تقرير خاص

استراتيجيات استشراف مستقبل الخدمات الحكومية

4 دقائق
الحكومات
shutterstock.com/songpholt

تساهم مجموعة من العوامل في حقبة ما بعد كوفيد-19، في إحداث تحولات ملحوظة عبر مختلف المجتمعات – ما يضع الحكومات حول العالم أمام مجموعة من التحديات عبر مختلف المجالات. إلا أن الاستجابة الحكومية ما زالت بطيئة مقارنة بالسرعات التي تحدث فيها هذه التحولات المجتمعية؛ إذ تواصل الحكومات تسيير أعمالها على النحو الذي اعتادته لقرون، باعتماد هياكل هرمية ومنفصلة وبيروقراطية، مع أن التغيّرات المجتمعية تحدث بسرعة أكبر من أن يتم التعامل معها باتباع قواعد التنظيم الحالية، لاسيما في ظلّ توقعّات بتسارع هذه التغيّرات. 

لقد حان الوقت لإعادة النظر في الهياكل الحكومية وإعادة تشكيلها على نحو متكامل. ويجب في هذا الإطار أن تتجه الحكومات لاعتماد نهج تحوليّ رباعي لمواجهة التحديات العصرية المعقدة بشكل أفضل.

أولاً، يجب أن تتخلى الحكومات عن هيكليات التنظيم الرأسية وأن تُعيد ترتيبها في مجموعات تنظيمية بحسب الأولوية، وتطال هذه التغييرات عدداً من الوزارات والوكالات التقليدية التي تدير قضايا محددة ذات صلة مباشرة بالمواطنين.

ثانياً، ضرورة تطوير مسرعات وظيفية للارتقاء بمستوى الخبرات في المجالات الأكثر أهمية - التحليلات المتقدمة أو الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال.

ثالثاً، تبني منهجيات عمل مرنة، باستخدام فرق متعددة الوظائف لدفع الابتكار عبر مناهج التجربة والتعلم السريع.

رابعاً، إعادة تنظيم طرق التفاعل مع المواطنين، وإنشاء منصات مبسطة وشاملة توفر للمجتمعات مجموعة من الخدمات والحلول التي يحتاجون إليها.

تنظيم الهياكل الحكومية في مجموعات وظيفية وفقاً للأولويات

ينبغي تنظيم الحكومات في مجموعات وظيفية تُركّز على أولويات محدّدة بدلاً من الكيانات الفردية. ويمكن تعريف المجموعات الوظيفية بأنها مجالات في السياسة العامّة تترابط وتتداخل على نحو واسع النطاق. ويجب تحديد هذه المجموعات بناء على متطلبات الحياة اليومية واحتياجات المواطنين، وتعتبر مجالات التعليم والتوظيف مثالاً واضحاً على المجموعات الوظيفية ذات الأولوية. ومن الأمثلة الأخرى، الصحة والرفاه المجتمعيّ التي تضمّ موضوعات الرعاية الصحّية والتغذية والدعم الاجتماعي والتقاعد. ومن المؤكد أن إعادة التنظيم في مجموعات وظيفية لن يطال جميع الوزارات والإدارات الحكومية، وتظلّ بعض الكيانات، مثل الكيانات المعنية بالعدل- المندرجة في إطار "المنافع الإجتماعية" – تؤدّي دورها على أفضل وجه ككيانات متميزة. إلا أن تزايد التعقيدات، سيؤدي حتماً إلى زيادة عدد المجالات المترابطة والمتداخلة وإلى توطيد أوجه الترابط والتداخل. 

تطوير المسرعات الوظيفية

تعمل المسرعات الوظيفية عند ربطها بمجموعة من الكيانات الحكومية، على تمكين هذه الكيانات جميعها من إتقان موضوعات جديدة واعتمادها ضمن عملياتها المتنوعة وبناء مجموعات المهارات اللازمة. ويتم إغلاق المسّرع بمجرد نجاحه في تضمين مهارات معينة أو معارف تقنية عبر جميع الجهات الحكومية، أو الانتقال لتطوير مواضيع ومهارات أخرى. وتجرب بعض الحكومات نموذج التسريع على نحو جدي، ومنها حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، التي أنشأت وزارة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، مهمتها تعزيز الذكاء الاصطناعي عبر الجهات الحكومية وغير الحكومية على أوسع نطاق، من خلال الاستثمار في أحدث حلول وأدوات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في مختلف ميادين العمل.

وتكتسب المسرعات أهمية استثنائية في هذا الإطار بناء على أدوارها الاستثنائية الثلاث.

  •  حاضنة للمفاهيم: تتمكن المسرعات بفضل ريادتها عبر مجالات تخصّصها من الاطلاع بشكل أفضل وأوثق على مجموعة الإمكانات والفرص الناشئة. وتقوم هذه الجهات بتصفية وصقل تلك الفرص لاقتراح أكثرها قابلية للتطبيق في نهاية المطاف.
  •  تحسين المهارات: تعمل المسرعات كمنبعٍ للمواهب التي تُمكّن الجهات الحكومية من العثور على أفضل الموارد واعتمادها لتطوير برامج أو سياسات جديدة.
  • الإشراف على عمليات البحث والتطوير: تستفيد المسرّعات من خبراتها واسعة النطاق لإنتاج دراسات وتقارير وإجراء أبحاث إضافية والعمل بالتالي على تطوير مجالاتها أو موضوعاتها المتنوعة.

اعتماد منهجيات العمل المرنة

كان مجال تطوير البرمجيات أول من اعتنق طرق العمل المرنة في التسعينيات. وتتجسد فلسفتها ببساطة في منح فرق العمل المساحة والاستقلالية اللازمتين للابتكار، وتنظيم العمليات عبر دورات قصيرة، أو باعتماد نهج "سباقات السرعة"، التي تركز في الوصول إلى حل "جيد بما فيه الكفاية" - بدلاً من تحقيق الكمال.

واليوم، صار نهج العمل المرن منتشراً  على نطاق واسع، ولا يقتصر على مجال البرمجيات، وأظهر نجاحات ملحوظة عبر مؤسسات القطاع الخاص الضخمة. وعلى الرغم من تأخر الحكومات في اعتماد هذا النهج، فإن المرونة تعتبر الحل الأنسب للتحديات المعقدة، التي يتطلب حلها الارتكاز على خبرات متنوعة عبر مجالات متعددة، يتم في إطارها اختيار أعضاء الفريق من جهات وإدارات حكومية مختلفة، للتعاون على مدى فترات زمنية قد تمتد لأسابيع أو سنوات. ومن أنجع أساليب العمل المرن إنشاء فرق متعددة الوظائف تعمل معاً لفترة محدودة لتطوير واختبار وتنقيح البرامج والسياسات المستحدثة.

تطوير منصات حكومية موحّدة

وعلى غرار تعديل الهياكل الحكومية لتتماشى مع احتياجات وأولويات مواطنيها، ينبغي أيضاً إعادة تصميم طرق تقديم الخدمات. وهذا يعني الانتقال من تقديم الخدمات من خلال عدد كبير من الإدارات والوكالات والوزارات المنفصلة، إلى اعتماد نظام أكثر تكاملاً – أي ما يُعرف باسم المنصة الحكومية الموحدة. ويُمكّن هذا الأسلوب الحكومات من تقديم مجموعة من الخدمات المعتادة بشكل مبسط - وتخصيص الخدمات التي تحتاجها.

وتحقيقاً لهذه الغاية، تتبادر إلى الذهن ثلاثة خيارات:

  •  اعتماد وتنفيذ مجموعة من الأنشطة المخصصة للمتعاملين. توفر الحكومات للمتعاملين عبر هذا النهج، فرصة الاستفادة من الخدمات العامة عبر دمج جميع القنوات، بما في ذلك البوابات الرقمية ومراكز الاتصال والمكاتب الفعلية في منصة واحدة. ويمكن في الإطار ذاته، الحفاظ على الأنظمة والعمليات الخلفية لتقديم الخدمات على النحو المعتاد دون إجراء أي تغييرات ملحوظة.
  •  التكامل الشامل ضمن مجموعة الأولويات. تدمج الحكومات باستخدام هذا النهج، الواجهات الأمامية لكافة الكيانات ضمن المجموعة الوظيفية ذات الأولوية ضمن منصة أو تطبيق حكومي موحد، وتدمج أيضاً الواجهات الخلفية لهذه الكيانات.
  •  اعتماد مزوِد متكامل لتوفير جميع الخدمات. ويعتبر هذا النهج الأكثر طموحاً، بحيث يتم تجميع القنوات الأمامية والنظم والعمليات الخلفية لجميع الخدمات الحكومية في منصة واحدة ومتكاملة.

وفي نهاية المطاف، فإن الحكومات التي تتخلف عن مواكبة هذه التغيّرات، لن تتمكن من تحقيق الفاعلية في توفير حلول رائدة وعصرية تلبي احتياجات مواطنيها وتساهم في مواجهة تحدياتهم الأكثر أهمية. وتشمل الحلول المطلوبة في هذا الإطار، اعتماد نظام تعليمي مستمر لتمكين الموظفين من الحفاظ على قدراتهم التنافسية في سوق العمل سريع التغير؛ وتمكين الوصول السلس والسهل إلى الخدمات الحكومية الأكثر أهمية؛ وضمان وضع الأنظمة والسياسات المناسبة عبر القطاعات الجديدة أو التي المتحّولة. وستواجه الحكومات التي تعاني من نقص في مثل هذه المجالات تحديات حقيقة، بحيث سيتجه المواطنون إلى الحدّ من الموارد الحكومية وتجنب التعامل مع حكوماتهم. ومن المؤكد أن الحكومات القادرة على التحول ستكون أكثر قدرة على التأثير والتفاعل مع مواطنيها – بالإضافة إلى تعزيز مصداقيتها ومكانتها لدى مختلف الشرائح المجتمعية التي تخدمها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي