ملخص: تعتبر الرياضات الإلكترونية واحدة من أكثر الرياضات إثارة وشعبية على مستوى العالم، ويُتابعها مئات الملايين من عشاق الرياضة سنوياً. وقد أصبحت بعض دول الخليج موطناً ومركزاً إقليمياً لدعم النمو المستمر لهذه الرياضات، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي تستضيف أول كأس عالم للرياضات الإلكترونية بمشاركة أكثر من 2,500 لاعب يتنافسون على جوائز مجموعها 60 مليون دولار أميركي، وهي الأضخم في تاريخ الرياضات الإلكترونية. وسيسهم هذا الحدث العالمي في وصول المملكة إلى الريادة العالمية في هذا المجال الواعد. يسلط المقال الضوء على 3 نقاط رئيسية: 1. استثمارات المملكة في الرياضة الإلكترونية ضمن استراتيجية وطنية، 2. البعد العالمي لهذه الرياضة وعوائدها المتوقعة، 3. الفوائد غير المالية للرياضة الإلكترونية.
السعودية تستثمر في الرياضات الإلكترونية ضمن استراتيجية وطنية
أطلق ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية في سبتمبر/أيلول 2022، بهدف جعل المملكة العربية السعودية مركزاً عالمياً لهذا القطاع بحلول عام 2030. وتستهدف هذه الاستراتيجية تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 عبر تنويع الاقتصاد، وتوفير فرص وظيفية جديدة، وتقديم ترفيه عالي المستوى. وقال ابن سلمان إن طاقة الشباب السعودي وإبداعه هما المحرك للاستراتيجية التي تهدف إلى رفع جودة الحياة، وتحقيق أثر اقتصادي بإضافة 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) إلى الناتج المحلي، وتوفير 39 ألف فرصة عمل. كما تشمل الاستراتيجية إنتاج أكثر من 30 لعبة تنافس عالمياً، والوصول إلى أفضل ثلاث دول في عدد اللاعبين المحترفين. تتضمن الاستراتيجية 86 مبادرة تُدار من قبل حوالي 20 جهة حكومية وخاصة، تشمل تطوير التقنية، وإنتاج الألعاب، والرياضات الإلكترونية، وتأسيس بنية تحتية متطورة. تأتي هذه المبادرات استكمالاً للنجاحات السابقة في الفعاليات الترفيهية والرياضية، وتهدف إلى استغلال قدرات المملكة غير المستغلة ومواكبة التطورات في هذا القطاع. ويعدّ قطاع الألعاب الإلكترونية الأسرع نمواً في القطاعات الإعلامية، مع جمهور يتزايد بسرعة يُتوقع أن يصل إلى 200 مليار دولار أميركي بحلول عام 2023. ومع موقع المملكة الجغرافي وجيلها الشاب المحب للألعاب، تسعى السعودية لتكون مركزاً عالمياً لابتكارات الألعاب والرياضات الإلكترونية، ما ينسجم مع أهداف رؤية المملكة 2030.
عالمياً
من المتوقع أن تَصل الإيرادات العالمية من بطولات ألعاب الفيديو متعددة اللاعبين، المعروفة أيضاً باسم الرياضات الإلكترونية، إلى 1.86 مليار دولار أميركي بحلول العام المقبل، لتُحقّق نمواً سنوياً مركباً متوقعاً بنسبة 13.4% من عام 2020 إلى 2025. وعلى الرغم من ذلك، تراجعت قيمة العديد من الفرق في الآونة الأخيرة نتيجةً للتحديات الاقتصادية العامة وتلك الخاصة بالرياضات الإلكترونية، والتي قد تهدد مسار نموها.
بخلاف الرياضات الأخرى ذات الطبيعة الجماهيرية، على غرار الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية أو سباقات الفورمولا 1، تتميز الرياضات الإلكترونية بتنوعها وتجددها المستمر، إذ يتنافس اللاعبون الأفراد عبر مجموعة واسعة من الألعاب والدوريات الاحترافية، مع اختلاف القواعد والشخصيات واستراتيجيات اللعب بين لعبة وأخرى. وقد أسهمت وسائل التواصل المجانية بدرجة كبيرة في توسّع القاعدة الجماهيرية للرياضات الإلكترونية، والتي تعتبر إحدى الأدوات الأساسية التي يعتمد عليها ناشرو ألعاب الفيديو في التسويق والترويج لهذه الألعاب.
ولا ينبغي النظر إلى الرياضات الإلكترونية على أنها أداة تسويقية فحسب، وذلك لما تحظى به من فرص كبيرة، فإذا جرى استغلالها على نحو جديد، يمكن أن يصبح هذا القطاع إحدى أكثر المنافسات الرياضية شعبية وربحية على مستوى العالم. ينطلق هذا القطاع من موقع قوة حقيقي: يتجاوز عدد المشاهدين حول العالم، الذين يتابعون حدثاً واحداً في السنة على الأقل، أكثر من 500 مليون شخص، معظمهم من الجيل الشاب الشغوف بالتكنولوجيا، مقارنةً بجماهير الرياضات التقليدية الكبرى. ويَكمن التحدي الحقيقي في تحويل هذا الحماس الجماهيري إلى إيرادات ملموسة ومستدامة.
بينما تُحقّق البطولات الرياضية الضخمة مثل الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية، أو الدوري الإنجليزي الممتاز، أو الدوري الألماني إيرادات من المشاهدين تصل إلى نحو 51 دولاراً أميركياً، و32 دولارا أميركياً، و11 دولاراً أميركياً من كل مشاهد على التوالي، يُسهم مشاهدو الرياضات الإلكترونية، في المتوسط، بما يزيد قليلاً على دولارين؛ فكيف تحقق الدوريات الرياضية الكبرى عوائد أكبر؟
يتحقّق ذلك من خلال عملية دائرية متكاملة: يُسهم تنامي القاعدة الجماهيرية وزيادة الإيرادات في تمويل بعض الأنشطة الأساسية، مثل التسويق والابتكار، ما يسهم في النمو المستمر والمستدام لمنظومة الرياضة. ويمكن للرياضات الإلكترونية أن تتبع نفس النهج للتطور والنمو.
قيمة الرياضات الإلكترونية وزيادة جمهورها
لتحقيق هذا الهدف، لا بد للجهات المشرفة على البطولات حول العالم وشركات تطوير ألعاب
الفيديو ونشرها من اتخاذ خطوات جريئة على جبهتين رئيسيتين: الاستفادة من القيمة الكامنة للرياضات الإلكترونية وتوسيع قاعدة جماهيرها.
ويأتي في مقدمة تلك الخطوات تأسيس هيكل تنظيمي متين من شأنه أن يُحدث تقارباً بين أشهر ألعاب الفيديو، وأن يرفع الستار عن مشهد تنافسي حماسي وجذاب، ويتيح فرصاً لزيادة أعداد المشاهدين في أسواق رئيسية خارج منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مثل الشرق الأوسط والولايات المتحدة وأوروبا؛ حيث تبدي جهات البث والرعاة استعدادها لضخ مزيد من الاستثمارات في هذا القطاع.
في الوقت نفسه، سيُسهم إنشاء منصة عالمية متكاملة للبطولات في تمكين ناشري الألعاب من تحويل الرياضات الإلكترونية إلى مصدر ربح حقيقي، بدلاً من اعتبارها مجرد وسيلة تسويقية لبناء قاعدة جماهيرية لكل لعبة. لطالما تردد ناشرو الألعاب في تفويض إدارة الرياضات الإلكترونية إلى جهات خارجية، خوفاً من فقدان السيطرة على ملكيتهم الفكرية والمخاطر المحتملة على سمعتهم. تمنع هذه الاستراتيجية الدوريات المتخصصة في الرياضات الإلكترونية ومنظمي البطولات من استغلال خبراتهم على نحو كامل لتحقيق النمو وجَني الايرادات.
إن تعزيز التعاون بين ناشري الألعاب ومنظمي الرياضات الإلكترونية سيقود إلى الارتقاء بالمستوى التنظيمي للبطولات، مثل تحسين الألعاب لتناسب المنافسات الرياضية، كما سيفتح المجال لتسويق العلامات التجارية، وتطوير أسلوب اللعب، وتوفير محتوى حصري، وإبرام صفقات للمشاركة في الإيرادات، ما سيسهم في تحقيق الاستدامة المالية للرياضات الإلكترونية.
إن نجاح الرياضات الإلكترونية في جذب جمهور كبير على الرغم من التحديات الهيكلية والتشغيلية التي تواجهها، يُظهر إمكاناتها الكبيرة التي يمكن استغلالها لتعزيز تفاعل المشجعين الحاليين وجذب مشجعين جدد. من بين الخطوات التي يمكن اتخاذها لزيادة التفاعل: تنظيم المزيد من الفعاليات الجماهيرية، ودعم اللاعبين الأفراد والترويج لهم لكسب ولاء الجماهير، والتعاون مع فرق الرياضات التقليدية لخلق قاعدة جماهيرية متنوعة. ولتحفيز الاهتمام على نطاق أوسع، تستطيع الاتحادات الوطنية التعاون مع الجهات الحكومية واتحادات الرياضات الأخرى على المستويات الوطنية والمجتمعية لتوفير بنية تحتية وبرامج ألعاب للشباب والشابات.
إدراج الألعاب الإلكترونية في الألعاب الأولمبية
لرفع مصداقية الرياضات الإلكترونية وزيادة مكانتها وانتشارها العالمي، قد يكون إدراجها في الألعاب الأولمبية من الخطوات المهمة، الأمر الذي يمكن تحقيقه من خلال الإدارة المُحكمة والدعم الدولي للرياضات الإلكترونية. علاوة على ذلك، يمكن اتخاذ خطوات ترويجية لجذب مجموعات جديدة من الجماهير؛ من خلال إنتاج محتوى أصلي يَعرض الرياضات الإلكترونية وجوانبها الفريدة، ويتيح للمشاهدين فهم الألعاب التنافسية متعددة اللاعبين على نحو أفضل وخوض التجربة الكاملة، مثل تجربة الفورمولا 1، التي أطلقت مسلسلاً وثائقياً على منصة نتفلكس بعنوان "القيادة من أجل البقاء" (Drive to Survive).
وفي السياق نفسه، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية في 12 يونيو/حزيران 2024 عقد شراكة مع اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية لمدة 12 عاماً، لتنظيم دورة الألعاب الأولمبية للرياضات الإلكترونية في المملكة عام 2025، ونسخ إضافية من الدورة في أعوام لاحقة. وقال وزير الرياضة رئيس اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية، عبد العزيز بن تركي بن فيصل: "إن إعلان اللجنة الأولمبية الدولية استضافة المملكة لهذا الحدث الرياضي العالمي، هو امتداد وتجسيد للدعم غير المسبوق الذي تحظى به الرياضة في المملكة من قِبل قيادة هذا الوطن العظيم، والدعم والمتابعة المستمرَّين من قِبل ولي العهد واللذين مكّنانا من المضي قدماً في الاستمرار باستضافة مثل هذه الأحداث الدولية الكبرى، وتأكيد أن المملكة باتت موطناً للرياضات يشهده العالم أجمع".
وفي النهاية، لابد أن يواكب التطور السريع الذي شهدته الرياضات الإلكترونية خطوات جريئة لنقلها من واحدة من الرياضات الأكثر شعبية على مستوى العالم إلى واحدة من أكثرها تحقيقاً للأرباح.