أجرت هارفارد بزنس ريفيو في أحد برامجها الصوتية (بودكاست) مقابلة مع ريتشارد بوياتزيس، الأستاذ الجامعي في "جامعة كيس وسترن ريزرف" (Case Western Reserve University) حول الإرشاد الفاعل في المؤسسات.
وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:
يقول ريتشارد بوياتزيس، إن بإمكان كل مهني الاستفادة من وجود مرشد له، وأن عليه أن يعمل مرشداً لشخص آخر. ويضيف أيضاً أن علاقة الإرشاد تتجاوز تقديم التوجيه أو الرعاية، باعتبار أنها تركز على القيم والتطلعات طويلة الأمد. ويشجع المرشدون الأفراد في الواقع على تبني عقليات إيجابية ويطرحون عليهم أسئلة استكشافية لمساعدتهم في اتخاذ أفضل الخيارات، ليس على صعيد مساراتهم المهنية فحسب وإنما على صعيد حياتهم الشخصية أيضاً. بويتزيس هو أحد المؤلفين لمقال نُشر في مجلة هارفارد برنس ريفيو بعنوان "الإرشاد من أجل التغيير".
النص:
أليسون بيرد: مرحباً بكم في برنامج آيديا كاست المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا أليسون بيرد.
نحتاج جميعاً إلى التفكير في القرارات والتغييرات الكبيرة طوال مساراتنا المهنية. وقد تنطوي هذه القرارات على الاختيار بين عرضين من العمل أو التفكير في الانتقال إلى بلد آخر، أو قد تكون ناجمة عن شعورك بالجمود في حياتك المهنية ورغبتك في ترك العمل. وغالباً ما نلجئ إلى الآخرين بهدف الحصول على المشورة عندما نخوض هذه المواقف.
وعادة ما ألجأ شخصياً إلى عدد قليل من الأشخاص للحصول على الدعم، مثل زوجي سكوت، أو زميلتي الصحفية ريبيكا، أو زميلي دان في هارفارد بزنس ريفيو، ولطالما أرشدوني إلى المسار الصحيح. لكن عندما عملت على مقال مع ضيف اليوم، بدأت أفهم السبب وراء لجوئي إلى هؤلاء الأشخاص. إذ إنهم يدركون الأوقات الصعبة التي أمر بها، والصعوبات التي أواجهها، ويفهمون قيمي ومبادئي، ويدركون ما أسعى إلى تحقيقه في حياتي المهنية وحياتي الشخصية على حد سواء، ويعرفون نقاط قوتي ونقاط ضعفي، و يسألونني أسئلة جيدة، ويقدمون لي اقتراحات مفيدة، وأجدهم بجانبي أينما اتجهت.
يُطلق ريتشارد بوياتزيس، الأستاذ الجامعي في جامعة "كيس وسترن ريسرف" على هؤلاء الأشخاص اسم "المرشدين المتعاطفين". لقد أمضى عقوداً في دراسة ما يحفّز الأفراد على اتخاذ قرارات شخصية ومهنية ذكية تساعدهم في التغير والنمو. ووجد أن نجاح هذه الجهود ينطوي على حصولنا على مساعدة من مرشد فاعل. و يضيف أنه يجب علينا جميعاً أن نبحث عن هذا النوع من الدعم، لكن الأهم من ذلك كله هو أن نتعلم كيفية تقديم هذا الدعم.
ريتشارد هو أحد مؤلفي كتاب "مساعدة الأفراد على التغيير: الإرشاد بأسلوب قائم على التعاطف من أجل التعلم والنمو مدى الحياة" (Helping People Change: Coaching with Compassion for Lifelong Learning and Growth.). شكراً جزيلاً على قبولك حضور البرنامج يا ريتشارد.
ريتشارد بوياتزيس: شكراً لك يا أليسون.
أليسون بيرد: جميعنا بحاجة إلى مرشد، ويبدو أنني وجدت بعض الأشخاص الجيدين في حياتي. لكن كيف يمكننا مساعدة المستمعين الذين لم يتمكنّوا من الحصول على المساعدة الصحيحة من الأشخاص من حولهم بعد؟
ريتشارد بوياتزيس: أودّ أن أؤكد بداية أن التواصل مع شخص ما ومساعدته هو جزء من مبادئنا في الحياة ومن أدوارنا كآباء أو مدراء أو أصدقاء. ويمكن التحدي معظم الأوقات في محاولة إصلاح هذه الشخص.
لكن يؤول بنا الحال في أغلب الأحيان إلى جعل الأفراد يشعرون أننا نفرض عليهم آراءنا، وهو نهج وثّقناه اليوم سلوكياً وعصبياً عبر إجراء دراسات الرنين المغناطيسي الوظيفي، وهو ما ندعوه الإرشاد بهدف الامتثال، وهو ما يعني أنت تطلب من الشخص الآخر الامتثال إلى نصحائك فقط. نتيجة لذلك، يفقد هذا الشخص الرغبة في التعلم أو التغيير ولن تكون أعماله مستدامة.
في حين أن الحل الأمثل ينطوي على اللجوء إلى شخص يمكنه مساعدتنا عبر اتباعه نهجاً بديلاً يتمثّل في الإرشاد بأسلوب قائم على التعاطف. وينطوي هذه النهج على تقديم المساعدة بأي شكل كان، وإبداء الاهتمام بالآخرين. ويمتد هذا النهج ليتخطى حاجز إسداء المشورة فقط، مثل تقديم نصائح حول نوع الملابس أو الأكسسوارات التي تحب شراءها أو أسلوب الكتابة، وإنما ينطوي على التحدث حول أهداف الشخص الآخر وأحلامه وقيمه الأساسية، إذ إن الحديث عن هذه الأهداف هو ما يعود بالنفع على الآخرين ويساعدهم في الانفتاح على الأفكار والأشخاص الجدد.
أليسون بيرد: هل يمكنك أن تحدثنا بمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع؟ نحن نتحدث عن التغيير، لكن هل يوجد فرق في محاولة التماس دعم الآخرين في سبيل تغيير سلوك اجتماعي مقابل تغيير شيء خاص؟ مثل التوقف عن ممارسة عادة سيئة مقابل إجراء تغيير يتطلب مداخلات من الآخرين، سواء كان ذلك في سبيل الحصول على ترقية أو تحسين علاقة ما.
ريتشارد بوياتزيس: لا يوجد فرق في الواقع، إذ إن كلتا الحالتين تفرضان عليك مواجهة مجموعة من العقبات التي تعيق تحركاتك. وقد اكتشفت في السبعينيات عندما عالجت مدمني الكحول والمخدرات أنه عندما لا ينطوي هدف الأفراد في الإقلاع عن شرب الكحول أو تناول المخدرات إلا على التوقف عن ممارسة هذه العادات، لم يدم إقلاعهم عنها طويلاً، بل لا بد لك من اتخاذ قرارات مستدامة، مثل القرارات التي تتخذيها عشية السنة الجديدة.
ومن الضروري أن يمتد القرار على نطاق أوسع ليشمل أمور الحياة والعمل أجمع، مثل التفكير في أهدافنا في هذه الحياة. وبالتالي، لا بدّ لنا من التفكير من هذا المستوى. ولكن عندما يتعلق الأمر بالآخرين، تنطوي مهمتنا حينئذ على التفكير في كيفية إشراك الآخرين ودفعهم إلى التفكير من هذا المنظور. ويبقى السؤال هو: من يمكنه مساعدتك في التفكير من هذا المنظور؟
أليسون بيرد: هذا صحيح. ما هو الفرق بين الموجّه والمرشد عندما نتحدث عن اتخاذ القرارات في سياق مهني؟
ريتشارد بوياتزيس: لقد أشار الكثير من الأفراد إلى الفرق بين التوجيه والإرشاد في الأدبيات الأكاديمية. كما ألّفت الرائدة في مجال بحوث الإرشاد، كاثي كرام، كتاباً رائعاً يدور حول هذا الموضوع بالتشارك مع بيلي روز راغينز عدة سنوات مضت. وأهم ما تحدّثا عنه هو أن الإرشاد ينطوي على تقديم دعم اجتماعي وعاطفي وعلائقي، في حين أن التوجيه ينطوي على اتباع نهج رسمي.
ويوجد عددٌ هائل من الجمعيات التي تذكر أن تقديم النصائح أو الأفكار للأفراد يُدعى التوجيه، في حين إذا كانت الجلسة تهدف إلى العمل على حل مشكلاتهم فهذا يُدعى بالإرشاد، أما إذا كانت الجلسة نفسية، فذلك يُدعى تقديم المشورة، وهذا أمر مختلف تماماً.
لكن بحوثنا أظهرت أن هذه الفروق غير واقعية، إذ تنطوي فاعلية ما نقوم به عندما نحاول مساعدة شخص ما على كيفية تقديمنا هذه المساعدة. فمن المحتمل أن نؤدي دورنا بشكل أفضل بعد أن ندرك توقعات هذا الشخص من التواصل معنا.
أذكر عندما ساعدت بعض المؤسسات في صياغة أهدافها إحجام الكثير من كبار المسؤولين التنفيذيين عن سؤال الموظفين عن أحلامهم خشية أن تكون أحلامهم تتمثّل في عدم العمل في المؤسسة. وأدركت حينها أنهم لا يتّبعون أي من أساليب الإرشاد أو التوجيه.
لكن من الضروري أن يكون كل مدير وكل قائد مسؤول عن معرفة أحلام موظفيه وما يحفزهم، سواء كان الأمر يتعلق بالتوجيه أو الإرشاد.
أليسون بيرد: سبق وأن تحدثت في كتابك عن جاهزية الأفراد وأهمية أن يدرك القادة الأوقات التي يكون فيها الأفراد مستعدين لتقبّل الإرشاد. كيف تُدرك ذلك؟
ريتشارد بوياتزيس: يمكنني أن أشبّه هذا التحدي بعلاقة الوالد مع أبنائه المراهقين، حيث ستكون هذه العلاقة مثمرة مدى الحياة عندما يواجه ابنك موقفاً ما تظن أن بإمكانه التفكير فيه من منظور مختلف من جهة،
وعند التحقق من جاهزية ابنك لتلقي الإرشاد من جهة أخرى. وتنطوي إحدى المشكلات الشائعة في تقديم المساعدة على منح الجرعات الخاطئة منها أحياناً. إذ لا يجب أن ننسى أن الأفراد يبحثون عن جرعات صغيرة من الإرشاد فقط، ولا يجب علينا تقديم هذا الإرشاد إلا عندما يلتمسه الأفراد منا. وتُعتبر معرفة الجرعة المناسبة والوقت المناسب لتقديم الإرشاد مهارة معقدة ينميها البعض منا بمرور الوقت بشكل طبيعي، في حين يحتاج البعض الآخر منا إلى العمل على تطويرها قليلاً.
ولا أعني بهذا أن يصبح الأفراد أخصائيين اجتماعيين، ولا أن يُبدوا القدر نفسه من الاهتمام لكل فرد، إذ إن ذلك سيكون مرهقاً، بل ما أقصده هو أن نهتم بالآخرين بحكمة.
أليسون بيرد: هذا صحيح. إذاً، تعتبر معرفة الجرعة المناسبة إحدى الطرق التي تتيح لك أن تكون مرشداً رائعاً. هل لي بمزيد من الأمثلة عن السلوك الذي يتّبعه أفضل المدربين؟
ريتشارد بوياتزيس: تتمثّل إحدى المشكلات الشائعة التي يتّبعها المدربون في حل المشكلات بشكل مباشر. بيد أن اتباع هذا النهج يقلقني، إذ عادة ما يركز الأفراد على هذه المشكلات باعتبارها القضايا الوحيدة التي يجب عليهم معالجتها. ويعتقد الكثير منهم أن الإرشاد ينطوي التركيز على المشكلة المعروضة فقط، لكن من الغباء أن يسمح لي طبيبي بتشخيص مرضي على الإنترنت وحدي وأن أخبره عن الدواء الذي يجب أن يصرفه لي.
لذلك أعتقد أن جزءاً من تقديم المساعدة ينطوي على الإرشاد باتباع أسلوب قائم على التعاطف، وهو ما يعني أن تقاطع حديث الشخص أثناء عرضه مشكلته وتطلب منه توضيح سياق المشكلة.
وقد ينطوي توضيح السياق على النظر في الصورة الأكبر للمشكلة. لكن من المحتمل عندما نسأل الشخص عن الصورة الأكبر للمشكلة أن يرزح تحت وطأة مشاعره أو أفكاره السلبية ويبدأ في التحدث بسوء عن الآخرين، في حين أن الموضوع الأساسي قد يكون عدم رغبته في العمل في هذه الشركة، أو أن طبيعة المؤسسة وثقافتها لا تشبه طبيعة وثقافة المؤسسة القديمة التي عمل بها.
لذلك يجب مساعدة الأفراد في تحديد رؤاهم الشخصية أو أحلامهم أو أهدافهم في الحياة، إذ إن ذلك يُعتبر أكثر فائدة. ويمكننا تحقيق ذلك من خلال الحديث عن أحلامهم. يمكننا أن نسألهم: "كيف ترى حياتك بعد 15 عاماً؟" أو: "ماذا ستفعل إذا فزت بمبلغ 80 مليون دولار؟" "كيف سيأثر ذلك على حياتك؟".
أليسون بيرد: أعتقد أن التفكير بذلك ممتع حقاً.
ريتشارد بوياتزيس: هذا صحيح، وتتيح له هذه الأسئلة التفكير في السياق الأكبر لحياته. ويوجد العديد من هذه التقنيات التي يمكننا استخدامها، ولعلّ أكثرها فاعلية هي أن تطلب مساعدة شخص ما قدّم لك الكثير لتصبح على ما أنت عليه اليوم، إذ إن ذلك ينطوي على الامتنان. والامتنان هو أحد هذه المشاعر التي تساعد في تنشيط جزء من النظم الهرمونية في أجسامنا والشبكات العصبية التي تجعلنا منفتحين على الأفكار الجديدة.
أليسون بيرد: كيف تبدأ في الانتقال من هذه المحادثات الإيجابية إلى حل المشكلة فعلياً واتخاذ الإجراءات وإحداث التغيير؟
ريتشارد بوياتزيس: سؤالك هذا في غاية الأهمية. أعتقد أن 80% من الأفراد ضليعون جداً في التخطيط، خاصة إذا ما طلبنا منهم توضيح شيء ما، إذ سنجدهم يضعون لنا خطوات ذلك بالتفصيل. ذلك أن معظم الأفراد يخفون عنا أموراً لا يشاركونها معنا، وقد لا ندرك نحن ذلك. لهذا السبب، قد ينطوي إدراك الجانب الشامل للمشكلة على مجرد تلميحات فقط.
أتذكر وجود طالب ضمن طلابي في برنامج ماجستير إدارة الأعمال التنفيذية الذي كان نائب رئيس ناجح في شركة متخصصة بتكنولوجيا المعلومات ويمتلك شركة استشارية في مجال تكنولوجيا المعلومات أيضاً. كتب في أحد الأيام مقالاً يوضح فيه رؤيته الشخصية عن حفظة الوعد. لقد كان أميركياً من أصول أفريقية، وكان ملتزماً بشكل كامل بالنهج الذي يتّبعه أغلب الرجال من أصول أفريقية في أميركا، حيث يغلب على هذا النهج طابع الوفاء بالتزاماتهم تجاه أسرهم وأطفالهم. لكنه لم يذكر أي تفاصيل عن عمله.
اسم هذا الشخص هو داريل جريشام، وقد أجريت معه جلسة إرشاد كجزء من الدورة التي نظمتها، كما أنني تحدثت عنه في الكتاب بعد أن حصلت على موافقته. قلت لداريل: ما العمل الذي تود لو أنك حصلت عليه؟ قال: لا أعرف. قلت له: أنت لم تكتب عن العمل لأنك تمتلك دخلاً جيداً، أليس هذا صحيحاً؟ فقال: لا، ضاحكاً.
قلت له: لو كان الخيار عائداً إليك، فماذا كنت لتعمل؟ وأجابني سائق شاحنة. استمرت المحادثة 45 دقيقة دون أن نحرز الكثير من التقدم. ثم قلت له: لقد ذكرت لي أنك تحب شرب العصير التفاح. تخيّل أن اليوم هو يوم الجمعة، وأنك عدت إلى المنزل واحتسيت القليل من عصير التفاح المفضل لديك، وتجلس مرتاح البال مبتسماً وتقول أن هذا الأسبوع كان أسبوعاً رائعاً. مالذي فعلته ليكون هذا الأسبوع رائعاً؟
قال: ساعدت بعض الشباب المراهقين على إدراك أن أجهزة الكمبيوتر هي سبيلهم لمواجهة التحديات الاجتماعية التي تعترض طريقهم وأنها ليست عدواً لهم كما يظنون. قلت له أخبرني المزيد: انحنى إلى الأمام، وبدأت أفكاره تتداعى.
وشرح بعد ذلك كل مشكلاته. قلت له: لا يمثّل هذا جزءاً مما تفعله حالياً؟ قال: أعلم أنه أمر محرج، لكني أحب اقتناء أشياء إضافية وأحب سيارتي وأحب مساعدة زوجتي السابقة وابنتي وأحتاج إلى المال لكل هذه الأشياء.
قلت له: إن رغبتك في مساعدة الأفراد لا تعني أنه يجب عليك القيام بذلك. لأنه قال لي قبل ذلك: لا يمكنني أن أصبح مدرساً في المرحلة الثانوية. قلت: لست مضطراً إلى الحصول على وظيفة تدريس بدوام كامل. وبالتالي، كل ما كان علي فعله هو جعله يتحدث وأن يدرك حقيقة أنه لم يكن مضطراً إلى البحث عن وظيفة تدريس بدوام كامل.
أليسون بيرد: لقد درست الإرشاد معظم مسار حياتك المهنية، وأظن أيضاً أنك تبرع في هذا المجال بطبيعتك. لكن كيف يمكن أن يتطور الأفراد الذين لا يمتلكون هذه الغريزة بطبيعتهم؟
ريتشارد بوياتزيس: يجب عليهم التفكير في أهمية ما يفعلونه. هل تود مساعدة الأشخاص الذين تعمل معهم في التعلم والتغيير؟ عندما يدرك الأفراد اهتمامك بهم، يبدون اهتمامهم بك في المقابل. ولا بدّ لك من أن تكون مطّلعاً على كل شيء وقادراً على فهم التحوّل الذي يمكنك إحداثه في حياة الآخرين، وأن تعي الصعوبات التي يواجهونها. وقد تكون هذه المحادثات عبارة عن لحظات تدوم 10 دقائق أو 15 دقيقة.
أليسون بيرد: هل يمكن تدريب الأفراد على تقديم الإرشاد بالتعاطف بدلاً من حل المشكلة بشكل مباشر؟
ريتشارد بوياتزيس: نعم. كان أحد طلابي في برنامج ماجستير إدارة الأعمال للأفراد التنفيذيين مسؤولاً تنفيذياً للتسويق في شركة نفط متعددة الجنسيات. وأتذكر أنه عندما حصلنا على تقييم أدائه من قبل الشركة أفاد مرؤوسوه أن أداءه لم يكن جيّداً، وهو ما بدا غريباً. اسم هذا الشخص هو خوان تريبينو. قلت لخوان: أعتقد أن الشركة أخطأت في حقك، فالجميع يتحدث معك طوال الوقت، والجميع يحبونك. قال: أعتقد أنني أعرف ما حصل، أنت تعرفني كمدير تسويق فقط، إلا أنني أمضيت معظم حياتي أعمل مهندساً.
وأضاف أنا لا أتعاطف مع الشخص عندما يقصدني بالمشاكل، وإنما أعالج المشكلة فحسب. وأرى أن الأفراد هم منصات مثقلة بالمشكلات، وهي طريقة هندسية للنظر في تلك المشكلات.
لكن لا يمكننا مساعدة الأفراد بطريقة تقنية. نحن نعرف الشبكات الدماغية التي تقودنا إلى هذه الحلول. ولكن لسوء الحظ فإن الشبكات التي تقود تلك العقلية التحليلية أو العقلية المالية تطغى على الشبكات التي تسمح لك بالانفتاح على الأفكار الجديدة أو الأشخاص الجدد.
وبالتالي، ينطوي جزء من التعليم على توضيح كيفية التحكم بهذه الشبكات الدماغية. نحن لا نقول أنه يجب على الأفراد أن يكونوا مثاليين وأن يخوضوا تجربة تحوليّة، بل أن يحاولوا التعلم وأن يطوروا أنفسهم قليلاً. واتضح أن بعض الأنشطة التي يمكن أن تساعدك في التحكم بالشبكات العصبية الدماغية هي أنشطة بسيطة، مثل التحدث إلى الأفراد، لكن دون أن نتحدث بأسلوب التوجيه والالتزام وإنما بأسلوب التعاطف، أو التمتع بروح الدعابة، أو إتاحة الفرصة للأفراد للتحدث عن مكنوناتهم الداخلية.
ولن يستغرق الأمر كثيراً لأن يُدرك القادة الذين يتّبعون النهج التقني والتحليلي أنهم بحاجة إلى تطوير هذه المجموعة الأخرى من المهارات أو القدرات. ولكن الأمر المثير للاهتمام هو أنني أشهد هذا الوضع طوال الوقت، خاصة مع الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية، حتى أنني خضت هذا النقاش أيضاً مع ابن أخي في السيارة، وهو مسؤول تنفيذي متخصص في تكنولوجيا المعلومات. لكنني أدركت أنه لن يعي ما أقوله حتى لو قدمت له كل الإحصائيات في العالم. لذلك توقفت وسألته : هل سبق لك عملت مع مدير أظهر أفضل ما لديك؟ قال: نعم قلت: حدّثني عنه، كيف تصرّف؟ ماذا قال أو فعل؟ وبدأ بوصفه. وقلت له: هذا ما أتحدث عنه بالضبط.
وكرّرت التجربة نفسها مع الرؤساء التنفيذيين حين سألتهم إن كان لديهم رئيس يعتبرونه مثلهم الأعلى. فكانت إجاباتهم نعم. قلت لهم: لا أريد منكم ذكر أي أسماء، وإنما أريدكم أن تفكروا بشخص تودون لو أنه يختفي، وهو عبء عليكم، ولا يؤدي عمله على نحو جيد. هل يوجد مثل هذا الشخص بينكم؟ فكانت إجاباتهم نعم. طلبت منهم توضيح الفرق، فتحدّثوا عن الفرق العاطفي في تجاربهم وأثبتوا صحة الفرضية.
أليسون بيرد: هذا صحيح. كيف يمكننا إضفاء الطابع المؤسسي على هذا النهج في المؤسسات؟
ريتشارد بوياتزيس: دائماً ما تكون هذه العميلة معقدة، وغالباً ما يؤول الحال إلى تحويل الثقافة إلى منحى آخر حتى لا يتم التركيز على النتائج فقط. أنا لا أقول أن النتائج ليست مهمة، فقد عملت مديراً لشركتين مدة 11 عاماً، وهو ما مكّنني من اكتساب بعض الخبرة. فالنتائج مهمة بقدر أهمية الأداء.
ولكن من الضروري إدراك أن تركيزك على النتائج لا يعود بالنفع على الأفراد. إذ قد يتعين عليك في بعض الأحيان اتباع نهج آخر بهدف أن تبتكر خدمة جديدة أو منتجاً جديداً، وهو ما ندعوه "ثقافة التنمية". نحن لا نرى أي هدف في ثقافة قائمة على تحقيق أقصى استفادة من الأفراد، بل تنطوي الثقافة المثلى على تلك القائمة على الاستثمار في الأفراد ومن ثم تحقيق أقصى استفادة منهم. وعندما نوازن بين هذين الجانبين، نكون أكثر استعداداً للتفكير فيما نطلق عليه في الكتاب "ثقافة الإرشاد" أو "ثقافة الرعاية".
لكن من الضروري ألا نحاول دفع التنمية والأداء في وقت واحد. ويوجد الكثير من الشركات التي تُثقل كاهل موظفيها بمراجعات الأداء الرئيسة. إلا أنني أعتقد شخصياً أنهم يرتكبون خطأ فادحاً. هم يظنون أن مراجعات الأداء تنطوي على تقييم أداء الأفراد فيما يتعلق بأهدافهم وغاياتهم وتطلعاتهم، ومن ثم الحديث عن كيفية تغيير بعض الممارسات.
وهذا هو الجزء الخاطئ، إذ من غير الصائب تنفيذ هذين الأمرين معاً. فلا أحد يمر بمرحلة مراجعة الأداء دون أن يشعر أنه في موقع دفاع، جميعنا نفعل ذلك. وبالتالي، من غير الصائب وضع الشخص في تلك الحالة الذهنية أو الإطار الذهني أو محادثة التنمية تلك، لكن كلاهما مهم. لذلك نصيحتي هي القيام بهما في أوقات منفصلة.
أليسون بيرد: أليس من الضروري أن يُتّبع هذا النهج في جميع أنحاء المؤسسة، وأن يمتلك كل مدير رغبة في تكريس بعض الوقت لتقديم الإرشاد لموظفيه، إلى جانب تقبّله أن الموظفين قد لا يسيرون في الاتجاه الذي يتوقعه منهم أو يريد منهم اتباعه؟
ريتشارد بوياتزيس: من النادر أن نتمكن من إجراء تغيير مؤسسي شامل، ويدرك الأشخاص الذين يدرسون التغيير المؤسسي ذلك. وقد اعتدنا أن نقول أن نسبة الشركات القادرة على إجراء هذا التغيير هي 33 في المائة. أعتقد أن الأمر يتعلق بحجم المؤسسات، بيد أنه من النادر بشكل عام أن نتمكن من تغيير مؤسسة بأكملها. ولكن إن أمكنك تغيير وحدة كاملة، سواء كانت وحدة أعمال أو مصنع أو شعبة، ستبدأ الأقسام الأخرى في الانجذاب نحوها.
وهو ما يمكننا من الحصول على تغيير مستدام في المؤسسات. وقد شهدنا ذلك بالفعل، خاصة في بعض الشركات التي تمتلك ثقافات قائمة على المشاركة. على سبيل المثال، ما تمكّن جون تشامبرز من تنظيمه في شركة "سيسكو سيستمز" (Cisco Systems) كان مذهلاً. فقد تمكنت الشركة من تحقيق حوالي 12 إلى 18 عملية استحواذ في السنة. وقد أخبرني النائب الأول للرئيس أن 75% من الرؤساء التنفيذيين الرئيسين قبلوا تأخير مواعيد استحقاقاتهم.
أليسون بيرد: هذا مثير للإعجاب.
ريتشارد بوياتزيس: ويمكنك مقارنة هذه الشركة بشركة أخرى متخصصة في مجال التكنولوجيا المتطورة في تلك الحقبة، مثل شركة "أوراكل" (Oracle). أجرت هذه الشركة الكثير من عمليات الاستحواذ، بيد أن معظم المسؤولين الرئيسين في تركوا العمل في الشركة قبل توقيع الوثائق حتى.
أليسون بيرد: هل يوجد عنصر ثقافي لهذا النهج؟ هل يُعتبر تقديم الإرشاد صعباً بعض المجتمعات أكثر من غيرها؟
ريتشارد بوياتزيس: نعم. هذا صحيح، من الأسهل إجراء التدريب في بعض المجتمعات أكثر من المجتمعات الأخرى. وإحدى المعضلات التي لاحظتها عند عقد برامج تدريبية أو فصول دراسية في العديد من بلدان العالم في أوروبا أو آسيا التي تتمتع بما وصفه هوفستد فارق القوى أو ثقافة قائمة على التراتبية هو أنه من المحظر على الموظفين قول أي شيء أمام شخص ذي منصب أعلى أو أدنى.
على سبيل المثال، تُعتبر اليابان وكوريا والمملكة العربية السعودية بلداناً قوية إلى حد ما أكثر من إيطاليا واليونان وإسبانيا والبرتغال، وبالتالي فإن وجود فارق القوى هذا يمنع الأفراد من التحدث بصراحة في البرامج التدريبية. وأتذكر في التسعينيات عقد هذه البرامج التدريبية في العديد من الشركات في شمال إيطاليا مع المسؤولين التنفيذيين الذين امتنعوا عن ذكر أي شيء في الجلسات. إلا أنني لم أتمكن من منعهم من التحدث عند احتساء القهوة أو عند تناول الغداء أو العشاء، حيث كانوا يجرون معظم نقاشاتهم في تلك الأوقات.
ينّمي الإرشاد مهارات الأفراد في كل الثقافات حول العالم، وخاصة في الجلسات الفردية. كما أنه يُعتبر واعداً أكثر من البرامج التدريبية، أو برامج التعليم النظامي، وينطوي هدفه على مساعدة الأفراد في التطور كقادة أفضل.
أليسون بيرد: قد يأخذ الإرشاد أشكالاً مختلفة، هل هذا صحيح؟ لقد ذكرت الإرشاد بين الأقران، وتحدثنا عن إرشاد المدير موظفيه. ولكن هل يمكن للموظفين أيضاً إرشاد مدرائهم؟
ريتشارد بوياتزيس: نعم يمكن للموظفين إرشاد مدرائهم وأقرانهم. لكن قد يكون إجراء هذه المحادثات مع المدراء محرجاً بعض الشيء، بمعنى أنه قد لا يكون بعض المدراء منفتحين على ذلك. بيد أن هذه المحادثات قد تكون مثمرة للغاية. على سبيل المثال، كان أحد أفضل المدربين الذين قابلتهم هي طالبة سابقة لدي، لدرجة أنها كانت عندما تعرض علي فكرة ما أجد أنها تستحق التفكير فيها، حتى عندما لا أكون في حالة مزاجية جيدة. وغالباً ما كنت ألجأ إليها فعلاً وأطلب رأيها حيال بعض المواضيع. وبالتالي، يمكن أن يقوم الموظفون بإرشاد المدراء، إلا أنه أمر صعب بعض الشيء في حال لم تكن العلاقات منفتحة.
أليسون بيرد: أشعر أنني اكتسبت بعض الخبرة في إرشاد الآخرين بعد العمل معك على هذا المقال. وآمل أن يكتسب مستمعونا بعض هذه الخبرة أيضاً. شكراً جزيلاً على حضورك اليوم.
ريتشارد بوياتزيس: شكراً لكم على استضافتي.
أليسون بيرد: كان معنا في هذه الحلقة حول الإرشاد الفاعل ريتشارد بوياتزيس، الأستاذ الجامعي في جامعة "كيس وسترن ريسرف". وهو أيضاً مؤلف كتاب "مساعدة الأشخاص على التغيير" ومقالة نُشرت في مجلة هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "الإرشاد من أجل التغيير" ويمكنكم مطالعتها في عدد سبتمبر/ أيلول - أكتوبر/ تشرين الأول 2019 من المجلة أو على موقع المجلة الإلكتروني: HBR.org.
هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي، وحصلنا على الدعم التقني من روب إيكارت. ونشكر أيضاً آدم بوتشولز مدير الإنتاج السمعي. شكراً لاستماعكم إلى برنامج "آيديا كاست" المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا أليسون بيرد.
اقرأ أيضاً: