4 مسائل تتعلق بالتصميم التنظيمي يخطئ القادة في تشخيصها

7 دقائق
أخطاء التصميم التنظيمي

أعرب هنري، الرئيس التنفيذي لإحدى شركات التكنولوجيا، في محادثتنا الأولى، عن إحباطه من الوقوع في أخطاء التصميم التنظيمي وعجز مؤسسته عن التركيز على الأولويات وتنفيذها. وقال: "نتفق على الأولويات في بداية كل فصل، ولكن عندما يحين وقت مراجعتها يُقال لي إنّ أزمة ما قد حالت دون تحقيقنا أي تقدم. وبالتالي، فنحن لا ننجز شيئاً".

وعندما سألته عن الحلول التي اعتمدها لمحاولة إعادة حث فريقه على التركيز، ذكر سلسلة من النشاطات: عمليات التحقق الأسبوعية، والبروتوكولات التي تحد من رسائل البريد الإلكتروني، ولوحات المتابعة على الإنترنت التي تستعرض التقدم المحرز في المبادرات الرئيسية للمؤسسة. كشفت هذه الحلول أن هنري يعرف المشكلة في مؤسسته على أنها مشكلة مساءلة (الاجتماعات المتكررة المخصصة لمناقشة التقدم ولوحات المتابعة العامة) ومشكلة في القدرة (محاولات تحجيم حركة البريد الإلكتروني).

في المقابل، كشف التشخيص الذي أجريته شيئاً مختلفاً.

فلقد أدركت بعد تمضية بعض الوقت في الشركة أن المشاكل التي يعاني منها هنري كانت بسبب نظام حوكمة ضعيف. كما أن "الأزمات الطارئة" التي تعيق تقدم فريقه كانت بسبب غياب أي تنسيق فعال بين قسمين رئيسيين في الشركة. ونتيجة لذلك، لم يكن لديهم منتدى يستطيع القادة من خلاله حل المشكلة الصعبة المتمثلة في المفاضلة.

أخطاء التصميم التنظيمي

أخطأ هنري في تشخيص المشكلة، غير أنّه ليس القائد الكفؤ الأول الذي يرتكب هذا الخطأ. لقد أدركت بعد 35 عاماً في تقديم الخدمات الاستشارية مدى سهولة ارتكاب ذلك الخطأ الذي يعود بجزء كبير منه إلى أنّ تحديات الأداء تكون أعمق مما تبدو عليه أساساً. تمثل هذه الأخيرة في معظم الأحيان عوارض لمشكلة أكبر تتجذر في تصميم المؤسسة، فعندما يخطئ القادة في تشخيص العوارض يهدرون الكثير من الوقت للتوصل إلى حلول سطحية تنتهي بالفشل.

أذكر هنا أربعة من أكثر المنبهات شيوعاً الناتجة عن التصميم غير الفعال للمؤسسة حسبما رأيت: الأولويات المتزاحمة، ومعدل دوران الموظفين غير المرغوب فيه، والقادة الذين يتعذر الوصول إليهم، والتنافس العابر للوظائف. إذا وجدت أنّك تكافح مع إحدى هذه المسائل أو أكثر، فكر في أخطاء التصميم التنظيمي التي سأناقشها أدناه والتي قد تكون السبب الأعمق لمعاناتك، فهذا قد يساعدك على تحديد المشكلة الحقيقية وإيجاد حل لها.

العارض: أولويات متزاحمة

تحدي التصميم الشائع: حوكمة ضعيفة

صُممت شركة هنري كمؤسسة مصفوفة matrix organization، بما يعني أنّ معظم الموظفين يرأسهم رئيسان اثنان، ويُوزعون بحسب وظائفهم مثل التسويق والمبيعات والهندسة، كما يُنظمون بحسب ثلاث شرائح للعملاء: مستخدمو منصة المؤسسة، وشركات صغيرة، ومستخدمو برمجيات أفراد. وكان يقود كل فريق منهم رئيس قسم وظيفي بالإضافة إلى نائب رئيس قسم مسؤول عن شريحة معينة من العملاء.

كانت المشكلة في أن نائبي رؤساء أقسام شرائح العملاء كانوا يرفعون التقارير إلى مدير العمليات، وأن رؤساء الأقسام الوظيفية كانوا يرفعونها إلى هنري نفسه. وبالتالي، عندما يجتمع فريق هنري لتحديد الأولويات في كل وظيفة، لم يكن نائبو رؤساء أقسام شرائح العملاء يحضرون لتنسيق أولوياتهم وفقاً لخطة الشركة الأكبر.

باختصار، لم تكن شركة هنري مصممة للإدارة المصفوفة، بل لإدارة مؤسسة وظيفية ذات هيكل عمودي. بالنسبة إلى تصميم معقد للمؤسسة مثل المصفوفة، ينبغي وضع أنظمة صنع قرار لإدارة الصراعات الطبيعية التي تنشأ بشان الأولويات والموارد، وإلا ستصبح النزاعات التي لا تُعالج مختلة وظيفياً، كما حصل مع هنري. لم يكن بإمكان أي عملية إصلاح بسيطة أن تجد حلاً لمسألة تزاحم الأولويات هذه قبل معالجة هنري لهذه المشكلة العميقة، ولكنه بعد أن أدرك ذلك، ضم نائبي رؤساء أقسام شرائح العملاء إلى فريق قيادته وبدأ بتفويض الصلاحيات لفرق شرائح العملاء الثلاثة من أجل إدارة المفاضلات التشغيلية، وذلك عن طريق السماح لهم بتحديد أولويات شرائح العملاء والوظائف على المدى القريب.

العارض: معدل دوران موظفين غير مرغوب فيه

تحدي التصميم الشائع: تصميم سيئ للأدوار

يصف القادة في الكثير من الأحيان ترك الموظفين للعمل على أنّه مشكلة في استبقائهم، فيرسلون فريق الموارد البشرية لإقناعهم بالبقاء بحيث يعمل على تقديم خيارات الحصول على أسهم في الشركة للموظفين أو على إنشاء مسميات وظيفية جديدة ليبدو الأمر وكأنّه بمثابة ترقية لهم. قد ينجح الأمر مؤقتاً في حال كان سبب مغادرة الموظفين للشركة هو العمل في أقسام متعبة أو العمل تحت رئاسة مدراء سلبيين، ولكن في حال كان معدل تركهم للعمل مرتفعاً فهذا يعني أن أخطاء التصميم التنظيمي هي السبب.

كانت إحدى المؤسسات التي عملت معها تعاني من معدل دوران موظفين مرتفع بعد سنوات من الفشل في إعادة التنظيم. أهمل المسؤولون التنفيذيون ذلك على اعتبار أن الموظفين يُحبطون بسبب كثرة محاولات التغيير الفاشلة، غير أن هذا لم يكن هو المشكلة. أما المسألة الحقيقية فكمنت في أن القيادة التي حاولت خفض التكاليف استخدمت بعض عمليات إعادة التنظيم لدمج بعض الوظائف المحددة، مثل المالية والمحاسبة والشراء، لتلعب أدواراً واسعة وتتحمل مزيداً من المسؤوليات. كما استخدمت بعض عمليات إعادة التنظيم الأخرى من أجل تضييق نطاق بعض الوظائف المحددة بحيث يجب على الكثير من الموظفين أن يعملوا عن كثب مع أقرانهم من اجل إنجاز أعمالهم. أدى هذا التصميم السيئ للأدوار إلى دفع بعض الموظفين للعمل بأكثر من طاقتهم وإغراق آخرين في مهام عادية تتطلب الكثير من التنسيق، ولذلك كان ترك العمل هو الخيار الأفضل.

كان على المؤسسة أن تعرف أنّ الأدوار الجيدة هي التي تُصمم على أساس النتائج المرجوة وليس على أساس الأشخاص، فعندما تبني الشركات الأدوار على أساس الأشخاص فهي تجعل قيمة هذه الأدوار تُحدد بمجموع ما يستطيع الشخص في هذا الدور أن يفعله. ونتيجة لذلك، لا يُنظر إلى الدور بأهمية إلا عندما يشغله موظف نجم، بغض النظر عن مدى أهميته بالنسبة لأداء الشركة، كما يصبح غير هام عندما يشغله موظف ضعيف.

تكمن المشكلة في أنّ الأدوار لا تتساوى جميعها بالأهمية داخل المؤسسة، ولذلك فإن التصميم الفعال يحدّد قيمة الدور من خلال تأثيره على الأداء التنافسي. أدركت المؤسسة التي عملت معها كاستشاري أن الدور يجب أن يُحدد عن طريق الكفاءات التي يحتاج إليها من يشغل هذا الدور وذلك من أجل الإيفاء بمجموعة المقاييس المحددة للشركة ككل، وعندها ينبغي تعيين أصحاب المواهب المؤهلين له فقط.

العارض: قادة يتعذر الوصول إليهم

التحدي المشترك للتصميم: نطاقات سيطرة مفرطة

في الكثير من الأحيان، عندما تكشف استطلاعات الموظفين عن درجات منخفضة للمقاييس، مثل مقياس "مدراء متاح عندما أحتاج إليه"، يفترض الناس أن ذلك يعود إلى مشكلة في إدارة الوقت أو يعود إلى أن القادة لا يبذلون جهداً للقاء من يرفع لهم التقارير مباشرة. وعندما يحصل هذا الأمر يُزوّد المدراء بأدوات معلبة تخبرهم بكيفية عقد اجتماعات فردية فعالة أكثر أو كيفية تحديد المهام وأولوياتها على نحول أفضل، وقد يُضاف التدريب على التعاطف إلى المنهج الدراسي في القيادة، وقد يجري التعاقد مع مدربين، ولكن هذه المسألة في الواقع أبعد من الممارسات القيادية الفردية.

في إحدى المؤسسات التي عملت معها، كان الموظفون يشتكون من أنهم لا يحصلون على ملاحظات أو توجيهات كافية من قادتهم. في المقابل، اشتكى القادة من اضطرارهم إلى المرور بعدة طبقات من أجل اتخاذ القرارات أو تأمين الموارد، ومن أن لديهم الكثير من التقارير المباشرة التي ينبغي إيلاؤها الوقت الكافي، بحيث كان متوسط التقارير المباشرة لدى كل مدير في الإدارة الوسطى يتراوح بين 12 و18 تقريراً. تعاملت المؤسسة، كما غيرها الكثير، مع نطاقات السيطرة على أنها شارات شرف للقادة المنشطين، فكلما كانت التقارير المباشرة التي يقدمونها مفلسفة أكثر كان هذا يعني أنهم مهمون أكثر.

على أي حال، لكي تعمل الفرق بفعالية، فإن عدد الطبقات داخل التسلسل الهرمي وعدد التقارير المباشرة الملقاة على عاتق فريق القائد ينبغي أن يُحدد بناء على عاملين اثنين: نوع العمل الذي يقوم به الموظفون، ومقدار التنسيق الذي يتطلبه العمل. تتطلب الأعمال شديدة التعقيد أو شديدة الخطورة تنسيقاً كبيراً من أجل ضمان فعالية التنفيذ، مثل التجارب الدوائية السريرية التي يجريها العلماء أو شرح البيانات الحساسة الذي يعمل عليه محللو البيانات، لذا من المنطقي الإبقاء على نطاق سيطرة ضيق للمدير من أجل ضمان أداء عالي الجودة. أما الأعمال العادية والمتكررة مثل كتابة شيفرة برمجية من قبل المهندسين أو العمل على خطوط التصنيع من قبل الفرق المختصة، فهي تمكن الموظفين عادة من أن يكونوا مستقلين أكثر، ما يسمح بأن يكون نطاق سيطرة المدير أوسع. وبالتالي، عندما يجري التغاضي عن هذه الفروق الدقيقة يمكن أن يصبح الوصول إلى المدير متعذراً بشكل أكبر. وكما كانت الحال مع المؤسسة المذكورة أعلاه، من غير الواقعي التوقع بأن يطلع أي قائد بفعالية على 12 تقريراً مباشراً أو أكثر، بغض النظر عن العمل الذي يقوم به هؤلاء القادة.

العارض: التنافس بين الوظائف

التحدي المشترك للتصميم: الحوافز أو المقاييس غير المتوازنة

عندما يكافح الموظفون للعمل في جو من وحدات العمل المنعزلة بعضها عن بعض كالصوامع، غالباً ما توصف بصفات مثل "غير متعاونة" أو "بيروقراطية" أو "سياسية" لشرح سبب التنافر بين بعض الأقسام مثل قسمي المبيعات والتسويق، أو شرح سبب التعارض بين قسمي العمليات والبحث والتطوير. تلجأ المؤسسة حينها إلى جلسات بناء الفرق من أجل تعزيز الثقة، أو إلى دمج الموظفين ضمن أدوار تتصل وتتواصل مع بعضها البعض من أجل تعزيز التماسك. ولكن، في أحيان كثيرة، تكمن خلف النزاعات بين الأقسام مقاييس أو حوافز غير متوازنة تشجع المنافسة.

تُعد المقاييس والحوافز ضرورية لمواءمة العمل بين الفرق، فهي تؤطر سلوك الموظفين عن طريق تحديد الأمور المهمة للمؤسسة ومزامنة المهام عبر توحيد الجهود نحو نتيجة مشتركة. وعلى النقيض من ذلك، يمكن للمقاييس والحوافز غير المتوازنة أن تؤدي إلى جذب الموظفين في اتجاهين معاكسين ودفعهم نحو أهداف متعارضة.

في إحدى المؤسسات الأخرى التي عملت معها كاستشاري لقي قسما التسويق هذا المصير نفسه. طُلب من أحدهما زيادة عدد الزيارات لموقع الشركة الإلكتروني في حين طُلب من الآخر تحويل هذه الحركة إلى مبيعات، فأدى ذلك إلى وجود رسائل متعارضة على صفحات الهبوط وبالتالي إلى تبادل الاتهامات وضياع الأهداف وامتناع كلا القسمين عن مشاركة التحليلات الحيوية على الرغم من أنّهما يعتمدان على بعضهما البعض لتحقيق النجاح.

عندما تجتمع وظيفتان في نقطة حرجة من أجل تحقيق نتائج مشتركة، يجب أن تكونا قادرتين على فحص الحوافز المقاييس الفردية عن كثب للتأكّد من أنها تعزز التعاون المنشود ولا تثبطه. أمضى القسمان يوماً كاملاً معاً عملا فيه على وضع خطة لضمان عدم التعامل مع الزيارات إلى الموقع الإلكتروني وتحويل هذه الزيارات إلى مبيعات على أنهما أمران متعارضان. كما عملا على إنشاء قناة مشتركة لكي يتمكن كل منهما من الوصول إلى تحليلات الآخر بما يسهّل التعاون قبل وضع خطط لدفع حركة المرور على الموقع وتحويل الزيارات إلى مبيعات.

تمتلك المشاكل المزمنة جذوراً أعمق مما نراه ولكنها ليست عشوائية، ولذلك أقول لعملائي دائماً فيما يخص الوقوع في أخطاء التصميم التنظيمي إن "مؤسستك مصممة تماماً للحصول على النتائج التي تحصل عليها، حتى لو لم تكن تلك هي النتائج التي تريدها". في المرة القادمة عندما لا يختفي أحد المنبّهات التنظيمية المستمرة برغم من الجهود التي بذلتها، اسأل نفسك: "ما هي مشكلة التصميم الأعمق التي قد تكون هذه إحدى عوارضها؟"، فإذا تمهلت قليلاً وخصصت بعض الوقت لمراقبة العوامل التي تديم مشكلتك ستجد حلاً نافعاً.

اقرأ أيضاً:

هل هناك من يعير التوافق الاستراتيجي اهتماماً في شركتك؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي