قرار عائلي بتحويل الشركة إلى مساهمة خاصة في وقت لم یكن فیه قانون ینظمها في المنطقة.
لا يمكن الكتابة عن "مجموعة الفهيم" دون البدء ولو بعض الشيء بالحديث عن تجربتي الشخصية، والأحداث التي ساهمت في تحويل الشركة العائلية إلى "مؤسسة" بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وأفتخر في الواقع بأن هذه المؤسسة تحمل بين جنباتها خبرات حافلة بجهود الجيلين الأول والثاني، وبدأت في الوقت الحاضر في استقبال الجيل الثالث بمناصب قيادية لمسايرة التطوّر المُتسارع الذي يشهده العالم بشكل كبير، والمُساهمة في التنمية الشاملة والمُستدامة لدولة الإمارات العربية المتحدة وفق أسس ثابتة.
لقد كانت بداية مجموعة الفهيم مع "دكان" صغير في مدينة أبوظبي، لا يتعدى عدد زبائنه العشرات، وتحوّلت بفضل الجهود الجبارة لمؤسسيها والعاملين فيها إلى شركة تملك أكبر منشأة لسيارات مرسيدس بنز في العالم، ويتجاوز عدد موظفيها والعاملين فيها 1,350 شخصاً، يعملون في قطاعات ومجالات مختلفة تتنوّع ما بين قطاع السيارات، الفنادق، السياحة والسفر إضافة إلى القطاع العقاري.
كان الوالد المؤسّس عبد الجليل الفهيم رجل أعمال، غير أن ثقة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إضافة إلى مصداقيته الكبيرة بين أبناء المنطقة وقدرته على القراءة والكتابة أهّلته للعمل كمساعد لنائب حاكم مدينة العين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "رحمه لله"، حيث تركّزت مسؤولياته في متابعة الشؤون المالية والعلاقات العامّة. وجاء افتتاحه لدكان في منطقة المويجعي رضوخاً للطلب المتزايد من أهالي المنطقة التي كان يبلغ عدد سكانها حوالي 500 شخص، وتلبية لحاجتهم إلى التزوّد بالمؤن والكسوة. وفي الواقع فإن منهج المصداقية والثقة، الذي كان غرسه الوالد المؤسّس في نفوس الجميع، ظل المنهج الأول ومبدأً للعمل المُستدام الذي مكّن مجموعة الفهيم من التطوّر عبر السنين، وساعدها على الازدهار وتأسيس الأعمال في كافة المجالات.
كان التحدي الأول عام 1960، عندما تولى إدارة "الدكان" العم الأصغر عبد الحكيم بتكليف من شقيقه الأكبر الوالد المؤسس عبد الجليل الفهيم، لكن هذه التجارة خسرت بسبب ضعف القوة الشرائية وارتفاع نسب ديون المشترين وضياعها، وكانت تلك المرحلة التي أدار فيها الدكان العم عبد الحكيم مرحلة عسر يعتمد فيها الناس على الشراء بالدين بسبب موسمية مواردهم التي اعتمدت على كالصيد وتربية الماشية. وكان العم عبد الحكيم لا يقرأ ولا يكتب، ولذا فقد اعتمد على تصنيف المدينين وتسجيل الديون عبر حبات القهوة ضمن جدول مرسوم على التراب، لكنها تبعثرت بسبب العواصف التي كانت تعصف بالمنطقة، وهكذا خسر المشروع الأول بسبب ضعف التوثيق، وهذا ما تعلمنا منه لاحقاً ضرورة "التوثيق" برغم وجود "الثقة".
ومن جديد تمّ شراء دكان آخر، استلمه العم أحمد، في السوق الجديد الذي أنشأه المغفور له الشيخ زايد في مدينة العين، غير أنه واجه أيضاً المصير نفسه بسبب ضعف القوّة الشرائية في المنطقة وتراكم الديون. عندها كان القرار بالتوجّه إلى أبوظبي لافتتاح محلّ مماثل، غير أنه أيضاً أغلق بعد عامين نتيجة لتعرّضه لخسائر ثقيلة بسبب عدم اختيار النشاط التجاري المُناسب في هذه السوق الصغيرة والواعدة. لكن هذا الفشل شكّل دافعاً كبيراً لمواصلة العمل، خاصّة مع اقتراح الشيخ زايد رحمه لله بالتوجّه إلى العمل في مجال قطع تبديل السيارات نظراً للحاجة الكبيرة التي كان يُعاني منها سوق أبوظبي بعد ظهور السيارات وأعطالها الكثيرة نتيجة الطرقات الرملية المُحيطة بمدينة أبوظبي. وهكذا ذهب الوالد عبد الجليل إلى البحرين، وتمكّن من الحصول على قطع الغيار لسيارات لاند روفر وشيفروليه من تجّارها بضمان اسمه فقط.
وحمل عام 1962 نقطة التحوّل في أعمال المجموعة، خاصة مع الفرص الهائلة الموجودة في سوق أبوظبي، حيث فوجئ الوالد بزيارة مندوب سيارات مرسيدس ليعرض عليه افتتاح أول وكالة لها في المنطقة. غير أن الأمر لم يكن منطقياً في تلك الفترة، لعدم وجود شوارع سالكة أو مُعبّدة تصل بين المناطق المُختلفة. ولم ييأس المندوب فقد عاد أيضاً في العام التالي ليقترح افتتاح الوكالة، مؤكداً قدرة شركة مرسيدس على إنتاج سيارات دفع رباعي يمكنها السير على الرمال. وبعد تشاورٍ مع بعض موظفي البنك البريطاني الذي كان قائماً في أبوظبي آنذاك، وافق الوالد على عرض المندوب مع تحديد موعد لزيارة مقر الشركة في ألمانيا. وفي الواقع فقد جاءت نتائج هذه الزيارة -التي رافقته فيها- بالخير العميم، وكانت بداية رحلتنا مع واحدة من أضخم وأعرق شركات السيارات في العالم، عبر توقيع عقدٍ لافتتاح الوكالة واستيراد أربع سيارات كتجربة تنوّعت نتائجها بين الإيجاب والسلب. غير أنها كانت تمهيداً لاكتساب الخبرة في نوعية السيارات التي يتوجّب علينا استيرادها، والتي شهدت إقبالاً متميّزاً على كافة الأصعدة. ومن المؤكّد بأن كافة الدروس التي اكتسبناها خلال هذه الرحلة الشّاقة، منحتنا بالتالي خبرة عميقة ساهمت في تركيزنا على التخطيط المُسبق لكافة مشاريعنا برؤية مُتطلّعة ومنهج مدروس.
بدء تولي الجیل الثاني
مع اقتراب نهاية عقد الستينات، قرّر الوالد عبد الجليل التنحي عن إدارة الشركة، وترك زمام الأمور في يد الجيل الثاني، نظراً لعمله مع الشيخ زايد "رحمه لله" الذي تولّى القيادة في تلك الفترة، وكان همّه الشاغل الإصلاح الشامل وتطوير أبوظبي في كافة المجالات التعليمية والصحية والإدارية. وتركّز عمل الوالد في جلب أفضل المُدرسين لتطوير التعليم، إضافة إلى عضويته في مجلس التخطيط الذي أسسه الشيخ زايد. وكانت هذه بداية الرحلة بالنسبة لي، فالخبرة التي اكتسبتها من عملي مع الوالد ومرافقته في أسفاره لتوقيع العقود المُختلفة ومساعدته في مُخططاته التطويرية، جنباً إلى جنب مع التعليم الذي حصلت عليه في بريطانيا، ساهمت بمجملها في أن أكون المُرشّح المثالي لتولّي قيادة الشركة التي تدير وكالة مرسيدس في أبوظبي، على الرغم من عدم تجاوزي الثامنة عشرة من العمر.
وبالتأكيد كانت التحدّي كبيراً لشاب في مُقتبل العمر، غير أن كافة التحدّيات ساعدتني على اكتساب المزيد من الخبرة في العمل، والثقة بالنفس في التعامل مع الآخرين، مع تصميم على إثبات كفاءتي وقدراتي أمام والدي والآخرين، خاصة مع تردّد الكثيرين من التعامل مع شابٍ يافع، حتى أنني قررت إطلاق لحيتي في ذلك السن لأبدو أكبر عمراً خلافاً لما كان سائداً بين الشبان من جيلي آنذاك. وبالطبع كان لتوجيهات والدي المُباشرة ومُتابعته لأسلوبي ومنهجي في إدارة الشركة، الدور الكبير في إبراز نقاط قوتي في التطلّع نحو المستقبل والتخطيط للتوسّع في الاستثمارات، وتأسيس أول دستور لشركة عائلية في منطقة الخليج.
وأود هنا التوضيح بأن عمر الشباب هو الوقت المُناسب والأفضل لتحمّل المسؤوليات والانفتاح على المستقبل من خلال الإبداع والابتكار في المُنتجات. وبالتأكيد رافقني في الرحلة مجموعة شابّة تمكّنت من توجيهها نحو التفكير بأسلوب مُبدع ومبتكر و"خارج الصندوق"، مع عدم التركيز على نطاق واحد من الأعمال، خاصة مع مُعايشتي لفترة بداية الحركة الاستثمارية المُذهلة بعد تولّي الشيخ زايد رحمه لله للحكم في الدولة، وظهور حقبة النفط التي أبرزت العديد من الفرص الاستثمارية الكامنة في البلاد، حيث برزت الحاجة إلى إيجاد العديد من القطاعات المرافقة لتوافد أعداد غفيرة من الشركات والمُستثمرين والعمال والزوار إلى مدينة أبوظبي، ومنها قطاعات السفر والفنادق. كما ساهمت مراقبة السوق، ومتابعة التوقّعات الناشئة، في دفعي إلى التوسّع في مجال قطاع العقارات، حيث بدأت بالتعاقد مع ملاك الأراضي لبناء فلل على أراضيهم ومن ثم تأجيرها لصالحي، مُقابل إعادتها مع الأراضي بعد سبع سنوات، الأمر الذي ساعد على توسّع مجموعة الفهيم في معظم المجالات الاستثمارية المُجزية.
المؤسّسة العائلية
ومن خلال التطوّر الكبير والملحوظ الذي حققّته الشركة مع بداية عام 1977، ودخولها في مجالات مُختلفة تنوّعت ما بين السيارات، العقارات، الفنادق والسفر، إضافة إلى زيادة مُساهمة أفراد عائلة الفهيم في الشركة، كان لا بُد من تحويلها إلى مؤسسة لتنظيم العمل ووضع الخطط المُستدامة. وبالتشاور مع والدي عبد الجليل، وبالاستناد إلى خبرتي في العمل مع شركات عالمية، قرّرت تحويلها إلى شركة مُساهمة خاصة تتبع المعايير العالمية التي كانت سائدة في دول العالم المُتقدّم آنذاك. حيث أدركت ضرورة الإشراك الحقيقي لأفراد العائلة في العمل، والاستفادة من خبراتهم وتعليمهم وقدراتهم في تسيير الأعمال وإدارة الشركة بشكل مؤسسي، جنباً إلى جنب مع ضمان حقوقهم ومساهماتهم.
وعلى الرغم من عدم وجود القوانين المحلية الواضحة والعصرية للشركات المُساهمة الخاصة في أبوظبي والمنطقة في تلك الفترة، غير أن ذلك لم يُشكل عائقاً أمام رغبتنا في إقامة المؤسسة، لذلك حرصت على الاطلاع والاستفادة من التجارب والقوانين العالمية المُتعلّقة بهذا الشأن، مع الاستعانة ببعض المحامين البريطانيين لصياغة دستور يحوّل مجموعة الفهيم من شركة عائلية خاصّة إلى شركة مُساهمة خاصة، عبر تطبيق القانون البريطاني الخاص بهذا النوع من الشركات.
وتمّ في تلك الفترة تطبيق أول أسس الحوكمة والمأسسة، من خلال تحويل كافة أصول العقارات والشركات وممتلكاتها الخاصّة إلى ملكية الشركة، ومن ثم تمّ توزيع الشركة على شكل حصص لأبناء العائلة، إضافة إلى استقطاب كافة شباب وفتيات العائلة لحضور الاجتماعات والاطلاع على الأعمال بغرض تأهيلهم للعمل في الشركة والمُساهمة في استدامتها وتنميتها وفقاً لأفضل المعايير الحديثة.
تأهيل الجيل الثالث
كان همي الدائم وكما ورثت عن والدي الاهتمام بتعليم وتأهيل أبناء عائلة الفهيم لكي يختاروا ما يفضلونه من أعمال، أو يقرروا الانضمام للشركة العائلية. وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي عملت على تشجيع أسر العائلة لإيفاد شبابها المؤهلين للتعليم العالي ذكوراً وإناثاً إلى جامعات أوروبية وأميركية متقدمة. ثم بدأ أبناء العائلة يعودون من إيفادهم ويتخرجون من جامعات مرموقة تباعاً، وبدأت فعلاً بتوظيفهم كمتدربين ثم كموظفين ثم كمديرين لبعض الشركات الفرعية التابعة للمجموعة بحسب مؤهلاتهم، وكانت هذه الخطوات مهمة في ضخ دماء جديدة من أفراد العائلة ضمن كيان الشركة.
ومع بداية العام 2000 وصلت لشعور تام بالرضا عن الاستثمار في الكوادر البشرية لأبناء العائلة، ووصلت لقناعة أن كثيراً منهم أصبح مؤهلاً لقيادة الشركة مع بدء انتقال العالم لمرحلة التكنولوجيا المتسارعة والتي بدأت تغير كل أنماط العمل التقليدية، عندها قررت التنحي من إدارة الشركة، وعملت على أن يكون الانتقال سلساً سهلاً عبر تشكيل هيكلية جديدة للعائلة وللشركة وللرقابة عليها بالتشاور مع مساهمي الشركة من أفراد العائلة. وبحلول عام 2004 قررت التقاعد والمساهمة مع أفراد العائلة بتأسيس مجلس العائلة الذي توليت رئاسته كناصح وخبير وموجّه، حيث يجتمع مجلس العائلة شهرياً ويعنى بإدارة شؤون أفراد العائلة من الجيل الثالث، ومتابعة تعليمهم وتطويرهم وتأهيلهم.
تأهیل الجیل الثالث
لقد كان للمجالس العائلية والرقابة دور كبير في كافة خطوات أعمالنا، وساعدتنا، كأعضاء في مجلس إدارة الشركة، على ممارسة أعمالنا بشكل أفضل خاصة عندما يتعلّق الأمر باتخاذ القرار، والمحاسبة والمسؤولیة. وفي الوقت الحالي، نجد أن مجلس الإدارة يعمل ضمن مزيج مُتناغم يجمع بين الجیل الثاني والثالث برئاسة العم أحمد عبد الجلیل، وهو أحد أبناء الجیل الثاني الذي تولّى مجلس إدارة الشركة في عام 2014.
وفي الواقع، فإن مجموعة الفهيم لا تزال تشهد نمواً متواصلاً وبشكل مضطرد سنوياً، حيث نحرص على أن تكون كافة خططها ومشاريعها المستقبلية متوافقة مع تطور الإمارات وريادتها في مجال الأعمال على مستوى المنطقة. وهكذا فقد أصبحنا نعد الخطط التفصيلية لخمس سنوات استعداداً للمستقبل مع مراجعات مستمرة لكل جديد. وعندما قررنا بناء أكبر معرض للسيارات في العالم على سبيل المثال، كان هذا القرار معتمداً على رؤية بعيدة المدى للتوسع، منها رؤية أبوظبي 2030 والتي ينسجم فيها تخطيط الشركة مع تخطيط البلد الذي نعيش فيه والذي ندرس إمكاناته الواعدة. كما أننا استبقنا كل الاحتمالات والتحديات التي ستحدث في السنوات القادمة، بما فيها احتمال تحقق النظرية التي تقول أن الناس قد يتوقفون مستقبلاً عن شراء السيارات ويكتفون باستئجارها مع تطور تقنيات النقل والتكنولوجيا، وهذا مادفعنا أيضاً للتخطيط المسبق وتأسيس شركة لتأجير السيارات.
وقد واكب هذا التخطیط العمودي لمستقبل الشركة، تخطیطاً أفقیاً، حيث تمّ التوسّع في الأعمال من السیارات إلى العقارات والسفر والخدمات بشكل أكبر، كما تمّ استحداث محافظ استثماریة وأدوات للاستثمار الجدید مثل المصرف الدولي الإسلامي في البحرین الذي أسسه عبد الجلیل الفهیم مع 18 رجل أعمال عربي، كل ذلك لمواكبة الاستثمارات الجدیدة مثل التكنولوجیا ومنتجات الرفاهیة والسلع الفاخرة.
مجلس 3G
تطبيقاً لاستراتيجية العمل في المجموعة، فقد كان لدينا حرص على إدماج مساهمة الجیل الثالث واندماجه مع الجیل الثاني بطریقة مؤسسیة، حيث يشارك الجيلان مع بعضهما البعض في مجلس العائلة والرقابة والإدارة، وتمتزج لدینا القیم الإيجابية الراسخة التي ورثناها من الجد عبد الجليل الفهيم، جنباً إلى جنب مع الخبرات والدروس التي حصلنا عليها من دراساتنا الجامعية فضلاً عن متابعتنا لأحدث ما تُفرزه الحیاة المعاصرة من تقنيات مُتميّزة.
وفي الواقع، فإننا كجیل ثالث، نفتخر بالعلم والمعرفة والخبرة التي اكتسبناها من قیادات الجیل الثاني، والتي كرّست لدینا قیماً مازالت وستبقى صالحة، ومن أهمّها ما تتناقله العائلة من تمسكّها بالمبدأ الأول المُتمثّل في "الكلمة الصادقة" التي ساهمت في نجاح الجد المؤسس، والتي تختصر وبإيجاز كل قیم الأمانة والصدق بالعقود والتعامل الإنساني التي نعتمدها في كافة مجالات تعاملاتنا التجارية والاستثمارية.
واليوم يحمل الجيل الثالث كل هذه القيم، ويعمل على تغذية الشركة بأفكار جديدة، مع قناعة مجلس العائلة بعدم التدخل في فرض اختصاصات معينة ليدرسها أبناء العائلة بناء على حاجة الشركة أو حاجة السوق المتوقعة، بل تركت حرية الاختيار لكل فرد في العائلة لاختيار مجال تعليمهم، ثم يختار مجال العمل الذي يشاء خارج الشركة العائلية، ثم ينتقل إليها إن رغب وفقاً للمهارات التي يرى أنه يستطيع أن يقدم فيها للشركة قيمة مضافة. وهكذا فلدينا في الجيل الثالث من عائلة الفهيم تنوعاً في مجالات التعليم فلدينا الطبيب والطيار ومهندس الديكور ومدير الفندق ورجل الأعمال وسيدة الأعمال، كلٌ بحسب رغبته ودراسته واهتمامه. ولهذا السبب فإن المجال مفتوح أمام أبناء العائلة الحفاظ على حصصهم ضمن الشركة والعمل خارجها بأي اختصاص ثم يمكنهم تقديم طلب للعمل في حال رغبوا، على أن يمتلكوا خبرة خارجية لا تقل عن عامين، وتتم دراسة طلباتهم بحسب الحاجة والاختصاص والشروط التي حددتها بروتوكولات دستور العائلة.
وقد مررت بهذه التجربة شخصياً، فقد عملت في شركات أخرى خارج المجموعة ومنها منصب الرئيس التنفيذي في شركة لؤلؤة دبي ثم قررت الانتقال للشركة العائلية فتم قبولي كعضو في مجلس الإدارة.
وبما أن قضية ارتباط أبناء العائلات بشركاتهم العائلية هي المشكلة التي تؤرق هذه الشركات وفقاً للدراسات العلمية، فإننا تنبهنا لهذه المشكلة، وعملنا على عدة حلول منها استحداث مجلس جديد مخصص للجيل الثالث يُسمى "مجلس 3G"، حيث سيعمل هذا المجلس والذي يشارك فيه أبناء العائلة من الجيل الثالث فقط، على مناقشة أفكار شباب العائلة وطريقة دمج أفكارهم الريادية الخاصة مع الشركة الأم.
وهذه التجربة هي واحدة من تجارب تقوم بها شركات عربية وعالمية لدمج أبنائها في الشركة وخلق الترابط بين أفراد العائلة، منها ماذكرته آنفاً عن دعوة أطفال العائلة للحضور واللعب في أنحاء الشركة كما تفعل بعض الشركات الهندية، ومنها قيام بعض الشركات العربية بجمع أفراد العائلة بمن فيهم أبناء الأعمام والأحفاد والقيام برحلات خارجية للاجتماع في جلسة تساعد في تآلف أفراد العائلة وتسمح بمناقشة مستقبل الشركة.
الجانب الإنساني
وهكذا فإنني أعتبر بأننا محظوظون كجیل الثالث لاكتسابنا الخبرات القيّمة من الآباء المؤسسين، مع امتزاج القیم والخبرات التي نعایشها ضمن المجموعة. وبالتأكيد فإن هذه القيّم الخيّرة المغروسة فينا لابد من أن تُثمر في توجّهنا إلى مساعدة العديد من المحتاجين من خلال الأرباح التي نكتسبها، ونفتخر بأن المشاعر الأسرية التي تحرص عليها المجموعة انعكست بالإيجاب على سلوك موظفي الشركة، الذین خلقت لديهم المجموعة دوافع العمل الخیري فباتوا یُساهمون فیه. وهذا ربما ما حوّل مجموعتنا إلى نموذج حاز على تقدیر الجميع كبیئة عمل مُحفّزة وجاذبة للكفاءات، فضلاً عن حصولنا على "أفضل شركة عائلیة في منطقة الشرق الأوسط" عام 2007، وجائزة الشیخ خلیفة للتمیز عامي ( 2014 و 2015 )، وجائزة "أسعد بیئة عمل في الأنشطة. والمبادرات" من وزارة الموارد البشریة والتوطین لعام 2016.
وهذا ما جعلنا أیضاً كأفراد في عائلة الفهیم نتّفق جمیعاً على إطلاق واحد من أكبر مشاریع المسؤولیة الاجتماعية، عبر إيجاد مؤسسة "وقف عبد الجليل الفهيم وعائلته" الذي تمّ تأسیسه في عام 2004، ويسهم في أداء الرسالة التي بدأها جدي عبد الجلیل، حیث اتفق كافة الأبناء والأحفاد على التنازل عن جزء من حصصهم في مجموعة الفهیم والتي تبلغ قيمتها حوالي 100 ملیون دولار، ليتمّ تخصيص المبلغ لصالح إنشاء وقف خیري باسم " وقف عبد الجليل الفهيم وعائلته" والذي دخل
كمساهم في مجموعة الفهیم بشكل قانوني عبر حصص مساویة لهذا المبلغ، مما یساعده على الاستدامة، وقد عملنا على ضمان ديموته قانونياً، إذ لا يستطيع -بحكم القانون- أي فرد من أفراد أو مجموعة من العائلة إيقافه. وقد ساعد هذا الوقف على مدى عشرین عاماً ما یقارب لملیون شخص سواءً بشكل فردي أو على شكل برامج خیریة وإنسانیة نفذها داخل الدولة وخارجها.
وفي الواقع فإن أعمال مجموعة الفهيم الإنسانية لا تقتصر على الوقف فقط، فهي تتطلّع على الدوام إلى الجانب الإنساني الذي يلعب دوراً كبيراً ومهمّاً في تطوّرها وتقدّمها، فالجانب الإنساني يتماشى جنباً إلى جنب مع كافة خطواتنا في مسيرة العمل والتنمية والتطوير، وهذا ما أكّده أبونا رحمه لله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عندما قال "إن الإنسان هو أساس أية عملية حضارية... الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال وليس المال والنفط، ولا فائدة في المال إذا لم يُسخّر لخدمة الشعب"، وهذا بالتأكيد ما دفعنا إلى الحرص، ومنذ بداية تأسيس مجموعة الفهيم، على تكريم العمل المُتفاني والدؤوب للموظفين والعاملين ضمن المجموعة، الذين ساهموا في بناء تاريخ الشركة العريق على مدار السنوات الماضية، خاصة مع وجود العديد من الموظفين الذين تجاوزت مدة عملهم ضمن المجموعة الأربعين عاماً.
فهذا الولاء من الصعب العثور عليه في مكان العمل الحديث، ونحن في مجموعة الفهيم يُمكن اعتبارنا أسرة واحدة كبيرة متضامنة ومُتعاضدة لهدف واحد وهو التطوّر والتنمية، ولا أخصّ الأسرة بمعنى أفراد "الفهيم" فقط، فكل موظف وعامل لدينا هو فرد من أفراد أسرتنا، وأنا على يقين تامّ بأن جميع العاملين ضمن المجموعة يشعرون بمدى التقدير والاحترام الذي يكنّه كل فرد من عائلة الفهيم لجميع العاملين.
وفي الواقع فإن إقامة حفلنا السنوي "لتوزيع جوائز الخدمة الطويلة" الذي يُعقد سنوياً منذ بداية الثمانينات، يعتبر وسيلة مُهمّة لضمان شعور الموظفين في جميع الشركات بأنهم جزء من عائلة الفهيم المُمتدّة، فالسبب الرئيسي الذي يضمن لنا استمرارية العمل والعطاء يكمن في إحساسهم بأنهم جزء من الأسرة على الصعيدين المجتمعي والشخصي.