ما هو سبب عودة الكتالوجات؟

5 دقائق

رغم مضي عقدين على استخدام البريد الإلكتروني والتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي ورقمنة تجربة المستهلك، لا يزال نهج إرسال كتالوج المنتجات عبر البريد في تزايد مستمر منذ عام 2015، ولا يزال المستهلكون متحمسين لتلقي هذه الكتالوجات بشكل يثير الدهشة، فقد ارتفعت معدلات الاستجابة نتيجة تلقي الكتالوجات بنسبة 170% من عام 2004 حتى عام 2018. ولا تقتصر هذه التأثيرات على المستهلكين قليلي الخبرة في المجال الرقمي والذين لا يتصفحون مواقع الإنترنت، بل توجد أدلة تشير إلى أن جيل الألفية يولي اهتماماً خاصاً بالكتالوجات التي يتلقاها عبر البريد.

هل عادت صيحة استخدام الكتالوجات؟

يبدو أن تجار التجزئة في بعض القطاعات يعتقدون ذلك، العديد من العلامات التجارية وتجار التجزئة يستثمرون في إعداد الكتالوجات الورقية، مثل "نوردستروم" (Nordstrom)، و"باتاغونيا" (Patagonia)، و"كريت آند باريل" (Crate and Barrel)، و"ريستوريشن هاردوير" (Restoration Hardware)، وقطاع الخدمات الترفيهية مثل الشركات السياحية وشركات رحلات السفن البحرية. وكذلك هو الحال مع تجار التجزئة على الإنترنت، والذين يفخرون بإنشاء تجارب استهلاكية رقمية تتسم بالكفاءة، فاليوم تعمل شركات مثل "واي فير" Wayfair و"بونوبوس" (Bonobos)، و"برتشبوكس" (Birchbox)، و"أمازون" (Amazon) على طباعة كتالوجات تعرض منتجاتها.

ما الذي يحدث لأداة التسويق التناظرية القديمة التي اعتُقد أن البريد الإلكتروني والتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي سوف يحل محلها؟ هل أصبح "تأثير استخدام الكتالوجات" شائعاً؟ كيف يمكن لشركات التجارة الإلكترونية الاستفادة من هذه الكتالوجات؟ استخدمنا التوجهات الحديثة في تكنولوجيا البيع بالتجزئة ونتائج بحوثنا في علم نفس المستهلك وتجربتنا الميدانية الأخيرة للإجابة عن هذه الأسئلة.

دليل من تجربة ميدانية واسعة النطاق مع تاجر تجزئة بارز في قطاع التجارة الإلكترونية

عقدنا شراكة مع تاجر تجزئة في قطاع التجارة الإلكترونية، مقيم في الولايات المتحدة، ومتخصص في بيع المجوهرات والساعات الفارهة، لاختبار فاعلية الكتالوجات، وتضم قائمة زبائنه عملاء عالميين، لكنه لا يمتلك متجراً فعلياً. وتحقق الشركة إيرادات سنوية قدرها 60 مليون دولار، وأرباحاً تشغيلية تبلغ 12 مليون دولار، مع قاعدة بيانات تضم حوالي 28,000 زبون.

وتستحوذ الشركة على زبائنها الجدد من خلال إجراء عمليات البحث عبر الإنترنت ومنصات رقمية أخرى، وخصوصاً الزبائن المعتادين على عمليات التجارة الإلكترونية والمراسلات الرقمية. وتُحصّل الشركة أكثر من 75% من إيراداتها من عمليات الشراء المتكررة، لذا تُعد جهود تطوير العلاقات مهمة للغاية، فعندما يجري شحن الطلب الأول للزبون، تطلب الشركة من الزبون منحها الإذن لإجراء عمليات تسويق معه في المستقبل، ثم تستخدم حملات تسويق أسبوعية عبر البريد الإلكتروني للترويج لعمليات الشراء المتكررة.

وبناءً على نصيحتنا، أطلقت الشركة حملة كتالوج نصف شهرية جديدة، تعرض صور منتجات بشكل احترافي ومعالجة فنياً مع طباعة عالية الجودة. وأجرت الشركة تجربة ميدانية على عينة عشوائية بلغت نسبتها 30% من زبائنها المقيمين في الولايات المتحدة، وتلقت نسبة 55% من هذه العينة بريداً إلكترونياً تسويقياً على نحو أسبوعي، و40% منهم كتالوجات جديدة كل شهرين، إضافة إلى تسويق أسبوعي عبر البريد الإلكتروني، في حين لم تحصل نسبة 5% من هؤلاء الزبائن على أي بريد إلكتروني أو كتالوج مدة 6 أشهر. وطرحنا أكثر من 90% من المنتجات المتماثلة في رسائل البريد الإلكتروني والكتالوجات بهدف ضبط تأثيرات المحتوى، كما استخدمنا مجموعة من الصور والأوصاف المتماثلة في رسائل البريد الإلكتروني والكتالوجات. ثم تتبعنا عمليات الشراء والاستفسارات عن المنتجات الواردة من المجموعات الثلاث.

وأظهرت النتائج أن مجموعة "البريد الإلكتروني + الكتالوج" شهدت زيادة بنسبة 15% في المبيعات وزيادة بنسبة 27% في الاستفسارات مقارنة مع مجموعة "البريد الإلكتروني فقط".

كما شهدت مجموعة "البريد الإلكتروني + الكتالوج" زيادة بنسبة 49% في المبيعات، وزيادة بنسبة 125% في الاستفسارات مقارنة مع مجموعة الضبط. في المقابل، حققت مجموعة "البريد الإلكتروني فقط" زيادة بنسبة 28% في المبيعات وزيادة بنسبة 77% في الاستفسارات مقارنة بمجموعة الضبط. ما يعني أن نسب المبيعات والاستفسارات الواردة من الكتالوجات كانت ضعف نسب المبيعات والاستفسارات الواردة من التسويق عبر البريد الإلكتروني تقريباً. علاوة على ذلك، وجدت الدراسات الاستقصائية، التي أجراها موظفو الشركة، أن أكثر من 90% من الزبائن الذين حصلوا على الكتالوجات وأجروا استفسارات حول المنتجات تصفّحوا هذه الكتالوجات واحتفظوا بها مدة 7 أيام في المتوسط. وكان معدل تصفح الكتالوج أعلى بكثير من معدل فتح البريد الإلكتروني، والذي بلغ حوالي 26%. واشترى الزبائن في مجموعة "البريد الإلكتروني فقط" ما معدله 0.3 من المنتجات الإضافية خلال الفترة التجريبية التي استمرت مدة 6 أشهر.

ويشير حساب العائد على الاستثمار إلى أن زيادة المبيعات بنسبة 15% لطلبية تبلغ 6,700 دولار بسبب حملة الكتالوج، وبهامش إجمالي يبلغ حوالي 30%، يُسفر عن ربح إضافي قدره 90 دولاراً، أو 180 دولاراً من الربح السنوي الإضافي لكل زبون. ويبلغ متوسط تكلفة إعداد كتالوج مع تصميم الواجهة الأمامية وإرساله بالبريد 5 دولارات فقط، وهو ما يُسفر عن عائد مباشر على الاستثمار قدره 600%، إضافة إلى التواصل الإضافي للزبائن نتيجة ورود مزيد من الاستفسارات. وفي حال جرى تنفيذ هذه الحملة عبر قاعدة الزبائن بأكملها، فقد تسفر معدلات الاستجابة المماثلة عن ربح سنوي يزيد عن 5 ملايين دولار، وهو ما يمثّل زيادة قدرها 40% عن مستوى الربح الحالي.

أخيراً، أجرينا دراسة استقصائية على 500 زبون عشوائي من كل من مجموعتي "البريد الإلكتروني فقط" و"الكتالوج + البريد الإلكتروني"، وقيّمنا مدى وضوح إدراكهم لرسائل البريد الإلكتروني مقابل الكتالوجات. وأخبرناهم أننا بصدد تقييم تصاميم الكتالوج وتحسينها، وطرحنا عليهم السؤالين التاليين:

1) ما مدى سهولة تخيل ارتداء المنتج؟ تضمّن مقياس الإجابة 7 نقاط، وتراوحت الإجابات بين الدرجة 1 "ليس من السهل تخيله" وحتى الدرجة 7 "يمكن تخيّله بسهولة شديدة".

2) ما مدى وضوح وصف المنتجات في البريد الإلكتروني أو الكتالوج؟ تراوحت الإجابات بين الدرجة 1 "غير واضحة" وحتى الدرجة 7 "واضحة جداً".

منح الأشخاص الموجودين في مجموعة "البريد الإلكتروني فقط" معدل تقييم بلغ 4.3، في حين منح أولئك الموجودين في مجموعة الكتالوج تقييماً بلغ 5.6، والفارق مهم من الناحية الإحصائية. وتوفر هذه النتائج دليلاً على أن الكتالوجات قد تزيد من المبيعات ومن مدى ارتباط المستهلكين من خلال عرض منتجات واضحة وسهلة التخيّل.

ما هو سبب نجاح الكتالوجات؟

عندما ندمج بين نتائج البحث أعلاه وتوجهات البيع بالتجزئة وعلم نفس المستهلك، نرى كيف تنأى الكتالوجات بنفسها عن قوائم البريد الوارد ووسائل التواصل الاجتماعي الرقمية العشوائية. وبما أن الكتالوجات هي منتجات ورقية، قد تبقى هذه الكتالوجات في منازل المستهلكين بعد فترة طويلة من حذف رسائل البريد الإلكتروني، وهو ما يزيد من وعي المستهلكين بالعلامة التجارية.

وتكمن قوتها الحقيقية في قدرتها على زيادة وضوح المنتج وتعزيز قدرة المستهلك على تصوّر تجارب استخدام المنتج وتخيله. وللوضوح تأثير كبير في سلوك المستهلك، فقد يزيد من مشاركة المستهلك وشعوره بالمتعة في عملية الشراء، وهو ما يؤثر في النهاية على التفضيلات والمبيعات. ويتّسم الوضوح بأهمية خاصة بالنسبة إلى المنتجات والخدمات القائمة على أساس المتعة التي يتم شراؤها للتمتع والشعور بالبهجة، وتنطوي على جوانب تجريبية أكثر ثراءً، مقارنة بالخدمات النفعية.

في النهاية، تُعتبر المتاجر المادية غالية الثمن، وبالنسبة إلى بائعي التجزئة في قطاع التجارة الإلكترونية، خصوصاً أولئك الذين يعملون في بيع المنتجات القائمة على أساس المتعة، والذين لا يمتلكون متاجر مادية أو لا يرغبون في امتلاك هذه المتاجر، تتيح لهم حملات الكتالوج المصممة جيداً جعل عرض المنتج أكثر وضوحاً وبروزاً. وتنطوي النتائج المحتملة على زيادة مشاركة الزبائن والوفاء والمبيعات دون وجود قيود جغرافية أو نفقات مرتبطة بالمتاجر.

سيحدد الإبداع والنواحي الجمالية والتعاطف المزايا التنافسية للتجارة الإلكترونية الحديثة

بناءً على بحثنا، نوصي شركات التجزئة الإلكترونية التي تبيع المنتجات التي يشتريها الناس لأهداف المتعة والإثارة والشعور بالبهجة بالنظر في الاستثمار في التصاميم الجمالية وتجربة إرسال الكتالوجات بالبريد. وقد لا يكون استثمار تجار التجزئة كلهم في الكتالوجات مُجدياً، ولا تزال هذه القضية موضوع بحث آخر، لأنّ النظرية النفسية للوضوح تشير إلى أن الفئات الغنية من الناحية البصرية تكون أكثر استجابةً للوضوح، مثل السلع الفاخرة، وأن تأثير الكتالوجات على المنتجات النفعية والوظيفية مثل الأدوات المنزلية ومنتجات التنظيف وأنظمة الأمن المنزلي سيكون ضئيلاً.

لقد تطورت الكتالوجات كما تطور قطاع البيع بالتجزئة، ولم يعد من المفترض اعتبارها مجموعة غير مترابطة من صور المنتجات التي تُعيد إلى أذهاننا الأيام الذهبية لمتجر "سيرز" (Sears). بدلاً من ذلك، تحتاج الشركات إلى التركيز على تصميم صور مذهلة وعروض تقديمية إبداعية للمنتجات لإثارة الأحاسيس (مثل رحلات السفن السياحية المشهورة التي تقدّمها شركة "نوردستروم")، وإلى أن تدمج مع هذه المنتجات رسائل حول القيم العليا التي تمثلها العلامة التجارية - على سبيل المثال، المجلات الأدبية والفنية التي تصدرها العلامة التجارية الفرنسية الفاخرة "هيرميس" (Hermes) - وأن تروي تجارب الآخرين حتى يتمكن المستهلكون من تخيل هذه التجارب بشكل غير مباشر من خلال الكتالوجات (على سبيل المثال، يرسل تاجر تجزئة بيع القهوة "كوفي مارت" (Coffey Mart) رسائل إخبارية مطبوعة مع ملاحظات تذوق الموظفين).

ونظراً إلى أن أوجه التقارب في التعهيد الخارجي في قطاع الخدمات اللوجستية والتصنيع متساوية، لم تعد الكفاءات التشغيلية تمثّل عوامل تمييز مهمة في التجارة الإلكترونية كما كانت في العقد الماضي، بل تشكل القدرات الإبداعية والجمالية وقدرات الشركات على التعاطف مع المستهلكين وإثارة الروابط العاطفية مزايا تنافسية حاسمة في التجارة الإلكترونية الحديثة، ويمكن أن يكون إعداد الكتالوجات وسيلة فاعلة لامتلاك هذه الميزة التنافسية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي