كنا في بداية أسبوع العمل، وقد فتح رامي صندوق بريده الإلكتروني ليجد رسالة من مديره تقول: "رامي، لقد قررت أن يقوم كامل بالعرض التقديمي أمام مجلس الإدارة نيابة عنك. أنا متأكد أنك ستتقبل ذلك برحابة صدر".
كان رامي قد قضى عطلة نهاية الأسبوع بأكملها وهو يحضر لهذا العرض التقديمي، وحفظ كل الأرقام والتفاصيل عن ظهر قلب، وكان فوق ذلك متحمساً للغاية لينال هذه الفرصة أمام المجلس، لأنها قد تكون خطوة جيدة ليحقق التقدم في مسيرته المهنية. وهذا يعني أنّ رامي لا يمكن أن يتقبل الأمر "برحابة صدر"، بل العكس هو الصحيح، فقد شعر بالانكسار والهزيمة والخيانة. لكن، هل يستطيع رامي أن يعبّر عن ذلك برسالة عبر البريد الإلكتروني؟ وهل سيكون لهذه الرسالة أي أثر لتغيير الأمر؟
جميعنا تلقى مثل هذه الصدمات في بريدنا الوارد، وهي صدمات أدعوها "الألغام"، إذ تأتي بين عشرات الرسائل الإلكترونية التي نتلقاها كل يوم، وتكون كفيلة أحياناً في تفجير الحوار إلى مواجهة مفتوحة على احتمالات عديدة.
ويمكن أن نصنف هذه الرسائل "الألغام" على ست فئات، وعلى الأغلب أنّ معظمنا تعرض لها. هذه الرسائل التي تبدو بريئة في ظاهرها تنذر بمواجهة على وشك الاندلاع.
الرسالة العابرة: حين يستخدم أحدهم رسالة البريد الإلكتروني كي يطلب أمراً أو يعلن عن قرار إشكالي، على أمل ألا يجيب أحد. وفي حين أنّ مثل هذه الرسالة قد تكون غير مقصود عندما يكون هنالك غموض في ما يتعلق بحقوق اتخاذ القرارات، إلا أنها تترك مع ذلك انطباعاً بأنّ المرسل يتعدى على صلاحياتك.
تجنب الدراما: حين يرسل أحدهم رسالة البريد الإلكتروني من أجل تجنب "التواصل الفعلي" مع الآخرين في مسألة ما. فهو يفضل التفاعل مع لوحة المفاتيح أكثر من زميل العمل. في كثير من الأحيان نجد أنفسنا غارقين في زخم أعمالنا إلى درجة أننا ننسى أننا نتعامل مع بشر. لكن النتيجة النهائية لهذه الرسائل هو أنّ المتلقي لها يشعر بأنه ضحية التجاهل أو عدم الاحترام.
تسجيل المواقف: يستخدم البعض البريد الإلكتروني كوسيلة لتثبيت كل الأمور بشكل خطي، ربما من أجل جمع "أدلة إثبات" يمكن استخدامها لاحقاً. وربما يتضمن هذا "اللغم" أن يقوم أحدهم بسذاجة بمشاركة معلومات حساسة لا يصح نقلها في رسالة مكتوبة.
الاستطراد الحر: وذلك حين يقوم أحدهم بكتابة حججه بتفاصيل كاملة دون أن يكون مضطراً للتعامل مع الأسئلة أو التعقيبات أو المقاطعات. فالكتابة هي الوسيلة الأنجع للحديث بالتفصيل عن مسألة ما. لكن النتيجة قد تكون عكس المأمول، لأنه يندر أن تجد أحداً يستسيغ قراءة رسالة مطوّلة بالبريد الإلكتروني.
البريد الإلكتروني كوسيلة لتوفير الوقت: يستخدم أحدهم البريد الإلكتروني لأنه يضطر بخلاف ذلك إلى ترتيب اجتماع أو إجراء اتصال هاتفي أو حتى القيام من كرسيّه. جميعنا نقوم بهذا الخطأ بين الحين والآخر. فالحقيقة أنّ كتابة رسالة بالبريد الإلكتروني أمر مريح، وهذه إحدى السمات التي تميز هذه الوسيلة في التواصل. لكن في بعض الأحيان حين تتلقى رسائل مثل هذه، فإنك تشعر بأنها غير ملائمة وغير ضرورية وتوحي بغرور الطرف الذي أرسلها.
الهجوم بالطباعة: أحياناً يختار أحدهم أن يطلق هجوماً وهو آمن أمام كرسيّه وشاشة حاسوبه، ليكتب أشياء لا يجرؤ على قولها أمام المرسل إليه. وجميعنا نعرف هذا الشكل من الرسائل لأن معظمنا وقع في خطأ كتابتها.
وبوسعنا فهم هذه "الألغام" بشكل أفضل لو نظرنا إليها على أنها تعمل على تشويش الحوار بين الأطراف المعنيين. إنّ رسالة البريد الإلكتروني الناجحة تشتمل على حوار، ونحن نستخدم هذه الوسيلة للتواصل من أجل المساهمة في "سلة" المعاني المشتركة مع الآخرين. وكلما زادت المعلومات، كانت جاهزيتنا أعلى لاتخاذ القرارات والوصول إلى النتائج المرجوة.
لكن هذه "الألغام" الستة تتعارض مع افتراضين أساسيين في الحوار البناء: الهدف المشترك والاحترام المتبادل.
يعد الهدف المشترك شرطاً مبدئياً للتبادل السليم للأفكار. ففي حال غياب الاتفاق حول ما تسعى لتحقيقه، فإنك ستنتهي غالباً إلى حالة من التنافس والنزاع. وهذه "الألغام" التي تحدثنا حولها تشي بشيء من التمحور حول الذات، على حساب الأهداف المشتركة، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تعطيل الحوار.
أما الاحترام المتبادل فهو شرط تواصل الحوار، ذلك أنّ الحوار البناء سنتهي في اللحظة التي تظهر فيها عدم الاحترام للطرف المقابل أو الامتعاض أو التأفف منه. وهذه "الألغام" جميعها توحي بشيء من عدم الاحترام للطرف المقابل، ومن شأنها أن تحول دون إتمام حوار صريح وبناء.
فعند اختراق شرط الهدف المشترك أو الاحترام المتبادل، يشعر الطرف المقابل بالتهديد أو الأذى أو الحاجة للدفاع عن نفسه، كما سيميل إلى التعامل بالمثل، بهجوم مضاد. وهكذا يكون التصعيد في رسائل البريد الإلكتروني حتى تمثل مواجهة ضارة. لكن ولحسن الحظ فإنّ هنالك استراتيجيات تساعد على تجنب التعامل مع هذه "الألغام" في رسائل البريد الإلكتروني.
اطلب تحديد موعد لمكالمة هاتفية: لا تتسرع بالرد على محتوى البريد الإلكتروني، وليكن ردك بطلب مكالمة بالهاتف، أو أرسل رسالة نصية بالهاتف إن كان الأمر عاجلاً. يمكن أن تكتب مثلاً: "استلمت رسالتك، وأرجو أن نتحدث قريباً. هل الساعة الثانية مساء مناسب؟".
اللقاء الشخصي: الحل الأمثل هو الاجتماع بالشخص المعني وجهاً لوجه. فالحديث مع الطرف الآخر والنظر في وجهه له أهمية كبيرة يستهين بها الكثيرون. فهذا الأمر يساعدك على فهم ما يفكر ويشعر به الآخرون، إلى جانب معرفة ما لديهم من آراء بشكل أفضل. فإن لم يكن الاجتماع وجهاً لوجه ممكناً، فيمكن على الأقل الحديث عبر تطبيقات اتصالات الفيديو.
ابدأ بتحديد الهدف: حاول التخلص من النبرة السلبية عبر التأكيد بداية على حرصك على التوصل إلى حل مرض لجميع الأطراف. وهكذا يتحول الجدل إلى نقاش لا فائز فيه أو خاسر. يمكن أن تكتب مثلاً: "أود أن أصل إلى حل ملائم لنا جميعاً، وأعتقد أنّ النقاش سيساعدنا على الوصول إلى ذلك".
أكّد على جانب الاحترام: ربما تكون قد لمست إشارات تدل على عدم الاحترام، ويتوجب عليك عندها أن ترد عبر التأكيد على احترامك، وذلك بأن تقول مثلاً: "أتفهم ما لديك من مخاوف، وأقدر الرأي الذي تفضلت به".
ركز على الحقائق: تجنب عندما تبدأ بمناقشة المحتوى أن تدلي بآراء فيها بعض الأحكام القطعية أو أن تقفز إلى النتائج، والتزم بدل ذلك بتناول الحقائق والتفاصيل والبيانات، وتنبه إلى أية فجوات بين ما تتوقعه وما تلاحظه.
حاول تفحص فهم الطرف الآخر للحقائق: في مؤسسة فايتال سمارتس (Vital Smarts) نطلق على بداية أي حوار "نصف الدقيقة الخطر"، وذلك لأنك تمتلك 30 ثانية فقط لتقول ما لديك قبل أن تطلب من الآخر بيان وجهة نظره، فإن تكلمت أكثر من ذلك، سيشعر الطرف المقابل بأنك تنظّر عليه.
ربما تكون رسالة البريد الإلكتروني طريقة مجدية وملائمة للتواصل، لكن حين يؤدي التواصل الرقمي إلى الخلاف ويعطل عملية اتخاذ القرارات، فذلك يعني أنّ الوقت حان لتغادر من أمام الشاشة وتبدأ حواراً مع الآخرين.