16 تطوراً ستحدد مستقبلك المهني خلال السنوات الـ 16 القادمة فاستعد لها

7 دقيقة
مستقبلك المهني
(مصدر الصورة: هارفارد بزنس ريفيو العربية، تصميم: مهدي أفشكو)

"يجب على الإنسان أن يتعلم كيفية تغيير الحفاضات، والتخطيط للغزو، وذبح بقرة، وتوجيه سفينة، وعمل ميزانية صغيرة، وبناء جدار، وتجبير كسر العظم". هذه بعض المهارات التي يرى الكاتب روبرت هاينلاين، في كتابه "الوقت الكافي للحب"، أن على الإنسان تعلمها ليستمر في البقاء، لأن الحشرات هي التي يتخصص فيها كل فرد بمهمة واحدة فقط، لذلك فهي لا تعيش طويلاً.

والآن دعوني أؤكد لكم أن أحدث التقارير التي تتوقع المستقبل للسنوات القليلة القادمة تؤكد هذه النتيجة، أي أن عليك تنويع تخصصاتك لتعيش في هذا العالم المتغير وتنجو.

أخيراً، حدد الخبراء مواصفات الإنسان الذي سيتجاوز التحول الحاصل في المهارات مع تطورات الذكاء الاصطناعي. وبناء على التفاصيل التي سأذكرها، يمكنك أن تخطط منذ الآن لما ينقصك من الاستعداد العقلي والمهني لتتحول إلى هذه الشخصية التي تستوعب هذه التطورات الـ 16 التي ستحدد هذا المستقبل القريب.

من المهارات التي باتت واضحة ومطلوبة لإنسان المستقبل الناجح حسب الخبراء الذين سأنقل عنهم التفاصيل من تقارير بحثية معمقة ما يلي: عليك أن تكون متعدد الخبرات، لا خبيراً في تخصصك فقط، وعليك أن تتعلم كيف تصبح مدير نفسك، حتى لو لم تكن مديراً، وعليك أن تستعد لتكون خبيراً واسع الاطلاع، وأن تستمر بتعلم مهارات جديدة بلا توقف.

هذه المهارات هي جزء من 16 تطوراً أو اتجاهاً ستظهر خلال السنوات الـ 16 القادمة، أي بدءاً من العام 2024 وحتى 2040، وستكون الأساس الذي سيحدد مواصفات الناجحين والناجين في هذه المرحلة التي تمر بأكبر عملية تغيير وتبدل في المهارات وطرق العمل، إضافة إلى أنها الأكثر غموضاً على مر التاريخ.

تقييم الموظفين

والآن لنبدأ بالتطورات التي بدأ تشكلها وستستمر حتى 2040، حسب تقرير مهم نشرته مؤخراً دائرة التمكين الحكومي في أبوظبي بالتعاون مع مراكز بحثية عالمية. حدد التقرير 16 اتجاهاً ستحدث في مجال المواهب على مستوى العالم، وسأرتبها زمنياً لكي تتخيلوا التطورات التي ستحصل على صعيد الأفراد والمؤسسات والدول والعقول:

من عام 2024 وحتى 2026 ستزداد الحاجة إلى علماء البيانات ومتخصصيها كثيراً، إذ ستسعى كل مؤسسة إلى هؤلاء الخبراء لتحليل المعلومات وبناء نماذج الذكاء الاصطناعي الأخلاقية. وهذا يتوافق مع التقرير الذي أعددناه في مجرة بعنوان "20 وظيفة جديدة ستظهر بسبب الذكاء الاصطناعي وستطلبها غالبية الشركات في العالم"، والذي استند إلى تقارير وخبرات عالمية، وبينت فيه مع زملائي الباحثين أن هناك عدة وظائف ستظهر على المدى المتوسط (3- 5 سنوات)، منها مهندس بيانات اصطناعية، ومتخصص تصميم توليدي للذكاء الاصطناعي، ومسؤول الامتثال وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في كل مؤسسة.

وفي عام 2027 سينتشر الأسلوب الجديد من تقييمات الأداء للموظفين. حيث ستبتعد المؤسسات عن التقييمات التقليدية التي كانت تضيع الكثير من الوقت، إذ قدرت شركة ديلويت الاستشارية العالمية أن جلسات التقييم السنوية التقليدية كانت تستهلك من المدراء والموظفين نحو مليوني ساعة سنوياً، فاستبدل بها عام 2014 التقييمات المباشرة المستمرة لكل مهمة. وهذا ما يتوقع التقرير انتشاره عالمياً، حيث ستسود الأساليب المرنة القائمة على التغذية الراجعة المستمرة وتقييم الأقران بالاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي.

العب واعمل

وفي عام 2028 ستسود أكثر فأكثر تقنيات التلعيب، أو استخدام أسلوب الألعاب والترفيه في أداء الأعمال لمساعدة الموظفين على الاندماج في أعمالهم. فما السبب؟

هناك تراجع عالمي في مستوى ما يسمى الاندماج والتفاعل الوظيفي، فهو لا يتجاوز 21% من نسبة الموظفين، وهو لا يتجاوز في المنطقة العربية أكثر من 14% من الموظفين حسب أحدث تقرير من شركة الأبحاث العالمية غالوب. ماذا يعني ذلك؟

يعني أن أكثر من ثلثي الموظفين حول العالم يشعرون بالملل من وظائفهم إن صح التعبير. ولكي نقرب النسبة يمكننا القول إن ثلاثة من كل أربعة موظفين يشعرون بالملل وعدم الرغبة بالعمل. وهذا يكلف العالم، حسب التقرير، نحو 400 مليار دولار سنوياً، بسبب تراجع الإنتاج الناتج عن هذا الملل.

لذلك، يرى الخبراء الذين اعتمدهم تقرير "الاتجاهات الناشئة في إدارة المواهب" الذي أصدرته دائرة التمكين الحكومي في أبوظبي، أن المستقبل القريب سيشهد إدخال نماذج التعليب أو الترفيه للعمل، ودمج عناصر الألعاب في بيئة العمل لتحفيز المشاركة، وتعزيز التعلم، وزيادة الإنتاجية عبر التحديات والمكافآت. ووفقاً لاستقصاء "التلعيب في العمل" لعام 2019، أفاد 89% من الموظفين بأن إنتاجيتهم ستزداد إذا زاد التلعيب في عملهم.

وفي عام 2028 أيضاً، ومع انتشار طرق اللعب في العمل، ستصبح الأدوات التقنية أساسية في قياس عمل الموظف وتمكينه من إدارة نفسه. ولذا فإن هناك اتجاهاً آخر سينتشر أكثر وأكثر هو نموذج العمل الجماعي المستقل (الهولاكراسي)، هذا النموذج الذي يعني انتقال الفرق إلى إدارة ذاتية، مع تقليل الهياكل الهرمية والاعتماد على تقنيات مثل البلوك تشين. بدأت فكرة هذا النموذج الإداري عام 2007 ولم يجد النجاح الكافي بسبب ولادته مبكراً، لكنه حسب الخبراء سيعود للظهور مع سيطرة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، حيث سيصبح كل إنسان مديراً لنفسه، ويتعامل مع أدوات تكنولوجية تربطه بنتائج الأعمال مع باقي أعضاء الفريق وتلبي أهداف المؤسسة.

من هو الخبير؟

وبدءاً من عام 2028 سيبدأ العالم بإعادة تعريف دور الخبير. من هو الخبير؟ سيراجع دور الخبراء الأفراد لصالح المعرفة الجماعية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. وبقدر ما يستطيع الفرد أن يكون ملماً وواسع الاطلاع فإنه يعزز قيمته بصفته خبيراً. وحسب دراسة نشرها المنتدى الاقتصادي العالمي، بين بحث قامت به مؤسسة وورك داي أن 83% من الخبراء يرون أن الخبرة البشرية ستزداد أهميتها ويرتفع تقديرها في عصر الذكاء الاصطناعي.

وفي عام 2029 سيظهر بوضوح تميز دور الخبير المدير أو الخبير الموظف عبر بروز "متعددي التخصصات" وهم الذين يسميهم التقرير (Neo-Generalists). حيث سيبدو بوضوح في كل الوظائف والمهن أن الذي يفهم في تخصصه فقط، هو شخص عاجز عن مواكبة المرحلة التي تعج بالتطورات المهاراتية وسيطرة الذكاء الاصطناعي في كثير من الأعمال، وستحتاج كل مؤسسة وكل مهنة للأشخاص الذين يجمعون بين التخصص العميق والمعرفة الشاملة لحل المشكلات المعقدة عبر مجالات متعددة.

وقد استشهد تقرير "إدارة المواهب" بما توقعته منصة "فيوتشرز بلاتفورم" العالمية في تحديد هذا الاتجاه وأهميته في المستقبل القريب.

كما أشار لهذا الأمر وأهميته كتاب "المتخصص الشامل الجديد"، للباحثين كينيث ميكيلسن وريتشارد مارتن، حيث عرض الكتاب أمثلة تؤكد أن أنجح الناس هم متعددو التخصصات. وقد صدر كتاب آخر مهم بعنوان "وسع مداك" للكاتب ديفيد إبستين، والعنوان الفرعي للكتاب هو "لماذا ينجح أصحاب المعارف العمومية في عالم يزداد ميلاً للتخصص". الكتاب يؤكد أن أغلب الحاصلين على جوائز نوبل هم من العلماء متعددي الخبرات والتخصصات، وأن المستقبل هو لمن يفهم شيئاً من كل شيء ومن تخصصه كل شيء كما يقال.

العودة إلى العمل الهجين

في عام 2029 سيحدث التحول في عمل المكاتب، والذي اختبره العالم في سنوات كوفيد-19 وبعدها بعام أو عامين، وهو التطبيق الفعلي للعمل الهجين، أي العمل من أي مكان، حيث ستفرض التطورات التكنولوجية تحول مساحات العمل إلى نماذج هجينة وافتراضية تعتمد على تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز.

ولكن لن يكون القرار هذه المرة بيد المدراء للعودة إلى المكاتب كما حصل بعد سنوات كورونا، حيث قررت غالبية الشركات حول العالم العودة إلى ما اعتادت عليه، دون أن تكلف نفسها عناء الاستفادة من التطورات التكنولوجية وفقاً لما تراه ربا يوسف الحسن، المديرة العامة للشؤون الاستراتيجية واستشراف المستقبل في دائرة التمكين الحكومي في مقال لها نشرته حول هذا الموضوع.

كيف ستتعلم؟

في عام 2030 ستصل عملية أتمتة عملية التوظيف إلى ذروتها، حيث سيتجه العالم على نحو واضح إلى توظيف الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة التوظيف، وتقليل التحيز، وتعزيز المطابقة بين المهارات والوظائف.

كما سيشهد العام ذاته، ظهور توجه "تمكين المشاركة بالذكاء الاصطناعي"، حيث سيستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الموظفين، وتخصيص تجارب العمل لتعزيز الرضا والاحتفاظ بالمواهب. أي أن المدراء سيستخدمون على نطاق واسع التقنيات التي بدأ بعض المتقدمين منهم استخدامها منذ الآن، ومنها أدوات الذكاء الاصطناعي التي تساعد المدراء على قياس إنتاجية الموظفين والتنبؤ بالإرهاق والرغبة بالاستقالة وغيرها.

وفي عام 2033 ستسود "التجربة الغامرة" في بيئات العمل، حيث ستسخدم تقنيات الواقع المعزز والافتراضي على نطاق واسع. وستسهم في تعزيز التدريب والتعاون وتجارب الموظفين في بيئات محاكاة آمنة.

أما في عام 2035، حسب التقرير، فسنبدأ ملاحظة تراجع دور الشهادات الجامعية التقليدية لصالح الشهادات المهنية والدورات قصيرة الأجل، حيث ستبدأ حكومات وشركات اتخاذ خطوات وقرارات عن تغييرات في طريقة الحصول على الشهادات الجامعية، مع انخفاض قيمة الشهادات الأكاديمية لصالح الشهادات المهنية القصيرة والمهارات العملية.

وسيتكامل ذلك، مع تطور يتوقعه التقرير في العام نفسه لاعتماد التعلم المستمر باعتباره مهارة ضرورية في أي شخص، سواء كان مديراً أم موظفاً أم رائد أعمال، ليستمر في عمله ونجاحه. تحول التعلم إلى عملية مستمرة لمواكبة التطورات التكنولوجية، مع تركيز على إعادة تأهيل المهارات. وحسب أحد الخبراء في مقال نشره في هارفارد بزنس ريفيو فإن السؤال الذي سيحدد مصير الموظف مستقبلاً ومصير من يعمل أصلاً وكل المهنيين هو "كيف ستتعلم"؟

تقاعد الشباب وعمل كبار السن

التطورات الكبرى التي يتوقعها الخبراء ستحدث في عام 2040 وتشمل عدة اتجاهات وتطورات؛ يأتي على رأسها "تعزيز الرفاهية الشاملة"، حيث يسود استخدام التكنولوجيا المدعومة بالذكاء الاصطناعي في تحسين حياة الناس، عبر برامج رفاهية شخصية مدعومة بالتكنولوجيا القابلة للارتداء، تركز على الصحة البدنية والنفسية والمالية.

وهنا قد نفهم أكثر التوجه الذي توقعه خبراء تقرير دائرة التمكين الحكومي، والذي هو "المتقاعدون الشباب". حيث توقع التقرير توجه الشباب نحو التقاعد المبكر عبر الادخار المكثف، ما سيؤدي بدوره للتأثير في شكل القوى العاملة ومستقبلها وفي الأنظمة الضريبية. وهنا قد نذكر أن دراسات، ومنها ما نشرته أكسفورد، بينت سيطرة الذكاء الاصطناعي غير كافية لتغطية الوظائف التي تحتاجها دول كثيرة تعاني شيخوخة السكان، لذلك فإن على الحكومات إعطاء الفرصة لكبار السن لاستمرار العمل بعد إعادة تأهيلهم. وهنا قد نجد أنفسنا أمام معادلة غريبة؛ شباب متقاعدون وكبار سن يعملون.

ومع انتشار الاهتمام بالصحة النفسية بعد أن يتولى الذكاء الاصطناعي كثيراً من المهمات البشرية، يتجه الموظفون نحو مزيد من الحرية في أوقاتهم والتوجه لعمل ما يحبون، وهنا تظهر موجة تقاعد الشباب خاصة مع تزايد الدعوات إلى تأمين دخل أساسي ثابت لكل البشر وعمل عقد اجتماعي جديد لضمان استمرار التقدم التكنولوجي ورفاهية الإنسان معاً، حسب ما نشرته كلية لندن للاقتصاد.

وربما يكون تحصيل هذا الدخل الأساسي للناس جميعهم سيكون عبر فرض ضريبة على الروبوتات، كما يبين تقرير دائرة التمكين الحكومي في أبوظبي، حيث يتوقع خبراء فيوتشرز بلاتفورم، أن يبدأ العالم بفرض ضرائب على استخدام الروبوتات لتعويض فقدان الوظائف ودعم برامج إعادة التدريب للبشر.

وعلى الرغم من أن شخصيات عالمية مثل بيل غيتس تعتبر من أكبر الداعمين لفرض هذه الضريبة، إذ يعتبرها مشابهة لضريبة الدخل على الإنسان، فإن كثيرين من الخبراء يحذرون من القدرة على تطبيقها أو جدواها الاقتصادية.

هل أنت قائد أم ضحية؟

ويعتبر الاتجاه الأخير الذي توقعه تقرير أبوظبي من الأمور التي تبدو ممكنة كما توقع في في عام 2040 عبر ما يسميه الخبراء "الذكاء الجمعي"، حيث سيجري توظيف التكنولوجيا (مثل التخاطر الرقمي) لربط العقول البشرية وتعزيز صنع القرار الجماعي لحل التحديات العالمية. وهو أمر يبدو ممكناً مع التجارب التي بدأنا نراها منذ الآن مع شركة إيلون ماسك، نيورالينك، وغيرها من الشركات المماثلة.

وهكذا كما ترون، فقد بدأ العد التنازلي لشراكة واندماج مطلق بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، فإذا أردت أن تكون من قادة هذا التحول لا من ضحاياه، فاستعد لهذه التطورات الـ 16، وابدأ بالتعلم والتطور، وخصص وقتاً في كل يوم للتدرب على مهارات جديدة ضمن تخصصك وخارجه. ومنها أن تواظب على قراءة مقالات مجرة ومحتواها الذي يوسع مداركك بما هو علمي وعملي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي