ملخص: نواجه جميعاً ضغوطاً داخلية وخارجية تدفعنا إلى الإفراط في العمل، ولكن لكي تشعر بالإنجاز في حياتك الشخصية والمهنية، عليك أن تقاومها. أولاً، افهم أن الإفراط في العمل ليس ضرورياً لتحقيق النجاح المهني، وإذا وجدت أنك تتأثر بالآخرين الذين يعتقدون أنه كذلك، فذكّر نفسك بالحقيقة من خلال إجراء حديث إيجابي معها. ثانياً، حدد قيمك بوضوح وامتثل لها. ثالثاً، لا تركز على العمل بشكل مستمر ودائم لإحراز تقدم في حياتك المهنية، بل ركز على تحقيق أهداف أعمق وتطوير مهاراتك. رابعاً، ابحث عمن حققوا إنجازات دون إفراط في العمل، واتخذهم قدوة. وأخيراً، تعلم أن تتجاهل الطلبات غير المنطقية، حتى إذا كانت من مديرك.
قلة منا يريدون الإفراط في العمل. وحتى عندما تبدو وظائفنا ذات مغزى، فإننا نفضل العمل للحصول على أموال تعيننا على إعالة أنفسنا وأسرنا، لا عيش حياة محورها العمل. فتخصيص جزء من وقتنا للاهتمامات والهوايات الأخرى والأسرة والأصدقاء والاستجمام والتعلم غير المرتبط بمهننا، يعود علينا بالنفع، لأن هذه الأمور مهمة بالنسبة إلينا أيضاً.
ومع ذلك، من السهل الانغماس (أو الاستغراق) في الكثير من الأعمال. ولتجنب ذلك، ستحتاج إلى استراتيجيات محددة بوضوح، مثل تلك الواردة أدناه.
افهم أن الإفراط في العمل ليس ضرورياً لتحقيق النجاح
إذا اقتنعت بأن الإفراط في العمل ضروري لتحقيق النجاح، حتى ولو قليلاً، فلن تتمكن من مقاومة المحفزات مثل أن يخبرك الآخرون عن إفراطهم في العمل. إذ سيؤدي هذا الضغط الاجتماعي إلى شعورك بالقلق، وما يصاحبه من ردود فعل عاطفية وجسدية.
سأذكر لك مثالاً على ذلك. أخبرني أحد المؤلفين مؤخراً عن عدد المقابلات التي أجراها في مدونات صوتية لدعم إطلاق كتابه. وقد كان عددها أكثر من المقابلات التي أجريتها بكثير، وهذا أدخلني في دوامة من القلق. وحتى بعد ساعات، ظل معدل ضربات قلبي مرتفعاً وكنت أعود كثيراً إلى التفكير في الأمر.
لتجنب إغراء منافسة الأشخاص الذين يتحدثون عن إفراطهم في العمل مثل هذا المؤلف، عليك أن ترفض تماماً فكرة أن مثل هذا السلوك مطلوب أو حتى مفيد. في حالتي، كان علي أن أقول لنفسي حرفياً: "يعتقد هذا الشخص أن الإفراط في العمل ضروري لتحقيق النجاح، ولكنني لا أصدق ذلك".
إذا استمر موقف ما في تحفيزك، ففكر في إجراء المزيد من الحديث المتعاطف مع الذات. على سبيل المثال: "أشعر بالقلق من أنني إذا لم أقتنع بافتراضاتهم، فسأفشل. ونجاحي مهم بالنسبة إلي، لذا فالأمر مخيف. لكنني سأذكّر نفسي بأنه يمكنني بذل قصارى جهدي باستخدام أساليب لا تتطلب الإفراط في العمل".
حدد قيمك بوضوح
عندما تحدث هذا المؤلف عن ظهوره في العديد من المدونات الصوتية، لم يكن يستخدم عبارات مثل "تواصلت مع الكثير من المحاورين الرائعين، وكان الأمر ممتعاً ومثرياً للغاية"، بل كان يستخدم عبارات أشبه بـ "كنت أكرر ما أقوله بملل. أليس من المزعج القيام بذلك؟".
لا أريد أبداً أن أشعر بمثل هذا الشعور في أي مقابلة، بل أريد أن أتحدث خلالها باهتمام، وأن أتعلم شيئاً من المحاورين، وأن يتم تشجيعي على التفكير بطريقة مختلفة أو التعبير عن أفكاري بطرق لم أستخدمها من قبل.
أريد أيضاً أن أحقق الفعالية. إذ يمكنني محاولة أن أحل ضيفة على 100 مدونة صوتية، ولكن يبدو أنه من الأذكى بكثير اختيار العشرين مدونة صوتية التي من المحتمل أن تزيد مبيعات كتبي، ثم تحديد من 5 إلى 10 مدونات صوتية أخرى تبدو مثيرة للاهتمام، لإدخال بعض التغيير على العملية واكتشاف أشياء جديدة.
من المهم تحديد قيمك بوضوح. يتفق معظمنا بالتأكيد على أن أشياء مثل المساواة والعدالة والكفاءة والكرم والشجاعة والاستقلالية والتحدي والتعاون والمخاطرة، هي أشياء جيدة. ولكننا نختلف في أولوياتنا؛ أي أهم قيمنا، وما يجعلنا نشعر أن حياتنا ووظائفنا ذات معنى وأننا على المسار الصحيح. على سبيل المثال، إذا كنت تقدر الشجاعة غاية التقدير، ففكر في كيفية الاضطلاع بمهماتك الأساسية بقدر أكبر من الشجاعة. لا تقصر تفكيرك على ما تفضل القيام به بدلاً من العمل، لكن فكر أيضاً في سلوكك ونهجك الذي تتبعه للإنجاز في العمل.
ثق أيضاً بأن هذا النهج القائم على القيم سيؤدي إلى تحقيق بعض من النتائج المهمة بالنسبة إليك. فمن خلال الخبرة والتجريب، ستتعلم القيام "بما يكفي" في عملك، بدلاً من قياس الإنجاز بالساعات التي تقضيها فيه.
انبذ "ثقافة العمل باستمرار". وبدلاً من ذلك، ركز على تحقيق أهداف أعمق وتطوير مهاراتك
لم يكن آينشتاين يحاول تحقيق النجاح بطريقة مثيرة للإعجاب أو أن يكون أداؤه مذهلاً للغاية. في الواقع، لا تؤدي السلوكيات والمصطلحات المرتبطة بـ "ثقافة العمل باستمرار" (hustle culture) إلى تحقيق إنجازات عظيمة. فما يهم هو السعي إلى تحقيق أهداف أعمق وشخصية أكثر، مثل معرفة الظواهر المهمة وفهمها أو حل المشكلات المعقدة أو إحداث تأثير إيجابي في المجتمع. بالطبع قد تفكر في الأهداف من الناحية العملية بدرجة أكبر (على سبيل المثال، مستهدفات المبيعات)، ولكن يجب أن تفكر أيضاً في الطموح الأكبر الذي يهمك تحقيقه، وحاول التركيز على المهمات التي ستساعدك على تحقيقه، واستبعد الكثير من بقية المهمات.
هناك طريقة أخرى للابتعاد عن ثقافة العمل باستمرار، سواء كنت معلماً أو محاسباً أو مديراً، وهي إعادة التفكير في وظيفتك على أنها موهبة أو مهارة تحاول صقلها. ينبغي أن يجعلك هذا أكثر اهتماماً بجوانب العمل، مثل اكتساب المهارات والحصول على التعليقات والتفاعل مع مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين يمكنهم مساعدتك على التحسن. كل هذه الأشياء ستحثك على القيام بالعمل الأهم، وليس بالكثير من الأعمال، ما سيسمح لك بتحقيق أهدافك الكبيرة.
تعلم ممن تتخذهم قدوة
فكر في الأشخاص الذين حققوا نوع النجاح الذي تريد تحقيقه دون الإفراط في العمل أو الإشارة باستمرار إلى كم كانوا "غارقين في العمل" و"منهكين"، وكأنه وسام شرف. (ملاحظة: أصبح هذا النوع من الشكوى أمراً عادياً، ولكنه ليس كذلك. إذا كان شخص ما منهكاً حقاً بسبب كثرة العمل، فهذه مشكلة تحتاج إلى معالجة).
للتوضيح، لا أتحدث عن البحث عن نماذج يُحتذى بها من المشاهير أو الرؤساء التنفيذيين الذين تحترمهم ولكنك لا تعرفهم. هناك استراتيجية أكثر فعالية يمكنك استخدامها عند محاولة العثور على نماذج يحتذى بها: أن تبحث ببساطة داخل مجال تخصصك وخارجه. مَن الذي يلهمك لأنه ينجز عمله بجودة عالية دون إفراط في العمل أو العمل بشكل مستمر أو الإصابة بالاحتراق الوظيفي؟ ما هي النُهج التي يتبعونها؟ هل يمكنك تكييف أي من هذه النُهج لتناسب قيمك وأهدافك وشخصيتك وظروفك؟
تجاهل الطلبات التي تدعو إلى الإفراط في العمل
إليك أحد القوانين الأساسية في علم النفس: تعزيز السلوكيات يؤدي إلى زيادتها. وعندما تتجاهلها، قد يحدث ما يُعرف بـ "ذروة عنف السلوك" (extinction burst)، وهي زيادة قصيرة المدى في السلوكيات الإشكالية، لكنها ستتوقف بعد ذلك.
على سبيل المثال، إذا أرسل إليك أحد الزملاء رسالة عبر البريد الإلكتروني بعد ساعات العمل وقمت بالرد عليها، فأنت بذلك تشجع على المزيد من العمل ليلاً. وسيطلب المرسل القيام بمزيد من العمل، منك ومن أي شخص آخر. أما إذا تجاهلت المحاولات غير اللائقة لدفعك إلى العمل فوق طاقتك، فقد يحاول الشخص لفترة قصيرة من الوقت أن يجعلك تمتثل لطلباته بجنون وبطرق متلاعبة، وهذه هي "ذروة عنف السلوك"، ولكنه بعد ذلك سيتأقلم مع الوضع. فالبشر مجبولون على التعلم.
إذا كان مديرك هو مَن يضغط عليك لتعمل فوق طاقتك، فهذه إحدى العلامات الأساسية الدالة على أن ثقافة العمل مؤذية. اجعل حدودك واضحة، وإذا لم تتوقف هذه السلوكيات، ففكر في الانتقال إلى أدوار في فِرق أخرى أو مؤسسات أخرى للعمل مع مدراء لديهم توقعات أكثر واقعية. فكما يقول آدم غرانت: "ليس من واجبك إصلاح مكان العمل السام من القاع".
نواجه جميعاً ضغوطاً داخلية وخارجية للقيام بمزيد من الأعمال. ولكن في أثناء السعي إلى تحقيق النجاح والإنجاز الوظيفي، سيكون الإفراط في العمل عدوك وليس صديقك. ويمكن أن تساعدك هذه الاستراتيجيات على مقاومته.