يُوصف بأنه عرّاب النقلة الحديثة لمصرف الراجحي، ينحدر من عائلة شقت طريقها نحو عالم المال والاستثمار في وقت كانت فيه بيئة الأعمال غير متطورة، ورث عن والده وأجداده المثابرة والجدية في العمل والقدرة على تخطي مصاعب البدايات، ليتربع على عرش أحد أكبر المصارف والبنوك في المملكة العربية السعودية، كما يرأس 10 مجالس إدارة مختلفة في مجالات تترواح بين من المالية والتأمينات والعقار والبتروكيماويات وغيرها من الصناعات.
عبدالله بن سليمان الراجحي، رئيس مجلس إدارة مصرف الراجحي، الذي رافق والده منذ الصغر في رحلة الاستثمار وتأسيس المصرف، كانت البداية عندما عمل خلال العطلة الصيفية من الدراسة الابتدائية مراسلاً بفرع البنك في جدة ثم عداداً يدوياً للأموال وكاتباً لشيكات التحويل، لتنعكس عليه هذه التجربة في حياته الجامعية عندما تخصص في إدارة الأعمال بجامعة الملك عبدالعزيز.
عمله مع والده أسهم في صقل شخصية إدارية متميّزة، مكّنته من تغيير صورة مصرف الراجحي في أذهان الناس، ففي فترة التسعينيات كان يُطلق على المصرف لقب "بنك الشيبان"، لأن أغلب عملائه كانوا من كبار السن، وكانت أوقات عمله تتناسب مع طبيعة حركة هذا النوع من العملاء، فضلاً عن أن نشاطه كان مقتصراً على الخدمات البسيطة لتأخره عن باقي البنوك في إدخال التكنولوجيا، ما خلق لديه تحدياً لتغيير طريقة العمل. نجح عبدالله الراجحي في هذه النقلة النوعية حيث قادة التغيير نحو تبّني التكنولوجيا وتوسيع الفئة المستهدفة من كبار السن حصراً إلى اليافعين والشباب ضمن مشروع تغيير مؤسسي ناجح بكل مقاييس الخبراء، وعلى رأسهم المختص الشهير جون كوتر.
تعلم عبدالله الراجحي من عمله مع والده على مدى 30 عاماً، فلسفة إدارية قائمة على ثلاث قواعد رئيسة فعالة في كل مجالات الأعمال نختصرها فيما يلي:
1. الجدية
يقول الأب سليمان الراجحي: "إن رأس الإنسان هو كمبيوتر إذا ما استُخدم في التفكير الجاد والعمل الدؤوب، وقنوات العمل مفتوحة أمام الجميع تنتظر دخولها". بالفعل، فهو لم يكمل تعليمه، لكن سعيه وعمله لساعات طويلة خصوصاً عند السفر في البدايات لافتتاح فروع جديدة للبنك، جعل كل من تعامل معه متأثراً بهذا النمط من العمل.
يروي عبدالله الراجحي أنه في السنة الأولى من الجامعة عمل لمدة 4 إلى 5 أسابيع في فرع موسمي للبنك في جدة قبل بداية موسم الحج، وفي السنة التالية تم تعيينه مديراً للفرع، ما يدل على أن جديته وإصراره على العمل بالتوازي مع دراسته الجامعية أهّله لتولي دفة القيادة في هذه المرحلة.
مع وتيرة التغيير اليوم، ليس لدى المدراء والرؤساء التنفيذيين خياراً سوى أن يكونوا أكثر جدية في جهودهم الهادفة إلى التغيير من أجل الحفاظ على قدرتهم التنافسية. وحتى الموظف العادي المنضبط الجدي يتميّز عن غيره من الموظفين حتى ولو كانوا أكثر موهبة منه، لأنه ببساطة القادة يثقون في هذا النوع من الموظفين نظراً لاستقرار أدائهم حتى ولو كان غير مبهر، بينما يتسم الموظف غير المنضبط بتذبذب في الأداء، ما يصعّب على المشرفين الثقة فيه.
2. استشراف المستقبل
قد تواجه الشركات العائلية تحديات مرتبطة بمدى فاعليتها وقدرتها على الاستمرار لما بعد الجيل الثالث مع استمرار تحقيق النمو والنجاح، لكن امتلاك المؤسسين لنظرة بعيدة المدى مكّنها من تحقيق معدلات نمو على المدى الطويل وجعلها أكثر قدرة على تحمل الأزمات والظروف الصعبة.
على الرغم من أهمية امتلاك رؤية مستقبلية يُحدَد وفقها اتجاه بوصلة العمل، إلا أن هذا لا يعني بالنسبة لعبدالله الراجحي عدم الإلمام بالتفاصيل وفهم الواقع والتحديات الحالية وإدراكها جيداً. فهو يؤمن أنه كلما كنت مدركاً للتحديات والواقع الحالي الذي تمر به؛ كان فهمُك للمستقبل أفضل.
من هذا المنطلق، أدرك مصرف الراجحي أهمية اعتماد التكنولوجيا في خدماته، وبدأ في عام 1994 أول مشروع متكامل لإعادة هندسة العمليات وإدخال التكنولوجيا على العمليات التشغيلية الروتينية بهدف تخفيف ضغط العمل على مستوى مختلف الفروع، والتركيز أكثر على تطوير جودة الخدمات المقدمة للعملاء.
رؤية مصرف الراجحي المستقبلية ليتولى الريادة في الرقمنة وتبني التكنولوجيا الجديدة في القطاع المصرفي؛ دفعته عام 2014 للتعاون مع شركات متخصصة مثل شركة تيرا داتا (TeraData) وساس (Sas) للعمل على مبادرات تطويرية رائدة في المنطقة، كمشروع تحسين أنظمة الرقابة على العمليات المصرفية، ومشروع البنية التحتية لإدارة البيانات وتحليلها.
ترتبط خطط النمو والتوسع بضرورة تبني أدوات جديدة لزيادة الكفاءة التشغيلية، لذا بدأ مصرف الراجحي البحث عن تكنولوجيا جديدة تزيد من كفاءة من العمليات المصرفية المتزايدة، ليصبح في عام 2017، أول مصرف في السعودية يستخدم الروبوتات لأتمتة عملياته المصرفية الروتينية، ولمساعدة فريق العمليات في التركيز على العمليات ذات القيمة المضافة والمهام المتعلقة بالعملاء، ما أدى إلى تقليص زمن الاستجابة لطلبات العملاء وزيادة دقتها، وحل المشكلات المتكررة المتعلقة بالاحتيال أو حظر العمليات أو البطاقات المصرفية.
ويدرك المصرف حجم التحديات والعمل المطلوب للوصول إلى أهدافه بل حتى تجاوزها، فانطلقت في عام 2021 استراتيجية "مصرف المستقبل" لتطوير هوية المصرف تحت شعار "ما بعد المصرفية" الذي يتمحور حول توفير خدمات ومنتجات مصرفية بناءً على تطلعات العملاء واحتياجاتهم.
3. المرونة
تبرز هنا أيضاً أهمية قاعدة "عينك على الواقع"، إذ تمنحك قراءتك للسوق ورصد تحركاته مؤشراً على ما ينقصك للاستمرار أو الازدهار حتى في أثناء الأزمات، ما يجعل المرونة والقابلية للتغيير عاملاً حاسماً في البيئة المتغيرة بسرعة.
عند وضع كثير من الأولويات يُتشتت التركيز ويضعف الأداء، المطلوب هو ترتيب الأولويات بحسب ما يهم أصحاب المصلحة وتنفيذها على أكمل وجه، حتى لو كان ذلك يعني التخلي عن بعض المبادرات أو تغيير طريقة العمل الإداري للتركيز على القضايا المهمة، وهذا هو جوهر الاستراتيجية كما يقول مايكل بورتر "لب الاستراتيجية هو اختيار ما لا يجب القيام به". وهذا ما فعلته إدارة مصرف الراجحي عندما غيّرت نموذج عملها وطريقة تعاقداتها وخدماتها تزامناً مع دخول التكنولوجيا.
يستذكر عبدالله الراجحي "في مراحل سابقة، قبل 30 سنة تقريباً، لم يكن هناك خدمات مساندة لأي عمل تجاري، كنا نقوم بأغلب المهام بأنفسنا، فإذا تعطل مكيف الهواء في أحد الفروع نكلف أحد مهندسينا للذهاب إلى الفرع وإصلاحه. اليوم، الأمور تغيرت وأصبح هناك شركات متخصصة تقدم مثل هذه الخدمات".
ترتبط المرونة أيضاً بعقلية النمو لدى القادة، التي تعتقد بقدرة الإنسان على تغيير كفاءاته وقدراته وذكائه، إذ توصلت الدراسات بأن من يتمتع بعقلية النمو لديه استعداد أكبر من الناحية الذهنية للتعامل مع التحديات ومواجهتها والاستفادة من التقييمات بهدف تطوير المرؤوسين، وهنا أشار رئيس مجلس إدارة مصرف الراجحي أن والده كان يفوّض ويتابع، ويمنح الأشخاص الذين يثق في أدائهم مساحة للحركة.
المرونة صفة مُرافقة للتغيير، وتشهد السوق السعودية اليوم تحولاً كبيراً مع السعي لتحقيق مستهدفات رؤية 2023، ما يفتح الآفاق أمام البنوك والقطاعات الأخرى للنمو والتي يجب عليها اتباع نهج إداري مرن يساعدها في التكيف مع متطلبات المرحلة المقبلة.
حياة عبدالله بن سليمان الراجحي مليئة بالدروس الإدارية، نظراً لنجاحه في قيادة أحد أكبر البنوك في المنطقة العربية، فعقليته تتسم بتتبع الفُرص واقتناصها، ونظرته لما أفرزته رؤية 2030 دليل على هذه العقلية، ثم إنه شخص "يقظ استراتيجياً" حيث يقول "يجب أن تكون دائماً قلقاً في السوق" في إشارة إلى ما يسميه الخبراء اليقظة الاستراتيجية ومراقبة كل المنافسين الحاليين والمحتملين (أو الداخلين الجدد)، أضف إلى ذلك رؤيته المنفتحة على المنافسة وعمليات التحالف أو الاستحواذ، وفهمه الجيد للإطار العام الذي ينشط فيه من حيث مؤشرات الاقتصاد الكلي، وغيرها كثير، ما يؤهله لاعتلاء المكانة الإدارية التي يتربع عليها بجدارة واستحقاق.