تعرف على مشكلة التوقعات الكبيرة

3 دقائق
مشكلة التوقعات الكبيرة

كنت مستلقياً على سريري عند الخامسة صباحاً، أفكر. وفي الواقع، التفكير كلمة قليلة على ما كنت أمر به. كان رأسي يدور. كنت على وشك شراء دراجة جديدة، ولم أستطع أنّ أقرر اللون. حاولت تخيّل الدراجة وتصور كيف سيكون ركوبها بكل لون. تمعّنت في الخيارات على أمل أن يبرز أحدها ليكون مفضلاً على الآخر.

كنت قد تفحصت خيارات الألوان على الإنترنت مرات عديدة، مقاطعاً عملاً مهماً، وذهبت مرتين إلى متجر للدراجات وسألت أسئلة لا حصر لها عن اللون الأنسب منها. كنت أخرج هاتفي لأريهم الخيارات.

أشعر بالخجل من هذا الأمر. من المفترض بي أن أكون شخصاً فعّالاً ومنتجاً. من المفترض بي أن أكون واثقاً. لكن ها أنا ذا، أضيع الوقت، وأطلب من الآخرين مساعدتي في اختيار لوني المفضل. ليس هذا ما أردت أن أكون عليه.

لكن، وعلى ما يبدو، فإن هذا الشخص هو أنا، حتى لو كنت راغباً في إنكار ذلك، إلا أنني غالباً ما أكون متردداً ومضطرباً، وأتورط في مشكلة التوقعات الكبيرة.

من الصعب علي الاعتراف بذلك، لهذا أتجنب مواجهته.

جرّبت إلقاء اللوم على الآخرين: لعل ذلك كان خطأ والديّ، فقد اتخذوا الكثير من القرارات بالنيابة عني لدرجة أنني لم أتعلم قطّ كيف أكون واثقاً من خياراتي. أو لعل ذلك كان خطأ شركة الدراجات التي عرضت عليّ الكثير من الألوان. إذ كلما زادت الخيارات أمامنا، أصبح الاختيار أصعب.

ولجأت إلى التقليل من شأن الصراع الذي يدور في داخلي: أنا أتخذ الكثير من القرارات المهمة، فمن يهتم إن لم أستطع اتخاذ القرارات غير المهمة؟

كما جرّبت اللجوء إلى طريقة من عدة خطوات: أولاً، استبعد الأمور المرفوضة تماماً. إذا كانت الأمور لا تزال غير واضحة بعدها، فهذا يعني أن كل الخيارات جيدة وعلي اختيار أي لون من الألوان المتبقية.

لكن أياً من هذه الحلول لم ينجح معي. وبقيت غير قادر على اتخاذ قرار، حتى بعد مرور أسبوع على الموضوع.

بينما كنت مستيقظاً في إحدى الليالي مستشعراً مدى خجلي من حماقتي، بدأت أفكر في ابنتي التي تواجه صعوبة أحياناً في التحكم باندفاعاتها وتقع سريعاً في صدامات مع الأصدقاء. كم مرة وبّختها أو وجهت لها نصيحة متغطرسة لم تطلبها مني معبراً عن انزعاجي من تصرفاتها؟

كنت أفترض أنها ستتغير إذا هي أرادت ذلك. لكنني، انطلاقاً مما كنت أمر به، أدركت كم كنت مخطئاً. فهي تحاول أقصى ما تستطيع، وحكمي على سلوكها يزيد شعورها وسلوكها سوءاً.

كانت تلك اللحظة التي هبط عليّ الإدراك فيها بأنّني أعاني من مشكلة التوقعات الكبيرة  وأن توقعاتي من كل شخص ومن نفسي عالية بصورة تقلل من الإنتاجية. ربما يكون للتوقعات العالية أثر إيجابي، فالناس بحاجة إلى مقياس مرتفع يحاولون الارتقاء لبلوغه. لكنني أعتقد أن الكثير منا يبالغون في ذلك. نحن نُسارع مخطئين إلى انتقاد أنفسنا ومن حولنا (العائلة والأصدقاء والزملاء والشخصيات العامة) حتى لا نتوقع منهم أن يتصرفوا مثل البشر. كما أننا عندما نعاير أنفسنا أو الآخرين بالفشل، نجعل الأمور أسوأ. وبهذا نسهم في زيادة الألم ونقوي العجز لدينا.

عندما نواجه ضعفاً (في أنفسنا أو في الآخرين)، فمن غير المفيد إلقاء اللوم على أنفسنا أو على شيء ما أو تجاهل أهميته أو أو ببساطة نقرر التغيير.. وليس كافياً اتباع طريقة بخطوات لإصلاح المشكلة. ما الذي يساعد إذن؟

لقد توصلت إلى أن المهم هنا هو التعاطف.

على حد علمي، للاستفادة من النصيحة، يجب أن تكون مسبوقة بالتعاطف. نعم، ابنتي بحاجة إلى الدعم والتوجيه والإرشاد والنصيحة. لكنها بحاجة إلى التعاطف أولاً. وكما يقال: كن لطيفاً، فكل شخص تقابله يمر بأوقات صعبة. بما في ذلك أنا طبعاً. وأؤكد لك أن التحلي بالتعاطف سوف يجعلنا على الأرجح أشخاصاً أفضل وأكثر فعالية. إن لم يحدث ذلك، فإنه على الأقل سيقلل من المعاناة التي ترافق الضعف، وبكل تأكيد سوف يجعلنا أكثر لطفاً تجاه بعضنا البعض وتجاه أنفسنا.

في النهاية، اشتريت دراجة، قدتها إلى المنزل، ثم وجدت نفسي مستيقظاً مرة أخرى في الخامسة صباحاً أعيد التفكير في قراري: كان علي شراء لون آخر. أنّبت نفسي للحظة ومن ثم تذكرت: هذا أنا. ولست مثالياً. حتى إنني لا أحب نفسي أحياناً. لكن هذا أفضل ما يمكنني فعله، وأتمنى أن يكون جيداً بما يكفي.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي