ما هي أسرار نجاح المدير الخارق؟

12 دقيقة

ما هو القاسم المشترك بين كلٍّ من رالف لورين (Ralph Lauren)، ولاري إليسون، وجوليان روبرتسون (Julian Robertson)، وجاي تشيات (Jay Chiat)، وبيل وولش (Bill Walsh)، وجورج لوكاس (George Lucas)، وبوب نويس (Bob Noyce)، ولورن مايكلز (Lorne Michaels) وماري كاي آش (Mary Kay Ash)؟

المؤكّد هو أنّ جميع هذه الشخصيات تشتهر بموهبتها ونجاحها، حيث أنّ كل واحد منها يُعتبرُ أسطورة في مجال عمله. كما أنّهم ج ميعاً يشتهرون بكونهم أشخاصاً مُبتكرين كان لهم قصب السبق في طرح نماذج تجارية جديدة، أو منتجات أو خدمات جديدة درّت عليهم مليارات الدولارات. لكن هناك شيئاً واحداً يُميّز هذه الأيقونات في عالم المال عن أقرانهم الذين يوازونهم شهرة أيضاً، ألا وهم قدرتهم الفذّة على رعاية المواهب وتنميتها. فهم لم يبنوا مؤسسات كبيرة فحسب؛ بل كانوا قادرين أيضاً على تمييز الجيل المستقبلي من الأشخاص القياديين، وتدريبه وتطوير مهاراته. وهم ببساطة ينتمون إلى فئة تتجاوز النجوم الكبار، لأنّهم في مصاف المدراء الخارقين.

لقد بدأت بإجراء أبحاثي على هذه المجموعة من المدراء قبل أكثر من عقد من الزمن، عندما لاحظت وجود نمط مثير للفضول: فإذا نظرت إلى من يحتلّون المراتب العليا في أيّ قطاع من القطاعات، فإنّك ستجد غالباً بأنّ نصفهم تقريباً قد سبق له العمل ذات يوم لدى القائد المشهور ذاته. ففي عالم المحترفين في كرة القدم الأمريكية، نجد بأنّ 20 مدرّباً أساسياً من أصل 32 مدرّباً في دوري كرة القدم الأمريكية كانوا قد تدرّبوا على يدي بيل وولش (Bill Walsh) من نادي سان فرانسيسكو فورتي ناينرز (San Francisco 49ers)، أو على يديّ شخص كان قد تدرّب عنده. أمّا في عالم صناديق التحوّط، فإنّ العشرات من تلامذة جوليان روبرتسون، مؤسس الشركة الاستثمارية تايغر مانجمانت (Tiger Management) قد أصبحوا هم أنفسهم مدراء صناديق تحوّط. وخلال الفترة الواقعة بين العامين 1994 و2004، انتقل 9 من 11 مديراً تنفيذياً ممّن عملوا عن كثب مع لاري إليسون في شركة أوراكل (Oracle)، وغادروا الشركة دون أن يتقاعدوا، ليصبحوا رؤساء تنفيذيين أو رؤساء مجلس إدارة، أو مسؤولي عمليات في شركات أخرى.

وبما أنّني كنتُ توّاقة إلى اكتشاف أسرار صانعي النجوم هؤلاء، فقد راجعت آلاف المقالات والكتب، وأجريت أكثر من مئتي مقابلة لتحديد 18 شخصاً أساسياً (من المدراء الخارقين المؤكّدين)، وبضع عشرات من الأشخاص الثانويين (من المدراء الخارقين المُحتملين) لأجري دراسة عليهم. بعد ذلك، بدأت أبحث عن وجود أنماط تميّزهم، كالأذواق والميول والسلوكيات المشتركة. كنت أبحث عن أيّ شيء يمكن أن يساعد في تفسير السبب الذي لا يجعل هؤلاء الناس قادرين على نقل شركاتهم إلى المراتب العليا فحسب، وإنّما يجعلهم قادرين أيضاً على نقل تلامذتهم معهم إلى تلك المراتب العليا.

لقد توصّلتُ في نهاية المطاف إلى أنّ المدراء الخارقين يتشاركون بعدد من الصفات الشخصية الرئيسة. فهم عادة أشخاص واثقون من أنفسهم للغاية، ويحبّون المنافسة كثيراً، ويمتلكون خيالاً خصباً. كما أنّهم يتصرّفون بنزاهة، ولا يخشون من إظهار سجيتهم الحقيقية أمام الناس.

لكنّ الأمر الذي يلفت الانتباه أكثر (والأهم أيضاً بالنسبة للأغراض التعليمية) هو حجم التشابهات التي رأيتها في الاستراتيجيات التي تبنّاها هؤلاء المدراء الخارقون في التعامل مع الموظفين. لكنّ نجاحهم اللافت في تطوير الأشخاص الموهوبين لم يكن ناجماً عن شيء من العبقرية الفطرية الموجودة لديهم، وإنّما كان هؤلاء القادة يتّبعون ممارسات محدّدة في توظيف الأشخاص الموهوبين، وفي صقل مواهبهم، وهي ممارسات يمكن لنا جميعاً أن ندرسها، وأن نضيفها إلى ذخيرتنا.

اتّباع أسلوب غير تقليدي في توظيف الناس

يبدأ هؤلاء المدراء الخارقون بالبحث عن الأشخاص الذين يمتلكون موهبة غير عادية، أي الأفراد غير القادرين على مجرّد قيادة الشركة إلى الأمام فحسب، وإنما القادرين أيضاً على إعادة صياغة تعريف مفهوم النجاح بحدّ ذاته. وكما قال لورن مايكلز، منتج البرنامج الكوميدي الأمريكي "ساترداي نايت لايف" (Saturday Night Live) لفترة طويلة من الزمن: "إذا نظرت حولك في الغرفة وقلت: "يا إلهي كم هم مذهلون هؤلاء الناس" فإنّك عندئذ تكون في الغرفة الصحيحة على الأغلب." وإليكم الطريقة التي يتّبعها هو وغيره في فعل ذلك.

ركّز على الذكاء، والإبداع، والمرونة

يولي المدراء الخارقون أهمية كبيرة لهذا الخصال الثلاث، ويرون بأنّها أهمّ من أي خصال أخرى. يتذكّر كلّ من سي. رونالد بلانكينشيب (C. Ronald Blankenship) و ر. سكوت سيلرز (R. Scot Sellers) – وكلاهما كانا قد تتلمذا على يدي المعلّم الكبير في عالم العقارات بيل ساندرز (Bill Sanders) قبل أن يصبحا هما الاثنان رئيسين تنفيذيين لشركات عقارية رائدة – كيف كان ساندرز يتبجّح بأنّه كان دائماً يستعين بعدد كبير من الناس الذين كانوا يفوقونه ذكاءً بأربعة أضعاف. وكان يصرّ على أنّك إذا لم تكن ستوظّف شخصاً خارقاً، فلا داعي لتوظيف أيّ كان أصلاً.

يفضّل المدراء الخارقون الاستعانة بالناس الذين يستطيعون مواجهة المشاكل من زوايا جديدة، والتعامل مع المفاجآت، والتعلّم بسرعة، والتميّز في أيّ منصب كان. ومن الأمثلة الجيّدة على ذلك نورمان برينكر (Norman Brinker) الذي ابتكر أسلوباً جديداً في عمل المطاعم وأسّس مطعم ستيك آند آيل (Steak and Ale). وكما يذكرُ ريك بيرمان (Rick Berman)، الذي عمل لديه قبل تأسيس شركة ناجحة في مجال العلاقات العامّة، فإن برينكر "لم يكن مهتمّاً بتوظيف الناس الذين يبرعون في إنجاز المهام الأولية فقط، وإنما كان يريد توظيف شخص يجيد التعاون مع الآخرين في إنجاز كلّ المهام بروح الفريق". وقد ساعده هذا التركيز على موضوع قابلية التكيّف في تقديم الدعم إلى جيل من كبار القادة في مجال المطاعم ممّا أسهم في ارتقائهم وبروزهم، بمن في ذلك الرؤساء التنفيذيون لكل من مطاعم آوت باك ستيك هاوس (Outback Steakhouse)، وبي إف تشانغز (P.F. Chang’s)، وبرجر كنغ (Burger King).

فتّش عن الرابحين غير المُحتملين

يهتمّ المدراء الخارقون بطبيعة الحال بالمؤهلات الموجودة لدى الشخص، لكنّهم مستعدّون أيضاً للمجازفة بتوظيف أناس يفتقرون إلى الخبرة في مجال العمل المعني، أو لا يحملون شهادات جامعية حتّى. فوفقاً لمارتي ستاف (Marty Staff)، الذي عمل مع لارف لورين قبل أن يصبح الرئيس التنفيذي لشركة هوغو بوس الأميركية (Hugo Boss USA)، فإنّ لورين عيّن ذات مرّة عارضة أزياء متخصّصة باستعراض الملابس على المسرح كرئيسة لقسم تصميم الملابس النسائية "لسبب وحيد فقط، ألا وهو أنّها كانت تفهم المطلوب. لقد كانت تفهم في الملابس النسائية". وفي شركة الرعاية الصحية العملاقة آتش سي أيه (HCA) كان تومي فرست في بعض الأحيان يعيّن المعالجين الفيزيائيين حتّى في مناصب عليا في الإدارة التنفيذية، لأنه كان ببساطة يستشعر بأنّ لديهم شيئاً ليقدّموه.

وبما أنّ المدراء الخارقين يرفضون المفاهيم والتصوّرات المسبقة التي تحدّد من هو الموهوب ومن هو غير الموهوب، فإنّهم غالباً ما يُبدون قدراً أكبر من الانفتاح تجاه النساء والأقليات. حيث نجد أن ماري كاي آش، قد صمّمت شركتها فعلياً لخدمة هدف صريح ألا وهو تمكين النساء وتقويتهم، حيث كانت تعقد مؤتمرات متخصّصة بالمبيعات تهدف إلى نشر الرسالة التالية: "إذا كانت هي قادرة على أداء هذه المهمّة، فإنّني أنا أيضاً قادرة على أدائها". وقد أطلق وولش برنامجاً ضمن دوري كرة القدم الأمريكية للمحترفين يستهدف المدرّبين من أبناء الأقلّيات، وهو برنامج يسرّع دخول هؤلاء المدرّبين إلى الدوري، كما أنّه يمنح وولش الفرصة لكي يتعرّف على مجموعة واسعة من الأشخاص الموهوبين الجدد.

غالباً ما يتجاوز المدراء الخارقون أيضاً المقابلة التقليدية التي تجري مع المرشحين لشغل الوظائف. ويستعيضون عنها بطرح اسئلة غير معتادة أو غير مألوفة، أو يلجؤون إلى مراقبة هؤلاء الأشخاص. فعندما كان رالف لورين يجتمع مع هؤلاء المرشّحين، على سبيل المثال، كان يطلب منهم أن يشرحوا له ما هي الملابس التي كانوا يرتدونها في المقابلة ولماذا. أمّا ساندرز فكان يدعو الأشخاص المحتملين لشغل الوظيفة إلى الصعود معه إلى قمّة جبل يرتفع 7000 آلاف قدم في مزرعته الواقعة في نيو مكسيكو بحضور مدراء آخرين. يستذكر كونستانس مور (Constance Moore) الذي عمل لدى ساندرز في شركة سيكيوريتي كابيتال (Security Capital) قبل أن يصبح الرئيس التنفيذي لشركة بي آر إي بروبيرتيز (BRE Properties) تلك الرحلات قائلاً: "لقد حصلنا على الكثير من المعلومات التي تخصّ هؤلاء الشباب خلال رحلات تسلق الجبال تلك" ويضيف قائلاً: "بعد ذلك كنّا نجلس جميعاً ونتحدّث عن كلّ واحد منهم لنحدّد من منهم سندعوه للانضمام إلينا".

كيّف الوظيفة أو المؤسسة وعدّلها لتتناسب مع الشخص الموهوب

غالباً ما يلجأ المدراء الخارقون وبطريقة انتهازية إلى إدخال تعديلات على الوظائف بل وأحيانا تعديل المؤسسات نفسها لتتناسب مع الموظفين المعيّنين حديثاً. فعندما كان وولش مساعد مدرّب في فريق سينسيناتي بينغالز (Cincinnati Bengals)، اضطر مرّة إلى اختراع مركز هجوم جديد في الفريق ليمكّن أحد لاعبي الدفاع الاحتياطيين من التميّز بعد أن أثرت الإصابة على أداء أحد أهم لاعبي الفريق. وبما أنّ اللاعب الثاني المساعد كان يتمتّع بالدقة أكثر من تمتّعه بقوّة الذراعين، فقد صمّم وولش استراتيجية غير اعتيادية تتمحور حول التمريرات القصيرة – وهي استراتيجية باتت تعرف لاحقاً باسم "الطريقة الهجومية في الساحل الغربي" (West Coast offense) (عندما كان وولش مع فريق الفورتي ناينزرز). لورن مايكلز، فإنّه يترك المجال لأعضاء فريقه لكي يضعوا أفكارهم وقدراتهم في خدمة برنامج "ساتردي نايت لايف"، وتقديم الابتكارات على الدوام. فكتّاب البرنامج في بعض الأحيان يتولّون دور المؤدّين، في حين يقوم المؤدّون أو مساعدو المخرج بأداء دور الكتّاب في أحيان أخرى. وفي شركة إنداستريال لايت آند ماجيك (Industrial Light & Magic)، لم يكن لدى موظفي جورج لوكاس أي توصيفات وظيفية حتّى. فقد كانت تُوكلُ إليهم مشاريع متنوّعة بحسب الحاجة وبحسب من هو موجود منهم. وكلّ هذه الأمثلة تُعتبرُ مخالفة للممارسات التقليدية في مجال الموارد البشرية، لكنّها تعكس العقليات المُبتكرة لهؤلاء المدراء الخارقين والتي يستعملونها في كلّ ما يفعلونه تقريباً.

تقبّل الخضّات والهزّات التي قد تحصل

تتميّز المسارات المهنيّة للأشخاص الأذكياء والمبدعين والمرنين عادة بأنّها تشهد تغيّرات سريعة. فقد يرغب البعض منهم بترك العمل فوراً والمضي قدماً في الحياة. وليس لدى المدراء الخارقين أيّ مانع من حصول ذلك. فهم يتفهّمون بأن نوعية المواهب الموجودة ضمن فرقهم أهم من الاستقرار، وهم يُعتبرون بأنّ ظاهرة تقلّب الموظفين تشكّل فرصة للعثور على نجوم جدد. ولنأخذ على سبيل المثال كيف تصرّف جون هيندريكس (John Hendricks) مؤسس شركة ديسكفري كوميونيكيشنز (Discovery Communications) عندما جرى تعيين نائبه ريتشارد آلان (Richard Allen) عام 1997 في مؤسسة "ناشيونال جيوغرافيك" (National Geographic) وذلك في منصب رئيس الذراع الذي يتوخّى الربح فيها. لا شكّ بأنّ هيندريكس كان يتمنّى لو كان بمقدوره الاحتفاظ بآلان، لكنّه لم يحاول قط الاستبقاء عليه، مدركاً بأنّ من الأفضل له أن يترك صديقه يقود مؤسسة منافسة على أن يؤول ذلك المنصب إلى شخص آخر. يقول آلان: "لقد كانت تلك البادرة من هيندريكس مؤشراً حقيقياً على روح الكرم والسخاء الموجودة لديه".

إنّ لهذا النوع من المواقف مكاسب إضافية: فعندما يصبح من المُتعارف عليه بأنّ الناس الذين يعملون لديك لا ينجحون في مؤسستك فحسب، بل خارجها أيضاً، فإنّ العالم سيبدأ بالتوافد نحو بابك. ونادراً ما يحتاج المدراء الخارقون إلى الإعلان عن عملية رسمية لتعيين الموظفين، لأنّ سمعتهم تجلب لهم سيلاً متواصلاً من الأشخاص الموهوبين.

ممارسة القيادة الشخصية في أرض الميدان

يتمتّع المدراء الخارقون أيضاً بطريقة متميّزة في تطوير موظفيهم. ولنأخذ لاري إليسون على سبيل المثال. فنقطة قوّته الأساسية، بحسب أحد تلامذته، هي قدرته "على دفع الناس الاستثنائيين إلى صنعن المستحيل". وقد سمعت قصصاً مشابهة عن غيره من المدراء الخارقين. ويمكن للمرء أن يستخلص من هذه القصص ثلاثة مبادئ:

حدّد للناس توقعات مرتفعة

يتحلّى المدراء الخارقون على الدوام بنظرة إيجابية ومتفائلة تجاه ما يمكن لفرقهم أن تحققه. وهم يطلبون منهم تقديم أداء استثنائي؛ ولا يرضون بأقلّ من الكمال. فالرجل الأسطوري بوب نويس، على سبيل المثال، "يمكن أن يكون معلّماً قاسياً جدّاً عندما يتعلّق الأمر بأداء المهام" كما يتذكّره شريكه في تأسيس شركة إنتل (Intel) غوردون مور (Gordon Moore) الذي يضيف قائلاً: "فإذا كنت أهلاً للتحدّي، فإنّك ستكون ناجحاً جدّاً". لكنّ المدراء الخارقين لا يكتفون بالضغط من أجل تحقيق نتائج جيّدة بل يمضون إلى غرس إحساس بالثقة والأداء الاستثنائي لدى موظفيهم. ويتذكّر مايكل روبين (Michael Rubin)، الذي كان عضواً في غرافيكس غروب (Graphics Group) التابعة للوكاس فيلم (Lucasfilm) في ثمانينيات القرن الماضي، حجم التحوّلات الشخصية التي كان يشعر بها عندما كان يصغي إلى لوكاس وهو يتحدّث عن رؤيته لإنتاج الأفلام الرقمية والدور الذي سيؤدّونه جميعاً فيها. "لقد استمعت إليه وهو يشرح لنا كيف سيكون شكل المستقبل، فأصابتني العدوى منه، وأنا كنت لا أزال في الثانية والعشرين من العمر. أنا أصدّقه. ويعود الفضلُ إليه في تغيير حياتي المهنية." أمّا توم كارول (Tom Carroll)، الذي يشغل حالياً منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة تي بي دبليو أي غروب (TBWA Group)، فيقول شيئاً مشابهاً عن مديره السابق جاي تشيات: "لقد ترك جاي في الموظفين أثراً كبيراً يجعل من الصعب عليهم أن يعودوا بعده أشخاصاً عاديين. وحالما تشعر بذلك الشعور، فإنّك لا تستطيع تغييره".

كن معلّماً لتلامذتك

يُعتبرُ المدراء الخارقون أشخاصاً بارعين للغاية في تفويض المهام إلى المرؤوسين. فبما أنهم قد اختاروا أشخاصاً أذكياء وطموحين وقادرين على التكيّف، وقالوا لهم رؤيتهم، فإنّهم واثقون من قدرة الفريق على التنفيذ. يقول ريتشارد فرانك (Richard Frank)، أحد كبار المدراء في شركة ستيك آند آيل والذي انتقل ليدير سلسلة تشنك إي. تشيز (Chuck E. Cheese) للمطاعم والترفيه: "لقد مَنَحَنا نورمان برينكر قدراً لا يُصدّق من الاستقلال الذاتي. وكنّا بالتأكيد نمتلك القدرة على الفشل." ومع ذلك، فإنّ المدراء الخارقين يظلون معنيين وبصورة حميمية بالتفاصيل الدقيقة لشركاتهم وعمل موظفيهم. أمّا تومي فرست من شركة إتش سي آي، والحاصل على رخصة طيّار مدني، فقد كان يصطحب مرؤوسيه على متن طائرته إلى المناسبات الخاصّة بالشركة، حيث كان يستغلّ الوقت خلال هذه الرحلات للتفاعل مع هؤلاء الموظفين وتقديم التوجيهات لهم بخصوص بعض جوانب القضايا التي كانوا يعملون عليها. وأنّا أشبّه ذلك بالعلاقة القائمة بين المعلّم أو شيخ الكار والصانع الذي يتدرّب على يديه، وهي علاقة نصادفها في ورشات المهن التقليدية. فتماماً كما هو حال الحرفيين المهرة، فإنّ المدراء الخارقين يمنحون تلامذتهم قدراً غير معتاد من الخبرة العملية، لكنّهم يراقبون حجم التقدّم الذي يحرزه هؤلاء التلامذة، ويعطونهم التعليمات الضرورية، كما يقدّمون لهم آراءهم بخصوص أدائهم، لا بل يتدخّلون للعمل جنباً إلى جنب معهم عند الضرورة.

لا تقتصر تعاليم المدراء الخارقين على ما يختصّ بالعمل، بل تمتدّ أيضاً لتشمل القيادة والدروس والعبر من الحياة. فقد كان فيرست يستشير المدراء في كلّ شيء، من تحديد الأهداف اليومية إلى أهمية ممارسة التمارين الرياضية للمحافظة على اللياقة الذهنية. أمّا لوك فانديفيلدي (Luc Vandevelde)، الرئيس السابق لمجلس إدارة شركة ماركس آند سبينسر (Marks and Spencer) وكارفور (Carrefour) فكان قد تتلمذ على يدي الرئيس التنفيذي السابق لشركة "كرافت" (Kraft) مايكل مايلز (Michael Miles)، الذي علّمه كيف يحافظ على التوازن الدقيق بين العمل بأسلوب الشراكة مع المرؤوسين وعدم التدخّل في كلّ شاردة وواردة في عملهم. وقد وجّه مايلز نصيحة إلى فانديفيلدي بأن يعمل عن كثب مع موظفيه "لتطوير مهارتهم"، على أن يضمن وجود مسافة معهم، بحيث لا يؤدّي هذا القرب في العلاقة إلى "الحد من قدرة الموظفين على اكتساب المهارات". يقول فانديفيلدي: "لن أنسى هذه الكلمات ما حييت. لقد غيّرت أسلوبي في الإدارة بعمق، وأدّت إلى خلق بيئة تسمح للناس بإظهار أفضل ما لديهم".

شجّع الناس على النمو من خلال نقلات نوعية

جميع المدراء الخارقين الذين شملتهم دراستي كانوا يمنحون موظفيهم فرصاً للتقدّم والتطوّر تتجاوز الفرص الموجودة في المؤسسات التقليدية. فعوضاً عن الاعتماد الحصري على "نماذج الكفاءة" من أجل اتخاذ القرارات المتعلّقة بالتطوير والترقيات، فإنّ هؤلاء المدراء كانوا يرسمون لتلامذتهم الذين أثبتوا جدارتهم مسارات مهنية تتناسب مع أوضاعهم وحالاتهم الخاصّة، حيث كانوا يسعون بذلك إلى تكثيف عملية تعلّمهم ونموّهم بشكل كبير. يقول تشيس كولمان (Chase Coleman)، وهو أحد تلامذة جوليان روبرتسون، بأنّ مديره السابق "كان بارعاً في تسريع عملية التعلّم لدى الناس الذين كانوا ينجزون المهّمة الأولى بإتقان". وفي الواقع، وبعد مرور ثلاث سنوات على انضمام كولمان إلى شركة "تايغر مانجمانت" بصفة محلل تكنولوجي، كرّمه روبرتسون لدى مغادرته للشركة بمبلغ 25 مليون دولار أمريكي لكي ينشئ صندوقه الخاص به. كما اتّبع لاري إليسون مقاربة مشابهة، حسبما يقول غاري بلوم (Gary Bloom)، وهو نائب رئيس تنفيذي سابق في شركة "أوراكل" أصبح لاحقاً الرئيس التنفيذي لشركة "فيريتاس" (Veritas). يقول بلوم: "أحد الأشياء التي بَرَعت فيها أوراكل بشكل كبير هو أنّها كانت وعلى الدوام تلقي على كاهل الموظفين مسؤوليات جديدة". فعلى سبيل المثال، كانت سافرا كاتز (Safra Catz) وبكلّ معنى الكلمة تمارس دور الرئيس التنفيذي بالوكالة للشركة لمدّة عشرة أعوام، رغم أنّها لم تكن تشغل ذلك المنصب رسمياً، إلى رُقِّيت إلى منصب الرئيس التنفيذي المساعد (مع مارك هورد (Mark Hurd)) في 2014.

حافظ على علاقة دائمة بالموظفين السابقين

بالنسبة للمدراء الخارقين، يُعتبرُ تقديم المشورة للتلاميذ التزاماً طويل الأجل. فحتى بعد أن يغادر الشخص المؤسسة التي يديرها المدراء الخارقون، فإنّ هؤلاء المدراء يستمرّون في تقديم النصح له، ويعرّفونه على أشخاص جدد، ويعتبرونه بمثابة "عضو" في شبكاتهم. يقول كين سيغال (Ken Segall) المدير السابق لقسم الشؤون الإبداعية بأنّه على الرغم من كونه لم يعمل تحت أمرة جاي تشيات إلا لمدّة ثلاث سنوات فقط في أواسط تسعينيات القرن الماضي، إلا أنّه ظلّ يتواصل مع مديره السابق كلّما كان يغيّر وظيفته. يستذكر سيغال ذلك قائلاً: "عادة ما كان يعاود الرد على اتصالي خلال ساعتين أو ثلاث ساعات على الأكثر". وقد كان يتشاور معي ويقدّم لي النصح والمشورة. لقد كان من هذا النوع من البشر".

إنّ محافظة المدراء الخارقين على العلاقة التي تجمعهم بالموظفين السابقين تهيئ المجال لهم للحصول على الكثير من الفرص اللاحقة، مثل الدخول في شراكات تجارية. فقد ساعد فيرست العديد من المدراء الذين سبق لهم أن عملوا تحت أمرته في إتش سي آي على تأسيس شركات في قطاع الرعاية الصحية عبر الاستثمار أو من خلال التعاون معهم بوصفه زبوناً. وقد كان لورن مايكلز بارعاً في هذا المجال، أيضاً، حيث أنتج أفلاماً وبرامج تلفزيونية مع النجوم السابقين في برنامج "ساترداي نايت لايف" من أمثال جيمي فالون (Jimmy Fallon)، وسيث مايرز (Seth Meyers)، وفريد آرميسن (Fred Armisen)، وتينا فاي (Tina Fey).

يلجأ المدراء الخارقون عادة إلى استعمال ممارسات تضعهم في مصاف أفضل المدراء التقليديين لا بل ترفعهم إلى مرتبة أعلى عنهم. فهم يبحثون عن الأشخاص الموهوبين بطريقة مختلفة، ومن ثمّ يوظفونهم بطرق غير معتادة. وهم يضعون توقعات مرتفعة، ويأخذون على عاتقهم مسألة أداء دور "المعلّم" أو "شيخ الكار" مع "التلاميذ" و"المتمرّنين" الواعدين الذين يُظهرون نجاحهم وينتظرهم مستقبل واعد. كما أنّهم يتقبّلون فكرة انتقال هؤلاء التلاميذ إلى مراكز أكبر وأفضل في الحياة، ويحافظون على صلتهم بهم.

أنت أيضاً بوسعك أن تقترب أكثر من هذه الحالة المثالية. لا تشعر بأنّك مضطر إلى تجربة كل خطوة من الخطوات المذكورة في هذه المقالة دفعة واحدة. بل حاول أن تجرّب واحدة أو اثنتين منها. وحاول أن تعيّن أشخاصاً غير تقليديين في الوظائف الشاغرة، وابحث عن الأشخاص الذين قد تكون لديهم قدرات استثنائية. وتذكّر بأنّ الناس يكونون أكثر فعالية غالباً عندما يشعرون بالثقة، وخذ على عاتقك مسألة تطويرهم وتعزيز قدراتهم. انزل إلى الميدان بوتيرة أكبر، وخالط الموظفين، بحيث يمكنك أن تتعرّف عن كثب على مواهبهم الفريدة والتحدّيات التي يواجهونها، وامنحهم الحكمة وعصارة تجربتك في الحياة لتساعدهم على النمو. وابحث عن الفرص السانحة لتفويض المسؤوليات الكبيرة إلى أعضاء فريقك من الشباب حتّى.

إذا ما سرنا على خطى هؤلاء المدراء الخارقين وعملنا وفقاً للقواعد التي يتّبعونها، فإنّنا جميعاً يمكن أن نصبح أكثر براعة في رعاية الموهوبين، وفي تكوين قوى عاملة ذات أداء أحسن، لنتمكّن في نهاية المطاف من الوصول إلى شركات وقطاعات أكثر حيوية واستدامة.

هارفارد-بزنس-ريفيو-قادة-خارقون

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي