لو كنت قد تابعت المباراة النهائية لبطولة كرة القدم الأميركية منذ بضعة أشهر، فالأرجح أنك شاهدت المدربان وهما يتحاوران عبر سماعات الأذن أثناء المباراة. وما لم تعرفه أنه خلال موسم عام 2016 أدخل الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية تحسينات على نطاق البطولة كلها في تقنية التردد اللاسلكي للحيلولة دون التداخل مع وسائل الإعلام التي تستخدم التردد ذاته ولمنع أي تلاعب وعبث. وقاد هذا التطوير جون كيف نائب رئيس شؤون تكنولوجيا كرة القدم في الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية. ولقد كانت تلك التقنية مفيدة بشكل مذهل للمدربين. ولكن، ربما ما كان لها أن تُبتكر أصلاً، أو على الأقل ما كان كايف ليطورها، لولا رئيسته ميشيل ماكينا دويل، كبيرة موظفي تقنية المعلومات في الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية.
عندما عُينت ماكينا دويل، لاحظت أن عدداً من موظفيها كانوا يعانون الأمرين، لا لأنهم لم يكونوا موهوبين، وإنما لأنهم شغلوا المناصب التي لا تتوافق مع مكامن قوتهم. بعد أن أجرت ماكينا دويل تحليلاً عميقاً، بدأت تطلب من الموظفين تبادل الوظائف. ولم تكن عملية إعادة التنظيم هذه محل ترحاب بالنسبة لكثيرين في بداية الأمر، بل كانت مزعجة حقاً. وهكذا كان حال بالنسبة لكايف ذاته.
كان كايف يملك موهبة ابتكار المنتجات وبناء الأشياء. لكن لم يكن لديه الوقت الكافي لذلك لأنه اضطلع بالمسؤولية المهمة لتطوير النظام، بما في ذلك النظم المؤسسية. سألت ماكينا دويل: "لم أثقل كاهله بنظام كشوف الرواتب في الوقت الذي بوسعه أن يتوصل إلى طريقة لتطوير اللعبة عبر التقنية؟". وكما فسرت لي لاحقاً، فقد رأت أن له دوراً أفضل نظراً لنقاط قوته المميزة. لم تكن التقنية موجودة، فأوكلت لكايف مهمة ابتكارها. "في البداية، ساوره القلق لأن نطاق تأثيره العام كان يتضاءل، فقلت له: "ثق بي، سوف تكون مبتكراً بارعاً. وقد كان كذلك".
لطالما شجع الخبراء الناس على "تعزيز نقاط قوتهم". وما الذي لا يدعونا إلى استعراض أقوى عضلاتنا؟ ولكن، وفقاً لملاحظاتي، فإن القول أسهل من العمل. لا لأنه من الصعب تحديد ما نبرع فيه، وإنما لأننا نقلل من قيمة ما نبرع فيه بشكل بديهي.
إن "قوانا الخارقة" غالباً ما تكون أشياء ننجزها بسهولة ويسر، وبشكل لا إرادي تقريباً يشبه التنفس. عندما يحدد رب العمل تلك المواهب، ويطلب إليك إنجاز أمر يستغل قوتك الخارقة، فقد تُحَدِّث نفسك قائلاً "لكن، هذا أمر غاية في السهولة. إنه بالغ السهولة". قد يبدو الأمر وكأن رئيسك في العمل لا يثق بأن تضطلع بمهمة أكثر تحدياً أو لا يُقدرك حق قدرك لأنك لا تُقدر مواهبك الفطرية بقدر تقديرك للمهارات التي اكتسبتها بشق الأنفس.
عندما تكون قائداً، فإن التحدي لا يكمن فقط في الوقوف على الموهبة، بل يمتد إلى إقناع موظفيك بأنك تُقدر مواهبهم، وأنه ينبغي عليهم تقديرها أيضاً. هكذا يمكنك الشروع في تشكيل فريق من الموظفين الذين يجلبون قواهم الخارقة إلى مكان العمل.
ابدأ بتحديد مكامن القوة لكل عضو من أعضاء فريقك. فيما يلي بعض الأسئلة التي ألجأ إليها:
ما الذي يثير سخطك؟ قد يكون ذلك دلالة على مهارة بديهية جداً لديك لدرجة أنك تصاب بخيبة الأمل عندما لا تلمسها في الآخرين. على سبيل المثال، أنا بارع بشكل عجيب في حفظ الأسماء عن ظهر قلب، وغالباً ما يثير حنقي الذين ينسون الأسماء. لكنني أعاني من إحساس بشع بالاتجاهات، والأرجح أنني أثير حنق الذين يميزون بفطرتهم أي الطرق تقود إلى الشَمَال.
ما المجاملات التي تفتقدها؟ عندما نبرع في شيء بفطرتنا، فإننا نميل إلى التقليل من شأنه. فنقول: "أوه، لم يكن هذا بالأمر الجلل"، وربما لم يكن شيئاً جللاً بالنسبة لنا. ولكنه كان شيئاً مهماً للآخرين، وربما لذلك تقدموا إليك بالشكر. انتبه لهذه اللحظات؛ فيمكن أن تشير إلى مكامن قوة تقلل أنت من شأنها داخلك لكنها ذات قيمة عظيمة للآخرين.
ما الذي يجول بخاطرك عندما لا يكون هناك شيء تفكر فيه؟ إن التفكير في أمر ما علامة على أن ذاك الأمر مهم لك. وليس بوسع عقلك إلا أن يرجع إليه. إذا كان مهماً لك بهذا القدر، فربما أنت بارع فيه.
في الجلسات الجماعية أسأل الناس لماذا عينتم فلان، وما الجانب العبقري الذي يتمتع به؟ فنادراً ما يكون هذا الجانب مهارة أوردها في سيرته الذاتية.
عندما يطرح الناس أفكاراً جديدة، يمكنك أن تسألهم: هل ستعزز هذه الأفكار عملكم أيضاً؟ هل ستنجزون عملاً يستغل نقاط قوتكم؟ هل تضطلعون بمشروعات تستغل مكامن قوتكم الاستغلال الأمثل؟
ما أن يحدد كل شخص نقاط قوته، فاحرص على أن يتذكرها الجميع. شجع بريت جيرستينبلات نائب رئيس شركة سي في إس والمدير الإبداعي في الشركة فريقه على الخضوع لتقييم الشخصية، ثم علق أبرز خمس نقاط قوة يتمتعون بها على مكاتبهم. يريد بريت أن يرتدي موظفيه مكامن قوتهم وكأنها شارة على ملابسهم. لم يكن يود أن يخبر الآخرين بالسبب وراء عَظمتهم، وإنما أراد أن يذكرهم باستغلال مكامن قوتهم.
تشارك ديانا نيوتن أندرسون رائدة الأعمال التي تحولت إلى ناشطة اجتماعية خيرية قصة مدرب كرة السلة الخاص بها أيام الجامعة الذي طلب إلى فريقها رمي الكرة من أماكن مختلفة في الملعب: رأس القوس والمنعطف وخط الرمية الحرة. وكان يسجل نِسَب التسجيل المئوية لهم ثم يجعلهم يحفظونها عن ظهر قلب. يسمح هذا للفريق أن يعزز أعضاؤه نقاط قوة بعضهم بعضاً حرفياً. وبوسعك أن تفعل بالمثل مع فريقك.
كما الحال مع ماكينا دويل، فإن تشكيل فريق يستطيع أفراده أن يعززوا مكامن قوة بعضهم البعض يبدأ بالتحليل. راقب الناس، خاصة وهم في أفضل حالاتهم على الإطلاق. ولأن بعضهم سيقلل من قيمة ما يبرع فيه، ربما كان القرار يرجع إليك فيما يتعلق بإضفاء قيمة على ما يبرعون في عمله. إن فهم نقاط قوة كل شخص والإقرار بها يمكن أن يكون تمريناً لبناء فرق العمل. وبعدها، يمكنك قياس الأفكار والمنتجات والمشروعات الجديدة وفقاً لتلك القوى الخارقة الكلية، طارحاً السؤال التالي: "هل نستغل نقاط قوتنا بحق؟ عندما يشعر الناس بقوتهم، فإنهم يكونوا على استعداد للمغامرة والانفتاح على ميادين جديدة والوصول إلى آفاق لم يصل إليها غيرهم وبحث أفكار ليس لها سوق بعد.