ينظر الكثيرون إلى الفشل باعتباره شراً يجب تجنبه، خاصة المدراء الجدد الذين يتوقون إلى إثبات كفاءتهم أو الذين اعتادوا هذه العقلية؛ لكن الفشل ليس شراً مطلقاً؛ إذ يساعد في واقع الأمر على تعزيز النمو المستدام لفريقك على المدى البعيد.
قد يؤدي تجنب الفشل إلى ثبات مستوى الأداء على المدى المنظور، لكنه يعوق النمو والابتكار على المدى البعيد؛ فالموظفون الذين يتحاشون المخاطر ويفضلون البقاء في مناطق الراحة التي اعتادوها يفوّتون على أنفسهم الفرص لتعزيز قدراتهم وتجربة حلول مبتكرة.
إذا كنت تتولى منصباً إدارياً للمرة الأولى، فيجدر بك إعادة النظر في دور الفشل ضمن فرق العمل التي تخضع لإشرافك؛ فبدلاً من انتظار أن يخفق الموظفون في مهمة ما كي يتعلموا من فشلهم، يمكنك تضمين أسباب الفشل على نحو مدروس في مهام الفريق بهدف واضح وهو التعلم. تُعرف هذه العملية بالفشل البنّاء، وهي أسلوب مُختبَر علمياً يهدف إلى تعزيز التجربة التعليمية والتنموية للموظفين وصقل قدرتهم على الإبداع ودعم قدرة الفريق على التحمل.
لكن الأمر لا يرتبط بدفع موظفيك إلى الفشل؛ إذ يستلزم تحقيق أقصى استفادة ممكنة من أساليب الفشل البنّاء إعداد حزمة متوازنة من المهام الممزوجة بعراقيل تُصعِّب إنجازها، وبعد أن ينجز الموظفون المهام المصممة بعناية لا بدّ من عقد جلسة إحاطة وتقييم من أجل استخلاص الدروس المستفادة.
من أين تبدأ إذاً؟
تصميم حزمة المهام
يكمن سر تصميم المهام المخصصة للفشل البنّاء في إعداد حزمة متوازنة من أهداف الأداء وأهداف التعلم.
تتضمن أهداف الأداء مهام تركز على تحقيق أهداف محددة غير مسموح فيها بالفشل، وقد تنطوي على أنشطة روتينية لا مجال فيها للخطأ، مثل معالجة كشوف الرواتب بدقة متناهية أو إدارة متطلبات العملاء في مشروع ذي مخاطر عالية.
أما أهداف التعلم فمصممة لتحفيز الموظفين على اكتساب مهارات ومعارف جديدة تتجاوز حدود قدراتهم الحالية. ويقع الاختيار على هذه المهام الإنمائية خصيصاً لقدرتها على التسبُّب في الفشل وخلق صعوبات أمام الموظفين، ما يدفعهم إلى استكشاف المشكلات وحلها بأساليب إبداعية. ومن أمثلة هذه المهام إنشاء ميزة جديدة للمنتج من الصفر أو قيادة فريق عمل متعدد الاختصاصات للمرة الأولى في مشروع بسيط.
لا بدّ من الفصل بين هذين النوعين من الأهداف كي يحقق الفشل البنّاء النتيجة المنشودة، وبمراعاة الوضوح في تحديد المهام التي تركز على التعلم والمهام التي تركز على الأداء، يستطيع المدراء رفع الحرج عن الموظف كي لا يخشى الفشل في النطاق التعليمي وخلق حيّز آمن للتجريب والنمو.
وضع عراقيل مدروسة
بمجرد إعداد حزمة المهام، تتمثل الخطوة التالية في تصميم العراقيل التي تصعِّب إنجاز المهام التي تركز على التعلم.
على سبيل المثال، في إطار الاستعداد للتوجه نحو الذكاء الاصطناعي في المؤسسة، قد يكلّف مدير مبتدئ فريقه بتصميم ميزة توصيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمنصة المتجر الإلكتروني التابع للشركة. ونظراً لحداثة هذه التكنولوجيا، فمن المرجح أن تدفع هذه المهمة أعضاء الفريق إلى اكتساب مهارات ومعارف جديدة تتجاوز حدود قدراتهم الحالية. ولإتاحة الفرص أمام الموظفين للمشاركة في حل المشكلات المعقدة من جذورها، بدلاً من الاكتفاء بتنفيذ الحلول المعروفة مسبقاً، يمكن للمدير:
1. فرض قيود على الموارد المتاحة
ضع قيوداً متعمَّدة على الموارد المتاحة لأداء المهمة بحيث تحفّز الموظفين على التفكير الإبداعي. على سبيل المثال، يمكنك فرض قيود على كمية بيانات التدريب المتاحة للفريق لتطوير نموذج يعتمد على الذكاء الاصطناعي كي تضطرهم إلى ابتكار حلول إبداعية، مثل استخدام تقنيات لزيادة البيانات أو لتحديد البيانات البديلة. بالإضافة إلى ذلك، يمكنك إضافة قيود زمنية من خلال اختصار مدة المشروع من 6 أسابيع إلى 4 أسابيع لتولّد لديهم إحساساً بضرورة الاستعجال وتدفعهم لزيادة التركيز. قد يدفع هذا فريق العمل إلى استكشاف أساليب بديلة وأسرع لتنفيذ المهام (مثل المكتبات المفتوحة المصدر أو النماذج المدربة مسبقاً) بدلاً من الاعتماد على الحلول المعتادة.
2. تضمين حالات متناقضة
صمِّم مهام تتطلب المقارنة بين أساليب أو سيناريوهات مختلفة. على سبيل المثال، يمكنك أن تطلب من الفريق المقارنة بين خوارزميتين مختلفتين للتوصية، تعتمد إحداهما على تفضيلات المستخدمين المتشابهين بينما تعتمد الأخرى على ميزات المنتج؛ يكمن التحدي هنا في تحديد أفضل نموذج أو مجموعة نماذج تساعد فريقك على التفكير بأسلوب استراتيجي أكثر.
3. افرض ظروفاً قاسية غير مألوفة
صمِّم مهام تدفع الموظفين إلى التعامل مع الظروف الصعبة والخارجة عن المألوف، مثل اختلاق حالة استثنائية يتعين فيها على ميزة الذكاء الاصطناعي أن تعمل بفعالية على الرغم من محدودية تفاعل المستخدمين، مثل تقديم توصيات المنتجات للعملاء الجدد الذين ليس لديهم سوى الحد الأدنى من بيانات الشراء أو تاريخ التصفح، ما يدفع الفريق إلى التفكير بأسلوب غير تقليدي، ربما من خلال الاستفادة من البيانات الديموغرافية أو معطيات الظروف المحيطة لتطوير حلول إبداعية لم تكن ضرورية في حالة الاستخدام العادية.
4. اختلاق حالة من الغموض
صمِّم المهمة بحيث تزود الفريق بمعلومات منقوصة أو غامضة، إذا كنت تعلم مثلاً أن المستخدمين لا يملؤون عادةً بيانات تفضيلاتهم الشخصية كلها، وعلى الفريق التعامل مع هذا الغموض وإجراء أبحاث حول المستخدمين ومعالجة البيانات وتحديد كيفية تقديم توصيات مفيدة للمستخدمين عن المنتج في غياب مبادئ توجيهية واضحة. يؤدي هذا إلى تعزيز قدرة الفريق على التحمل والتكيف.
5. توقُّع التفكير المبتدئ الذي يفتقر إلى الخبرة
توقَّع أنواع الحلول التي قد يقترحها الموظفون المبتدئون غير المتمرسين وصمِّم المهمة بأسلوب يستحيل معه نجاح هذه الحلول. على سبيل المثال، قد يقترح الموظفون المبتدئون استخدام نظام بسيط قائم على القواعد للتوصية بالمنتجات في البداية (على سبيل المثال، إذا اشترى المستخدم المنتج "أ"، يوصي النظام بالمنتج "ب")، في حين يمكنك تصميم المهمة بأسلوب يستدعي دمج خوارزميات تعلم الآلة والبيع المتقاطع لفئات المنتجات المتنوعة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه باستخدام نظام بسيط قائم على القواعد.
6. تعمُّد اقتراح استراتيجيات ضعيفة أو فاشلة
قد يقترح المدير أن يبدأ الفريق بالاكتفاء بالتوصية بأكثر المنتجات شعبية لكل مستخدم، على الرغم من أن هذه الاستراتيجية أثبتت أنها تؤدي إلى ضعف تفاعل المستخدم وعدم رضاه في الإصدارات السابقة. تشجع هذه العقبة الفريق على إعادة التفكير في التوصيات المخصصة والبحث عن أساليب أكثر خصوصية تعتمد على البيانات وتراعي تفضيلات المستخدم الفردية بدلاً من الاعتماد على أساليب موحدة وتعميمها على الجميع.
7. تشجيع الاستكشاف وإدارة الصعوبات
حين يواجه أعضاء الفريق عراقيل، فمن الضروري أن يقاوم المدير رغبته في التدخل وحل المشكلات نيابة عنهم؛ فالصعوبات هي البيئة الموائمة للتعلم الحقيقي، ويجب تشجيع الموظفين على التعاون فيما بينهم وتجربة نماذج مختلفة من أجل التوصل إلى الحلول، مثل مقارنة نموذج الشبكة العصبية بنموذج شجرة القرار. هذا لا يعني عدم تقديم الملاحظات مطلقاً في أثناء سير العملية، بل يعني تقديم الملاحظات بأسلوب يدعم الهدف الأساسي لمهمة التعلم ويضمن توافر عنصر الأمان النفسي وتشجيع المزيد من الاستكشاف.
يتطلب هذا التوجه الاستكشافي مزيداً من الوقت، لكنه يؤدي أيضاً إلى التعلم العميق وابتكار حلول أفضل على المدى البعيد. وباعتبارك مديراً جديداً، عليك تصميم مسار تطويري أطول أمداً لفريقك.
عقد جلسة إحاطة
تتمثل الخطوة التالية والمهمة في تحويل الفشل إلى تجربة تعليمية قيّمة من خلال تقديم الملاحظات. وفي كثير من الأحيان، لا يوجد حل صحيح، وبالتالي يمكن للمدير أن يقارن بين الحل المبتدئ الذي توصل إليه الفريق ونهج أكثر تقدماً ونجاحاً. وفي مثل هذه الحالات، يمكنك استعراض أساليب الخبراء في التعامل مع المشكلة أو الاستراتيجيات أو المعايير التي استخدموها لتقييم النجاح. تتيح هذه العملية للموظفين استيعاب التفاصيل الدقيقة في أساليب تفكير الخبراء، وهذا يعزز فهمهم لأسباب فشل بعض الاستراتيجيات ونجاح أخرى. علاوة على ذلك، تساعد جلسات الإحاطة المعمَّقة هذه في صياغة ثقافة الفريق التي ترحب بالفشل البنّاء.
يمكنك أيضاً طرح بعض الأسئلة التأملية للمساعدة في تحويل الفشل إلى تجربة تعلم فعالة. على سبيل المثال:
- ما هي الافتراضات التي وضعتها عند تنفيذ المهمة؟
- ما هو الحل الذي بدا لك صحيحاً في البداية؟ ولماذا بدا لك أنه صحيح؟
- ما هي أوجه الاختلاف بين نهجك ونهج الخبراء، وما الذي جعل حلولهم أكثر فعالية؟
- ما هي الأفكار الرئيسية التي يمكننا استخلاصها من هذا الفشل كي نستفيد منها في التحدي التالي؟
لا يعني تصميم المهام المخصصة للفشل البنّاء تعمُّد إفشال الموظفين، بل يتعلق بإتاحة الفرص أمامهم للاستكشاف والتعلم والنجاح على المدى البعيد. في تجارب الفشل البنّاء، تصمم المهام بحيث تتحدى قدرات الموظفين وتسمح لهم بالفشل بأسلوب منظم وآمن يؤدي إلى نموهم، ومن خلال الموازنة بعناية بين أهداف الأداء وأهداف التعلم، ومزج المهام بعراقيل تُصعِّب إنجازها، وإرساء ثقافة تنظر إلى الفشل باعتباره خطوة ضرورية نحو الابتكار، يستطيع المدراء الجدد إطلاق العنان للإمكانات الحقيقية لفرقهم.