر وندل هولمز: "معظم الناس عاشوا وماتوا قبل أن يعزفوا موسيقاهم".
اقرأ أيضاً: كيف تدير عملية التسريح من العمل انطلاقاً من مبدأ التعاطف؟