على الرغم من أن معظم المدراء يقرون بأهمية مراعاة التواؤم المهاري، فإن فكرة مراعاة التواؤم الثقافي غدت مثار جدل واسع، أما عملنا البحثي فيشير إلى أن هذا الجدل لا داعي له. يتلخص معظم الخلاف في قضية رئيسية واحدة، ألا وهي التعريف الخاطئ للتواؤم الثقافي. وقد أدى التخبط حول تعريف التواؤم الثقافي إلى ظهور عدد من المفاهيم الخاطئة وشيوعها. ومن شأن توضيح هذه المفاهيم أن يساعد المدراء على تحسين استراتيجياتهم في استقطاب المواهب.
المفهوم الخاطئ رقم 1: التواؤم الثقافي "أمر جميل" ولكنه ليس ضرورياً.
الفرضية الأساسية هنا هي أن أهمية مهارات وكفاءات الموظفين للفاعلية المؤسسية تفوق أهمية انسجامهم مع ثقافة المؤسسة. في حين أننا لا نشكك في أهمية وجود قوة عاملة على قدر عال من المهارة، فقد أثبتت مجموعة كبيرة من الأدلة العلمية أن التواؤم الثقافي - الذي نعرفه نحن والآخرون بمدى اتساق قيم الفرد مع قيم المؤسسة أو فريق العمل – تمثل أهمية كبيرة لسلوك الأفراد وتصرفاتهم في العمل. حيث وجدت التحليلات الشمولية أن الأشخاص الذين تتوافق قيمهم مع قيم مؤسستهم أكثر التزاماً بمصالح المؤسسة وأكثر رضاً عن وظائفهم وأقل ميلاً إلى الاستقالة. وتشير الدراسات إلى أن القيم المناسبة ترتبط أيضاً بقرارات اختيار الوظيفة الفعلية، بمعنى أن الأشخاص الأكثر تواؤماً من حيث القيم يبقون في المؤسسة لفترات أطول ويحققون أداء أفضل مقارنة بالأشخاص الأقل تواؤماً من حيث القيم. لذلك إذا أراد مسؤولو الشركات توظيف قوة عاملة تمتلك الحافز وتمتع بالولاء الوظيفي - بالإضافة إلى القدرة على استقطاب موظفين يمتلكون المهارات التي يريدونها والاحتفاظ بهم - فلا بد من الاهتمام بالتواؤم الثقافي، فهو ليس ترفاً يمكن الاستغناء عنه، ويجب أن تهتم به المؤسسة كما تهتم بغيره من السمات الواجب توافرها عند التوظيف.
المفهوم الخاطئ رقم 2: مراعاة التواؤم الثقافي عند التوظيف تضر التنوع.
الفكرة هنا هي أن مراعاة التواؤم الثقافي عند التوظيف يقوض الجهود الرامية إلى زيادة التنوع في مكان العمل، لأنه يؤدي في الأساس إلى تعيين مديري يحاولون استنساخ أفكار القوى العاملة الحالية. وعلى الرغم من أن هذا التخوف يبدو للوهلة الأولى منطقياً، فإنه بالإمكان التوفيق بين التواؤم الثقافي والتنوع. ينبغي أن يركز تقييم التواؤم الثقافي على مدى توافق قيم الشخص مع قيم المؤسسة، بدلاً من التركيز على مدى توافق سماته الشخصية، مثل الجنس والعرق والعمر، مع السمات الشخصية للقوة العاملة الحالية، حيث يشير البحث إلى أن اعتماد هذا التعريف الأكثر صرامة لدرجة التواؤم الثقافي تتيح للمؤسسة جني فوائده مع الحفاظ على تنوع الأفكار والخبرات والمهارات، كما يشير أيضاً إلى أن ارتفاع مستوى التواؤم القيمي يرتبط بارتفاع القدرة على استبقاء الموظفين الذين عادة ما يكونون أكثر عرضة لخطر الاستقالة بسبب تباينهم الديموغرافي. وبالتوفيق بين التواؤم القيمي والتنوع يمكن تذليل بعض التحديات التي تصاحب إدارة قوى عاملة أكثر تنوعاً. وإذا نُفذ التواؤم الثقافي الثقافي بصورة صحيحة، فقد يؤدي إلى إثراء التنوع في مؤسستك وليس تقويضه.
المفهوم الخاطئ رقم 3: مراعاة التواؤم الثقافي عند التوظيف تضر الابتكار.
يعتمد هذا المفهوم الخاطئ على فكرة أن التفكير الإبداعي، وبالتالي الابتكار، سيتأثران سلباً، إذا كان الجميع متشابهين. أما إذا كان الموظفون يفكرون بطرق مختلفة، فهذا يعزز الابتكار. ولكن نعيد ونكرر أن اختلاف التفكير من شخص لآخر لا يتعارض مع الحفاظ على مجمل القيم المعمول بها في المؤسسة، حيث توصلت دراسة أجريت على 346 عضواً في 75 فريقاً للرعاية الصحية أن رؤساء الفرق اعتبروا فرقهم أكثر إبداعاً عندما كان أعضاء هذه الفرق أكثر تواؤماً مع قيم الفرق التي ينتمون إليها. جدير بالذكر أن أثر التواؤم القيمي على الابتكار يرجع في الأساس إلى شعور أعضاء الفريق الواحد بقوة التلاحم فيما بينهم، ما يؤدى إلى قبولهم للأفكار والمناهج المتنوعة لزملائهم في الفريق، فغالباً ما ينطوي الابتكار على صراعات وعمليات صعبة، وهنا يأتي دور التواؤم القيمي في الحفاظ على روح التناغم بين الجميع. وهذا يشير إلى أن مراعاة التواؤم الثقافي عند التوظيف شريطة تنفيذه بالشكل الصحيح، قد يعزز هوية الفريق وبالتالي يفيد الابتكار بدلاً من أن يضره.
المفهوم الخاطئ رقم 4: مراعاة التواؤم الثقافي عند التوظيف هو فن وليس علماً.
هذا أحد المفاهيم الخاطئة الأكثر شيوعاً، من واقع خبرتنا في العمل مع الشركات، ويعتبر السبب الرئيس في استهجان فكرة مراعاة التواؤم الثقافي في بعض الأحيان. يمكن القول بداية إن محاولة تقييم التواؤم القيمي باستخدام الحدس و"الشعور الغريزي" هي فكرة سيئة. فعندما يحاول المرء تقييم قيم المرشح استناداً إلى الشعور الغريزي، فقد يتأثر هذا التقييم بسهولة بعوامل أخرى كسماته الشخصية أو خلفيته الثقافية. إذ يشير البحث إلى أن تصورات جهات العمل للتواؤم الثقافي في مقابلات التوظيف غالباً ما تعكس أثر "التشابه" بدلاً من أن تكون مؤشراً على التواؤم الفعلي مع ثقافة المؤسسة، حيث يخلطون بين التوافق بين سماتهم الشخصية والسمات الشخصية للمرشح من جهة وبين التوافق بين المرشح والمؤسسة من جهة أخرى.
لا يمكنك تحديد التواؤم الثقافي دون المقياس المناسب، والذي يتكون من ثلاث خطوات: أولاً، يجب قياس القيم الفعلية للمؤسسة أو الفريق، وذلك عن طريق قياس قيم كل موظف في المؤسسة أو الفريق باستخدام أداة موحدة للقيم. ثانياً، بما أن الهدف هو مقارنة قيم المرشح بقيم المؤسسة أو الفريق، فيجب تقييم قيم المرشح باستخدام الأداة الموحدة نفسها. ثالثاً، يجب أن تجري مقارنة موضوعية لمحددات قيم المرشح مع القيم العامة للمؤسسة أو الفريق ككل. ويمكن استخدام الخوارزميات للمساعدة في تقليل التحيز في هذه الخطوة.
يجب أن تتأكد أن قيم المرشح تتسق مع القيم المهمة للمؤسسة، لكن يجب أن تتأكد أيضاً أن قيم المؤسسة تتسق مع القيم المهمة للمرشح. فالمؤسسة التي تعلي من قيمة العمل الجاد قد تفكر على سبيل المثال في تعيين مرشح يولي تلك القيمة القدر نفسه من الاهتمام، لكن هذا المرشح قد لا يعتبر على درجة كبيرة من التواؤم الثقافي إذا كان يعلي من قيمة العدالة في حين أن المؤسسة لا توليها القدر نفسه من الاهتمام.
تعتبر مراعاة التواؤم الثقافي أشبه بالكأس المقدسة من حيث أنه موضع احترام وتقدير ولكن يتم إغفاله في كثير من الأحيان. ولكم سمعنا العديد من المسؤولين يخبروننا "أحب تعيين موظفين يتواءمون مع ثقافتنا، لكنني لا أعرف كيف أقوم بذلك" أو "صحيح أن اختيار موظفين يتبنون قيمنا أمر رائع، لكنه محفوف بجميع أنواع المخاطر". بيد أن هذه المخاوف تنبع إلى حد كبير من بضعة مفاهيم خاطئة. وبمعالجة هذه المفاهيم، نعتقد أنه سيكون بمقدور المؤسسات، بل ويجب عليها، التعامل مع مسألة مراعاة التواؤم الثقافي عند التوظيف. ومن خلال التعريف الصحيح وامتلاك الأدوات الموضوعية، يستطيع المدراء ضمان توظيف الأشخاص الذين يمكنهم التواؤم مع قيم الفريق والمؤسسة، والقيام بالكثير لتحسين مستويات الولاء الوظيفي ورضا العاملين عن وظائفهم والقدرة على الاحتفاظ بهم.