دراسة شاملة عن ما يحدث داخل الشركات العربية من نميمة وتنمر وواسطة واستبعاد ونتائجه

6 دقيقة
بيئة العمل العربية
shutterstock.com/lemono

ماذا يحدث داخل مكاتب الشركات والمؤسسات في الدول العربية؟ سنكتشف من خلال هذه الجولة من قصص حقيقية ودراسات حالة رصدتها أبحاث علمية من الجامعات العربية، بأن ما يحدث في بيئة العمل العربية هو خاص ومميز ومرتبط بالثقافة العربية. وعندما تعرفونه ربما تستطيعون تفسير كثير من المشكلات المستعصية التي تعيق كثير من المؤسسات العربية الخاصة والحكومية عن الانطلاق والتقدم.

من النميمة إلى التنمر والواسطة والمحاباة والإقصاء المعتمد والتلاعب و"التسكع الاجتماعي" والإدارة السامة والنرجسية، كلها حالات رصدتها هذه الأبحاث التي سنستعرضها في الدول العربية. وهي حالات تؤدي إلى عرقلة القرارات وتدمير الروح المعنوية لفرق العمل وعرقلة المشاريع.

وسأعطيكم تسريباً مسبقاً تستطيعون من خلاله قياس حالة الشركة التي تعملون بها، لتختبروا فيما إذا كانت تنحدر إلى مستوى متدهور من العلاقات السامة وبيئة العمل السيئة. هذا المؤشر وفقاً للبحث الذي سنعرضه ضمن هذا المقال هو انتشار ظاهرة التهكّم التنظيمي (Organizational Cynicism). عندما تجد مؤسسة تنتشر فيها السخرية من بيئة العمل، فاعلم أنها تدهورت في علاقات الموظفين بين بعضهم ومع إدارتهم لدرجة خطيرة.

إذا كنت مهتماً بمتابعة المزيد من أفكار الدكتور حمود المحمود، فقد أطلق نشرة بريدية موجهة للمدراء العرب والطامحين للقيادة، سجل على الرابط من هنا لتضمن وصول النشرة إليك.

مكونات بيئة العمل السامة في الدول العربية

قد تسألون ربما لماذا كانت بيئة العمل في الدول العربية قد حصلت على مستوى اندماج وظيفي متدني وفقاً لأحدث تقرير من مؤسسة غالوب للأبحاث. نعم، فقد كانت نسبة الاندماج الوظيفي في الدول العربية أي شعور الموظفين بالتفاعل مع العمل وحب أجواء الشركة من الأقل عالمياً.

التفسير، ربما يأتيكم في هذه السطور. فقد كشف بحث جديد في الإمارات وقطر والسعودية والأردن، وهي مجرد نماذج لما يمكن تعميمه في الدول العربية، أن أن سياسات العمل المكتبية أو ما يجري في المكاتب يتسبب في إضعاف جودة اتخاذ القرارات، وتحطيم معنويات الموظفين المبدعين.

والسبب حسب هذا البحث هو انتشار ظاهرة المحاباة والتمييز، والأشخاص الذين يلعبون "ألعاباً نفسية" مثل التملق، والتحزّب، وكسب النفوذ، وهؤلاء هم الأوفر حظاً في الترقيات على حساب أصحاب الكفاءة. وهذا ينتج عنه انخفاض في الثقة، وبيئة عمل مسمومة، وتراجع في الإبداع لدى الوهوبين المستبعدين من الترقيات والمكافآت.

يبين هذا البحث بأن بيئة العمل العربية، ومن أمثلتها هذه الدول الأربع تنتشر فيها حالات المدراء والموظفين النرجسيين، أي الأنانيين الذين لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية، وهؤلاء بحسب البحث يتحالفون مع بعضهم، ويلعبون لعبة اللوم كما سماها البحث أي أنهم يلومون زملاءهم الآخرين على أي تقصير، بينما هم في الحقيقية يساهمون في خلق بيئة عمل سامة. وهو ما يساهم في إضعاف معنويات أعضاء الفريق الذين يفقدون شعورهم بالانتماء. على سبيل المثال كما يقول البحث، في المملكة العربية السعودية، غالباً ما يمارس المديرون سياسات المحسوبية ويكوّنون شراكات وصداقات مع الموظفين، حيث تؤثر هذه الأساليب على عملية اتخاذ القرارات لديهم وتُضعف معنويات الآخرين بجعلهم يشعرون بأهمية أقل.

وفي قطاع الاتصالات بالإمارات العربية المتحدة، كشف العاملون أن المشرفين النرجسيين ركزوا باستمرار على الإعجاب بالذات وجعلوا جو العمل ساماً، مما دفع العديد من المغتربين إلى ترك وظائفهم.

هذا يعني أن النرجسية لا تزال قائمة في العالم العربي. وتعتبر هذه الظاهرة مقلقة بحسب هذه الدراسة في قطر والإمارات العربية المتحدة، حيث يعمل الموظفون المغتربون والمحليون معاً للحصول على وظائف مربحة في هذه القطاعات المتنوعة، لكن هذه الظاهرة تخلق مشكلة في عدالة بيئة العمل. ويعتبر غياب العدالة في بيئة العمل، من أهم مؤشرات بيئة العمل التي تسبب الاحتراق الوظيفي بحسب خبراء هارفارد بزنس ريفيو.

الواسطة والإقصاء

ومن الأمراض البارزة في المكاتب العربية، تظهر الواسطة والتي هي امتداد للثقافة العربية التي هي اجتماعية متقاربة، تعتمد على الانتماءات المجتمعية مثل القبيلة والمنطقة، فإن الواسطة تلعب دوراً فيها بشكل كبير، لكن الدراسات العلمية التي جرت في الدول العربية ومنها دراسة في جامعة أم القرى السعودية، بينت أن بعض المؤسسات السعودية التي يعمل فيها الرجال فقط تعتمد على أساليب إدارة غير رسمية تُعرف بـ"النيوبطريركية" (neo-patriarchy)، حيث يتم فيها تفضيل العلاقات الشخصية (الواسطة) على الأنظمة الرسمية، وهو ما يؤدي لاستبعاد كثير من الموهوبين ومن بينهم النساء.

وفي الكويت أثبتت دراسة أخرى بأن للواسطة في العمل أشكال مختلفة ضمن بيئة العمل العربية، منها الشكل غير المباشر، والذي يقوم على "دعم" بعض الموظفين دون الطلب الرسمي الواضح. وقد وجد الباحثون في هذه الدراسة الكويتية أن الواسطة (المحسوبية من خلال العلاقات الشخصية) تُعطِّل ممارسات الموارد البشرية المُتعارف عليها: فهي تشوه قرارات التوظيف والترقية، وتمنح مزايا غير مستحقة في الحصول على الوظائف، وتؤثر على التطور المهني للموظفين وأدائهم طوال فترة عملهم.

وعندما تحدث الواسطة في بيئة العمل يحدث الاستبعاد. والاستبعاد هو إقصاء بعض الموظفين المتمردين على عدم العدالة في المؤسسة. ووفقاً لبحث عربي، درس هذه الظاهرة فإن القيم الثقافية الراسخة في دول الخليج العربي، مثل الاحترام الشديد للسلطة، والبنية الهرمية الصارمة في المؤسسات، والتقاليد الاجتماعية المحافظة، تسهم في تشكيل طريقة الإقصاء في بيئة العمل، حيث يتم أحياناً توظيف الإقصاء كأداة تأديبية غير مباشرة لحفظ النظام أو لتفادي المواجهة، وهو ما يعززه السياق المجتمعي الذي يشجّع على الصمت وضبط النفس. كما تؤثر الروابط القبلية والعائلية داخل المؤسسات على تفسير وممارسة الإقصاء، بحيث يُصبح مستنداً إلى شبكات الولاء والانتماء، مما يعقّد عملية التعرف عليه أو التبليغ عنه. هذا السياق الاجتماعي يجعل من الصعب على الأفراد التمييز بين التفاعلات الاجتماعية العادية وبين حالات الإقصاء المنهجي.

النميمة والتنمر في العمل

في هذه الأجواء تكثر النميمة والخلافات بين فريق العمل. وقد كشفت دراسة مصرية بأن النميمة في العمل كان لها تأثير واضح في ضعف الاداء وتراجع الكفاءة في المؤسسات.

وبينت دراسة أخرى شارك بها عدد من الجامعات المصرية بأن النميمة السلبية تزيد بشكل مباشر من رغبة الموظف في الاستقالة، كما أنها تؤدي إلى سلوك خطير آخر يسمى التسكع الاجتماعي (Social Loafing) أي أن يترك الموظف أعباء عمله على زملائه أو يساهم بأقل جهد ممكن، مما يزيد الإحباط ويضاعف رغبة الجميع في الرحيل.

الجديد هنا أن الدراسة أثبتت أن التسكع الاجتماعي يلعب دور "الوسيط" بين النميمة والرغبة في الاستقالة: أي أن النميمة تولد تسكعاً، وهذا التسكع يولد رغبة أكبر في ترك العمل.

وتتفق دراسة بحرينية مع ما تم إثباته في مصر من الدراسات العلمية، بأن بيئة العمل السامة والتي يضعف فيها عامل الرضا الوظيفي هي بيئة مشجعة على الاستقالة بالنسبة للموظف العربي، كما وجدت دراسة من جامعة البحرين صدرت حديثاً.

وتبدو مشكلة النميمة في العمل والخلافات بين الموظفين عميقة ومرتبطة بالثقافة المحلية، فقد بينت دراسة أردنية على سبيل المثال أن كثيرين من الموظفين والموظفات يعانون من التنمر الوظيفي من زملائهم ومدرائهم ولكنهم لا يتحدثون عنها بسبب ثقافة "العيب" و"الشرف". حيث أظهرت الدراسة أن التنمّر في بيئات العمل الأردنية موجود فعلاً، لكنه غالباً لا يُبلغ عنه بسبب الخوف من الإضرار بـ"سمعة المؤسسة" أو "مكانة المتنمّر" الذي قد يكون شخصية مرموقة أو كبيرة في الهيكل الوظيفي. الثقافة السائدة تميل إلى الصمت عن السلوكيات السلبية لتفادي الإحراج.
يوصي البحث بتبني المؤسسات سياسات واضحة تضمن سرية الشكاوى، وتعتمد معايير عادلة لا تتأثر بمكانة الشخص المُسيء. ويشدد على أهمية التدريب المستمر على السلوك المهني، بما يتناسب مع الثقافة المحلية ولكن دون السماح بتبرير التنمّر.

ومما يضاعف المشكلات التي تحدث في بيئة العمل المعالجة السيئة النابعة من اعتبارات ثقافية محلية، فقد بين بحث آخر أيضاً قارن بين أسلوب المدير الأردني والتركي والأميركي في حل خلافات العمل بأن المدراء الأردنيين، كانوا أكثر ميلاً إلى استخدام أسلوب "الاسترضاء" (Accommodation) مقارنة بنظرائهم في تركيا وأميركا، خصوصاً إذا كان الطرف الآخر من الخلاف أعلى رتبة. كما أن المدراء في كل الثقافات يغيرون طريقة تعاملهم حسب مركز الشخص الآخر (رئيس، زميل، أو مرؤوس).

وعندما تصل الأمور لهذه الدرجة من عدم العدالة والتنمر في بيئة العمل تنتشر ظاهرة التهكّم التنظيمي (Organizational Cynicism) بين الموظفين، بحسب دراسة مصرية . ومن أسباب انتشار التهكّم: ضعف إدارة الأزمات، قادة مستغِلّون يأخذون مجهود الموظفين لأنفسهم، ضعف التواصل بين القيادات والعاملين، تغييرات تنظيمية مفاجئة مثل التحوّل الرقمي غير المدروس.
وهذا التهكم يعتبر مرحلة متقدمة في تدهور الحالة الصحية لبيئة العمل.

ما مواصفات المدير العربي الناجح؟

عالمياًو وعربياً تبين الأبحاث كما يتفق الخبراء بأن الإدارة هي المسؤولة عن تدهور بيئة العمل، وهي الوحيدة القادرة على تجاوزها. وهذا ما تقوله الأبحاث التي أثبتت ذلك بالعلم. ولكن ما هي مواصفات المدير العربي بحسب الأبحاث في المنطقة العربية؟

دراسة جرت بالتعاون مع جامعة العلوم والتكنولوجيا في بكين بالتعاون مع باحثين من مصر، بينت وجود نوع من القيادة السامة (Toxic Leadership)، وهو نوع يؤثر سلباً على سلوكيات الموظفين. النتائج أظهرت أن القائد السام، الذي يمارس السيطرة المفرطة، والتوبيخ المستمر، والتفرد بالقرار، أو التصرف بأنانية، يزيد من:

  1. السلوكيات المضادة للإنتاجية (Counterproductive Work Behaviors) مثل الغياب المتكرر، نشر الشائعات، أو إخفاء الأخطاء.
  2. السخرية التنظيمية (Organizational Cynicism) أي شعور الموظف بأن المؤسسة غير صادقة أو غير عادلة.
  3. الإحساس بالظلم (Organizational Injustice) مثل التمييز في الترقيات والمكافآت.

المهم أن هذه المشاعر (السخرية والظلم) كانت بمثابة المحفز لتحول بيئة العمل إلى بيئة سامة، حيث يتحول غضب الموظفين إلى سلوكيات ضارة بالمؤسسة وزملائهم.

في المقابل توصلت دراسة سعودية إلى وجود عدة نماذج للمدراء العرب، وقسمتهم إلى أربعة أقسام، بينت أن أقل القادة العرب نجاحاً، هو القائد الذي يغير أسلوبه باستمرار. هذا الأسلوب أطلقت عليه الدراسة الأسلوب الديناميكي (Dynamic style) الذي يعتمد على التحفيز الكلامي، ولكنه في الوقت ذاته أسلوب انسحابي (Withdrawal style)، حيث يتجنب المدير في هذا النموذج المشاركة والمواجهة.

وهناك بحسب الدراسة، ثلاثة أنواع من المدراء العرب حققوا قدرة على ضبط العمل، وتحقيق نمو في التطور المهني للموظفين، وهم على الترتيب:

المدير الذي يعتمد الأسلوب المسيطر (Controlling style)، وهو القائد الذي يتبع نهج التوجيه المباشر والحازم وقت الأزمات، كان الأكثر ارتباطاً بنمو الموظفين.

  • المدير التشاركي (Egalitarian style)، الذي يشجع مشاركة الموظفين عبر النقاش.
  • المدير الهيكلي (Structuring style)، وهو الذي يبني القواعد والتنظيم.

ورغم هذه الحالات العربية من مواصفات القادة، فإن ما ثبت عالمياً وبعد تحليل لـ 20 دراسة من مختلف أنحاء العالم، بأن القائد الديمقراطي "التشاركي" الذي يحقق العدالة والقائد التحويلي الذي يساهم بتطوير المؤسسة والموظفين، هما الأفضل في رفع الأداء وزيادة رضا الموظفين، بينما القائد المتسلّط يقتل الحافز.

وإذا أردنا أن نقارن ما توصلت إليه الأبحاث العربية مع العالمية عن أفضل مواصفات للمدير الناجح الذي يعالج بيئة العمل السامة، فسنجد أنه المدير الذي لا يتبنى طريقة الأوامر بل المشاركة وبناء نظام هيكلي قائم على الالتزام بالقواعد. وهذا ما توصلت إلي دراسة سعودية، بينت أن أسلوب الأوامر لم يعد مجدياً في الإدارة التي تتطلب مشاركة وإبداع من جميع الموظفين في السعودية. بل بينت الدراسة السعودية بأن رؤية السعودية 2030 والتي تطلبت من الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة الابتكار والنمو السريع، جعلت من الضروري الانتقال من الإدارة بالأوامر إلى الإدارة التي تشرك الموظفين في هذا التحول.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي