لماذا لن تمثّل متاجر أمازون للبقالة مستقبل تجارة البيع بالتجزئة؟

5 دقائق
مستقبل متاجر التجزئة التقليدية

عندما افتتحت شركة "أمازون" متجر البقالة بلا موظفين أمام الجمهور في سياتل ضمن ولاية واشنطن الأميركية، في 22 فبراير/شباط من العام الحالي، ارتفعت قيمة أسهم الشركة في البورصة بنسبة 2.5 في المئة، وكانت هذه النسبة أكثر قليلاً من الارتفاع الذي حصل عندما أعلنت "أمازون" عن شرائها لشركة "هوول فودز" (Whole Foods) شهر يونيو/حزيران من العام الماضي. هل يشير إطلاق أمازون غو (متجر البقالة دون موظفي بيع) إلى أنّ تطبيقات الهاتف والعربات الافتراضية ستكون البديل عن منافذ الدفع في متاجر البقالة؟ و ما هو مستقبل متاجر التجزئة التقليدية مع انتشار هذه التطبيقات؟

تأثير متجر "أمازون غو" على متاجر التجزئة التقليدية

لا شك أنّ متجراً مؤتمتاً منخفض التكلفة تجربة جديرة بالمشاهدة. لكن هذا لا يعني أن يمزق تجار التجزئة سجلاتهم ويمضوا في هذا الطريق. لقد شُحن متجر أمازون غو بتكنولوجيات واعدة قُدّمت للجمهور بصخب إعلامي كبير، لكنها لم تصبح الأمر السائد، لأنها لا تفيد التاجر ولا الزبون بشكل كاف.

ويتمثل أحد أسباب ذلك، في أنّ هذه الأدوات الجديدة لا توفّر على تاجر التجزئة ما يكفي من المال ولا تعود عليه بأرباح تغطي تكلفة هذه التكنولوجيات. والسبب الآخر: هو أنّ الكثير من العملاء لا يحبونها. إذاً، يتطلب الأمر من التكنولوجيا، لتصبح العرف السائد أن تخرج من مستخدميها الأوائل (والذين يمثلون من 10 إلى 15 في المئة من مرتادي متاجر التجزئة) إلى غيرهم من المتسوقين وتجذب الغالبية العظمى من العملاء الذين لا يتمتعون بمعرفة تكنولوجية عالية.

وفي هذين الجانبين سيواجه "أمازون غو" عدداً من تحديات: أولها، عدم وضوح التوفير المالي الفعلي الذي سيبرر الاستثمار، أو ما إذا كان العملاء يرون أنّ المراقبة الرقمية التي يتطلبها المتجر لها سعر معقول مقابل التمتع بتجربة تسوق محسّنة. كشف استطلاعنا الذي أجريناه مع 1,500 مستهلك بريطاني أنّ 19 في المئة من المستهلكين يعتبرون التطبيق الذي يتتبع مشترياتهم وسلوكهم منتهكاً للخصوصية.

لذلك، ينبغي على تجار التجزئة قبل أن يتبنوا أية تكنولوجيا جديدة أن يجيبوا عن سؤالين: كيف ستفيدنا هذه التكنولوجيا؟ وهل سيحبها العملاء أم لا؟ والآن يجب معرفة: كيف أجاب تجار التجزئة أو كيف فشلوا في الإجابة عن هذه الأسئلة.

نظام التعريف باستخدام موجات الراديو

عندما بدأت هذه التكنولوجيا منتصف التسعينيات، كان يتوقع منها أن تغيّر عملية مراقبة المخزون كلياً باستخدام المجالات الكهرومغناطيسية لتحديد وتتبع البطاقات المرفقة بالأغراض المخزنة. كما كان يتوقع منها أيضاً أن تبطل الحاجة إلى الفحص اليدوي للباركود عند منافذ الدفع. غير أنّ تجار التجزئة لم يتخلوا عن الفحص اليدوي للباركود، لأن تكلفة تلك التكنولوجيا لم تكن تعود بما يكفي من الأرباح.

كان العملاء راضين بمسح الباركود في معظم ما يشترونه من الأغراض، ووجد تجار التجزئة عمليات بديلة أفضل لجرد مخزونهم وتتبعه. ففي متاجر التجزئة البريطانية جون لويس (John Lewis) على سبيل المثال، يستطيع طاقم المتجر حالياً من فحص قطعة من الملابس في المتجر ليعرفوا ما هي المقاسات المتوفرة له في الرف، وفي المستودع وفي مخزن الشحن الإلكتروني، ومن ثم يرسلون للعميل كل تلك المعلومات عبر البريد الإلكتروني.

أما في متاجر البقالة، حيث تعتبر عملية دفع الحساب أثقل عملية في تجربة التسوق ككل، فإنّ تكلفة وضع وسوم نظام التعريف باستخدام موجات الراديو على أغراض رخيصة الثمن تجعل هذه التكنولوجيا غير مجدية تماماً. لأنه عندما يكون كل قرش من التكلفة مهماً في حالة شحن المنتجات، يعتبر إنفاق المزيد على وسوم بسيطة أو على بطاقات جرد ذكية تراقب الحرارة وغيرها من المعلومات الأساسية أمراً لا جدوى منه اقتصادياً.

تقنية دفع الحساب التلقائي

وبخلاف ما سبق، أثبتت تقنية دفع الحساب تلقائياً فعاليتها وجدواها. إلا أنه ولأكثر من 10 أعوام منذ دخولها للأسواق، لم يكن معظم العملاء يختارونها إلا إن كانت طوابير انتظار دفع الحساب التقليدية طويلة ومتعبة جداً. ومع ذلك، تبنى تجار التجزئة هذه التكنولوجيا عندما لا يكون لديهم ما يكفي من المساحة أو إذا كانت تكلفة اليد العاملة عالية ومكلفة. وأصبح دفع الحساب التلقائي شيئاً مألوفاً في متاجر المملكة المتحدة التقليدية.

فالعملاء دائماً في عجلة من أمرهم، وأصبحت هذه التقنية معتادة كذلك في بلدان أوروبية أخرى، مثل هولندا، حيث المتاجر تعاني من ضيق المساحة. إلا أنّ عدداً أقل من تجاز التجزئة والعملاء في الولايات المتحدة يرون أنّ دفع الحساب التلقائي تقنية جديرة بالاهتمام، حتى في المناطق الحضرية الكثيفة السكان مثل مدينة نيويورك، وذلك لأن تكلفة اليد العاملة ومتوسط قيمة المبيعات بالقدم المربع عادة ما تكون أقل من تكلفة هذه التكنولوجيا، كما أنّ طوابير الانتظار ليست طويلة ولا مرهقة.

فضلاً عن ذلك، تقلص حدود ما يمكن للعملاء والآلات القيام به بأنفسهم من فعالية تقنية دفع الحساب التلقائي. لأن موظفي المتجر لا زالوا بحاجة إلى تفقد حقائب بعض العملاء لتقليل احتمالية السرقة وللتأكد من هوياتهم لمعرفة سنهم وهل يسمح لهم بشراء أحد أغراض البالغين أم لا. يعتبر العملاء تقنية دفع الحساب تلقائياً غير مريحة، في حين يضطر تجار التجزئة لتوظيف الأشخاص ما يقلل العوائد التي يتوقعون جنيها من تبني هذه التكنولوجيا.

الملصقات الإلكترونية للرفوف

تتيح الملصقات الإلكترونية للرفوف لمدراء متاجر التجزئة تغيير الأسعار المعروضة بطريقة أسهل، أو تحديثها تلقائياً. لم تحظ هذه التقنية بانتشار سريع، وأخذت عقداً من الزمن لتصبح معروفة. كانت الملصقات الإلكترونية الأولى مكلفة وصعبة القراءة على المستهلكين، ولم تتبناها المتاجر إلا في أسواق مثل فرنسا، حيث كان موظفو المتاجر يتلقون راتباً جيداً إلى حد ما، ما جعل توفير رواتبهم على أصحاب المتاجر أمراً مجدياً فعلاً.

لكن في الوقت الحالي، انخفضت التكلفة المالية لتبني هذه التكنولوجيا وشرعت العديد من المتاجر في تجريبها. ولأنّ شاشات عرض الأسعار تحسنت هي أيضاً، أتاح هذا لأصحاب المتاجر إظهار المزيد من المعلومات عن المنتجات والعروض الترويجية لها. كما أنّ ملصقات عصرنا الحالي تتمتع أيضاً بإمكانية تغيير الأسعار في الوقت الحقيقي، والتي تتغير وفق توفر المنتج أو تواريخ انتهاء الصلاحية.

الدفع بالهواتف الذكية

يشعر الكثير من الناس بالحماسة الجارفة لاستخدام تطبيقات الهاتف الذكي مثل آبل باي لدفع ثمن مشترياتهم. كما أنّ العديد من أصحاب المتاجر يفكرون في إنشاء تطبيقات دفع خاصة بهم، لتفادي رسوم بطاقات الائتمان من جهة، ولتشجيع العملاء على دفع مشترياتهم مقدماً قبل حتى وصولهم للمتجر من جهة أخرى.

لكن الواقع، أنّ قلة فقط من العملاء يستخدمون هذه التطبيقات. ومع أنّ العديد من العملاء يرونها مريحة ويستخدمونها إلا أنّ معظمهم يرى أنّ بطاقات ائتمانه التي لا تحتاج لملامسة جهاز الدفع طريقة سهلة وسريعة وآمنة لدفع حسابهم. لذلك، قام بعض أصحاب المتاجر، من بينهم ستاربكس، بعرض محفزات مثل الحصول على نقاط ولاء إضافية لتشجيع عملائهم على استخدام تطبيقات الدفع.

أما حماس سوق الأسهم لمتجر "أمازون غو" فيعود إلى أنه إشارة على تكنولوجيا جديدة واعدة تجعل محاسن التجارة بالتجزئة الرقمية تدخل بقوة متاجر البيع بالتجزئة الواقعية. فإن كانت "أمازون" محقة، كما يراهن المستثمرون، سيحدث هذا النموذج ثورة في متاجر البيع بالتجزئة التقليدية. إلا أنّ ذلك لن يحدث إلا إذا كانت فوائد صاحب المتجر والعملاء تتجاوز تماماً تكلفة هذه التكنولوجيا.

ربما لا يُقلق موضوع التكلفة شركة ذات موارد مالية هائلة مثل "أمازون"، وهي الشركة التي تقوم باستمرار بتجريب الأمور الجديدة، والتعلم من أخطائها ومن ثم الانتقال إلى النجاح الكبير التالي. لقد استفادت "أمازون" بالفعل من الضجة الإعلامية في مجال البيع بالتجزئة التي أحدثها متجرها "أمازون غو"، ما يجعلها قادرة على أن تحدد بدقة توقعات عملائها في ما يتعلق بمتجر ذاتي الخدمة مستقبلاً.

لكن من الأرجح أن يجد أصحاب المتاجر الآخرين تكاليف التشغيل الأولية مرتفعة جداً والفوائد المرجوة غير مؤكدة تماماً مما يثبطهم عن متابعة خطوات شركة "أمازون". وبدلاً من ذلك، ينبغي عليهم أن يتابعوا عن كثب التطورات الحاصلة في مجال مستقبل شركات ومتاجر التجزئة التقليدية، ويهيئوا أنفسهم للخطوة القادمة، في حال نجحت هذه التكنولوجيات الجديدة اقتصادياً وأعجبت المستهلكين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي