اسأل أية مؤسسة عما يحدث في قسم مبيعاتها خلال الأيام الأخيرة من الشهر والأسبوع الأخير من ربع العام المالي، وستحصل غالباً على ضحكة غير مريحة وإيماءة بالرأس ذات مغزى. "إنّ فرق المبيعات بصدد إبرام الصفقات، مهما كان الثمن". لكنهم بهذا الأمر لا يدركون مساوئ مبيعات اللحظات الأخيرة التي ستنعكس على الشركة.
تدفع السوق الشركات، ربع عام تلو الآخر وشهراً تلو الآخر، إلى تحقيق أرقام عالية بشكل لا يصدق عبر مبيعات اللحظة الأخيرة. واستجابة لذلك، تزيد الشركات من تكتيكات ضغوطها وتبرم صفقات في اللحظات الأخيرة بطرق غير طبيعية. وتُظهر البيانات أنّ مندوبي المبيعات يمنحون شروطاً أفضل للعملاء الذين ينتظرون حتى اللحظة الأخيرة، حيث يوقن الطرفان أنه بوسعهما الاعتماد على الأسعار المتدنية والإبرام المؤكد للصفقة بفضل ضغوط الشركة في نهاية الشهر.
يمكن اعتبارها دائرة مغلقة. والشركات على علم بذلك. ومع ذلك، فإنها لم تزل تمارس ذلك العمل شهراً تلو الآخر وعاماً تلو الآخر، ربما دون أن تدري التكلفة التي تُكبِّدها إياها حقاً تلك الممارسة.
أجرى قسم "مختبرات إنسايد سيلز" (InsideSales Labs) التابع لشركتنا "إنسايد سيلز دوت كوم" (InsideSales.com) تحليلاً بحثياً على 9.8 مليون صفقة مبيعات من بيانات مخفيّة المصدر لـ151 شركة أميركية على مدار تسعة أرباع سنوات متتاليات (من الربع الأول لعام 2014 وحتى الربع الأول لعام 2016). وبلغ إجمالي مبيعات هذه الشركات سنوياً 54 مليار دولار، بمتوسط مبيعات قيمته 360 مليون دولار لكل شركة.
وعلمنا أنه في نهاية الشهر، يبرم مندوبو المبيعات غالباً صفقات ليست جاهزة. وتُظهر بياناتنا أنّ مندوبي المبيعات يبرمون في نهاية الشهر ثلاثة أمثال الصفقات التي يبرمونها خلال بقية الشهر، غير أنهم يخسرون 11 ضعف الصفقات التي يبرمونها خلال بقية الشهر (11.43 ضعف إذا تحرينا الدقة).
لذلك، وعلى الرغم من أنّ نهاية الشهر تُظهر زيادة في إجمالي عدد المبيعات للشركة، فإنّ ضغوط نهاية الشهر تفرض انخفاضات موازية تُقدر بـ51% من معدل الفوز بالصفقات ككل. ذلك أنّ فعالية مندوبي المبيعات في إبرام الصفقات السديدة بالسعر المناسب تتراجع في نهاية الشهر. إذ كشفت الدراسة التي أجريناها أنّ إجمالي حجم الصفقات تراجع بنسبة 34.5%.
تكبّد سلوكيات نهاية الشهر غير المواتية هذه الشركات ملايين الدولارات. فالتراجع في حجم الصفقات ومعدل الفوز بها يُفضي إلى خسارة إيرادات مقدارها 98 مليون دولار سنوياً للشركة العادية في مجموعة بياناتنا. في المقابل، إذا عولجت تلك السلوكيات على النحو الملائم، يمكن أن تضمن لكل شركة زيادة محتملة في الإيرادات نسبتها تصل إلى 27%.
كيف سمحت الشركات لذلك بأن يحدث؟ ومن الذي يلام؟ إنّ ضغوط السوق المتزايدة من شارع المال والمستثمرين، والمنافسة المحمومة المتصاعدة، والمخاوف المتعلقة بمستقبل الاقتصاد القومي والعالمي، تتضافر جميعها وتتحمل مسؤولية هذا الموقف.
لكن مدراء المبيعات أيضاً يتحملون قدراً من اللوم. صحيح أنه من الصعوبة بمكان تغيير أنماط سلوكيات المبيعات التي رسخت على مدار عقود طويلة. وصحيح أنّ بعض قادة المبيعات يزعمون أنّ الزيادة المهولة في الخسائر بنهاية الشهر ربما تُعزى إلى عادة التخلص من الفرص "الرديئة" (الهالك الذي لن يُرحّل إلى الربع التالي ولا ينبغي أن يُرحّل إليه).
وعلى الرغم من ذلك، هناك تحول كبير في معدل الصفقات المبرمة وحجمها في نهاية الشهر يتعين على المؤسسات الفطنة التصدي له. وعليه، يُصبح سؤال الساعة هو: كيف ستحل المؤسسات هذه المشكلة المتفشية؟
تتطلب الإجابة دعماً من أعلى مستويات المؤسسة، لكن التحول الأكبر سيكون بطبيعة الحال داخل قسم المبيعات. يجب أن تكون فرق العمل على دراية بالأثر الكامل لسلوكيات اللحظة الأخيرة الخاصة بهم. وسيحتاج قادة المبيعات إلى وضع خطط عمل وخطط تعويضات تكافئ السلوكيات الملائمة طويلة الأجل. وإليك بعض الجوانب المحددة التي يمكن البدء منها.
ركّز على التوقعات الأسبوعية لا الحصص الشهرية
عندما ينصبّ تركيز الشركات على بيانات المبيعات أسبوعياً وليس شهرياً، فإنها تحصل على صورة للمبيعات مرغوبة ومفيدة بشكل أكبر بكثير. على سبيل المثال، أي أيام وأوقات الأسبوع تمثل الفرص الأمثل للبيع؟ وفي أي الأسابيع والأيام تُبرم أضخم الصفقات عادة؟ يمكن لفرق المبيعات أن تستخدم هذه المعلومات لتشكيل سلوكهم طوال ربع العام لا في نهايته وحسب.
استخدم حوافز مالية أذكى
إذا تغيرت هياكل تعويضات مندوبي المبيعات، سيُلاحظون ذلك لا محالة. فكّر في هيكل للتعويضات يُجازي مندوبي المبيعات على عدم المماطلة والتلكؤ. على سبيل المثال، لعل المؤسسة بوسعها تقديم علاوة أكبر على الصفقات التي تُبرم ما بين أول يوم في الشهر واليوم السابع عشر، وعلاوة متوسطة للمبيعات التي تُبرم ما بين اليوم السابع عشر والرابع والعشرين، وتُلغي العلاوات على الصفقات التي تُبرم في الأيام السبعة الأخيرة من الشهر.
ركّز على الجدول الزمني للعميل لا على جدولك أنت
يعلم كل مندوب مبيعات ذكي تمام العلم أنه ينبغي أنّ يركز على الفائدة التي ستعود على العميل. لكن الأمر ينطبق على التوقيت أيضاً، لا على الميزات والخدمات فقط. درّب مندوبي المبيعات على إقامة كل حوار انطلاقاً من وجهة نظر تقديم حل يوافق جدول أعمال العميل، وجدوله الزمني بدلاً من جداولهم.
ارتق بمهارات موظفي المبيعات لديك
لكي تنأى بنفسك عن تكتيكات نهاية ربع العام التقليدية الباعثة على الإحباط، ارتق بمجموعة مهارات فريق مبيعاتك. شجّعهم على التفكير في أساليب للبيع تكون جديدة وأكثر استراتيجية. لعل باستطاعتك دراسة الإعلان الأول لشركة عميلك المرتقب في البورصة وخطاب رئيسها التنفيذي إلى حملة الأسهم بغية إعداد عرض للعائد الاستثماري يكون محل اهتمام لهم على نحو فريد. أقم مأدبة عشاء حصرية للشخصيات المهمة. استهدف موقعي لينكد إن وفيسبوك كقبلتين لإعلاناتك بدرجة أكبر من الدقة. وادع قيادتك التنفيذية إلى إرسال هدية لعميلك المرتقب على سبيل المجاملة، وأرفق بها خطاباً مكتوباً بخط اليد.
أخيراً، إنّ إحاطتك علماً بالمبلغ الذي من المرجح أن تخسره مؤسستك بسبب دورة المبيعات التقليدية ينبغي أن يكون جرس إنذار مدو. إذ أنّ حل المشكلة لن يحدّ من سلوكيات مندوبي مبيعاتك المضرة بالإيرادات وحسب، بل سيحسن أيضاً من التدفقات النقدية والتوقعات المستقبلية وقدرة شركتك على دعم وتنفيذ الحلول التي تم شراؤها. وطالما أنّ أعمال التثبيت والاستلام لن تُنجز جميعاً في الأيام الأخيرة من الشهر. لقد آن الأوان ليبدأ المسار الصحيح نحو نتيجة أفضل وأكثر ربحية مع تجنب سلبيات البيع في اللحظة الأخيرة. فلا تُبطئ السير حتى نهاية ربع العام.
اقرأ أيضاً: