ماذا يعني الاستحواذ على شركة “إيد إكس” لمستقبل التعليم العالي؟

5 دقائق
مجال تكنولوجيا التعليم

ملخص: في صفقة تم الإعلان عنها مؤخراً، ستستحوذ شركة "تو يو" (2U) على جميع أصول شركة "إيد إكس" (edX)، بما في ذلك العلامة التجارية، وحوالي 3,500 دورة تدريبية رقمية، والموقع الإلكتروني الذي يضم 50 مليون متعلم. يُفترض أن يكون هذا التطور جرس إنذار للكليات والجامعات الأخرى التي يجب أن تبدأ التفكير في كيفية تفكيك سلسلة القيمة والاستعانة بمصادر خارجية في المجالات التي يمتلك فيها الآخرون كفاءات أساسية رفيعة المستوى. فمن خلال إقامة شراكات والسيطرة على أجزاء كبيرة من سلسلة القيمة بدلاً من نبذها، يمكن للجامعات أن تكسب حصة كبيرة من الإيرادات التي قد تنتقل مباشرة إلى الشركات المتخصصة في مجال تكنولوجيا التعليم. إذ يمكن أن توفر هذه الإيرادات الإضافية رأس المال الأولي للجامعات لدفع مبادراتها المتعلقة بتكنولوجيا التعليم. ولكنها في الوقت الحالي مجرد متفرج في اللعبة.

أعلنت شركة التكنولوجيا "تو يو" (2U) مؤخراً عن اتفاقية لشراء أصول شركة "إيد إكس" (edX) من جامعة "هارفارد" ومعهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" (إم آي تي) (MIT) مقابل 800 مليون دولار. إذاً، كيف سيُحدث هذا تحولاً في مجال التعليم؟ وكيف يمكن للمؤسسات التعليمية التقليدية التكيّف؟

تطورات حديثة

هناك 3 تطورات حديثة جديرة بالذكر. أولاً، أصبحت التكنولوجيات الرقمية متطورة لدرجة يمكن أن تسبب تغييرات مزعزعة في نموذج التعليم الجامعي القديم. فقد كان النمط الرئيسي للتعليم الجامعي، أي نموذج الفصل الدراسي، يتطلب لقرون أن يجتمع الطلاب في وقت ومكان محددين مسبقاً ليتم تدريسهم بوتيرة يحددها المعلم. وقد غيّر مقدمو خدمات التعليم البديل، مثل الدورات التعليمية الجماعية المفتوحة على الإنترنت ("أكاديمية خان" (Khan Academy) و"كورسيرا" (Coursera))، والشركات الناشئة المتخصصة في مجال تكنولوجيا التعليم ("آوتلاير" (Outlier.Org) و"أوداسيتي" (Udacity) و"إيد إكس") هذا النموذج. ويمكنهم الاستفادة من التقدم في الأجهزة والبرمجيات وتكنولوجيات التواصل التي طورتها شركات، مثل "أوراكل" (Oracle) و"مايكروسوفت" و"جوجل" و"زووم"، ما يسمح للطلاب بالتعلم الرقمي في الوقت المناسب لهم وبالوتيرة التي تناسبهم.

ثانياً، تحدث تحولات كبيرة في المجتمع وعالم الأعمال عندما تجبرنا الأحداث غير المتوقعة على تجربة فكرة جديدة بشكل منسَّق وعلى نطاق واسع. فقد اضطرتنا جائحة "كوفيد-19" إلى إجراء ملايين التجارب المتزامنة في معظم المؤسسات التعليمية حول العالم. ومع إشعار لمدة تقل عن أسبوع واحد، أصبحت الفصول الدراسية رقمية. يصعب تصور ذلك من قبل، ويرجع ذلك جزئياً إلى مقاومة الطلاب ومدراء المدارس وأعضاء هيئة التدريس لهذا التغيير. فقد تلقى التعليم الجامعي المعروف بصرامته ومقاومته للتغيير صدمة غير مسبوقة، وأظهرت التجارب التي أُجريت نتيجة لذلك أنه لا توجد طرق بديلة للتدريس فحسب، بل إن هذه الطرق البديلة أفضل من بعض النواحي. تعلمت الجامعات من الجائحة أيضاً أنه من الممكن توفير التعليم دون البنية التحتية الضخمة التي كان يُنظر إليها على أنها جزء لا يتجزأ من تجربة الجامعة، مثل قاعات المحاضرات والمختبرات والمسارح والمباني الإدارية والرابطات، وما إلى ذلك، وهي أشياء لم تكن هناك حاجة إلى معظمها لبعض الوقت خلال الجائحة.

التطور الثالث هو أنه في الوقت الذي تضطر فيه الجامعات التقليدية إلى خفض الميزانية إذ تتعرض إلى ضغوط مالية حثيثة، ترتفع تقييمات الشركات المبتكِرة في مجال تكنولوجيا التعليم بشكل كبير، كما أنها أصبحت تمتلك فيضاً من الأموال. على سبيل المثال، أصبح بايجو رافيندران، وهو مدرس رياضيات سابق في الهند، مليارديراً؛ إذ إن قيمة شركته "بايجو" (Byju) تقدّر بـ 12 مليار دولار. وستدفع شركة "تو يو" 800 مليون دولار نقداً، وليس كأوراق مالية، مقابل أصول شركة "إيد إكس". وفي عام 2020، جمعت الشركات الأميركية الناشئة في مجال تكنولوجيا التعليم أكثر من 2.2 مليار دولار. بعبارة أخرى، يتدفق رأس المال بشكل متزايد نحو هؤلاء الذين يخططون لإحداث تحولات في التعليم، ويبتعد عن هؤلاء الذين يفضلون الوضع الراهن.

إذاً، ما الذي يمكن للجامعات والكليات فعله؟

أولاً وقبل كل شيء، يجب عليها التطلع إلى المستقبل وتحديد أي من الاستراتيجيات الثلاث التالية تريد اتباعها.

نموذج داخلي معزز وشامل:

يعيش فيه الطلاب في الحرم الجامعي ويتفاعلون مع زملائهم والمعلمين وجهاً لوجه. يخدم هذا النموذج أغراضاً عديدة، لكنه مكلف للغاية. وينجح مع الكليات رفيعة المستوى التي تتمتع بعلامة تجارية مميزة معترف بها ولديها إمكانية الوصول إلى متبرعين أثرياء، وأعضاء هيئة تدريس عالميين، وأصحاب عمل مرموقين، وخريجين مؤثرين.

نموذج هجين:

قائم على فكرة أن الجامعات والطلاب لديهم موارد محدودة. ويجب تقسيم هذه الموارد على النحو الأمثل بين التفاعلات وجهاً لوجه، التي تفرض أعلى تكلفة على الطلاب والجامعات، وبين التعلم الافتراضي غير المتزامن الذي يفرض تكاليف أقل.

من الناحية المثالية، ينبغي للجامعات أن تجعل الحرم الجامعي مقتصراً على الأنشطة التي تتطلب التدريس القائم على البحوث وحل المشكلات بما يتوافق مع احتياجات كل متعلم والتوجيه. ويمكن للطلاب استغلال الوقت الثمين الذي يقضونه في الحرم الجامعي في القيام بأشياء يصعب فعلها عن بُعد، مثل دراسة المواد الاختيارية، والمهمات الجماعية، والساعات المكتبية مع أعضاء هيئة التدريس، والتوجيه المهني. ويجب أيضاً استخدام الحرم الجامعي لتسهيل بناء شبكات العلاقات الاجتماعية، وتنفيذ المشاريع الميدانية، والبعثات التعليمية العالمية.

أما المحاضرات التي تتطلب القليل من التفاعل البشري، فيجب رقمنتها. ويمكن للطلاب مشاهدة العروض التقديمية متعددة الوسائط باستخدام تكنولوجيات تفاعلية غامرة بالسرعة المناسبة لهم. على سبيل المثال، يتم تدريس نظرية "فيثاغورس" بالطريقة نفسها إلى حد كبير في جميع أنحاء العالم. ففي مثل هذه المقررات الدراسية، يمكن أن تعمل المنصات التكنولوجية على إيصال المحتوى لجمهور كبير وبتكلفة منخفضة، من دون التضحية بإحدى المزايا المهمة للتعلم في الفصول الدراسية التقليدية، المتمثلة في التجربة الاجتماعية، لأنها بالكاد متوفرة في هذه المقررات الأساسية.

نموذج عبر الإنترنت بالكامل:

يقدم نوعية جيدة من التعليم لجمهور افتراضي بالكامل.

في هذه الصفقة الجديدة، ستستحوذ شركة "تو يو" على جميع أصول شركة "إيد إكس"، بما في ذلك العلامة التجارية، وحوالي 3,500 دورة تدريبية رقمية، والموقع الإلكتروني الذي يضم 50 مليون متعلم. وهذا مجرد غيض من فيض السوق المحتملة للمتعلمين.

على سبيل المثال، يرغب الكثير من الأشخاص الذين تخرجوا في المدرسة الثانوية بالحصول على تعليم عالي الجودة بتكلفة منخفضة، دون أن تطأ أقدامهم كلية أو جامعة ودون التخلي عن وظائفهم. فهم لا يريدون مشاهدة مقاطع فيديو فحسب، بل يريدون التعلم من الدورات التدريبية التي أعدها كبار الأساتذة الذين يدرِّسون في أفضل الجامعات. كما يريدون أن يتم اختبارهم بناءً على المفاهيم مع تلقيهم مساعدة مصممة حسب احتياجاتهم من خلال تقنيات التعلم الإلكتروني، وترجمة هذا التعلم ونتائج الاختبارات هذه إلى ساعات معتمدة من التعليم الرسمي، ثم جمع هذه الساعات للحصول على اعتماد يدلل على الكفاءة والقدرة والمعرفة. يريدون كل هذه الأشياء دون الاضطرار إلى دفع تكاليف المسارح، وسكن الطلاب، وقاعات الدراسة، والمتاحف، وملاعب كرة القدم، والبرامج الرياضية، والرابطات الجامعية، وصالات الألعاب الرياضية.

من خلال الدخول في هذه الصفقة، أظهرت جامعة "هارفارد" ومعهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" (إم آي تي) (MIT)، أنهما ملتزمان بنموذج عمل جديد؛ بمعنى أنهما سيواصلان التميز باستخدام النموذج الداخلي مع قلة مختارة، ولكنهما سيستفيدان أيضاً من خبراتهما ومواردهما التعليمية لتوفير تعليم عالي الجودة للجماهير بأسعار معقولة. وكبداية، وضعا مجموعة رائعة من الدورات التدريبية في منصة "إيد إكس"، وحققت لهما ربحاً صافياً يبلغ 800 مليون دولار. وسيستخدمان هذه الأموال لتوسيع نطاق استراتيجياتهما للتعلم عبر الإنترنت.

يجب أن يكون هذا التطور بمثابة جرس إنذار للكليات والجامعات الأخرى. فالامتعاض بسبب نقص الدعم الحكومي وتراجع معدلات الالتحاق لن يجدي نفعاً. يجب عليهم بدلاً من ذلك أن يسألوا كيف يمكنهم بناء بيئة عمل منسَّقة تسمح لهم بتقديم تعليم عالي الجودة بتكلفة منخفضة. فهم يتبعون حالياً نموذج التكامل الرأسي؛ وفيه تكون سلسلة القيمة بأكملها في الداخل، بدءاً من قبول الطلاب وصولاً إلى منح الشهادات. يجب أن يبدؤوا التفكير في كيفية تفكيك سلسلة القيمة والاستعانة بمصادر خارجية في المجالات التي يمتلك فيها الآخرون كفاءات أساسية رفيعة المستوى، كالاستعانة بالشركات التي تنشئ المحتوى، مثل "آوتلاير" ومنصات نشر الخدمات، مثل "إيد إكس" والشركات في قطاع الألعاب التي لديها خبرة في الواقع الاصطناعي والواقع المعزز والقدرة على خلق تجارب غامرة. ومن خلال إقامة شراكات والسيطرة على أجزاء كبيرة من سلسلة القيمة بدلاً من نبذها، يمكن للجامعات أن تكسب حصة كبيرة من الإيرادات التي قد تنتقل مباشرة إلى الشركات المتخصصة في مجال تكنولوجيا التعليم. إذ يمكن أن توفر هذه الإيرادات الإضافية رأس المال الأولي للجامعات لدفع مبادراتها المتعلقة بتكنولوجيا التعليم. ولكنها في الوقت الحالي مجرد متفرج في اللعبة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي