أراد أحد المسؤولين في مصرف في جنوب شرق آسيا إتاحة المجال لموظفي وكالة تأجير سيارات لشراء سيارات مستعملة من صاحب العمل. ولكن لم يكن باستطاعة أي إدارة من إدارات المصرف تقديم هذا المنتج. لقد وقفت تشكيلة المنتجات الحالية التي يقدمها المصرف أو المخاطر المحتملة أو التوجيهات التنظيمية حجر عثرة أمام الإدارات المختلفة لإنجاز ذلك. بيد أنّ أحد الزملاء المصرفيين تمكن من تسهيل هذا الأمر عن طريق إيضاح قيمة هذه الصفقة لوكالة التأجير ذاتها، وأدى ذلك إلى المشاركة في تصميم العرض وتقديمه بصورة مشتركة من قبل إدارتين من إدارات المصرف.
يعود الفضل في نجاح هذا المنتج المالي الجديد إلى السلطة غير الرسمية للمصرفي. إنّ هذه السلطة غير الرسمية والتي ليس لها علاقة بتسميتك الوظيفية الرسمية، قد تمكنك من حشد الموارد ودفع عجلة التغيير وخلق قيمة للشركة ولنفسك أيضاً. وضمن أوساط أماكن العمل الحديثة، أصبحت السلطة غير الرسمية محورية على نحو متزايد ويمكنها ضمان حفاظك على مكانتك داخل الشركة التي تعمل فيها.
ولكن لماذا؟ في أيامنا هذه، ينتقل سير العمل من السوق العمودي المتخصص إلى الفضاء المفتوح بين الأسواق بحيث تستجيب الشركات بمزيد من الدقة لحاجات الزبائن. ويُعتبر هذا التوجه مهماً في الشركات التي لديها فرق متعددة الوظائف أو مدراء حسابات أو هيكل مصفوفي. حتى الشركات الأصغر حجماً فهي توجه تركيزها نحو المشاريع على نحو متزايد.
أصبح العمل اليوم يُنجز أكثر فأكثر خارج الشركة بالتعاون مع الموردين والموزعين والزبائن، حيث تستعين الشركات بمصادر خارجية من أجل خلق الأفكار وأداء الأعمال. وأصبحنا نتعامل مع موظفين مستقلين وأطراف ثالثة، ونتعاون في بعض الأحيان مع المنافسين.
والواقع هو أنّ تسميتك الوظيفية الرسمية ومرؤوسيك المباشرين والسلطة الممنوحة لك رسمياً لا تفتح أمامك آفاقاً جديدة دائماً عندما تعمل عبر شركتك ومع أصحاب المصلحة الخارجيين.
هل لديك السلطة غير الرسمية لخلق القيمة وإنجاز الأعمال؟ إليك إذاً كيفية إجراء تدقيق لحالة سلطتك:
- الخطوة 1: حدد أفضل عشرة أشخاص لديك تتواصل معهم ويساعدونك على إنجاز الأعمال، قد يكون أولئك الأشخاص داخل شركتك أو خارجها.
- الخطوة 2: حدد لكل شخص درجة من (1) إلى (10) للإشارة إلى مدى اعتمادك عليه. وإذا كان أحد أولئك الأشخاص يوفر لك الكثير من القيمة ويصعب استبداله، خصص له درجة عالية. فكر بصورة عامة في القيمة التي يقدمونها، ويشمل هذا المشورة المهنية والدعم العاطفي والدعم في الأنشطة اليومية والمعلومات والوصول إلى الموارد أو أصحاب المصلحة.
- الخطوة 3: افعل الأمر نفسه ولكن في الاتجاه المعاكس، حدد درجة لنفسك من وجهات نظر الآخرين. ما مقدار القيمة تقريباً التي تقدمها للأشخاص الذين أنت على تواصل معهم وما مدى صعوبة الاستغناء عنك، ولكن ينبغي أن تكون صادقاً مع نفسك!
بعد ذلك، ابحث عن الإشارات الحمراء في التدقيق الذي أجريته للسلطة التي تمتلكها، إذ قد تشير تلك الإشارات إلى أنك تفتقر إلى السلطة غير الرسمية ويمكن الاستغناء عنك.
هل يعمل جميع الأشخاص الذين أنت على تواصل معهم ضمن فريق أو وظيفة أو إدارة منتج أو مكتب واحد؟ قد يشير هذا إلى محدودية القدرة على خلق قيمة تتجاوز المقتضيات الأساسية لتوصيفك الوظيفي.
هل يقدم لك أولئك الأشخاص قيمة أكبر من تلك التي تقدمها أنت؟ اعلم إذاً أنه من الصعب المحافظة على هذه العلاقات على المدى الطويل، أي أنّ أوجه عدم التماثل في الاعتماد على الآخرين يشير إلى أنّ الآخرين هم الذين يمسكون بزمام السلطة في العلاقة.
هل مستوى اعتمادك على الآخرين متدن طوال الوقت؟ يمكن أن يشير ذلك إلى سيطرة العلاقات المتعلقة بالمعاملات، والتي غالباً ما تكون مدفوعة بالمقايضة. في المقابل، يمكن إشباع العلاقات ذات الاعتمادية العالية بالقيم والديناميات العلائقية والتي لا تُحتسب ببساطة.
هل كل القيمة التي تعطيها أو تتلقاها تتركز على مستوى بضعة أشخاص؟ قد تكون إذاً معرضاً للخطر في حال فقدت أولئك الأشخاص أو تغيرت علاقتك معهم. فقد شاركني أحد كبار المسؤولين التنفيذيين أنّ اثنين من معارفه الرئيسيين، هما الشخصان اللذان قادا القيمة ضمن شبكة علاقاته، ولكن للأسف، توفي أحدهما وانتقل الآخر إلى منطقة أخرى. فتلاشت السلطة غير الرسمية لذلك المسؤول التنفيذي بين ليلة وضحاها.
والآن، بعد أن أجريت تدقيقاً لسلطتك غير الرسمية، كيف يمكنك تحسين مكانتك؟
قبل كل شيء، خذ بعين الاعتبار أنّ الطريقة الأساسية لتدارك نتائج التدقيق المخالفة لمصلحتك هي كسب العلاقات من خلال تقديم قيمة للأشخاص الذين تتواصل معهم. اطرح على نفسك السؤال التالي: ما هي القيمة التي يمكنك تقديمها لهم؟ تتمثل إحدى الطرق في التطوير والتحسين المستمر لمجموعة من المهارات التي تقود الآخرين إلى تقدير مساهماتك. ثم استخدم مهاراتك بصورة استباقية لمساعدة الآخرين، وذلك بما يفوق متطلبات دورك الرسمي، فأنت لا تريد أن تكون الخبير الذي لا يعلم أحد به.
ثانياً، اجعل من عملك أداة لمساعدتك، اعمل على إدارة توصيفك الوظيفي بحيث يمكنك المساهمة في سير عمل وظائف متعددة داخل الشركة، فضلاً عن الزبائن أو الشركاء الخارجيين أو الجهات المنظمة. وتطوع في مبادرات متعددة المهام وفكر في حالات التنقل الوظيفي الأفقي على أنها دفعة نحو الأمام، فمن خلال عملك عند تقاطعات سير العمل؛ تكون قد وضعت نفسك بالمكان الذي سيجعلك تلتقي بالعديد من أفراد المجموعات المتنوعة في الشركة وتتعلم منهم وتقدم القيمة لهم.
ثالثاً، تعرف على أصحاب المصلحة والجهات المتعاونة معك بصورة أفضل كأفراد. قد يدهشك كيف أنّ الأمر الذي يبدو سهلاً بالنسبة لك يحمل قيمة جوهرية بالنسبة للآخرين. فنحن لا نقدم شيئاً أحياناً معتقدين بأنه علينا تقديم مساهمات عظيمة أو خدمات هائلة للآخرين. إنّ معرفة الآخرين بصورة جيدة يمكن أن تطرح أمامنا بدائل مفيدة؛ كما لا تقيّد نفسك في المجال المهني فقط.
انضم إلى مؤسسات اجتماعية إلى جانب تلك المهنية خارج نطاق عملك. إذ إنّ للأنشطة المشتركة تأثير لا يمكن الاستهانة به على توسيع شبكة علاقاتنا وذلك خارج نطاق المجموعة المعزولة لزملاء العمل المباشرين. هناك صديق لي، وهو رائد أعمال، تعلم بداية من شريكه في نادي السباحة حول معايير شركات رأس المال الاستثماري المغامر (أو ما تسمى بشركات رأس المال الاسثتماري الجريء) في اختيار وتمويل شركات قطاع علوم الحياة. وانتهى المطاف بذلك الشريك ليكون أول مستثمر له.
ينبغي ألا تُعرّف قيمتك فقط من خلال قدرتك على أداء دور تنظيمي رسمي. وإذا كان هذا هو الحال، فمن المحتمل أنك في ورطة، إذ سينضمّ منافس أقل كلفة وأصغر سناً وأكثر ذكاء إلى الشركة عاجلاً أم آجلاً. ولكن من خلال خلق القيمة لمجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة وجعل نفسك شخصاً لا يمكن الاستغناء عنه، يمكنك إتاحة الإمكانات أمام نفسك داخل الشركة وخارجها. وبذلك، فإنك تضيف قيمة لشركتك.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: عيوب التأجير التمويلي