ملخص: في مشهد الأعمال المعاصر، تطور مفهوم إدارة التغيير (أو تحوّل الأعمال) من مشروع خاص يُنفذ لمرة واحدة إلى سلسلة لا تنتهي من التحولات، ومعظمها ينتهي بالفشل لسوء الحظ. يحتاج القادة إلى نهج جديد لمواجهة مستقبل مليء بالتغيرات والتحديات والمفاجآت. تركز المؤسسات ذات التفكير الاستشرافي على التجديد، ويتضمن ذلك بلورة رؤية طويلة المدى وسلسلة من الإجراءات المتسقة لربط العمليات التجارية والأداء على نحو أكثر انسجاماً وخلق قيمة مستدامة.
"انسَ أمر خطة التحول الأخيرة، نحتاج إلى خطة جديدة".
كم مرة تسبب قادة الأعمال في حدوث اضطرابات تنظيمية من خلال الاستجابة المتسرعة لأحدث التحولات الواسعة النطاق؟ مثل الاستجابة للجائحة، أو تحسين سلسلة التوريد، أو بلورة استراتيجية جديدة للتعامل مع ثورة الذكاء الاصطناعي الحالية، ولا تنسى الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.
لا يبدو أن التحولات تنتهي، ومعظمها فاشل على أي حال، لذلك قد يتساءل المرء إذا ما كان مفهوم التحول نفسه قد أصبح متقادماً؟
ربما تكمن الإجابة عن هذا السؤال في الطبيعة. لقد كتب داروين عن قدرة الأنواع على التكيف التطورية بطبيعتها وغير المتقطعة والمتناغمة مع النظام البيئي الأوسع. لا يتعلق الأمر بالمرونة، بل بالتجدد. إذا طبّقنا هذا المفهوم على عالم الأعمال، فسيكون التحول التجديدي هو ذلك التحول الذي يربط بانسجام بين عمليات الشركات المعاصرة وأدائها ببيئة العمل الأوسع للأشخاص والأماكن والمؤسسات التي تعمل ضمنها.
تتميز الشركات المتجددة التي تعاونّا معها بقادة شجعان يعطون الأولوية للعمل ويؤمنون بأن هناك علاقة وثيقة بين الأعمال التجارية والمجتمع. يركز عملنا مع القادة المجددين على تعزيز رؤية طويلة المدى وليس على إجراء تعديلات غير محسوبة العواقب. فبدلاً من التركيز على كيفية تعزيز المحصّلة النهائية، يتبنى هؤلاء القادة المجددون نهجاً عكسياً ويسألون أنفسهم: كيف يمكننا الاستثمار في موظفينا لإحداث تأثير طويل الأمد؟ وكيف يمكننا التعاون بطريقة مختلفة لتأسيس أعمال فريدة من نوعها؟ بعبارة أخرى، يتجاوزون الأهداف القصيرة الأجل (مثل النجاح في هذا الربع من العام) ويحولون تركيزهم إلى الاستدامة الطويلة الأجل (التجديد من أجل المستقبل وتطوير نموذج أعمال مستدام).
تؤدي عملية التجديد إلى توليد قيمة تجارية مستدامة وتسهم في خلق مستقبل يخدم مصلحة الجميع، ويتحقق هذا النجاح الأوسع نطاقاً والأكثر استدامة على المدى الطويل من خلال معالجة المشكلات بعقلية شاملة.
كيف تكون مجدِداً؟
يدرك قادة الشركات المجددة التي عملنا معها أن التحول ليس مشروعاً خاصاً يُنفذ لمرة واحدة، وأنه لا يتعلق بمجال محدد واحد مثل الرقمنة أو الاستدامة. تدمج الشركات المتجددة التغييرات الضرورية جميعها في سلسلة من الإجراءات المنسقة -أو تتكيف باستمرار في اتجاه ثابت. فيما يلي كيف يحققون ذلك.
تعلم من ممارسات إدارة التغيير الناجح
أنجح التحولات هي التي تُحدث التغيير المدروس خطوة بخطوة. والقادة الأكثر فاعلية في الشركات المجددة هم أيضاً الأمهر في إدارة التغيير، إذ يضعون الأساس للتغيير ويهتمون بالتعليقات ويستمرون في تحسين أساليبهم في تنفيذ التغييرات اللاحقة.
تعاونّا مؤخراً مع شركة كانت تتطلع إلى تعزيز مرونتها وتركيزها على العملاء. أدرك قادة الشركة أن هذا التحول يتطلب إعادة تصميم طريقة عمل المؤسسة. كانوا بحاجة إلى إجراء تغييرات جوهرية من أجل مصلحة الشركة، لكنهم أرادوا أن تكون هذه التغييرات قابلة للإدارة ومستدامة لفرقهم التي تنفذها.
نظراً للتغييرات الواسعة النطاق (في هياكل إعداد التقارير والعمليات وصناعة القرار والمسؤوليات وما إلى ذلك)، قرروا إعطاء الأولوية للتغييرات الأهم أولاً. وهكذا، وبدلاً من تنفيذ تغييرات شاملة في جميع أنحاء المؤسسة المتعددة الجنسيات، بدؤوا بتعديل العمليات الأهم وإبلاغ هذه التغييرات بوضوح. وقد سمح هذا النهج المحسوب والمتسق للشركة بمواصلة العمل بسلاسة، مع فرق عمل قادرة على التكيف مع التغييرات دون إثقالهم بدرجة التغيير.
بمجرد تنفيذ الموجة الأولى من التغييرات بنجاح، تمكّن القادة من الانتقال إلى تنفيذ المجموعة التالية من التغييرات، مع الحفاظ على الثقافة الأساسية التي دعمت تبنّي العمليات الجديدة. وقد سهّلت عملية التعديل التدريجي هذه إجراء مزيد من التغييرات الناجحة اللاحقة، حيث اعتاد الموظفون على طرق العمل الجديدة وأصبحوا مستعدين لإدخال المزيد من التغيير.
الدرس المستفاد للمؤسسات: ابدأ بتغييرات على نطاق ضيق، وعندما توسع نطاق جهودك، طبّق دروس إدارة التغيير القيّمة التي تتعلمها خلال العملية.
إعادة تصور سلسلة القيمة من خلال طرح الأسئلة الصحيحة
تزخر سلاسل التوريد بفرص عديدة لإعادة النظر في عملياتها وتجديدها. في الواقع، يقول 60% من المسؤولين التنفيذيين إن أعمالهم بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لإنشاء سلسلة توريد متجددة، إذ إن سلاسل التوريد التقليدية غير مهيأة لمشهد الأعمال اليوم. لذلك لن تكفي التعديلات الطفيفة على سلاسل القيمة القديمة أو مجرد نقل بعض مراكز التوزيع بالنسبة للمؤسسات التي ترغب في التجديد.
على سبيل المثال، كانت إحدى شركات السلع الاستهلاكية المعبأة تعاني آثاراً سلبية بسبب سلاسل القيمة التقليدية الجامدة، إذ واجهت صعوبات في تحقيق أهداف هامش الربح وتلبية احتياجات العملاء من المنتجات والخدمات.
اكتشفت الشركة بعد تحليل الوضع الحالي لسلاسل القيمة انفصالاً كبيراً سببه البنية التنظيمية التقليدية للشركة، حيث كانت الأقسام المختلفة مثل سلسلة التوريد والتصنيع وخدمة العملاء والتسويق تعمل في صوامع منعزلة، ما أدى إلى عدم كفاية التواصل الضروري فيما بينها حول جوانب مثل: ما الذي يرغب فيه العملاء حقاً من محفظتنا؟ هل نقيّد خياراتنا دون داعٍ بسبب قرارات سابقة؟ ما النماذج القديمة التي يمكن أن نغيرها؟ ما الشروط التي يجب استيفاؤها لتحقيق تحسن كبير في الهامش؟
وبدلاً من تعزيز التعاون، كان قادة الأعمال يتخذون قرارات بناءً على وظائفهم الفردية ويمررون طلباتهم دون تواصل أو تعاون كافيين متوقعين أن تنفذها فِرق سلسلة التوريد ببساطة. لم يعد هذا النهج الانعزالي فعّالاً الآن. فجميع التحديات التي واجهتها الشركة كانت مترابطة، لذلك كان لا بد أن تكون حلول تحسين هوامش الربح شاملة وممتدة عبر المؤسسة بأكملها أيضاً. تمثل الحل الذي اتبعته الشركة في إعادة هيكلة سلسلة القيمة وإنشاء وحدات أعمال متماسكة تتمحور حول منتجات محددة ضمن المحفظة. فبدلاً من تفويض قرارات العمليات إلى مجموعة منفصلة من سلسلة التوريد، كان لكل وحدة أعمال سيطرة مباشرة أكبر على عملية تخطيط منتجاتها وتصنيعها. ومع تمتع كل وحدة أعمال بالاستقلالية والسيطرة والرؤية الواضحة لسلسلة القيمة الكاملة من البداية إلى النهاية، أصبح بمقدورها اتخاذ القرارات بسرعة أكبر وفهم عواقب قراراتها والحفاظ على اطلاع وثيق على كيفية وصول المنتجات إلى العملاء.
حتى بعد مرور بضعة أشهر فقط على عملية إعادة الهيكلة، يتخذ القادة قرارات ومقايضات مختلفة إذ يدركون الآن كيف يؤثر تخطيطهم وتنفيذهم في كل من العميل والمحصلة النهائية. كانت النقطة الأهم في الرؤية الثاقبة المكتسبة إدراك كيف يمكن للتعديلات المناسبة على المنتج والمحفظة وخدمة العملاء أن تعزز القيمة عبر سلسلة التوريد. وقد أدت عملية إعادة هيكلة المؤسسة إلى تعزيز العمل التعاوني وفهم أعمق لكيفية سير الأعمال وزيادة المساءلة التي تتحملها الفرق عن النتائج.
على الرغم من اختلاف سلاسل التوريد المتجددة عن سلاسل التوريد التقليدية، فإنها تعد بتحسين الأداء وخفض التكاليف وتعزيز رضا العملاء. من خلال تبني عقلية منفتحة على الاحتمالات المختلفة وتصور طرق بديلة لإدارة العمليات التجارية، يمكنك الكشف عن فرص جديدة.
ضاعف التركيز على الثقافة
بالطبع، لا يتعلق بناء مؤسسة أكثر تجدداً بإعادة تصور سلسلة القيمة أو تغيير أسلوب العمل التكتيكي فقط. فطاقة التجديد تأتي من الأشخاص الذين يتمتعون بروح المبادرة والقدرة على العمل، الذين سيصممون التغييرات الدائمة التي تجدد المؤسسات وينفذونها. الثقافة عنصر أساسي في أي تغيير كبير، ولا تنجح التحولات التجديدية إلا عندما تكون الثقافة المحرك الدافع لها. من المثير للدهشة أن 57% من المسؤولين التنفيذيين يعتقدون أنهم بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لخلق ثقافة متجددة.
على سبيل المثال، نجحت إحدى الشركات التي تعاونّا معها إلى حد كبير في أن تصبح متجددة على مدار العقد الماضي، وكان أساس هذا التحول ترسيخ ثقافة تركز على العملاء في صميم جوانب العمل جميعها. وضع المسؤولون التنفيذيون في الشركة توجيهاً واضحاً: رضا العملاء هو مقياس العمل الأهم لجميع الأقسام والموظفين، وليس فقط في مؤسسة الخدمات. لقد استثمروا في فرق العمل التي تتعامل مع العملاء من خلال توفير التدريب وهيكلة التعويضات ومنح سلطة اتخاذ القرار لتعزيز ثقافة التركيز على العميل أولاً. ونتيجة لذلك، تضاعف صافي نقاط الترويج للشركة مرات عدة.
لتقييم إذا ما كانت ثقافة شركتك متجددة أم لا، اسأل نفسك:
- هل يتواصل أعضاء فرقك فيما بينهم فعلياً؟ هل يدركون تأثير قراراتهم على زملائهم في الوظائف الأخرى؟ هل يدركون متى تفرض إجراءاتهم تغييرات مكلفة على بقية الأعمال؟
- هل تحصل فرقك على التدريب وتتمتع بعقلية التعلّم مدى الحياة اللازمة لتحسين مهاراتها؟ هل يخضع موظفوك لإعادة التدريب لتعزيز قدرتهم على التكيف في مواجهة الزعزعة المستمرة في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؟
- هل يدرك فريق التصنيع الأسباب الكامنة وراء إجراء قسم المشتريات الداخلية تغييرات على قاعدة التوريد؟ هل تدرك إدارة المنتجات كيف ستؤثر امتدادات المنتجات الجديدة في اقتصادات الإنتاج والخدمات اللوجستية؟ هل يعرف فريق التصنيع كيفية الاستجابة إذا تجاوز نمو المنتج الجديد التوقعات؟
- هل الجميع في المؤسسة على دراية برؤى الزبائن الجديدة؟ هل يفهم الجميع دورهم في تعزيز ثقافة "العميل أولاً" وكيف سيعزز ذلك من أداء الأعمال؟
عندما تؤسس ثقافة قائمة على العمل التعاوني وتضع توقعاً لمشاركة المعلومات بحرية، سيكون بمقدور الأفراد فهم التغييرات المهمة وتقبّلها ودعمها بدلاً من الخوف من التغيير أو مقاومته. ومن خلال تحويل الحوار من "لا يمكننا تحقيق ذلك لأن..." إلى "ما الشروط التي يجب توافرها لتحقيق هذا الهدف؟"، تطلق العنان للقدرة على التفكير على نحو أوسع نطاقاً وأكثر شمولاً وبطريقة تتوافق مع قيادة الأعمال المتجددة.
المستقبل مليء بالتغيرات والتحديات والمفاجآت، ومن المستحيل التخطيط لها أو القضاء على المخاطر المرتبطة بها كلها. والنهج الأفضل للمضي قدماً هو تقبّل عدم اليقين والسعي إلى إحداث تغييرات إيجابية من عوامل التحفيز والحفاظ على المرونة والحماس لقيادة تغيير تدريجي أكثر ديمومة. عندما يرتقي قادة الأعمال إلى مستوى التحدي المتمثل في بناء أعمال متجددة بعقلية شاملة على مستوى الشركة، يمكنهم ترك إرث إيجابي على مؤسساتهم وموظفيهم والعالم. لننطلق في رحلة التجديد. هكذا يحدث التحول الشامل الحقيقي.