ملخص: عندما يحاول المدراء حماية فرقهم، فإنهم يتحولون إلى ما يطلق عليه المؤلفان اسم "مدراء المظلة". ويعرفهم المقال بأنهم قادة ذوي نيات حسنة يسعون إلى حماية فرقهم من كل المشكلات التي تعصف بمؤسساتهم، ويعملون على حمايتهم كالمظلة. لكن هذا النوع من القيادة ينطوي على آثار سلبية على كل من المدير والفريق والمؤسسة. وبالتالي يحتاج العديد من الأفراد الذين يقودون فرقاً لأول مرة إلى المساعدة للموازنة بين دعم فرقهم والتفويض الفعّال؛ ويقدم المؤلفان الكثير من التحوّلات الذهنية الرئيسية التي يجب على مدراء المظلة إجراؤها للانتقال من حماية موظفيهم إلى دعمهم.
لنتأمل مثال شيرين*. تولّت شيرين إدارة فريقها مستندة إلى افتراض أن واجبها "حمايتهم" وكانت تقوم بذلك بنية حسنة. فقد أرادت أن يكون فريقها سعيداً وناجحاً في مؤسسة متطلّبة وسريعة النمو. لكن هذا النهج تطلّب منها أن تقف في وجه التحديات لتحمي فريقها.
ربما أحبت شيرين ممارسة هذا السلوك مع فريقها بداية، لكنه أسفر عن عواقب أخرى غير مقصودة، خاصة مع نمو نطاق مسؤوليات الفريق، إذ لم يعد أقرانها وزملاؤها المتعددو التخصصات يعتبرونها شخصاً متعاوناً، بل شخصاً معيقاً للتقدّم، وهو ما قوّض أداء أعضاء فريقها الذين أصبحوا يعتمدون عليها في حل مشكلاتهم. والأسوأ من ذلك أنهم أصبحوا ينتظرون الحصول على موافقتها في اتخاذ أي قرارات رئيسية. ومع تزايد شعور شيرين بالضغط، تراجع أداؤها، سواء من حيث قدرتها على إدارة المشاريع الرئيسية أو حضور الاجتماعات وتقديم وجهات نظر واضحة، وهو ما دفع قيادة الشركة إلى اعتبارها شخصاً غير مستقر وليس ممسكاً بزمام الأمور.
ونحن نطلق على القادة الذين ينخرطون في هذا النوع من السلوكيات اسم "مدراء المظلة"؛ أي القادة ذوي النيات الحسنة الذين يسعون إلى حماية فرقهم من كل مشكلة تعصف بمؤسساتهم. فهم أشبه بمن يحمل مظلة لحماية فريقهم من المطر. لكن هذا النوع من القيادة ينطوي على آثار سلبية على المدير والفريق والمؤسسة:
- يشعر المدير المظلة بأنه يتحمّل مسؤولية شخصية عن كل قرار يُتّخذ، لكن قدرته على التحكم بكل التفاصيل غير واقعية، إذ لا يمكن للمدراء فعل كل شيء بأنفسهم. وقد يشعر بضغط شديد أيضاً، ما يجعل أعضاء فريقه طرفاً ثانوياً وخاضعاً في عملية اتخاذ القرار، ويجعل منه عقبة في وجه القرارات ويبطئ عملية صناعتها ويحبط المتعاونين المحتملين له.
- لا يتعلّم أعضاء الفريق كيفية حل المشكلات بأنفسهم، ما يعيق تطورهم. كما أنهم يفشلون في تكوين علاقات قوية مع زملاء متعددي التخصصات، فتفوتهم فرص الظهور المؤسسي وإحداث تأثيرات إيجابية.
- تعاني المؤسسة انخفاضاً في الإنتاجية وعدم قدرة الفريق على الابتكار لفشل أعضائه في العمل بشكل مستقل. كما تصبح القدرة على التحلّي بالذكاء والتكيّف مع الظروف المتغيرة شبه مستحيلة، ما يؤدي إلى مواصلة الفريق التزامه بالخطط القديمة، وإضاعة الوقت والموارد الثمينة.
ومن واقع خبرتنا، فإن هذا السلوك مألوف لدى القادة الناشئين، وبالتالي يحتاج العديد من الأفراد الذين يقودون فرقاً لأول مرة إلى المساعدة للموازنة بين دعم فرقهم والتفويض الفعّال.
غيّر تفكيرك
التقينا شيرين مؤخراً وسألناها عن لحظة "الحقيقة" التي دفعتها إلى التخلي عن حماية موظفيها والبدء بدعمهم بدلاً من ذلك, فأجابت:
لاحظت مع تقدمي في مسيرتي المهنية وازدياد عدد كبار الموظفين الذين أتولى إدارتهم ضرورة التخلي عن مظلتي والبحث عن طرق أكثر فعالية وقابلية للتطوير لمساعدة المدراء في فريقي على التغلب على التحديات، فتخلّيتُ عن حماية الموظفين واعتمدت نموذجاً ذهنياً مختلفاً يشبه توزيع عباءات المطر بدلاً من فتح مظلة. وبدلاً من حماية مرؤوسيّ المباشرين من الصعوبات التي تعترض طريقهم اليوم، أقدّم لهم الدعم من خلال توفير الأدوات التي يحتاجون إليها للتغلب على هذه التحديات بشكل مستقل.
وللانتقال من حماية الموظفين إلى دعمهم، عليك إجراء بعض التحوّلات الذهنية الرئيسية:
واجه مخاوفك بشكل مباشر
تتمثّل الخطوة الأولى في فهم المعتقدات التي تحفز سلوكك الحالي. ما مصدر غريزتك في "الحماية"؟ هل تشعر بالقلق والاستياء من انهيار موظفيك تحت وطأة الضغط؟ هل تعتقد أن قراراتهم الخاطئة ستعرّض نتائج المشروع ونجاحهم للخطر؟ هل تخشى أن تكون قيمتك بالنسبة لفريقك مستندة إلى قدرتك على تمثيل جميع جوانب أعمالهم؟ اسأل نفسك عما إذا كان القادة الآخرون في المؤسسة يتبنّون الافتراضات نفسها، وتحدَّ نفسك لمعرفة الحقائق لكي تتخلى عن هذا الاعتقاد المستتر، واستكشف أثر نهجك الحالي في فريقك.
افترض أن موظفك قادر على حل مشكلاته بنفسه
عندما تمكّن موظفيك من حل مشكلاتهم بأنفسهم، فأنت تُظهر بذلك ثقتك وإيمانك في قدراتهم. على سبيل المثال، عندما يخضع الموظفون لتحدٍ ما، فهم لا يكونون بحاجة إلى مساعدة في التوصّل إلى حل غالباً، فإما أن يكون لديهم حل بالفعل وإما أن يتوصّلوا إليه من خلال التحدث مع شريك يثقون به، ولا مانع بالتالي أن تكون أنت هذا الشريك لتحسّن فعالية قيادتك وتتجنب تقديم الحلول بسرعة كبيرة، ما يشجّع أعضاء الفريق على التفكير بشكل مستقل والتوصل إلى حلول إبداعية للمشكلات. ولكي تساعدهم على تحديد الحلول العملية واختيار مسار العمل الصحيح، اطرح عليهم السؤال التالي: "ما الخيارات المتاحة لديكم؟"
تقبّل أخطاء فريقك القصيرة المدى من أجل تحقيق مكاسب طويلة المدى
توفر الأخطاء القصيرة المدى خبرات وفرصاً للتعلم، فهي تكشف عن نقاط الضعف ومجالات الفرص والتحسين. كما أن السماح لفريقك "بالفشل" (والتعلم من أخطائهم) بشكل مستقل هو طريق أسرع للنمو وتحقيق النجاح على المدى الطويل مقارنة بإحكام السيطرة على النتائج القصيرة المدى.
وكانت تلك الحقيقة مهمة لشيرين لإدراكها أنها كانت تعوق تقدّم فريقها، فقد قالت:
اعتقدتُ بداية مسيرتي المهنية أن هدفي بصفتي مديرة هو ضمان التوصّل إلى نتيجة جيدة لكل موقف، صعباً كان أم سهلاً. ومع ذلك، اضطررتُ عندما انتقلت إلى إدارة مؤسسة أكبر إلى توضيح ماهية القرارات العالية المخاطر ومساعدة نفسي والفريق على تعزيز قدراتنا للتعافي من النكسات أو الأخطاء الصغيرة، وهو ما أتاح لي التخلي عن العديد من القرارات التي كنت أتخذها، ما منحني مزيداً من الوقت لتدريب القادة الناشئين في الفريق وممارسة التفكير الاستراتيجي على مستوى أعلى.
استغل نقاط قوتك القيادية
مع نمو القادة وتوسّع نطاق مسؤولياتهم ينصبّ التركيز على مهاراتهم القيادية وتصبح خبراتهم الفنية أقل أهمية. ويواجه الكثير من المدراء صعوبات نتيجة هذا التحوّل في الهوية لاعتقادهم أنهم إذا لم يكونوا على دراية شخصية بكل التفاصيل، فسيعتبرهم الآخرون أشخاصاً غير فعّالين، لكن العكس هو الصحيح في الواقع.
بمعنى آخر، تخلّ عن محاولة معرفة كل التفاصيل ووفّر الوقت لأنشطة أخرى، مثل تحديد ماهية القرارات الحاسمة، وتوضيح أساليب العمل "الناجحة"، وتحقيق التقارب بين وجهة نظرك ووجهات نظر زملائك ومواءمتها مع المؤسسة ككل.
اسعَ إلى تمكين فريقك
ابدأ اتخاذ إجراءاتك بمجرد أن تعدّل طريقة تفكيرك حول كيفية دعم موظفيك.
قدم الدعم والأدوات التي تساعد أعضاء فريقك على التغلب على التحديات
تنطوي مهمتك على مساعدة فريقك على وضع حلول للتعامل مع المشكلات الحالية والمستقبلية، سواء كانت تقنية أو شخصية، فعندما يواجه موظف ما تحدياً جديداً، اسأله عن نوع الدعم الذي يحتاج إليه، لكن تجنب حمايته. على سبيل المثال، قد يكون كل ما يحتاج إليه أحياناً هو سدّ الفجوات في المعلومات والسياق، أو التوجيه إلى الشخص المناسب للتحدث معه.
في المقابل، قد تختزن في أوقات أخرى قدراً هائلاً من المعارف والمعلومات المرتبطة بالشركة أو المجال والتي يجب نقلها للآخرين، ولا مفرّ في مثل هذه الحالات من قضاء الوقت اللازم لإطلاع أعضاء فريقك بكافة التفاصيل، لكن هذا الاستثمار في الوقت واحتمال أن يُعدّ أعضاء فريقك وثائق مرجعية للجيل التالي من الموظفين سيُرسي ثقافة التعلم ويبني قاعدة معرفية أقوى لفريقك.
ولا يعني ذلك أن تؤدي دوراً في مواجهة التحديات، بل ينطوي دور المدراء في الواقع على تحديد القوى المنهجية التي تخلق تلك التحديات. فإذا كان التصدي للتحديات على مستوى الأنظمة ضمن مستويات الإدارة الأعلى في المؤسسة خياراً أفضل، فعليك حينها العمل مع قيادتك أو أقرانك لإيجاد حلول على مستوى الأنظمة. على سبيل المثال، قد يؤدي عدم الوضوح بشأن الأدوار والمسؤوليات إلى احتكاك مستمر بين الفرق، وقد تؤدي الأهداف غير المتسقة إلى حدوث نزاعات بين إدارات مختلفة من المؤسسة دون داع وخلق صراعات على السلطة. وينطوي دور القائد في مثل هذه الحالات على إزالة الغموض وتحقيق التواؤم وتحديد أولويات الحلول.
ساعد فريقك على تقبّل حالات الانزعاج والتفكير بموضوعية
إن مواجهة التحديات الجديدة ليست بالأمر الهيّن، فجميعنا نعاني لحظات من عدم الأمان عند الخروج من مناطق راحتنا، حتى أولئك الذين يتمتعون بالمرونة العاطفية. ومع ذلك، يمكنك تقديم بعض النماذج الذهنية لدعم فريقك وتشجيعه على مواجهة المواقف الصعبة. على سبيل المثال:
- اخلق بيئة عمل "تشجّع على خوض التجارب" وتتبنّى عقلية النمو
- شجّع الفريق على مواجهة المواقف بدافع الفضول وحب الاستطلاع بدلاً من الخوف
- قلّل حالات عدم الوضوح من خلال مشاركة الافتراضات والاحتياجات بشكل مباشر
تبنَّ عقلية متفائلة موجهة بالحلول عندما تحدث الأخطاء
ينشر القادة الذين يتبنّون عقلية متفائلة نفحات إيجابية في مكان العمل، ما يمكّن أعضاء الفريق من التعافي من النكسات. وإذا كنت ترغب في أن يتغلب أعضاء فريقك على التحديات بشكل مستقل، فتجنّب عقلية إلقاء اللوم، وحاول بدلاً من ذلك تطوير مهاراتهم التنظيمية للتكاتف معاً والتغلب على النكسات. وعلى الرغم من أن إلقاء اللوم ليس مفيداً، قد يُفيد الاجتماع الاسترجاعي أعضاء فريقك في توقع النكسات المستقبلية وتجنّبها، ما يخلق إحساساً مشتركاً بتحمّل المسؤولية.
بالنسبة لشيرين، كانت عملية الانتقال من حماية فريقها إلى دعمه عملية تحوّلية تطلّبت إعادة تعريف القيمة التي تضفيها إلى المؤسسة، والتحوّل من العمل إلى التدريب، والتركيز على خلق بيئة وعمليات مناسبة بدلاً من التركيز على النتائج الفردية فقط. باختصار، يُتيح التخلي عن وضع الحماية تبنّي وجهات النظر اللازمة لفهم السياق المؤسسي بوضوح وبذل الجهد اللازم لمواجهة التحديات على مستوى الأنظمة. وعلى الرغم من أن التخلص من المظلة الإدارية وتقديم عباءات المطر لموظفيك ليس بالأمر السهل، لكن ثماره الإيجابية تستحق ذلك العناء.