ملخص: نظراً للتأثيرات السلبية التي يسببها السلوك العدواني في مكان العمل، تبحث المؤسسات عن مجموعة متنوعة من المبادرات الوقائية. تتضمن إحدى المبادرات التي تزداد انتشاراً، وهي تدخل المتفرّجين، تدريب الأشخاص الذين يشهدون مثل هذه الحالات على التدخل. على الرغم من أهمية دور المتفرّجين في تحديد مسار السلوك العدواني ونتائجه في مكان العمل، فإن العديد من الأفراد الذين يتصدون لمرتكبي الإساءة يتعرضون لردود فعل سلبية، لأن تدخل المتفرّجين يُظهر لمرتكب الإساءة أن سلوكه غير مقبول، ما يزعزع صورته في بيئة العمل، وبالتالي، يؤدي إلى إثارة ردود فعل دفاعية من ذلك الشخص. لذلك، فإن الطريقة التي يتدخل بها المتفرّجون مهمة جداً. لا يكفي أن نطلب من الناس أن يتدخلوا فحسب؛ بل يجب علينا تعليمهم كيفية تنفيذ ذلك بطريقة تقلل من تأثيرات ردود الفعل السلبية غير المقصودة.
يشكّل السلوك العدواني في مكان العمل، مثل الصراخ، أو توجيه ملاحظات تقلل من شأن الآخرين، أو التهديد، أو نشر الأكاذيب أو الإشاعات، تحدياً كبيراً يواجه المؤسسات، إذ يفرض عبئاً كبيراً بتكلفة سنوية ضخمة تصل إلى 1.97 تريليون دولار. تشمل هذه الخسائر المالية التكاليف المباشرة المرتبطة بنفقات الرعاية الطبية والتكاليف غير المباشرة المتعلقة بفقدان الإنتاجية بسبب الغياب نتيجة المرض وزيادة معدل التسرب الوظيفي وانخفاض جودة الحياة بالنسبة للموظفين. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الموظفون، الذين يتعرضون للسلوك العدواني في مكان العمل أو يشهدونه فقط، تدهور صحتهم وانخفاض أدائهم.
نظراً لتأثير تلك الاعتداءات، تبحث المؤسسات عن مجموعة متنوعة من المبادرات الوقائية. تتضمن إحدى المبادرات التي تزداد انتشاراً، وهي تدخل المتفرّجين، تدريب الأشخاص الذين يشهدون مثل هذه الحالات على التدخل. في الواقع، يجري العديد من المؤسسات الحكومية والتعليمية تجارب لفرض تدخل المتفرّجين. حتى في غياب التدريب الإلزامي، يواجه المتفرّجون ضغوطاً للتدخل، يتضح ذلك من خلال شعارات مثل "إذا رأيت سلوكاً عدوانياً، يجب عليك التدخل والتصرف"، بالإضافة إلى ظهور حملات تحثهم على الانتقال من مجرد متفرجين سلبيين إلى فاعلين إيجابيين.
يمكن أن يؤدي المتفرّجون دوراً مهماً في تحديد مسار السلوك العدواني ونتائجه في مكان العمل. يمتلك المتفرّجون، بفضل قدرتهم على التدخل، القدرة على إحداث تغيير في مسار الأحداث والتأثير على سلوك مرتكبي الإساءة وردعهم وحماية الضحايا ودعمهم. على الرغم من ذلك، فإن التدخل ليس أمراً بسيطاً على الإطلاق.
عند اتخاذ قرار التدخل، يواجه المتفرّجون مجموعة من الخيارات التي تشمل الاستجابات التعاطفية والمشاركة الوجدانية، مثل تقديم الدعم للضحية، وصولاً إلى اتخاذ استراتيجيات حازمة، مثل مواجهة مرتكب الإساءة وإيقاف سلوكه. يمكن أن يكون لكل من هذه الإجراءات تبعات وتأثيرات على كل من الضحايا والمتفرّجين، ولا تكون هذه النتائج إيجابية بالضرورة. على سبيل المثال، يتعرض العديد من الأفراد الذين يتصدون لمرتكبي الإساءة لردود فعل سلبية. لأن تدخل المتفرّجين يُظهر لمرتكب الإساءة أن سلوكه غير مقبول، ما يزعزع صورته في بيئة العمل، وبالتالي، يؤدي إلى إثارة ردود فعل دفاعية من ذلك الشخص.
لذلك، فإن الطريقة التي يتدخل بها المتفرّجون مهمة جداً. لا يكفي أن نطلب من الناس أن يتدخلوا فحسب؛ بل يجب علينا تعليمهم كيفية تنفيذ ذلك بطريقة تقلل من تأثيرات ردود الفعل السلبية غير المقصودة.
يقدم بحثنا الجديد إرشادات مهمة للمتفرّجين حول كيفية زيادة فعالية تدخلاتهم. سنستعرض بعض المفاهيم الخاطئة والحقائق حول تدخل المتفرّجين ومناقشة كيفية اتباع نهج مدروس وفعال لتقليل حدة ردود الفعل الدفاعية لدى مرتكبي الإساءة وتحقيق نتائج إيجابية للأطراف المعنية كافة.
المفهوم الخاطئ: يجب تدخل المتفرّجين على الفور
خلال المواقف المشحونة، ربما يكون من الصعب على كل من المتفرّجين ومرتكبي الإساءة تقييم الموقف والاستجابة له بموضوعية وعقلانية. في العديد من المواقف، ربما يكون من الحكمة تأجيل معالجة المشكلة أو التدخل حتى تهدئة الوضع وانخفاض حدة الانفعالات. يُعد الانتظار وتأجيل التدخل أفضل طريقة في المواقف التي تبدو غير آمنة، أو إذا كان المتفرّجون غير متأكدين من طريقة التصرف المناسبة، أو عندما يكون هدفهم هو مساعدة مرتكب الإساءة في إدراك سلوكه غير المناسب.
من ناحية أخرى، في حال وجود تهديد وشيك للضحية، فربما يكون من الضروري اتخاذ إجراء سريع. في مثل هذه الحالات، ربما يضطر المتفرّجون إلى التدخل الفوري إما عن طريق حماية الضحية من الأذى أو تشتيت انتباه مرتكب الإساءة عن سلوكه العدواني.
المفهوم الخاطئ: يجب أن تكون تدخلات المتفرّجين تصادمية وحازمة ضد مرتكبي الإساءة
ربما لا يشعر الكثير من الأفراد بالارتياح تجاه المواجهة المباشرة، وهذا أمر طبيعي تماماً. بدلاً من ذلك، ثمة أساليب للتدخل دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة مع مرتكبي الإساءة؛ إذ يمكن أن تساعد هذه الأساليب الضحايا أو تمنع تكرار حدوث المعاملة السيئة في المستقبل. يمكن أن يسهم دعم الشخص الضحية، من خلال الاستماع والتعاطف والمساعدة، في توفير الراحة والدعم النفسي الذي يحتاج إليه في مثل هذه المواقف. بالإضافة إلى ذلك، يُعد الإبلاغ عن الموقف العدواني إلى السلطات المعنية أو موظفي الموارد البشرية طريقة جيدة لضمان معالجة المشكلة بطريقة صحيحة، دون الحاجة إلى المواجهة المباشرة.
المفهوم الخاطئ: يجب أن تركز تدخلات المتفرّجين على معاقبة مرتكبي الإساءة
من الضروري تسليط الضوء على إمكانية التعامل مع مرتكب الإساءة بطريقة مثمرة وإيجابية. تتمثل إحدى الطرائق الفعالة في تجنب المواجهة المباشرة والتركيز على إتاحة الفرصة لمرتكب الإساءة للاعتذار والتراجع عن سلوكه دون إحراجه، وذلك من خلال مخاطبته على انفراد بأسلوب يراعي مشاعره. يؤدي ذلك إلى إنشاء بيئة داعمة، ما يشجع مرتكب الإساءة على التفكير في أخطائه والتعلم منها بدلاً من وضعه في موقف محرج وشعوره بأنه يتعرض للهجوم. بالطبع، تُعد مثل هذه الأساليب الإيجابية مجدية فقط إذا لم يتسبب مرتكب الإساءة في أي ضرر للضحية ولا تزال توجد طريقة أمامه لإصلاح الأمور.
الحقيقة: تؤثر علاقتك بمرتكب الإساءة على فعالية تدخلك
يمكن أن تؤثر درجة الثقة والعلاقة الشخصية والتفاعلات السابقة في كيفية استجابة مرتكب الإساءة لتدخلك. في حال وجود علاقة وطيدة مبنية على الثقة مع مرتكب الإساءة، فمن الممكن إجراء محادثة صريحة وخاصة لمناقشة سلوكه. من ناحية أخرى، إذا كانت العلاقة بينكما متوترة، فربما يكون من الأفضل إشراك وسيط أو مشرف موثوق به لحل النزاع.
الحقيقة: تؤثر ديناميات السلطة في مكان العمل على نتائج إجراءات التدخل
من المهم الاعتراف بأن الأفراد الذين يمتلكون سلطة وتأثيراً أكبر يمكنهم إحداث تغيير من خلال فرض عقوبات أو إجراءات تأديبية أو وضع معايير وقواعد جديدة لتوجيه السلوك والممارسات. يمكن أن يؤدي غياب عوامل الردع، مثل التهديد بفرض عقوبات، إلى إنشاء بيئة خالية من القيود، ما يدفع الأفراد إلى العودة إلى سلوكياتهم الضارة السابقة.
على الرغم من ذلك، فإن الاعتماد على القوة والسلطة فقط يمكن أن يكون أمراً محفوفاً بالمخاطر؛ إذ ربما لا يؤدي إلى تغيير سلوكي طويل المدى. لتحقيق تحول مستدام، من الضروري أن تُعزّز المعايير المؤسسية الراسخة التفاعلات الراقية وتمنع السلوك العدواني. يوفر التطور الثقافي الشامل بيئة مرنة وملائمة لتحقيق تغييرات إيجابية مستدامة.
لا يمكن التنبؤ بفعالية التدخلات؛ إذ لا تؤدي دائماً إلى النتائج المرجوة. يمكن وضع الاستراتيجيات الفعالة وتنفيذها من خلال إدراك تنوع أساليب التدخل، بالإضافة إلى أهمية فهم الفرد المعني بالمشكلة.
يؤكد بحثنا أهمية التحول من التركيز على دور المتفرّجين إلى التركيز على سلوك مرتكبي الإساءة وفهم دوافعهم. يُعد فهم كيفية استجابة مرتكب الإساءة للتدخل واتخاذ خطوات تُعزز احتمالية تفاعله بإيجابية أمراً مهماً لزيادة فعالية التدخلات ونجاحها. إن اتباع نهج استباقي مدروس لتدخل المتفرّجين يُعد أمراً حاسماً لمعالجة سوء المعاملة في مكان العمل، بالإضافة إلى إنشاء بيئة عمل مناسبة تعزز النمو والتعاون والنجاح المستدام.