يعمل أحدنا (وهي جولي) في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)" (MIT)، بوظيفة باحثة في مجال الذكاء الاصطناعي وتقنية الروبوتات، ويعمل الآخر (نيل) طبيباً في أحد المستشفيات الكبرى، باحثاً في الصحة العامة بـ "جامعة هارفارد". عادة ما تميل محادثاتنا التي نجريها على العشاء إلى التركيز على المستقبل، ولكنها اتصفت في الآونة الأخيرة بالسوداوية والقتامة بطبيعة الحال. وإليكم ما توصلنا إليه حول محاربة فيروس كورونا عبر البيانات.
يبدو من واقع سيل الأخبار المتدفقة أن واضعي السياسات يواجهون خيارات صعبة للمفاضلة بين إنقاذ الأرواح وتوفير سبل المعيشة. وتبيَّن من الدراسة التفصيلية للحكايات التحذيرية والأمثلة المفعمة بالأمل الواردة إلينا من جميع أنحاء العالم أن التباعد الاجتماعي والانعزال في أماكن الإقامة وغيرها من جهود تخفيف حدة المخاطر، ضرورية للحد من تداعيات الوباء، على الرغم من الخراب الذي تلحقه بالروتين اليومي والأسواق، ولكننا ندرك أننا كلما استطعنا التعجيل بالعودة إلى الوضع الآمن للاختلاط، كان ذلك أفضل.
محاربة فيروس كورونا عبر البيانات
ولكن كيف نصل إلى هذا الوضع؟ إننا نؤمن بأن الحل يكمن في الحوسبة، ونحتاج إلى تكريس أكبر قدر ممكن من البيانات والقدرات الحاسوبية لحل هذه المشكلة، والآن سنعرض سيناريو متفائل كنا قد ناقشناه، ونؤمن بإمكانية تطبيقه عملياً بحلول الصيف إذا تكاتفت الجهود لتحقيقه.
تتطلب الخطوة الأولى، ترتيب المفاهيم الأساسية، حيث تنتج كوريا الجنوبية 100,000 جهاز اختبار يومياً، وأجرت أكثر من 300,000 فحص حتى الآن، بزيادة بمقدار 40 ضعفاً مقارنة بنصيب الفرد من الخضوع للفحص بالولايات المتحدة، ونحن بحاجة إلى توفير إمكانات الفحص السريع. كان يجب علينا في حقيقة الأمر أخذ هذه الخطوة قبل بضعة أسابيع، ولكن الآن لا مفر من بذل كل الجهود الممكنة وزيادتها في أسرع وقت ممكن. كما أننا نحتاج إمدادات كافية من معدات الوقاية الشخصية للعاملين في مجال الرعاية الصحية وغيرهم ممن يصطفون في خطوط المواجهة، هذا بالإضافة إلى أجهزة التنفس الصناعي وغيرها من العلاجات المستخدمة في إنقاذ الأرواح. وسيتيح لنا توفير هذه الإجراءات مقترنة بتدابير التخفيف من التداعيات التي تُتخذ حالياً، بما في ذلك إغلاق كافة الولايات، كسب بعض الوقت للاستفادة من البيانات وتسخير أجهزة الكمبيوتر في مواجهة الفيروسات.
أما الخطوة الثانية فتقتضي تطوير إمكانات ذكية للوقاية بدلاً من السعي للاحتماء وراء العزل والتوقف عن العمل، فلا يفصلنا سوى شهور قليلة، قبل أن نجد أنفسنا في مواجهة جائحة القرن التي حذر منها بيل غيتس، وأخبرنا أنها ستكون مماثلة للإنفلونزا الإسبانية التي تفشت عام 1918 وتسببت في وفاة 50 مليون شخص على الأقل في جميع أنحاء العالم، ولكننا نمتلك اليوم العديد من المزايا التقنية لمواجهة الوباء الحالي مقارنة بالوباء الذي شهده القرن الماضي. يمثل هذا الأمر، من جوانب عدة، أكبر تحد حقيقي تواجهه البيانات الكبيرة والتحليلات المحوسبة حتى الآن. وبتكاتف جهود الابتكار والعزيمة، يمكننا التنبؤ سريعاً بانتشار الفيروس ليس فقط على مستوى القطاعات السكانية وإنما على مستوى أكثر محلية، أي على مستوى الأحياء، وهو الأمر الأكثر أهمية.
وتهدف الجهود الجارية في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)" إلى استخدام تقنيات الهواتف الجوالة لتطوير تقنية من شأنها تغيير الوضع بأكمله، حيث تهدف إلى اقتفاء أثر المخالطين للمرضى مع مراعاة الحفاظ على الخصوصية. وحين تأتي نتيجة فحص أحد الأشخاص إيجابية وتثبت إصابته بمرض "كوفيد -19"، يمكن لمقدمي الرعاية الصحية تنزيل أسماء أولئك الأشد اختلاطاً بالشخص المصاب خلال إطار زمني محدد، دون الحاجة لسؤالهم عن الأماكن التي ترددوا عليها سابقاً. وبتوافر هذه المعلومات الأساسية، يمكن لعلماء الحاسب دمج بيانات تنتمي لشريحة واسعة من المصادر، وربما أمكنهم معرفة حجم الفيروسات الموجودة في مياه الصرف الصحي للتنبؤ بمخاطر العدوى بدقة على مستوى المجتمع المحلي.
تقييم للمخاطر عبر البيانات
ستتيح لنا تلك البيانات إجراء تقييم للمخاطر بصورة أكثر ديناميكية ودقة وآنية، ليساعدنا في تحديد أي المدارس وأماكن العمل التي يجب فتحها ولأي مدة، بدلاً من تعميم الأمر وتحديد ما إذا كان يجب فتح المدارس وأماكن العمل أم لا. ويستفيد مراقبو الملاحة الجوية من الحوسبة لتنسيق استخدام المجال الجوي في مواجهة الأنماط المناخية غير المتوقعة. وقد يكون أعلى المعدلات اليومية لخطورة الانتشار الفيروسي في مكان محدد هو المعادل الوبائي للتحذير من العاصفة.
تتيح هذه الاستراتيجيات الموجهة لعزل أماكن محددة للعديد من المدارس والشركات البقاء مفتوحة وهذا أمر جيد، ولكنه قد يؤدي إلى بعض التحديات في الوقت ذاته، فبدء عمليات التشغيل وإيقافها على أساس المخاطر الحالية ليس بالأمر الهين، وقد يتسبب في انهيار سلاسل التوريد والروتين اليومي. ويمكن لتقنية الحوسبة أن تجعل العملية أقل إرباكاً وتساعد في ضمان تلبية احتياجات الشراء والحفاظ على استمرارية قوة العمل. وتستخدم شركات الخدمات اللوجستية والنقل مثل شركة "فيديكس" (FedEx) إسهامات الذكاء الاصطناعي البشري للتخطيط لسلاسل التوريد الخاصة بها وفقاً لعوامل تشمل التنبؤ بمعدل الطلبات وتكاليف النقل، ويمكن تنفيذ تعاون مماثل لتحسين المرونة في أماكن العمل والمدارس.
وبتبني تدابير مماثلة لمواجهة الجائحة قد نتعلم أن الوجود المادي ليس ضرورياً دائماً كما كنا نعتقد. وحينها سيصبح العمل عن بعد جزءاً من الطريقة التي نفكر بها في العمل بكل بساطة. وهنا يمكن أن تتيح لنا الحوسبة أيضاً أن نزن مخاطر ومنافع عمل الأفراد جنباً إلى جنب بدقة. ومثلما استعانت شركات الامتياز الرياضية بالتحليلات المحوسبة المتقدمة لإعداد لوائحها، يمكن للشركات والمؤسسات الأخرى تطوير معايير لتقسيم الأفراد على فرق العمل بطرق واعية بالمخاطر، وباستخدام تقنيات الواجهة البشرية-الآلية الجديدة التي تتيح للمستخدمين التواصل مع الروبوتات التي تقوم بتخزين الإمدادات أو تنظيف الأجهزة أو تجميعها، وعندئذ يمكن للأفراد التعاون الإيجابي مع الآلات كأنهم يعملون مع شركاء بشريين. وسيؤدي التوافر المتزايد لأدوات التعاون الافتراضي الذكية والروبوتات التعاونية الذكية في الأماكن الصناعية إلى تغيير قواعد العمل عن بعد.
وفي نهاية الحديث عن محاربة فيروس كورونا عبر البيانات، إننا نواجه مستقبلاً غامضاً وسط جائحة غير مسبوقة، وعلينا جميعاً التكيف مع التغيرات السريعة والجذرية في حياتنا اليومية، وكما تشير الأسواق المتداعية، فإن وتيرة التغيير تجهد العمليات الفاعلة والبنية التحتية الجيدة التي تربط قطاعات المجتمع معاً. وعلى الرغم من صعوبة الأمر، يجب علينا، نحن المبتكرين، الابتعاد عن التفاصيل التشغيلية لإدارة هذه المصاعب والتطلع إلى الأمام دون إحجام. فإننا لا نحتاج فقط إلى تخفيف تداعيات مواعيد الحظر المقيدة والميزانيات المنهارة، ولكننا بحاجة إلى إعادة تصميم طريقة تقديم الخدمات الأساسية والحفاظ على وظائف المجتمع، لأننا نمتلك الأفراد والبيانات والقدرات الحاسوبية ونحتاج الآن للاستفادة منها.
اقرأ أيضاً: