ما هو مكان العمل الأمثل لمؤسستك؟

11 دقيقة
هياكل العمل الأربعة
أرتور ديبات/غيتي إميدجيز

ملخص: تحاول الشركات منذ أكثر من عامين خلال جائحة "كوفيد-19" إعادة تنظيم أماكن عملها لتلبية احتياجاتها الاستراتيجية. وغالباً ما يؤجل القادة عملية اتخاذ تلك القرارات، في حين قد يكون اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية أكثر نفعاً. لكن كيف تحدد أسلوب العمل الأفضل لمؤسستك؟ هل هو أسلوب العمل وجهاً لوجه أو العمل الهجين أو العمل عن بُعد؟ وما الذي يناسبها من هياكل العمل الأربعة ؟ ابدأ بطرح سؤالين: ما هي استراتيجيتك للنمو المستقبلي؟ وما هو حجم المؤسسة التي تحتاج إليها الآن؟ اكتب بعد ذلك إجاباتك لتحدد ما إذا كنت بحاجة إلى مساحات عمل مادية (أو افتراضية) لتلبية احتياجات مؤسستك فيما يتعلق بالابتكار والتنفيذ.

 

مع انقضاء عامين على انتشار الجائحة، حان وقت أن يُعيد القادة التفكير في كيفية عمل موظفيهم وأسلوب تعاونهم مع بعضهم البعض وأماكن عملهم. هل يجب على الشركات أن تطلب من الموظفين مواصلة العمل من مكاتبهم أو تركهم يعملون عن بُعد؟ ألم يحن الوقت لتجربة طريقة جديدة للعمل؟ ينطوي الجدل الدائر في وسائل الإعلام الشعبية على فكرة بسيطة، وهي أنه لا توجد إجابة واحدة صحيحة، وذلك لأن المدراء يحتاجون إلى تكييف بيئات عملهم مع احتياجات مؤسساتهم. وقد يكون هذا القرار صعباً بالطبع، إذ وجدت الاستقصاءات التي أُجريت مؤخراً أن الخيارات التي يعتقد الموظفون أنها ملائمة لهم قد تحد من إمكانات الشركة ككل.

وتقترح للمساعدة في تلك العملية إطار عمل يوجه المدراء عند تحديدهم أسلوب العمل الأمثل لزيادة فاعلية مؤسساتهم الموجهة نحو المعرفة. تستند تلك الرؤى الثاقبة إلى أكثر من 12 مشروعاً تجريبياً جمع عيّنات كبيرة ودراسات حالة أجريناها قبل الجائحة وفي أثنائها في مختلف القطاعات. ويشير بحثنا إلى ضرورة أن يراعي المدراء سمتين مؤسسيتين رئيسيتين لتحديد نموذج العمل الأكثر فاعلية لمؤسساتهم: ألا وهما الحجم وتوجه النمو. ونوصي اعتماداً على موقع المؤسسة فيما يتعلق بهذين البعدين بأن يتبنّى المدراء واحداً من هياكل العمل الأربعة المحسنة: مكتب أو مركز عمل مستقل، أو نموذج هجين مع مساحة عمل مرنة، أو بيئة عمل مشتركة، أو بيئة عمل عن بُعد تماماً. لكل هيكل من هياكل العمل الأربعة تلك فوائده عندما يتعلق الأمر باثنين من التنازلات الصعبة: ألا وهما الإبداع التعاوني مقابل الإنتاجية الفردية، والمرونة اللازمة للتغيير والتوسع مقابل التنسيق.

هياكل العمل الأربعة

لسوء الحظ، يتردد عدد كبير جداً من المدراء اليوم في اتخاذ القرارات، وقد يختارون هياكل عمل تعوزها الكفاءة. لكن لم يعد من الممكن اتخاذ قرار يخدم طرفاً واحداً فقط اليوم، بل أصبح اختيار توجه العمل يتطلب إجراء بعض التنازلات. وقد يساعد تنفيذ أحد هياكل العمل الأربعة بحزم في تحسين ما تحتاج إليه المؤسسة على حساب ما يمكن أن تزدهر دونه.

تحديد احتياجات مكتبك

حددنا استناداً إلى بحثنا سؤالين حول وجهة مؤسستك وموقعها اليوم لمساعدتك في تحديد النموذج الأنسب لك من بين تلك النماذج الأربعة. أولاً، ما هي استراتيجيتك للنمو المستقبلي؟ ثانياً، ما هو حجم المؤسسة التي تحتاج إليها اليوم؟

ما هي استراتيجيتك للنمو المستقبلي؟

أولاً، يجب عليك أن تختار بين الابتكار الإبداعي والتنفيذ الفاعل بحسب ما تعتقد أنه الخيار الأمثل لتتمكن من اختيار الهيكل المناسب من هياكل العمل الأربعة وتحقيق أهدافك الاستراتيجية. فإذا كان تعزيز الإبداع أمراً بالغ الأهمية في شركتك، فيجب عليك تصميم مكان عمل يساعدك في دمج المعارف، وذلك من خلال الجمع بين الموظفين وجهاً لوجه. أما إذا كان التنفيذ هدفك الأساسي، فيجب أن تضمن أن يتمتع المساهمون الأفراد بأكبر قدر ممكن من الكفاءة في أعمالهم؛ إذ قد يؤدي العمل إلى جانب الآخرين في الواقع إلى صرف انتباههم عن المهام التي يجب عليهم أداؤها ويقوّض الفاعلية.

ما هو حجم مؤسستك؟

ثانياً، من المهم أن تدرك أنه يجب على الشركات الصغيرة والمؤسسات الكبيرة إعادة التفكير في تصميم مكاتبها بشكل مختلف. فمن ناحية، تتمتع المؤسسات الكبيرة بإمكانية الوصول إلى قاعدة غنية من الخبرات والمواهب في مقراتها الرئيسية، لكنها قد تفشل في التنسيق بين الموظفين على نطاق واسع. من ناحية أخرى، قد تتمتع الشركات الصغيرة بالذكاء والمرونة، لكن قد تكون شبكة المعارف التي تعتمد عليها صغيرة جداً. ومع ذلك، يمكن لمكان العمل المناسب الذي يعزز نقاط القوة ويعالج نقاط الضعف أن يساعد الشركات الصغيرة في التموضع للتحول إلى مؤسسة كبيرة؛ ويمكن للمؤسسة الكبيرة أن تحافظ على مرونتها وأن تضاهي مرونة الشركات الناشئة الأصغر.

ولتحديد هيكل العمل الملائم لشركتك من هياكل العمل الأربعة الرئيسية، وضعت إدارة المشاريع الصغيرة الأميركية تصنيفاً مفيداً لتحديد ما إذا كانت مؤسستك كبيرة أم صغيرة؛ وفي الواقع، إن النطاق الذي تندرج ضمنه المؤسسات الصغيرة واسع جداً، استناداً إلى القطاع الذي تعمل فيه، لكن بالنسبة للعديد من شركات الخدمات أو الشركات التكنولوجية، يمثّل عدد 100 موظف قاعدة عامة عند تأسيسها.  أما بالنسبة للعمل القائم على الاستخدام الكثيف للمعرفة، مثل تطوير تكنولوجيا جديدة، فتشير بحوثنا إلى أن الحد الأقصى قد يكون أقل بكثير: ربما 10 موظفين أو أقل حتى في بعض قطاعات التكنولوجيا الفائقة.

تحديد مكان العمل الأمثل لمؤسستك

يمكنك بعد تقييم مؤسستك استناداً إلى هذين البعدين تصنيف شركتك في أحد هياكل العمل الأربعة : مكتب مستقل، أو مكتب هجين مع مساحة عمل مرنة، أو بيئة عمل مشتركة، أو بيئة عمل عن بُعد بالكامل. وحددنا أدناه فوائد كل هيكل وقدمنا أمثلة عن المؤسسات التي تبنّت كل هيكل على أكمل وجه.

مكتب أو مركز مستقل للمؤسسات الكبيرة الموجهة نحو الإبداع

يُمثّل الموظفون أهم مورد في تلك المؤسسات: فهم منبع المعرفة الذي يقودها إلى تحقيق الإبداع. وبالتالي، يجب على مكان العمل تسهيل ما يشير إليه العلماء بإعادة دمج المعارف بين الموظفين؛ إذ تساعد عملية دمج المعارف الموجودة بطرق جديدة في توليد الابتكار. ويُظهر بحثنا أن إعادة دمج المعارف ينجح عندما تجمع الموظفين معاً وجهاً لوجه. لماذا؟ لأن نقل المعارف يكون أسهل عندما يجري وجهاً لوجه وعندما يكون مدعوماً بإشارات غير لفظية أخرى، لا سيما تلك التي يصعب تدوينها أو توثيقها. وتعتبر التقييمات والتحديثات الفورية ضرورية للمناقشات وجلسات العصف الذهني الفاعلة.

وذلك يعني أن عقد الاجتماعات عبر "زووم" ليس كافياً، فهو لا يساعد في نقل كل المعارف على نحو أمثل عبر كاميرا الويب، كما أن الاجتماعات الافتراضية لا تُعقد بالصدفة غالباً. وبالتالي، يجب عليك جمع الموظفين معاً حتى يتمكنوا من تبادل الأفكار في غرفة الاجتماعات على السبورة البيضاء، وخلق مواقف تمكنهم من التفاعل مع بعضهم البعض في الردهة في أثناء المشي إلى الحمام أو المصعد أو المطبخ (أو عند مبرّد المياه). وتتمتع المؤسسات الأكبر حجماً بفرص أكبر للاستفادة من فرص التصادف تلك: إذ قد يحصل في شركة ما مكونة من 5 موظفين 10 تفاعلات محتملة أمام مبرّد المياه، لكن قد يحصل في شركة تضم 10 موظفين ما يصل إلى 45 تفاعلاً. وبالتالي، يمكنك استغلال ذلك الحجم لخلق فرص إبداعية هائلة.

في الوقت نفسه، قد تواجه مؤسسة كبيرة تحدياً في عمليات التنسيق. إذ يحتاج الموظفون إلى التواصل بانتظام وبسهولة بشأن المهام والمنتجات للتأكد من تقدمهم في الاتجاه الصحيح، وهو ما أكده بحثنا الذي أجريناه بالشراكة مع شركة "جوجل". وبالتالي، يجب عليك جمع الموظفين معاً لتحفيز الابتكار وتحقيق التنسيق الفاعل بين الموظفين بشكل يمكّنهم من بلوغ الأهداف المستقبلية المشتركة، أو حل المعوقات التي تقوض القدرة على تحقيق الأهداف الحالية، كأن يعيق أحد الفريقين أداء الفريق الآخر.

وقد تنجح المؤسسات الكبيرة بالفعل في إعادة دمج المعارف وتحقيق التنسيق الفاعل من خلال جمع الموظفين وجهاً لوجه في مكتب أو مركز عمل مستقل. تأمّل مثال شركة "آبل" حيث يوجد كثير من الأسباب التي تبرر سبب نجاح "آبل"، لكن من الواضح أن الشركة تراعي بشدة ضرورة جمع موظفيها وجهاً لوجه. وقد توجّه ستيف جوبز قبل أشهر قليلة من وفاته إلى مجلس مدينة كوبرتينو وعرض رؤيته لمنزل المستقبل المصمم بشكل دائري والمصنوع من الزجاج الذي من شأنه أن يعزز الإبداع والتعاون. حيث اعتقد جوبز أننا نفقد لحظات التصادف التي تقود إلى الابتكار عندما نصمم مبانٍ لا تشجع على التعاون.

ولخلق تلك التفاعلات الاجتماعية، يجب على المدراء الاهتمام بكيفية تصميم مكاتبهم، فخلق مساحات تتيح للمجموعات التجمع أو تمكّن الأفراد من الالتقاء ببعضهم البعض صدفة يعزز التنسيق وإعادة دمج المعارف. وتم افتتاح حديقة "آبل بارك" (Apple Park) في عام 2017، وهي توفر اليوم فرصاً كبيرة للموظفين للالتقاء ببعضهم البعض، سواء في صالة الألعاب الرياضية التي تبلغ مساحتها 100,000 قدم مربع، أو في الحدائق، أو في أحد المقاهي السبعة، أو في الطريق إلى الحمام. ويتيح جمع العديد من موظفي "آبل" في منشأة واحدة تعزيز العلاقات بين الفرق ومشاركة الأفكار مع زملاء العمل من مختلف التخصصات وتقوية فرص التعاون. كما يسهّل تقسيم المبنى إلى وحدات عمل، المعروفة باسم كبسولات، العمل الجماعي والأنشطة الاجتماعية. حيث يبني كل شخص يعمل في تلك الكبسولات، من الرئيس التنفيذي إلى المتدربين الصيفيين، روابط عمل قوية ويكون قادراً على اكتشاف فرص التوجيه.

مكتب هجين مع مساحة عمل مرنة للمؤسسات الكبيرة الموجهة نحو تنفيذ المشاريع

لا يزال الموظفون يمثّلون أهم الموارد، لكنهم بحاجة إلى نوع مختلف من "المساحة" للعمل بكفاءة. ويجب عليك بالتالي منحهم المرونة ليكونوا أكثر إنتاجية. وكما أشارت ليزلي بيرلو، الباحثة الشهيرة في مجال السلوك المؤسسي في كلية هارفارد للأعمال، في بحثها حول "المجاعة الزمنية"، قد يكون للانقطاعات المستمرة في العمل عواقب وخيمة على الإنتاجية، وهو ما يخلق إحساساً (وواقعاً) بوجود كثير من الأعمال وقليل من الوقت. لذلك من الضروري تخصيص وقت عمل مستقل لموظفيك لتنفيذ أعمالهم. ولا يُعتبر المكتب أفضل مكان لتنفيذ تلك المهام دائماً؛ بل قد يكون أفضل مكان للعمل هو البيئة التي يعتقد كل موظف أنها الأنسب له، والتي قد تكون منزله أو مقهى ما أو حتى في جزيرة استوائية. لذلك، قد يكون من المفيد منح الموظفين فرصة العمل عن بُعد لبعض الوقت على الأقل. وينطوي هذا الهيكل على إيجابيتين إضافيتين، حيث يمكنك توفير تكاليف العقارات ويمكن لموظفيك توفير وقت التنقل، وهو ما قد يُعزز إنتاجية الموظفين بحسب البحوث.

لكننا نعتقد أيضاً أن العمل الكامل عن بُعد ينطوي على مشكلات خطيرة. أولاً، لا يمكن لهيكل العمل عن بُعد تسهيل مستوى التنسيق الضروري لحث الموظفين على تحقيق أهداف الشركة اليوم، كاجتماعات الفريق التي تُعقد بهدف تقسيم المشاريع، ولقاءات المدير التي تهدف إلى تحفيز التقدم الفردي وتتبعه، وما إلى ذلك. وعلى الرغم من أن الاجتماعات الافتراضية تستضيف تفاعلات مخطط لها من حين لآخر، لا يزال يوجد احتكاك كبير في التفاعلات وبعض الإرهاق البدني البسيط. في الواقع، كتبنا في أثناء الجائحة دراسة حالة حول عمليات التواصل عبر منصة "زووم"، العلامة التجارية الرائدة لعقد الاجتماعات عبر الفيديو. ونؤكد لكم أن شركة "زووم" تدرك جيداً مدى الإجهاد الذي يعتري الموظفين من الاجتماعات الافتراضية، وهي مشكلة لم تتمكن التكنولوجيا المتاحة اليوم من حلها بعد.

إذا كنت ترغب في السماح لموظفيك بالعمل عن بُعد بشكل مستقل، لكنك لا تزال بحاجة إلى تحقيق التنسيق بينهم، فكيف يمكنك سد تلك الاحتياجات؟ ينطوي الحل على إلقاء نظرة فاحصة على الوقت الذي يقضيه موظفوك معاً وجهاً لوجه. أي بدلاً من تكديس وقتهم بالاجتماعات في غرفة الاجتماعات، يجب أن ينطوي هدفك على تعزيز التنسيق من خلال بناء الثقافة.

إذ يمكن لمؤسستك أن تطوّر أساس عمل ومعايير وقيماً مشتركة وبناء ثقافة حتى من خلال منح الموظفين الوقت والفرصة للتواصل وجهاً لوجه. ولذلك النهج قيمة طويلة الأجل ويساعد في ضمان الاتساق في القرارات اللامركزية التي يتخذها موظفوك عندما يعملون عن بُعد وبشكل مستقل. كما أنه يقلل من الحاجة إلى التنسيق المستمر مع زملاء العمل والمدراء.

ويمكن للمؤسسات الكبيرة أن تُوفر المرونة لموظفيها وتحقق التنسيق الثقافي من خلال توفير بيئة عمل هجينة مع مساحة عمل مرنة. ومن المؤسسات التي كانت في طليعة تبني هذا النموذج هي شركة "غيت هاب" (Github)، المزودة الرائدة لأدوات تطوير البرمجيات. لم تطلب شركة "غيت هاب" من موظفيها الحضور إلى المكاتب، حتى قبل الجائحة، بل شجعت موظفيها على العمل أينما أرادوا في العالم، كما أنها قللت عقد الاجتماعات الرسمية إلى أدنى حد. وعلى الرغم من هذا النموذج غير التقليدي، احتفظت شركة "غيت هاب" دائماً بمكتب في سان فرانسيسكو، حيث يقيم معظم أعضاء فريق القيادة. يمثّل المقر الرئيس مساحة تجمع للفرق في جميع أنحاء الشركة لاستضافة قمم الفريق وجهاً لوجه، ومركز تجمع لأعضاء مجتمع "غيت هاب" لاستضافة الأحداث أو ورش العمل، ومركزاً ثقافياً يُتيح لأعضاء "غيت هاب" التفاعل فيه. ويمكن للموظفين خارج سان فرانسيسكو التجمع في شبكة من المكاتب الرسمية الأصغر ومساحات العمل المشتركة في جميع أنحاء العالم.

بيئة العمل المشتركة للشركات الناشئة الصغيرة الموجهة نحو الإبداع

يقتصر التحدي الرئيسي للشركات الصغيرة على امتلاكها مجموعة محدودة من المعارف المحفوظة في أذهان موظفيها عند الحاجة إليها؛ وتُعتبر مجموعات المعارف تلك مهمة للابتكار عند إعادة تنظيمها ودمجها. لكن لا يقتصر تحقيق الابتكار على مجرد تفاعل موظفيك مع بعضهم البعض. بل تحتاج الشركات الناشئة الموجهة نحو الإبداع إلى التأكد من أن يسهّل مكان عملها نشر المعارف من الشركات الأقران وإليها. وليس من الضروري أن تكون الشركات الأقران بعيدة جداً، بل قد تكون آخر الردهة أو عند الباب المجاور (وقد لا تزيد المسافة بين تلك الشركات من الناحية المثالية عن 20 متراً).

ويمكنك من خلال افتتاح مكتبك بالقرب من الشركات الأخرى (وحتى المنافسين)، في نفس المدينة أو الحي أو المبنى أو الطابق أو حتى في نفس الغرفة، الاستفادة من الآثار غير المباشرة للمعرفة. علاوة على ذلك، وجدنا أن الإبداع يتولد من قربنا من مؤسسات أخرى مختلفة تماماً، ليس فقط فيما يتعلق بالمهارات التقنية والأسواق المستهدفة، وإنما في التركيبة السكانية أيضاً. وقد يتيح ذلك للموظفين من مختلف الشركات التواصل وجهاً لوجه وبناء الثقة وتبادل المعارف ذات المنفعة المتبادلة بشكل مريح بمرور الوقت حتى تتمكن كلتا المؤسستين من الازدهار.

ومجدداً، يحتاج المدراء إلى تصميم مناسب للمكاتب لتعزيز التفاعل الاجتماعي بحيث يمكن للأفراد تبادل المعلومات. وعلى الرغم من أن بحثنا يشير إلى أن المسافات القصيرة بين الشركات جداً تنطوي على فاعلية كبيرة، قد يجعل إنشاء مساحات مشتركة، مثل المطابخ الصغيرة الموظفين أقرب من الناحية الوظيفية، حتى لو كانوا يجلسون في مكاتب بعيدة. تذكّر: لا يزال موظفوك بحاجة إلى مساحة خاصة للعمل بكفاءة، لذلك، قد يُسفر تصميم مكتب مفتوح بالكامل عن نتائج عكسية.

ومع نمو شركتك، قد تحتاج أيضاً إلى التكيف. ونقترح تصميم مكان عملك بنطاق قابل لإعادة التصميم بالكامل، أي يجب أن تكون قادراً على تغيير مواقع موظفيك بحيث يجلس الأشخاص المناسبون معاً للتنسيق بشأن ابتكار لم يكن ليخطر على بالك عندما اخترت مكان عملك. وقد تكون إعادة توزيع مهام العمل مفيدة لتحفيز التفاعل بين الأفراد الذين من غير المرجح أن يتفاعلوا مع بعضهم البعض. وقد يمثّل الموقع المادي أداة لتمكين تبادل المعلومات غير المخطط لها.

ويتمثل أحد الحلول في تبنّي هيكل بيئة العمل المشتركة، وتشتهر شركات مثل "وي وورك" (WeWork) و"سوشال إمباكت هب" (Social Impact Hub) بتبني هذا النهج. ومن الأمثلة على ذلك، "أتلانتا تيك فيليدج" (Atlanta Tech Village)، وهي مساحة عمل مشتركة استفادت العديد من الشركات الناشئة فيها من مزايا العمل المشترك، على الرغم من تحولها اليوم إلى شركات بارزة أحادية القرن (يونيكورن). على سبيل المثال، انتقلت منصة مشاركة المبيعات "سيلز لوفت" إلى مساحة العمل المشتركة "أتلانتا تيك فيليدج" بصفتها أحد أعضائها الأوائل. وبعد فترة وجيزة، استأجرت منصة التسويق "تيرمينس" أيضاً مساحة في مركز العمل المشترك ذلك. ونجحت شركتا "تيرمينس" و"سيلز لوفت" والعديد من الشركات الأخرى في المساحة من التعلم من بعضها البعض لقربهما المادي من الشركات الناشئة الأخرى التي تتعامل مع مشكلات مماثلة؛ على سبيل المثال، حول تقنيات الويب المفيدة لدعم عملياتها عبر الإنترنت. كما أسفر عملها مع بعضها البعض عن دمج التكنولوجيا التي تُنتجها الشركات المجاورة، على سبيل المثال، تواصل شركة "سيلز لوفت" استخدام منتجات شركة "تيرمينس" اليوم.

بيئة العمل عن بُعد: للشركات الناشئة الصغيرة الموجهة نحو تنفيذ المشروعات

وهو النموذج الأخير من هياكل العمل الأربعة إذ تحتاج بعض الشركات الناشئة الصغيرة إلى التنفيذ فقط: أي أنك تعرف ما يجب على الموظفين أداؤه ويعرفون بدورهم ما يجب عليهم أداؤه. ويجب أن تتأكد في مؤسسات مثل تلك من تمكين موظفيك من العمل بكفاءة مستقلة.

في الوقت نفسه، يجب عليك تحقيق النمو بسرعة، وقد ترغب في التأكد من امتلاكك نطاقاً قابلاً للتوسع بالكامل لتنمية قوة عملك دون أن تكون مقيداً بأربعة جدران للمكتب، وهو ما يشبه قابلية التوسع التي يوفرها استخدام خدمات الحوسبة السحابية بدلاً من الخوادم المحلية.

ونحن لا نحث على العمل عن بُعد إذا لم تكن فوائده واضحة تماماً، إذ يبيّن بحثنا وجود جوانب سلبية خطيرة. لكن ثمة وقت و"حاجة" إلى تبنّيه، لا سيّما إذا كنت تقود شركة صغيرة موجهة نحو تنفيذ المشروعات. تأمّل شركة "توبتال" (Toptal)، الشركة التي توفر منصة مستقلة تربط مطوري البرمجيات من جميع أنحاء العالم بشركات للعمل عن بُعد. يعمل كل من فريق الشركة الداخلي وشبكتها من مطوري العقود عن بُعد، وتوسعت الشركة اليوم إلى أكثر من 93 دولة مختلفة. حيث تقوم الشركة بتوفيق مطوري البرمجيات مع شركة واحدة أو أكثر في الوقت نفسه حيث يمكنهم العمل على مشاريع ذات أهداف يمكن تحديدها وتقييمها بوضوح من قِبل العميل. ويتيح وجود أهداف واضحة إنجاز الأعمال بشكل فردي مع حاجة أقل إلى التنسيق.

لاحظ أنه قد توجد حدود لنموذج العمل عن بُعد. بدأت مؤسسة أخرى، وهي شركة "تري هاوس" للتعليم عبر الإنترنت، رحلتها كشركة عاملة عن بُعد تماماً. كان ذلك النموذج هو الأنسب لها في البداية، لكن بمجرد وصولها إلى حوالي 40 موظفاً، أدرك مدراء "تري هاوس" أن التنسيق أصبح أكثر صعوبة مع النمو. واستجابة لذلك، ومن أجل الحفاظ على استقلالية الموظفين قدر الإمكان، قررت الشركة فتح مكاتب في مدينتي أورلاندو وبورتلاند الأميركيتين والتحول إلى أسلوب العمل الهجين القائم على استخدام أسلوب مساحة العمل المرنة الموصوف أعلاه. ويمكن اليوم للمعلمين والمناصب الأخرى التي تتطلب التنسيق التعاون مع بعضهم البعض من خلال تلك المكاتب، بينما يمكن للمصممين والعاملين في المناصب الأخرى الذين يمكنهم العمل بشكل مستقل اختيار أسلوب العمل عن بُعد.

*

لن تَطرُق فرصة إعادة تصور أماكن العمل أبوابنا كثيراً. ويدَع العديد من المدراء اليوم تلك الفرصة تفلت من أيديهم، سامحين لمؤسساتهم حرية مواصلة أساليب عملها المعهودة قبل الجائحة. والأسوأ من ذلك هو تخبّط بعض المؤسسات وتبنيها أسلوب عمل غامض يمزج بين الماضي والمستقبل ويجعلها عاجزة عن العثور على حل وسط للتنازلات التي تفرضها هياكل العمل الأربعة المختلفة. وبالتالي، حان الوقت لتصميم مؤسستك وإعدادها للمستقبل بناءً على حجمها وأهداف النمو فيها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي