إذا كنت تشغل منصب القائد في مؤسستك، فأنت ترغب في أن يثق الموظفون بك، ويعود ذلك لسبب وجيه. فخلال تدريبنا للقادة، غالباً ما نرى أن تلك الثقة تُعتبر كمؤشر أساسي على ما إذا كان الآخرون يقيّمون أولئك القادة إيجاباً أو سلباً. لكن خلق تلك الثقة، أو ربما الأهم من ذلك؛ إعادة ترسيخها عندما تشعر بأنك فقدتها ليس دائماً بالأمر السهل.
لحسن الحظ، فمن خلال النظر إلى بيانات تقييمات الأداء الشامل "360 درجة" لمجموعة من القادة الذين بلغ عددهم 87,000 قائد، تمكنا من تحديد مجموعة من ثلاثة عناصر أساسية والتي غالباً ما تُعتبر أساساً للثقة. لقد بحثنا عن ارتباطات بين تقييم الثقة وجميع البنود الأخرى في التقييم، وبعد اختيار أعلى 15 ارتباطاً، أجرينا التحليل العاملي الذي أظهر هذه العناصر الثلاثة. وأظهر تحليل إضافي أن غالبية التباين في تقييمات الثقة يمكن تفسيره بهذه العناصر الثلاثة.
العناصر الثلاثة للثقة
من خلال فهم السلوكيات التي ترتكز عليها الثقة، يصبح القادة أكثر قدرة على ترقية مستوى الثقة التي يشعر الآخرون بها تجاههم. وإليك فيما يلي العناصر الثلاثة للثقة:
العلاقات الإيجابية. تعتمد الثقة في جزء منها على مدى قدرة القائد على خلق علاقات إيجابية مع الأشخاص والمجموعات الأخرى. ولغرس تلك الثقة، يتعين على القائد اتباع التالي:
- البقاء على اتصال مع الآخرين فيما يتعلق بقضاياهم ومخاوفهم.
- موازنة النتائج مع مراعاة الآخرين.
- خلق روح التعاون فيما بين الآخرين.
- إيجاد حلول للصراعات مع الآخرين.
- تقديم ملاحظات صريحة بطريقة مجدية.
الحكم الصائب والخبرة. هناك عامل آخر يؤخذ بعين الاعتبار فيما يتعلق بثقة الموظفين بالقائد وهو درجة اطلاع القائد ومعرفته. إذ يتعين على القادة فهم الجوانب الفنية للعمل والتمتع بخبرة واسعة، ويعني هذا:
- مراعاة الحكم الصائب عند اتخاذ القرارات.
- ثقة الآخرين بأفكار القائد وآرائه.
- سعي الآخرين للأخذ بآراء القائد.
- أهمية مساهمة القائد من خلال معرفته وخبرته في تحقيق النتائج.
- إمكانية القائد من توقع المشكلات والاستجابة لها بسرعة.
تطابق القول مع الفعل. العنصر الأخير للثقة هو مدى تطابق أقوال القادة مع أفعالهم، أي ما إذا كانوا ينجزون ما وعدوا به. يُقيّم الموظفون القائد بدرجة مرتفعة من الثقة إذا كان:
- قدوة يُحتذى به ونموذجاً جيداً.
- تنسجم أقواله مع أفعاله.
- يحترم التزاماته ويفي بوعوده.
- يتابع تلك الالتزامات.
- يُظهر استعداداً لإنجاز الأمور التي تتجاوز واجباته.
وأردنا فهم كيف تتفاعل هذه العناصر الثلاثة لخلق إمكانية أن يثق الموظفون في قادتهم، وأوجدنا لذلك الغرض ثلاثة مؤشرات لكل عنصر، وطالما أننا امتلكنا مجموعة كبيرة من البيانات، فقد اختبرنا كيف أثر الأداء في جميع تلك الأبعاد على درجة الثقة الإجمالية. ووجدنا في دراستنا أنه إذا حقق القائد نسبة تساوي أو تزيد عن 60% في جميع العوامل الثلاثة، فإن درجة الثقة الإجمالية وصلت إلى نسبة 80%.
قارنا الدرجات المرتفعة (أعلى من 60%) والدرجات المنخفضة (أقل من 40%) لدراسة تأثير هذه النسب على العناصر الثلاثة التي مكّنت الثقة. وجدير بالذكر أن هذه المستويات ليست مرتفعة أو منخفضة للغاية، فهي أساساً أعلى أو أدنى من المعيار بـ 10 نقاط مئوية. يُعتبر هذا الأمر مهماً لأنه يعني التالي: بمجرد حصول القائد على درجة أعلى من المتوسط في هذه المهارات؛ فقد يكون لذلك تأثيراً إيجابياً عميقاً، وفي المقابل، فإن مجرد حصوله على درجة أقل من المتوسط؛ يمكن لذلك أن يدمر الثقة.
وكما تبيّن فإن مستوى الثقة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطريقة التي يقيّم الموظفون بها فاعلية القيادة الشاملة الخاصة بالقائد. ولذلك المستوى أكبر الأثر على تقييمات المرؤوسين المباشرين والأقران الإجمالية. لم تكن لتقييمات المدراء وتقييمات المشاركة ذلك الارتباط الوثيق، ولكن جميع الفروق هي ذات دلالة إحصائية.
هل تحتاج لأن تتمتع بمهارات جميع العناصر الثلاثة للثقة؟
دفعنا الفضول أيضاً لمعرفة ما إذا كان القادة بحاجة لأن يكتسبوا مهارات جميع العناصر الثلاثة تلك من أجل تحقيق مستوى عالٍ من الثقة، وما إذا كان أي عنصر منفرد يحمل بين طياته الأثر الأعظم على تقييم الثقة. لقياس ذلك، أنشأنا تجربة، حيث فصلنا القادة إلى مستويات مرتفعة وأخرى منخفضة فيما يتعلق بكل من تلك الركائز الثلاث ومن ثم عملنا على قياس مستوى الثقة.
جعلنا حدسنا نعتقد أن عنصر تطابق القول مع الفعل سيكون الأكثر أهمية، إذ إن قول أمر ما وفعل أمر آخر قد يبدو أنه أكثر ما يؤذي الثقة. وبينما أظهر تحليلنا أن تضارب القول والفعل له تأثير سلبي (فقد انخفضت الثقة بمقدار 17 نقطة)، كان عنصر العلاقات هو الذي يحمل الأثر الأكبر. فعندما كان مستوى العلاقات منخفضاً وكان عنصرا الحكم الصائب وتطابق القول مع الفعل مرتفعين، انخفضت الثقة بدرجة 33 نقطة. قد يرجع سبب ذلك إلى أن العديد من القادة يُنظر إليهم على أنهم متناقضون بين الحين والآخر. إذ إن الجميع يعتزم فعل أمور معينة ثم لا يتم إنجازها، ولكن بمجرد تضرر العلاقة أو إذا لم يتم تشكيلها أصلاً، فإنه يصعب على الناس منح الثقة.
كثيراً ما نقول للقادة إنهم ليسوا بحاجة إلى السعي نحو الكمال ليكونوا قادة رائعين، ولكن عندما يتعلق الأمر بالثقة، فينبغي أن تكون جميع هذه العناصر الثلاثة أعلى من المتوسط. تذكّر أنه قد حددنا في تحليلنا معياراً منخفضاً نسبياً، أي عند النسبة المئوية 60، وهذا لا يُعتبر مستوى رائعاً للأداء؛ بالكاد فوق المتوسط.
تبيّن في بحثنا بصورة منتظمة أنه إذا كان لدى القائد أفضلية فيما يتعلق بمهارة معينة، فمن المحتمل أن يكون أداء ذلك القائد أفضل فيها. تأمل في عناصر الثقة هذه، وأي منها تفضلها أكثر، وأي منها ذات أفضلية أقل بالنسبة إليك. ونظراً لأنك بحاجة لأن تكون فوق درجة المتوسط في جميع تلك العناصر، لربما يستحق الأمر منك تكريس الوقت له للتركيز على تطوير تلك الأخيرة.