تحفيز الرجال على الاشتراك في مبادرات تحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين

5 دقائق

لا يزال عدم المساواة بين الجنسين في مكان العمل أمراً شائعاً، ويواجه القادة تحديات كبيرة عند السعي إلى إرساء ثقافة أكثر مراعاةً للمساواة بين الجنسين في الشركة، ويجدون صعوبة في مساءلة المدراء بشكل منهجي عن أهداف تكافؤ الفرص بين الجنسين، وفي تنفيذ أنظمة غير متحيزة لإدارة الأداء وتغيير طريقة الحصول على المواهب.

وتشير الأبحاث بشأن التغيير التنظيمي إلى أن نجاح أي مسعى للتغيير يتطلب إشراك الموظفين. إذ إنه عندما يشارك الموظفون بفاعلية في صياغة برامج التغيير وتنفيذها، يرجح أن يدعموها ويقل احتمال مقاومتهم لها.

بيد أنه عندما يتعلق الأمر بتغيير البرامج التي تهدف إلى زيادة تكافؤ فرص المساواة بين الجنسين، فإن الموظفين المعنيين بالتنوع يجدون صعوبة في إشراك الرجال، الذين غالباً ما يشكلون الأغلبية في المؤسسات ويشغلون عدداً أكبر من المناصب ذات السلطة والنفوذ. وفي الواقع، يقف الرجال دائماً على الحياد، ويتجنبون الجهر بمواقفهم بشأن البرامج التي تهدف إلى تحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين. لذا، غالباً ما تُصنَّف برامج التغيير هذه على أنها "قضايا تخص النساء" داخل المؤسسات وتفشل في تحقيق القبول لدى أصحاب المصلحة الداخليين.

وأول ما يلزمنا لمواجهة هذا التحدي هو أن نفهم سبب عدم مشاركة الرجال في مثل هذه المبادرات. ففي بحث نُشر مؤخراً في مجلة "ساينس أورغنايزيشن" (Science Organization)، بحثنا عن سبب محتمل يتمثل في الموقف النفسي. يشير الموقف النفسي إلى ما إذا كان الشخص يشعر أنه يتمتع بالشرعية اللازمة للقيام بإجراء يتعلق بإحدى القضايا أو المشكلات. وهو يعكس طريقة حكم أحد الأشخاص في مسألة إلى أي مدى يُعد طرفاً في المناقشات بشأن إحدى القضايا، أو ما إذا كان من شأنه المشاركة في هذه المناقشات. ويمكن أن يوضح الموقف النفسي سبب إحجام الأشخاص، الذين لديهم رأي قوي للغاية بشأن إحدى السياسات، عن اتخاذ إجراء بشأنها (على سبيل المثال، عن طريق الاحتجاج).

ومن خلال مجموعة من أربع دراسات، نبين أن الرجال غالباً ما يحجمون عن المشاركة في مبادرات تحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين أو الجهر بموقفهم إزاءها؛ لأنهم يعيشون مستويات منخفضة من الموقف النفسي أكثر من النساء، أي إنهم يشعرون بأنه ليس من صلاحياتهم المشاركة في تلك المبادرات. ويظل هذا التفسير قائماً حتى عند أخذ تفسيرات محتملة أخرى في الاعتبار، مثل موقف التحيز أو التمييز على أساس الجنس المحتمل من جانب الرجال.

في الدراسة الأولى، عرضنا على 178 طالباً جامعياً مبادرتين للتغيير، بدعوى أن جامعتهم تدرسهما، وقيّمنا استعدادهم للمشاركة. حيث ركزت إحدى المبادرتين على خطة الجامعة لتجديد مركز الترفيه، بينما ركزت المبادرة الأخرى على عدم تكافؤ الفرص بين الجنسين في كلية الهندسة بالجامعة. وعندما كان الأمر يتعلق بمبادرة مركز الترفيه، أبدى كل من الطلاب والطالبات استعداداً مماثلاً للمشاركة. بيد أنه عندما كان الأمر يتعلق بمبادرة تكافؤ الفرص بين الجنسين، أبدى الطلاب الذكور موقفاً نفسياً أقل؛ إذ قالوا إنهم لم يشعروا أن المشاركة في هذه المبادرة ملائمة لهم، بصفتهم رجالاً، ولم يكونوا راغبين في الاشتراك فيها. ويفسر هذا الموقف النفسي المتدني انخفاض مستويات مشاركة الطلاب الذكور، حتى بعد أخذ مدى دعمهم للمبادرة سراً في الحسبان.

وفي الدراسة الثانية، استطلعنا 124 موظفاً يعملون في مجموعة متنوعة من الشركات الأميركية في منطقة حضرية كبيرة على الساحل الشرقي، بشأن استعدادهم للمشاركة في مبادرات تحقيق التكافؤ بين الجنسين في شركاتهم. وتبيّن لنا أن احتمال مشاركة النساء في هذه المبادرات وجهرهن بموقفهن إزاءها كان أكبر مقارنة بالرجال، وأن السبب الذي يفسر هذا الفرق، مجدداً، هو تدني الموقف النفسي للرجال تجاه تلك المبادرات. تأثرت النتائج التي أسفرت عنها الدراسة الاستطلاعية، كثيراً، بالمعلومات المتواترة التي جمعها فريقنا البحثي خلال المقابلات التي أجراها مع رجال يعملون في شركة ناشئة في مجال التقنية في منطقة وادي السيليكون كانوا يحاولون تنفيذ مبادرات لتحسين تكافؤ الفرص بين الجنسين. إذ غالباً ما أوضح هؤلاء الرجال سبب إحجامهم عن المشاركة بقول أشياء مثل "ليس من صلاحياتي أن أقول أي شيء (عن تكافؤ الفرص بين الجنسين) لأنني لم أتعرض لما تعرضت له (النساء)...".

وفي الدراسة الثالثة، أجرينا تجربة عبر الإنترنت مع 151 شخصاً من البالغين العاملين في الولايات المتحدة. وطلبنا منهم أن يتخيلوا أنهم يعملون لصالح شركة تبحث عن متطوعين لرئاسة فريق عمل معنِي بتكافؤ الفرص بين الجنسين على مستوى الشركة، وسألناهم عن استعدادهم للتطوع للمشاركة في هذا الفريق. وعند عرض هذا السيناريو عليهم، تطوع 63% من النساء في فريق العمل، بينما تطوع 43% فحسب من الرجال. وعلى الرغم من أن عدداً أكبر من الرجال، مقارنة بالنساء، رأى أن مبادرات التكافؤ بين الجنسين أقل أهمية وسجلت درجة أعلى على مقياس التمييز العلني على أساس الجنس، فإن الموقف النفسي المتدني للرجال حيال تكافؤ الفرص بين الجنسين كان مؤشراً أقوى من التمييز على أساس الجنس في هذا الفرق في معدلات المشاركة بين الرجال والنساء.

وفي الدراسة الأخيرة من البحث، درسنا ما إذا كان من الممكن أن تغير طريقة إيصال برنامج التكافؤ بين الجنسين وصياغته استعداد الرجال للمشاركة فيه. وكررنا التجربة المذكورة آنفاً مع 215 شخصاً من البالغين العاملين في الولايات المتحدة، عينتهم لجنة عبر الإنترنت. بيد أنه، في حين أُسندت إلى نصف عدد المشاركين (المجموعة 1)، بشكل عشوائي، المادة نفسها من الدراسة الثالثة، فإن النصف الآخر من المشاركين (المجموعة 2) قرأ أيضاً رسالة من الرئيس التنفيذي للشركة تفيد بأن الرجال والنساء على حد سواء يتحلّون بتجارب يمكن أن تساعد الشركة في صياغة برنامج لتعزيز تكافؤ الفرص بين الجنسين وتنفيذه في مكان العمل. وبعبارة أخرى، حصلت المجموعة الثانية على مزيد من المعلومات بشأن السبب الكامن وراء ضرورة مشاركة الرجال أيضاً، وليس النساء فحسب، في فريق العمل المعني بتكافؤ الفرص بين الجنسين. وبالنسبة إلى المجموعة الأولى، كررت النتائج التي حصلنا عليها نتائج تجربتنا السابقة؛ إذ تطوع 70% من النساء في فريق العمل، بينما تطوع 33% فقط من الرجال. بيد أنه بالنسبة إلى المجموعة الثانية، التي تلقّت رسالة الرئيس التنفيذي، فقد كانت معدلات المشاركة متشابهة من الناحية الإحصائية للرجال والنساء، وأظهر الرجال في هذه المجموعة موقفاً نفسياً أفضل حيال هذه القضية.

وثمة مشكلة تكتنف عدم مشاركة الرجال في مبادرات تكافؤ الفرص بين الجنسين. إذ يمكن أن تساعد المشاركة في مثل هذه المبادرات في تغيير آراء الرجال بشأن أهمية تكافؤ الفرص بين الجنسين في العمل. وعلى سبيل المثال، تشير البحوث إلى أنه حتى الرجال الذين يتخذون مواقف سلبية أو متحيزة ضد المرأة فيما يتعلق بدور النساء في مكان العمل، يصبحون أكثر دعماً لبرامج تكافؤ الفرص بين الجنسين (ينفذونها بشكل أكثر فاعلية، على سبيل المثال) عندما يجري إشراكهم بفاعلية في المناقشات بشأن مثل هذه البرامج. وعلاوة على ذلك، يبدو أن مواقف الرجال تجاه تكافؤ الفرص بين الجنسين تصبح أكثر إيجابية مع مرور الوقت. إذ إنه بوسع هؤلاء الرجال الداعمين إذا كانوا يدعمون بصورة علنية مبادرات تكافؤ الفرص بين الجنسين، مواجهة المقاومة لمثل هذه المبادرات بشكل أكثر فاعلية، والعمل بصفتهم حلقة وصل مع الرجال الآخرين الذين ربما يكونون أكثر اقتناعاً من خلال الدعوة "من داخل المجموعة".

وما لم يشعر الرجال والنساء على حد سواء بأن أفكارهم وشواغلهم طرف في المناقشة، فلن يشعروا بالقدر نفسه من المسؤولية عن نجاح مثل هذه البرامج، وربما لا يتحقق التغيير الأساسي في الثقافة التنظيمية نحو تحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين. وتشير النتائج التي أسفرت عنها دراستنا إلى أن المؤسسات يمكنها اتخاذ إجراءات لزيادة مشاركة الرجال. إذ ينبغي، بصفة خاصة، تكريس اهتمام متزايد بكيفية شرح هذه البرامج لأعضاء المؤسسة. فعندما يُخلق لدى الرجال الشعور بأن لديهم دوراً مشروعاً في مثل هذه البرامج، فمن المرجح أن يشاركوا فيها. ومن ثم، يتعين على قادة المؤسسات أن يوضحوا صراحة أن جميع الموظفين، بصرف النظر عن نوعهم الاجتماعي، لهم مصلحة في برامج تكافؤ الفرص بين الجنسين ويمكنهم أن يساهموا فيها على نحو مُجدٍ.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي