في شهر يناير/كانون الثاني من كل عام تتجدد رغبتنا في تحدي أنفسنا وتعلم أمر جديد. غير أن طاقتنا تبدأ بالانخفاض مع حلول شهر فبراير/شباط. ولائحة الأسباب تطول: فإما أننا نكتشف أن إتقان أي شيء يحتاج إلى قدر كبير من الوقت غير متوفر لدينا، أو أننا نفتقد للمحفزات الضرورية للتدرّب، أو نجد صعوبة في تركيز انتباهنا في الصف بعد يوم عمل طويل، وما إلى ذلك.
لقد اكتشفت مؤخراً بعض المحفزات التي قد تجعلنا نواظب على اتباع نشاط جديد. قبل بضعة أسابيع، قرأت مقالة في صحيفة "نيويورك تايمز" حول ما أسموه "المعمّرون السوبر" (superagers)، وهم الأشخاص الذين يعملون بأعلى سويات الأداء (أكاديمياً ومهنياً وجسدياً)، على الرغم من دخولهم في عقدهم التاسع، والذين يمكن مقارنة أدائهم في اختبارات الذاكرة والتركيز بأداء من هم في ثلث عمرهم.
من اللافت أن جميع "المعمرين السوبر" ينخرطون بانتظام في نشاطات مجهدة جسدياً أو ذهنياً مثل لعبتَي "التنس" و"البريدج". من خلال زج أنفسهم في نشاطات مجهدة وصعبة تتخطى نطاق راحتهم خلافاً لما يمارسه أندادهم من نشاطات هادئة وسهلة، فإن "المعمرين السوبر" يحسّنون على ما يبدو قدراتهم ومهاراتهم في التركيز والتذكر. عندما مسح الباحثون دماغ 17 شخصاً من "المعمرين السوبر"، وجدوا كمّاً كبيراً غير متوقّع من النشاط في مناطق متعددة من الدماغ مسؤولة عن الأداء الوظيفي العاطفي، بما في ذلك التواصل وإدارة الإجهاد والتنسيق الحسي. وتُجرى دراسات إضافية لتحديد المهمات الصعبة التي تدعم المقدرات الإدراكية، غير أن العلماء يرون أن إتقان مهارة جديدة قد يكون له نفس الأثر الإيجابي على تطور الدماغ.
أجريت استبيان آراء 260 من المدراء وكبار الموظفين التنفيذيين في قطاعات العمل الربحية وغير الربحية بهدف معرفة ما إذا كانوا قد بدؤوا مؤخراً نشاطاً جديداً. كما أردت أيضاً استكشاف ما إذا كان ذلك يترك أي أثر على سوية رفاههم العام على الصعيدين المهني والشخصي. وبلغت نسبة الرجال بين المستجيبين 53% ونسبة السيدات 47%. أفاد غالبية المستجيبين (60%) أنهم قد بدؤوا بالفعل تحدياً جديداً في العامين الماضيين، وأكثر تلك التحديات شيوعاً كانت النشاطات الرياضية والبدنية (38% من الأشخاص)، يليها البدء بمشروع ذي علاقة بالعمل (11%)، ودراسة اختصاص جديد (10%)، وممارسة التدريس أو الكتابة (10%)؛ أما الخيارات الأخرى مثل العزف على الآلات الموسيقية، والانخراط بنشاطات الفن الإبداعي والألعاب مثل لعبة "البريدج" فقد حصدت 8% من الإجابات. وقد أفاد 34% من المستجيبين بأنهم يكرّسون 10 ساعات أو أكثر من وقتهم أسبوعياً لنشاطهم الجديد.
لقد وجد جميع المستجيبين تحدّيهم الجديد "صعباً"، غير أن نصفهم وصفوه بأنه مجهد "عقلياً" فقط، في حين أن النصف الآخر إما وصفه بأنه مجهد بدنياً، أو بدنياً وعقلياً معاً. وقد أفاد ثلثا المستجيبين بأن درجة صعوبة نشاطهم تخرج عن نطاق الراحة الخاصة بهم.
ولدى سؤالهم عن أثر نشاطهم الجديد على حياتهم، أجاب معظم المستبينين بأن ذلك الأثر كان إيجابياً. فقد أفاد 88% منهم بأنهم لحظوا آثاراً مفيدة، كما وجد أكثر من نصفهم بأن لذلك النشاط أثر إيجابي على حياتهم المهنية، و83% منهم وجدوا أنه قد زاد من رفاهيتهم. واعترف 11% فقط بأنهم باتوا أقل إنتاجية بقليل بسبب نشاطهم الجديد، في حين أفاد 52% منهم أنهم أصبحوا أكثر إنتاجية.
أما حول آثار نشاطهم الجديد على علاقاتهم الاجتماعية، فقد شعر 34% منهم بأن تلك النشاطات كانت مفيدة لعلاقاتهم مع زملائهم. كما أفاد معظمهم بأنهم من خلال نشاطاتهم تلك تعرفوا على أناس قد يتعاونون معهم مهنياً في المستقبل. وسألتهم عما إذا كانت تلك النشاطات الجديدة تساعدهم على فهم أفضل لوظائفهم. في حين أفاد 42% منهم بأن ليس لتلك النشاطات أي أثر على ذلك، شعر 58% منهم أنهم قد اكتسبوا فهماً تقديراً أفضل لأدوارهم الوظيفية بنتيجة تلك النشاطات. ومن بين الفوائد ذات الصلة برفاهم الشخصي الناتجة عن تلك النشاطات، اكتسابهم مهارات فنية جديدة، أو قضاء الوقت مع زملائهم خارج أوقات العمل.
لقد أظهر بحثنا أن تعلم أمر جديد وصعب يساعد في توسيع مقدراتنا الإبداعية. ومع أنه من غير المرجح أن المشاركة بسباق السباحة في المياه المفتوحة، أو تعلم الرسم تساعد مهنياً شخصاً يعمل في مجال كتابة البرمجيات أو إدارة الموظفين، إلا أن الفوائد الأشمل لتنشيط أنفسنا قد تترك آثاراً إيجابية على علاقاتنا مع زملائنا وإنتاجيتنا وفهمنا لمهماتنا. فضلاً عن أن تعلم مهارات جديدة أمر ممتع أيضاً.
وهكذا، إذا كنت تفكر في إيقاف نشاطك الأخير حول تنمية ذاتك لأنك تجد ذلك صعباً جداً أو لأنك لا تمتلك الوقت الكافي، فإن نتائج بحثنا هذا قد تحفزك على الالتزام بذلك النشاط وعدم التخلي عنه. حتى المستجيبون الذين لم يكونوا منخرطين بنشاطات جديدة، يبدو أنهم استفادوا من مشاركتهم في هذا الاستبيان –إذ إن أكثر من 26% منهم قالوا إنهم من المرجح أن يبدؤوا نشاطاً جديداً في السنة المقبلة.