ملخص: غيّرت الجائحة سلوك المستهلكين بعدة طرق، ويستجيب تجار التجزئة لذلك بطرق كثيرة أيضاً. منذ الأيام الأولى للجائحة، كانت شركة "إرنست آند يونغ" (Ernst & Young)، تتّبع هذه التوجهات المتغيرة باستخدام مؤشر "إرنست آند يونغ لمستقبل الاستهلاك" (EY Future Consumer Index)، ومنصة "إرنست آند يونغ إمبريونك" (EY Embryonic)، وقد أظهر ذلك تحولاً كبيراً وواسع النطاق في القطاع نحو التجارة الإلكترونية. في هذه المقالة، يقترح المؤلفون أن التجارة الإلكترونية ستظل عنصراً أساسياً في استراتيجيات تجارة التجزئة ومستقبل تجارة التجزئة بعد الجائحة، وفي المقابل، سيعتمد نجاح تجار التجزئة مستقبلاً في النهاية على خلق تجربة عملاء متناسقة، سواء عبر الإنترنت أو في المتاجر.
إذا كنا تعلمنا شيئاً واحداً من العام الماضي، فهو أن الأشياء يمكن أن تتغير في لحظة، فهناك تغييرات اعتقدنا أننا سنحتاج إلى سنوات للاستعداد لها، وسلوكيات افترضنا أننا سنلتزم بها إلى الأبد، وتوقعات متعلقة بأنفسنا ومؤسساتنا. وهذا ينطبق على الطريقة التي نعيش ونعمل ونتسوق ونشتري بها كمستهلكين.
في أوائل عام 2021، أظهر مؤشر "إرنست آند يونغ لمستقبل الاستهلاك"، الذي استطلع آراء آلاف المستهلكين منذ الأيام الأولى للجائحة، أن 80% من المستهلكين الأميركيين لا يزالون يغيرون الطريقة التي يتسوقون بها. إذ يزور 60% من المستهلكين حالياً المحال التجارية وهي نسبة أقل مما كانت عليه قبل الجائحة، ويتسوق 43% عبر الإنترنت بوتيرة أكبر لشراء المنتجات التي كانوا يشترونها سابقاً من المتاجر. أحد أهم الآثار الناجمة عن "كوفيد-19"، هو إدراك أن الموقع الجغرافي أصبح أقل أهمية بالنسبة إلى الكثيرين منا، طالما أن هناك اتصالاً بالإنترنت. وتسمح هذه المرونة لمزيد من المستهلكين بالابتعاد عن المراكز الحضرية، إذ تُظهر أحدث بيانات المؤشر أن 26% من المشاركين يخططون للعيش في مناطق أقل كثافة سكانية، بعدما كانت تبلغ نسبتهم 22% في أبريل/نيسان عام 2020.
باستخدام منصة "إرنست آند يونغ إمبريونك"، رأينا أيضاً، بين عشية وضحاها تقريباً، تحول استراتيجيات التجارة الإلكترونية من أولوية قصوى دائمة في خطة الثلاث سنوات لكل تاجر تجزئة إلى حبل نجاة هناك حاجة ماسة إليه لأنه يمكن أن يساعدهم على النجاة من جائحة عالمية. ووجدنا أن تجار التجزئة حققوا ما يقرب من 10 مليارات دولار من الاستثمارات في التجارة الإلكترونية وعمليات الاستحواذ والشراكات من مايو/أيار إلى يوليو/تموز عام 2020. وهذه الاستثمارات شملت القدرات اللوجستية لتمكين النُهج القائمة على المحطة الأخيرة، وتقليل الأصول، مثل مطابخ الأشباح (وهي مطاعم بها مساحة لمعدات المطبخ ومرافقه، ولكن لا توجد منطقة مخصصة لتناول الطعام)، والمتاجر الافتراضية (وهي مراكز توزيع بالتجزئة تلبي الاحتياجات المتعلقة بالتسوق عبر الإنترنت حصراً)، بالإضافة إلى الاستثمارات في مجموعة منتجات موجهة نحو القدرات الرقمية في الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين (سلسلة الكتل).
بالنسبة إلى بعض تجار التجزئة، أدى عام 2020 إلى تسريع جهود الابتكار التي كانت موجودة من قبل بالفعل. ولكن بالنسبة إلى كثيرين آخرين، فإن ما حدث خلال هذا العام ساعد على تغيير طريقة تفكيرهم كثيراً في احتياجات المستهلكين ومستقبل التجارة الرقمية.
ما هي التجربة التي ترغب في خلقها للمستهلك؟
لكي تنجح في مجال التجارة الإلكترونية، عليك أن تفكر فيما هو أكبر من التجارة الإلكترونية نفسها. فالسؤال الأساسي الذي يجب أن يطرحه تجار التجزئة على أنفسهم ليس "ما الاستثمارات التي أحتاج إلى فعلها في التجارة الإلكترونية؟"، بل "ما التجربة التي يجب أن أوفرها للمستهلك؟".
يُعد هذا تغييراً في الثقافة بالنسبة إلى العديد من تجار التجزئة الذين لطالما آمنوا بأن البيع يجب أن يكون من خلال المحال التجارية. تتطور تجربة المستهلك بسرعة من تجربة مبنية على عملية متعلقة بالمعاملات تُجرى من خلال التسوق في المتجر إلى تجربة تنبع من العلاقات العميقة والمستمرة والموطَّدة. وبصفتك تاجر تجزئة، تحتاج إلى خلق رحلة متداخلة تناسب المستهلك المستهدف، وبناء نظام بيئي لقناتك، مع تضمين التجارة الإلكترونية، بطريقة تقدم قيمة على مدار هذه الرحلة.
يُعد التفكير في رحلة المستهلك بأكملها أمراً مهماً خاصة في البيئة المعاصرة، حيث ستؤثر الاحتياجات الاجتماعية للأشخاص، مثل الشعور بالانتماء إلى المجتمع، على عاداتهم الشرائية مع استمرار تغير الظروف المتعلقة بالجائحة. وفي حين أنه من المرجح أن يستمر التحول نحو التسوق عبر الإنترنت، فإن الرغبة في التفاعل الاجتماعي بعد الجائحة ستدفع الأشخاص إلى العودة إلى المتاجر. مثال للتوضيح: أظهر المؤشر أن 38% من المستهلكين ينوون القيام بالمزيد من التسوق عبر الإنترنت وزيارة المتاجر التي توفر تجارب رائعة.
ومن أجل توفير الرحلة التي يحتاج إليها المستهلكون، يتعين على تجار التجزئة فهم مستقبل القدرات التي تقودها تجربة المستهلك. والتجارة الإلكترونية جزء رئيسي من هذا المستقبل. ولكن الأمر لا يتعلق فقط بالتجارة عبر الإنترنت، بل بالقيام بذلك بشكل صحيح والاستمرار في التفكير في كيفية إدماج التسوق التقليدي في المتاجر في رحلة العميل الإجمالية.
إذاً، كيف يمكن لتجار التجزئة التفكير في رحلة المستهلك المتكاملة هذه؟ وكيف يمكن إدماج التجارة الإلكترونية فيها؟ فيما يلي بعض الأسئلة الأساسية للمساعدة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالاستثمار ونموذج التشغيل:
- هل أمتلك منصة تكنولوجية مرنة وقابلة للتكيف تراعي أن رحلة كل مستهلك مختلفة عن الأخرى؟
- هل هيكلي التنظيمي خالٍ من الصوامع المنعزلة التي تعزل التجارة الإلكترونية والترويج وعمليات المتجر وسلسلة التوريد والتسويق عن بعضها، ما يؤثر سلباً على تجربة المستهلك؟
- هل فكرت في كيفية تحقيق الاتساق بين مجموعة السلع المتنوعة التي أوفرها؛ بمعنى: ما الذي سيتوفر عبر الإنترنت وما الذي سيتوفر في المتجر، وما هو المنطق الكامن وراء "حصرية القناة"؟
- كيف يمكنني أن أكون منافساً من حيث الأسعار مع الاحتفاظ بهامش ربح؟ على سبيل المثال، كيف يمكنني استغلال الشراء الاندفاعي في بيئة افتراضية؟ ما الدور الذي يؤديه تصميم المتجر والترويج في هذا الصدد؟
- كيف يمكنني تنسيق رحلة المستهلك؛ من الشراء عبر الإنترنت إلى الشراء من المتاجر الفعلية والعكس؟
- وأخيراً، كيف أحافظ على جودة التجربة طوال الطريق حتى عتبة منزل المستهلك؟
كل شيء يعتمد على التسليم.
نجاح التجارة الإلكترونية يعتمد على المحطة الأخيرة
لا يهتم المستهلكون اليوم بما يقدمه التجار من أعذار، خاصة عندما يتعلق الأمر بسهولة الوصول والقدرة على تحمل التكاليف والراحة. أظهر المؤشر أن واحداً فقط من كل خمسة مستهلكين أميركيين (21%)، يقول إنه يسامح تجار التجزئة والعلامات التجارية لتعطل أو اختلال الخدمة بسبب "كوفيد-19". بعبارة أخرى، لم تعد الجائحة عذراً مقبولاً لعدم تسليم الطلبات في الوقت المحدد. واليوم، يتنافس تجار التجزئة على امتلاك حتى لو قدرة محدودة على الشحن في المحطة الأخيرة بسبب الارتفاع المفاجئ في التسوق عبر الإنترنت. فكما شهد الكثيرون منا ما حدث بعد "الجمعة البيضاء" في عام 2020، إذ استغرق الأمر أسابيع حتى تصل المنتجات أخيراً إلينا. حتى قدرات التجارة الإلكترونية المتقدمة للغاية لا يمكن أن تطغى على أهمية التسليم الذي يُعد ركناً أساسياً في التجربة.
المتجر بوصفه مركزاً للتسليم
أظهر المؤشر أن 37% من المستهلكين الأميركيين سيشترون عبر الإنترنت ويتسلمون من المتجر بوتيرة أكبر في المستقبل. لكن يجب مراعاة وعي المشتري؛ إذ يمكن أن تفقد خدمة الاستلام من المتجر أو خدمة رصيف الاستلام بريقها بسرعة إذا انتظر المستهلكون لفترات طويلة في ساحة انتظار مزدحمة، أو إذا كان المتجر المحلي لا يتسع لمشترياتهم عبر الإنترنت أو يلائمها. لذلك، في حين أن المتجر بوصفه مركزاً للتسليم يمكن أن يكون استراتيجية فعالة، فإنه يتطلب أنظمة ووحدات عمل على تواصل مع بعضها للوفاء بالوعود. ومع زيادة حجم الخدمات، يجب أن تزيد أيضاً قدرة تجار التجزئة على توفير تجربة مناسبة للمستهلك.
بغض النظر عن الكيفية التي سيستمر بها سلوك المستهلك في التغير، يجب أن يكون تجار التجزئة مستعدين لمواصلة بناء علاقات أقوى وأعمق مع عملائهم، عبر الإنترنت وفي المتاجر التقليدية أيضاً.