كيف استخدمت نايكي معايير العمل الجيدة لتعزيز نموها؟

5 دقائق
معايير العمل المفيدة للنمو

في شهر أيار/مايو الماضي، اختار الرئيس أوباما مقر شركة "نايكي" (Nike) في ولاية أوريغون (Oregon) لإلقاء خطاب مهم حول اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، مؤكداً على "أحكامها القوية القابلة للتنفيذ" بشأن معايير العمل المفيدة للنمو في الشركات، وكان موضع انتقاد شديد. فمن ناحية، لاحظ الكثيرون أنه في تسعينيات القرن العشرين، في أعقاب الفضائح في إندونيسيا وفيتنام، أصبح اسم شركة الأحذية العملاقة على حد تعبير المؤسس المشارك للشركة والرئيس التنفيذي السابق فيل نايت، "مرادفاً لأجور الرقيق والعمل الإضافي القسري والاعتداء التعسفي". أما من الناحية الأخرى، زعم النقاد أن معايير العمل في اتفاقيات التجارة هي شكل من أشكال القوانين الحمائية المقنّعة، لصالح العمال الأميركيين على حساب العمال في الدول الأكثر فقراً.

ولكن في دراسة حديثة، وجدت بالصدفة أنا وزملائي أدلة تؤكد على أن اختيار المكان والرسالة كانا مناسبين بشكل مدهش. تمثل "نايكي" مثالاً رائداً حول مدى الاستفادة من حملات مناهضة المصانع المرهِّقة ومعايير العمل في الاتفاقيات التجارية في الابتكار والنمو في البدان النامية.

انتشار التقنيات والآلات في الشركات

تبدأ القصة في عام 2011، عندما بدأ فريقنا البحثي المؤلف من ديفيد أتكين من "جامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا" (MIT)، وعزام تشودري وشاميلا تشودري من "كلية لاهور للاقتصاد" (Lahore School of Economic)، وأميت خانديلوال وأنا من جامعة "كولومبيا" (Columbia)، البحث في كيفية انتشار التقنيات الجديدة في مجموعة من المصانع في مدينة سيالكوت في باكستان، وهي مصدر رئيس لكرات القدم في العالم، بما في ذلك الكرات تلك المستخدمة في كأس العالم 2014. يجمع التصميم القياسي للكرات بين القطع السداسية والقطع الخماسية، المقطوعة من طبقات مستطيلة من الجلد الصناعي تسمى ريكسين (Rexine)، والتي تعد إلى حد بعيد أكثر المواد تكلفة في هذه العملية. وأثناء تصفحي للإنترنت، جذب نظري تصميماً خماسياً في مصنع صيني كان أكثر كفاءة من ذلك المستخدم في سيالكوت. وبتأثير مستوحى من هذا النمط، طورت أنا وزوجتي أناليزا جوزيني، وهي مهندسة معمارية، آلة قص جديدة تقلل التكاليف الإجمالية بنسبة 1%، (تخفيض متواضع، ولكن لا يهمَل في صناعة بمتوسط معدلات ربح يبلغ 8%). (لفهم كيفية تصنيع الكرات بشكل أفضل، راجع هذا الفيديو.)

في أيار/مايو 2012، وكجزء من بحثنا، قدمنا الآلات الجديدة بشكل عشوائي إلى 35 منتجِاً من أصل 135 من المنتجين في سيالكوت وجلسنا نترقب الردود. وكانت المفاجأة الأولى هي أن عدداً قليلاً من الشركات تبنت آلة القص الجديدة، على الرغم من المؤشرات التي توضح أن هذه الآلة تنتج عدداً أكبر من القطع الخماسية الشكل من الطبقة الواحدة من الجلد. سألَّنا المالكين لما لا. أجاب المالك الأول: مقاومة الموظف، حيث يتقاضى الغالبية العظمى من عمال القص في سيالكوت أجورهم لكل قطعة (عادة لكل كرة)، وآلتنا الجديدة تبطئ إنتاجيتهم، على الأقل في البداية. ومع عدم إجراء تغييرات على هذا النظام، يتحمل عمال القص تكلفة اليد العاملة المتزايدة ولا يستفيدون من الأرباح الكبيرة الناجمة عن تقليل هدر المواد. ولتأكدهم أن أرباحهم ستنخفض، فإن عمال القص كانوا يحاولون منع الشركة من قبول الآلات الجديدة، وذلك من خلال تضليل المالكين بشأن زيف فوائد التكنولوجيا.
أما المفاجأة الثانية، فكانت استثناء لهذه القاعدة العامة، حيث تبنت إحدى الشركات الكبيرة آلة القص في وقت مبكر، على الرغم من أنها لم تكن في المجموعة الأولى من مستلمي الآلة. علمت شركة "سيلفر ستار" (Silver Star)، ثاني أكبر شركة لإنتاج كرة القدم في المدينة، والتي يعمل بها أكثر من 2,000 موظف، بالآلة على الفور تقريباً، وبحلول شهر آذار/مارس 2014 كانت تستخدمها في جميع عمليات قص القطع الخماسية الشكل. لماذا تُعد هذه الشركة استثنائية؟ فهي واحدة من الشركات القلائل في المدينة التي لا تدفع صافي الأجر بالقطعة، والوحيدة التي صادفناها تضمن للعمال الحد الأدنى من الأجور على الأقل، بغض النظر عن مقدار ما ينتجون في اليوم الواحد. (إن تطبيق قانون الحد الأدنى للأجور في سيالكوت ليس قوياً.)

يمكن إرجاع نظام الأجور غير الاعتيادية لشركة "سيلفر ستار" مباشرة إلى حملة مكافحة المصانع المرهقة للعمال ضد زبونها الرئيس، نايكي. في عام 2005، بعد سنوات من الدعاية السلبية، نشرت شركة "نايكي" قائمة الموردين الخاصة بها وشددت سياستها الخاصة بالامتثال، مطالبة المقاولين من الباطن بالامتثال لـ "اتفاقية أتلانتا" (Atlanta Agreement) بشأن عمل الأطفال، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحرية النقابات، وقوانين العمل المحلية. وفي أواخر عام 2006، قطعت نايكي العلاقات مع مورديها الحاليين في سيالكوت وسط مخاوف بشأن قضايا العمال.

من أجل جذب الأعمال التجارية لشركة "نايكي"، أنشأت "سيلفر ستار" مجموعة جديدة من سياسات الموارد البشرية، بما في ذلك ضمان الحد الأدنى للأجور، ومزايا الصحة والشيخوخة، ووعد ضمني بمواصلة توظيف العمال الذين أصبحوا فائضاً بسبب التغييرات التكنولوجية. فنقلت الشركة الخياطة داخل المنازل إلى مقرها، بحيث يمكنها مراقبة ظروف العمل. وحسب تقديرات الشركة، ارتفع إجمالي تكاليف اليد العاملة بنسبة 20-30%. بدأت شركة "نايكي" في التعاقد مع "سيلفر ستار" في عام 2007.

تقول إدارة "سيلفر ستار" إن السياسات الجديدة هي مفتاح اكتساب تعاون العمال. وقال بلال جاهانجير، مدير التسويق العالمي وابن الرئيس التنفيذي (والوريث الشرعي له): "مع ما ندفعه لهم، فإننا نحصل على مساهماتهم وآرائهم التقييمية كذلك". وفي ظل ضمان الحد الأدنى للأجور، لم يكن لدى العمال من الأسباب ما يدعوهم للخوف من آلات القص الجديدة، لا بل ساعدوا في عملية الاستعانة بها.

تحول معايير العمل في الشركات

وبعد أن أثارنا هذا التحول غير المتوقع في بحثنا، أجرينا تجربة متابعة. في نصف المجموعة الأصلية الخاضعة لدراستنا، عرضنا على عمال القص ضمان الحصول على راتب شهري نموذجي، معوضين لهم عن الأرباح التي كانوا سيخسرونها خلال مرحلة التعلم الأولي، بشرط أن يؤكدوا لنا (ولجهات توظيفهم) أنه يمكنهم قص المزيد من القطع الخماسية من كل طبقة جلد بسرعة باستخدام آلات القص الجديدة. وحوالي نصف الشركات التي قبلت هذا العرض تبنت التكنولوجيا في الأشهر الستة التالية. أما الشركات التي لم نقدم العرض إليها، فلم يكن هناك شركات جديدة تتبنى آلة القص الجديدة خلال الفترة نفسها.

والرسالة هنا هي أن العمال بحاجة إلى توقع المشاركة في المكاسب من التقنيات الجديدة أو على الأقل عدم تكبد خسائر حتى يكون التبني ناجحاً.

في هذه المرحلة، فإنه من البديهي للخبير الاقتصادي أن يسأل: لماذا التدخل الخارجي ضروري؟ إذا كانت ممارسات "سيلفر ستار" مفيدة للإنتاجية والابتكار، أفلا يجوز أن تعتمدها الشركات في نظامها؟ ليس بالضرورة، حيث يبدو واضحاً أنه لولا حملة مناهضة المؤسسات المرهقة للعمال، لم تصر "نايكي" بشدة على إصلاحات التوظيف في سيالكوت. وإذا لم يكن الحافز لكسب أعمال تجارية من "نايكي"، فليس من الواضح أن "سيلفر ستار" كان لديها سبب كاف لتبني ممارسات جديدة أكثر إنتاجية. (وعلى الرغم من أن آلاتنا الجديدة توفر في المواد أكثر مما تتطلب من وقت من عمال القص، إلا أنها لا تكفي وحدها لتعويض الزيادة في تكاليف اليد العاملة بنسبة 20-30% التي طبقتها شركة سيلفر ستار لجذب تجارة نايكي).

وفي الوقت نفسه، تعمل شركة "سيلفر ستار" على تحقيق فوائد لشركات أخرى في سيالكوت لا تظهر في صافي المبيعات للشركة، ما قد يسميه علماء الاقتصاد العامل الدخيل الإيجابي. وتبنت عدة شركات أخرى بالفعل آلة القص الجديدة لمجرد أن شركة "سيلفر ستار" تستخدمها. في مثل هذه الحالات، يوجد تفسير منطقي اقتصادي واضح للتدخلات لتشجيع النشاط الذي يولد العوامل الخارجية الإيجابية. يبدو أن الحملة المناهضة للمصانع المرهقة للعمال ضد "نايكي" لعبت هذا الدور، على الرغم من أن هذا لم يكن هدفها أبداً. وقد يتوقع المرء أن يكون لمعايير العمل في اتفاقيات التجارة (إذا طُبقت) تأثير مماثل على مجموعة أوسع من الشركات.

ومن الناحية النظرية، يمكن أن يكون للضغط المناهض للمصانع المرهّقة للعمال عواقب سلبية أخرى غير مقصودة، أيضاً. على سبيل المثال، قد يثبط هذا الضغط عزيمة الشركات لإسناد العمل لجهات خارجية في أماكن معينة مثل سيالكوت. لكن الأبحاث الحديثة التي أجرتها آن هاريسون وجيسون سكور في إندونيسيا لم تجد أدلة تذكر تشير إلى مثل هذه الآثار. وفي سيالكوت، يبدو أن النتائج الإيجابية غير المقصودة على القدر نفسه من الأهمية على الأقل. وهناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لمعرفة ما إذا كانت تجربة "سيلفر ستار" نموذجية للشركات الأخرى، في القطاعات والبلدان الأخرى. ولكن من الملفت للنظر أن الآثار الإيجابية للضغط المناهض للمصانع المرهقة للعمال ظهرت في الحالة الوحيدة التي كنا نراقبها بعناية.

في يوم خطاب الرئيس أوباما، أصدرت شركة "نايكي" بياناً تقول فيه أنها "تدعم بالكامل اندماج أحكام العمل القوية" في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي لأنها "تخلق نمواً اقتصادياً يفيد الجميع". وهذه ليست وجهة نظر مشتركة بين خبراء الاقتصاد أو صنّاع السياسة. لكن الأخبار الواردة من سيالكوت تبين أن الحجة منطقية إلى حد كبير من الناحية الاقتصادية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي