4 تحيزات سلوكية تجعل القادة يتخذون قرارات غير أخلاقية

19 دقيقة
ما مدى انعدام أخلاقك؟

أجب بصحيح أو خطأ عن الجملة التالية: "أنا مدير أخلاقي". وعن السؤال التالي: ما مدى انعدام أخلاقك؟

إذا أجبت بصحيح عن السؤال الأول، فإليك حقيقة غير مريحة: أنت لست أخلاقياً على الأرجح. يعتقد معظمنا أننا أخلاقيون وغير منحازين، ونتخيل أننا صنّاع قرار جيدون وقادرون على تقييم مرشّح للوظيفة أو صفقة لمشروع بشكل موضوعي، والتوصل إلى استنتاج عادل ومنطقي يصبّ في صالحنا وصالح مؤسستنا. لكن يؤكّد أكثر من عقدين من البحوث أننا لا نرقى في معظمنا في الواقع إلى مستوى تصورنا الذاتي المتضخم؛ فنحن ننخدع بما يدعوه ديفيد آرمور، عاِلم النفس في جامعة "ييل" (Yale)، بوهم الموضوعية، أي المفهوم الذي يفيد أننا متحرّرون من التحيزات نفسها التي نسارع إلى التعرف إليها لدى الآخرين. وعلاوة على هذا، قد تتعارض هذه التحيزات غير الواعية أو الضمنية مع معتقداتنا الصريحة التي اكتسبناها بوعي. وقد نعتقد بثقة واقتناع أن السباق على الترشّح لمنصب ما لا يؤثّر في قرارات التعيين التي نتّخذها أو أن تضارب المصالح لا يؤثر فينا. لكن البحوث النفسية تكشف، وبشكل روتيني، تحيزات لا شعورية وغير مقصودة. وتشير كثرة هذه التحيزات إلى أنه حتى الأشخاص أصحاب النوايا الحسنة يسمحون دون قصد منهم للأفكار والمشاعر اللاشعورية بالتأثير على القرارات الموضوعية في ظاهرها. تطرح هذه الأحكام المنقوصة إشكالية أخلاقية وتقوّض العمل الأساسي الذي يقوم به المدراء والذي يهدف إلى توظيف أشخاص أصحاب مواهب عظيمة والاحتفاظ بهم وتعزيز أداء الأفراد والفرق والتعاون بشكل فاعل مع الشركاء.

يستكشف هذا المقال أربعة مصادر ذات صلة بعملية صنع القرار غير الأخلاقية غير المقصودة وهي: أشكال التحيّز الضمنية، والتحيز الذي يفضّل المجموعة الخاصة بالشخص، وتضارب المصالح، والميل إلى المغالاة في طلب الفضل. ولأننا لا نعي مصادر التحيز هذه، فإنه لا يمكن معالجتها من خلال معاقبة الأشخاص على قراراتهم السيئة. ومن غير المرجح أيضاً أن تُصحّح من خلال التدريب على الأخلاقيات التقليدية. ويتعيّن على المدراء بدلاً من ذلك أن يستقدموا نوعاً جديداً من اليقظة والحذر. بداية، يتطلّب هذا الأمر التخلي عن المفهوم القائل أن مواقفنا الواعية تمثّل دوماً ما نعتقد أنها تمثّله، كما يتطلّب أيضاً أن نتخلّى عن إيماننا بموضوعيتنا وقدرتنا على أن نكون منصفين. وسوف نقدم في الصفحات التالية استراتيجيات من شأنها أن تساعد المدراء على إدراك هذه التحيزات المنتشرة والمدمّرة واللاشعورية والحدّ من تأثيرها.

التحيّز الضمني: التحيّز الناشئ عن معتقدات لا شعورية

يبذل أغلب الأشخاص أصحاب العقول النزيهة جهداً لتقييم الآخرين وفقاً لاستحقاقاتهم، غير أن البحث الذي أجريناه يُظهر إلى أي مدى يُقيّم الأشخاص آخرين وفقاً لصور نمطية ومواقف لا شعورية أو "تحيّز ضمني". كما أن تجذّر التحيّز الضمني في آليات التفكير الأساسية هو ما يجعله شائعاً للغاية ومتكرراً. إذ إننا نتعلّم ربط الأشياء التي تتماشى عادةً مع بعضها في وقت مبكر ونتوقّع منها أن تتعايش بالضرورة: مثل البرق والمطر مثلاً، أو الشَّعر الرمادي والتقدم في السن. وغالباً ما تفيدنا هذه المهارة بدرجة كبيرة في التعرف على الروابط والتعلّم منها.

اقرأ أيضاً: دروس مستقاة من القيادة الأخلاقية

لكن لا تعكس روابطنا بالطبع إلا مقاربات للحقيقة فحسب؛ لأنها نادراً ما تنطبق على كل لقاء. ولا يترافق البرق دوماً مع المطر ويمكن أن يشيب شعر الشباب أيضاً. وعلى الرغم من ذلك، ولأننا نشكّل هذه الروابط بشكل تلقائي لتساعدنا على تنظيم عالمنا، نعتاد الثقة بها حتى تتمكن من أن تُعمينا عن الحالات التي لا تكون فيها هذه الروابط دقيقة، عندما لا تتماشى مع توقعاتنا.

ولأن التحيّز الضمني ينشأ من الميل الطبيعي واللاشعوري لتشكيل روابط، فهو يختلف عن أشكال التحيز الواعية مثل العنصرية العلنية أو التحيز الجنسي. ويفسّر هذا التمييز أسباب إضمار الأشخاص المتحرّرين من التحيّز الواعي لتحيزات والتصرف وفقاً لها. عند عرض صور تضع الرجال ذوي البشرة السوداء والعنف جنباً إلى جنب، وتُصوّر النساء كأدوات جنسية، وتُلمح إلى أن الأشخاص المعوقين جسدياً ضعفاء عقلياً، وإلى أن الفقراء كسالى، لا بد أن يُشكل أكثر الأشخاص حيادية عن وعي روابط متحيزة. وتتشكل هذه الروابط في مكان العمل كما تتشكل في أي مكان آخر.

منتصف التسعينيات من القرن العشرين، طوّر طوني غرينوالد، أستاذ علم النفس في جامعة واشنطن (University of Washington)، أداة تجريبية سمّاها اختبار الترابط الضمني (IAT)، بغرض دراسة التحيز اللاشعوري. تتطلّب النسخة المحوسبة من هذا الاختبار من الأشخاص تصنيف الكلمات والصور بوصفها "جيّدة" أو "سيّئة". وباستخدام لوحة المفاتيح، يتعين على الأشخاص الخاضعين للاختبار تمييز "جيد/سيّئ" خلال أجزاء من الثانية بين كلمات مثل "الحب" و"الفرح" و"الألم" و"الحزن"، وتصنيف صور لأوجه سوداء أو بيضاء وشابة أو عجوز وسمينة أو نحيفة (بالاستناد إلى التحيز الوارد في السؤال) في الوقت ذاته وهكذا دواليك. يكشف الاختبار عن التحيّز الضمني من خلال اكتشاف التحوّلات الدقيقة في زمن التفاعل الذي قد يحدث عندما يُطلب من الخاضعين للاختبار مطابقة مجموعات مختلفة من الكلمات والأوجه. ومن المرجح أن يكون الأشخاص الذين يعتقدون بشكل واعٍ أنهم لا يتمتعون بمشاعر سلبية تجاه الأميركيين الأفارقة مثلاً أو الأشخاص الكبار في السن أبطأ من حيث ربط الأشخاص الكبار في السن أو الأوجه السوداء مع كلمات "جيدة" مقارنة بربطهم الشباب أو الأوجه بيضاء البشرة مع كلمات "جيدة".

منذ عام 1998، عندما أتاح كل من غرينوالد وبرايان نوسيك وماهزارين باناجي اختبار الترابط الضمني على شبكة الإنترنت، خضع أشخاص من جميع أنحاء العالم إلى أكثر من 2.5 مليون اختبار أكّد نتائج التجارب المخبرية التي يغلب عليها الطابع التقليدي ووسّعها. ويُظهر كلاهما تحيزاً ضمنياً قوياً ومنتشراً. (لمزيد من المعلومات حول اختبار الترابط الضمني، راجع فقرة: هل أنت متحيز؟).

من المرجح أن تكون التحيزات مكلفة أيضاً؛ ففي التجارب المنضبطة، درس عالما النفس لوري رودمان من جامعة "راتغرز" (Rutgers)، وبيتر غليك من جامعة "لورانس" (Lawrence)، كيف يمكن أن تعمل التحيّزات الضمنية على استبعاد الأشخاص المؤهّلين من أدوار معينة. ودرستْ إحدى مجموعات التجارب العلاقة بين القوالب النمطية الضمنية التي يتبنّاها المشاركون، والمتعلقة بنوع الجنس وقرارات التوظيف التي اتخذوها. وتبين أن الأشخاص الذين يتمتعون بتحيّزات ضمنية أقوى هم أقلّ ميلاً لاختيار امرأة مؤهّلَة أظهرت سمات شخصية نمطية "ذكورية" مثل الطموح أو الاستقلالية لوظيفة تتطلّب نمطيّاً صفات "أنثوية" مثل المهارات الشخصية، إلا أنهم اختاروا رجلاً مؤهّلاً يعرض الصفات ذاتها. وكان التصوّر المنحاز للموظّف هو أنه كان من المرجح أن تكون المرأة ماهرة اجتماعياً بدرجة أقل بالمقارنة مع الرجل على الرغم من أن مؤهلاتهما كانت متماثلة في الواقع. وتشير هذه النتائج إلى أن التحيز الضمني قد يكون مكلفاً من خلال استبعاد الأشخاص المؤهّلين من المؤسّسات ذاتها التي تسعى إلى اكتساب مهاراتهم.

اقرأ أيضاً: كيف يتحول السلوك غير الأخلاقي إلى عادة

تكشف الحالات القانونية أيضاً التكاليف الاقتصادية والاجتماعية الفعلية للتحيز الضمني. لنأخذ قضية برايس ووترهاوس كوبرز ضد هوبكنز مثالاً على ذلك. فعلى الرغم من تسجيلها ساعات قابلة للفوترة أكثر من أقرانها، وتقديمها 25 مليون دولار إلى الشركة، واكتسابها الثناء من عملائها، رُفضت ترقية آن هوبكنز لتكون شريكة، مما حداها إلى مقاضاة الشركة. تكشف تفاصيل القضية أن مقيّميها كانوا متحاملين عليها بشكل صريح في مواقفهم. فقد علّقوا مثلاً بأن "آن تلقت تعويضاً مبالغاً فيه لأنها امرأة"، واحتاجت إلى "تلقي دورة في آداب السلوك". لكن لعل الأمر الأكثر إدانة من وجهة النظر القانونية كانت الشهادة الفظة من قسم البحوث التجريبية. إذ أفادت أستاذة علم النفس سوزان فيسكه في شهادتها باعتبارها خبيراً للدفاع، والتي تدرّس حالياً في جامعة "برينستون" (Princeton) بأنّ إمكانية اتخاذ قرارات متحيزة متأصلة في النظام الذي يتمتع فيه الشخص بوضع "منفرد"، أي بنظام يكون فيه الشخص هو الوحيد من نوعه (مثل المرأة الوحيدة والشخص الأميركي الإفريقي الوحيد والشخص الوحيد صاحب الإعاقة وغيرها). واستنتج القاضي غيرهارد جيسيل أن "ثمة عملية أكثر دقة بكثير (بالمقارنة مع القصد التمييزي المعتاد)" في التقييمات التي أُجريت لآن هوبكنز، وفازت في المحكمة الابتدائية والمحكمة العليا في ما أصبح الآن قضية بارزة في قانون التمييز.

بالمثل، توضح قضية توماس كوداك عام 1999 أنه يمكن للتحيّزات الضمنية أن تكون الأساس الذي تستند إليه الأحكام. وفي هذه الحالة، طرحتْ المحكمة سؤالاً عما "إذا تعمّد صاحب العمل عن قصد أن يستند إلى التقييمات القائمة على العرق، أم أنه فعل ببساطة بسبب القوالب النمطية الجامدة أو التحيز". واستنتجت المحكمة أن المدعين يستطيعون بالفعل تحدّي "التقييمات الذاتية التي قد تُخفي التمييز العنصري السري أو اللاشعوري بسهولة". وعلى الرغم من حرص المحاكم على عدم إسناد المسؤولية بسهولة للتحيزات غير المقصودة، توضح هذه القضايا إمكانات المسؤولية القانونية للشركات التي يمكن لأنماط السلوك هذه أن تخلقها دون قصد.

هل أنت متحيز؟

هل أنت مستعد للمراهنة على أنك تشعر بالطريقة نفسها تجاه الأميركيين الأوروبيين والأميركيين الأفارقة؟ ماذا عن النساء بالمقارنة مع الرجال؟ أو الأشخاص الأكبر سناً بالمقارنة مع الشبان؟ فكّر ملياً قبل أن تقبل ذلك الرهان. (زُر الموقع الإلكتروني: implicit.harvard.edu أو www.tolerance.org/hidden_bias لتعاين مواقفك اللاشعورية).

تكشف اختبارات الروابط الضمنية المتاحة على هذه المواقع الإلكترونية المعتقدات اللاشعورية من خلال الطلب من الخاضعين لها الربط خلال أجزاء من الثانية بين الكلمات والدلالات والصور السلبية أو الإيجابية التي تمثّل مختلف أنواع الأشخاص. وتكشف مختلف الاختبارات المتاحة على هذه المواقع الفروقات أو الاتساقات بين المواقف الشعورية واللاشعورية للخاضعين للاختبار تجاه أشخاص من مختلف الأعراق أو التوجه الجنسي أو السمات الجسدية. وتخبرنا البيانات التي جُمعت من أكثر من 2.5 مليون اختبار على شبكة الإنترنت وبحوث إضافية أن أوجه التحيز اللاشعورية:

منتشرة على نطاق واسع. إذ يبدي 75% على الأقل من الأشخاص الخاضعين للاختبار انحيازاً ضمنياً لصالح الشباب والأغنياء وذوي البشرة البيضاء.

راسخة. إذ لا يلغي مجرد الرغبة الواعية في عدم الانحياز التحيز الضمني.

تتنافى مع النية الواعية. على الرغم من أن الأشخاص يميلون إلى الإفادة عن تحيز واعٍ بسيط أو معدوم ضد الأميركيين الأفارقة والعرب والأميركيين العرب واليهود والرجال الشاذين والنساء الشاذات أو الفقراء، إلا أنهم يظهرون تحيزاً كبيراً بمقاييس التحيز الضمني.

مختلفة من حيث حدتها وفقاً لحالة المجموعة. يميل أعضاء مجموعة الأقلية إلى إظهار تفضيل ضمني أقل لمجموعتهم الخاصة ممّا يظهره أعضاء مجموعة الأغلبية لمجموعتهم. على سبيل المثال، يفيد الأميركيون الأفارقة بتفضيل كبير لمجموعتهم فيما يتعلّق بالتدابير الصريحة، ولكنهم يُظهرون تفضيلاً ضمنياً بدرجة أقل نسبياً في الاختبارات. وعلى النقيض من ذلك، يفيد الأميركيون من ذوي البشرة البيضاء بانحياز صريح بسيط لمجموعتهم ولكن بانحياز ضمني أعلى.

تبعية. من المرجّح أن يتصرّف الأشخاص الذين يُبدون مستويات أعلى من التحيّز في اختبار الترابط الضمني بطرق أكثر تحيّزاً في التفاعلات المباشرة مع أعضاء المجموعة التي يتحيزون ضدها وفي القرارات التي يتخذونها مثل قرارات التوظيف.

مكلفة. تشير البحوث الجارية حالياً في مختبرنا إلى أن التحيز الضمني يولّد "ضريبة مقولبة"، إذ لا يحصل المفاوضون على أكبر قدر ممكن من المال لأن أوجه التحيّز تجعلهم يخسرون فرص تعلم المزيد عن خصومهم وبالتالي تحقيق قيمة مضافة من خلال مبادلات ذات منفعة متبادلة.

المحاباة داخل المجموعة: التحيز الذي يحابي مجموعتك

فكِّر في بعض الخدمات التي قدمتَها في السنوات الأخيرة، سواء كانت لصديق أو قريب أو زميل. هل ساعدتَ أحداً على الحصول على تقديم مفيد أو قبول إلى الجامعة أو وظيفة ما؟ يُسرّ معظمنا بتقديم المساعدة عبر خدمات مماثلة. ومن غير المفاجئ أننا نميل إلى تقديم مزيد من الخدمات إلى الأشخاص الذين نعرفهم، ويميل أولئك الأشخاص الذين نعرفهم إلى أن يكونوا مثلنا: إذ يشاركوننا جنسياتنا وطبقتنا الاجتماعية وربّما الدين أو العرق أو رب العمل أو المدرسة الأم، ويبدو هذا برمته بريئاً إلى حدّ ما. فما الخطأ في أن تطلب من جارك، عميد الكلية، أن يجتمع مع ابن زميلك في العمل؟ ألا تقومين من باب المساعدة بالتوصية بصديقة سابقة في النادي النسائي لوظيفة ما أو الحديث مع قريبك المصرفيّ عندما يُرفض طلب صديقك في الكنيسة للحصول على قرض منزلي؟

اقرأ أيضاً: 5 إشارات تدل على أن مؤسستك تتجه نحو فضيحة أخلاقية

يعتزم قلة من الأشخاص استبعاد أي شخص من خلال تصرفات لطيفة كهذه. لكن عندما يخصص الذين هم ضمن الأغلبية، أو في مواقع السلطة، الموارد الشحيحة (مثل الوظائف والترقيات والقروض العقارية) لأشخاص يشبهونهم تماماً، فهم بذلك يمارسون التمييز في حق أولئك الذين يختلفون عنهم. تصل هذه "المحاباة ضمن المجموعة" إلى درجة إعطاء فضل إضافي للعضوية في المجموعة. لكن، وفي حين يُعتبر التمييز ضد الأشخاص المختلفين أمراً غير أخلاقي، فغالباً ما يُنظر إلى مساعدة الأشخاص المقربين منّا بشكل إيجابي. فكّر في عدد الشركات التي تشجّع هذا الأمر بصراحة من خلال تقديم علاوات توظيف إلى الموظفين الذين يرشحون أصدقاءهم للحصول على وظائف.

تأمّل النتيجة التي مفادها أنه من المرجح أن ترفض البنوك في الولايات المتحدة طلب رهن عقاري مقدَّم من قبل شخص أسود البشرة أكثر من رفضها لطلب مقدّم من قبل شخص أبيض البشرة حتى عندما تكون مؤهلات المتقدّمين متساوية. وبينما قد يكون هذا الأمر صحيحاً بالنسبة إلى بعض البنوك وبعض موظفي القروض، فقد جادل عالم النفس الاجتماعي ديفيد ميسيك بأنه من المرجح أن تُشكّل المحاباة ضمن المجموعة السبب الرئيس وراء هذا الإقراض التمييزي؛ فقد يشعر موظف القروض أبيض البشرة بالأمل أو التساهل تجاه طالب قروض أبيض البشرة غير مؤهّل، في حين يتبع معايير إقراض البنك بصرامة عند التعامل مع طالب قرض أسود البشرة غير مؤهّل. وعند منع الرهن العقاري لطالب قرض أسود البشرة، قد لا يُبدي المسؤول عن القروض عدائية تجاه السود بقدر إبدائه المحاباة تجاه البيض. ويعدّ هذا التمييز دقيقاً ولكنه حاسم.

هل أنت مستعد للمجازفة بأن تكون ضمن المجموعة المحرومة نتيجة القرار الذي تتخذه شخصياً؟

إن التكلفة الأخلاقية واضحة، ويجب أن تكون سبباً كافياً لمعالجة المشكلة. لكن يؤدي تحيز غير مقصود كهذا إلى تأثير إضافي هو: تراجع صافي الأرباح، يتكبد المقرضون الذين يمارسون التمييز بهذه الطريقة مثلاً تكاليف الديون السيئة التي كان بوسعهم تجنبها لو كانت قراراتهم بشأن الإقراض أكثر موضوعية. كما قد يجدون أنفسهم عُرضة للدعاية الضارة أو دعاوى التمييز إذا كُشف نمط الإقراض المشوّه علناً. وفي سياق مختلف، قد تدفع الشركات ثمناً حقيقياً ينجم عن تعيينها لموظفين هامشيين ما كانوا ليصلوا إلى هذه الدرجة الوظيفية لولا تعاطف مدير التوظيف المتأثر بالمحسوبية الخاصة بأعضاء المجموعة.

تكون المحاباة داخل المجموعة متماسكة عندما تمنح العضوية مزايا واضحة كما تفعل مثلاً بين الأشخاص البيض والفئات الاجتماعية المهيمنة الأخرى. (قد تكون أضعف أو غائبة بين الناس الذين لا توفر عضويتهم في المجموعة ميزات مجتمعية تذكر). وبالتالي، بالنسبة إلى مجموعة واسعة من المهام الإدارية بدءاً من التوظيف والإقالة والترويج ووصولاً إلى خدمات التعاقد وإقامة الشراكات، يتعرّض المرشّحون المؤهّلون من الأقليات للتمييز دون قصد وبما لا يلفت الأنظار، ويحدث ذلك أحياناً لمجرد أنّهم من الأقليات، فلا يوجد عدد كافٍ منهم لمواجهة الميل إلى المحاباة داخل مجموعة الأغلبية.

المغالاة في المطالبة بالفضل: التحيز الذي يفضّلك

من الطبيعي أن تكون لدى الأشخاص الناجحين آراء إيجابية عن أنفسهم. لكن تُظهر غالبية الدراسات أنّ معظم الأشخاص يعتبرون أنّهم يفوقون المعدل الطبيعي في مجموعة من المعايير، بدءاً من الذكاء ووصولاً إلى قدرات التحفيز. كما لا يشكّل المسؤولون التنفيذيون في قطاع الأعمال استثناءً لهذه القاعدة؛ فنحن نميل إلى المغالاة في تقدير مساهمتنا الفردية في المجموعات، الأمر الذي يميل إلى إحداث شعور مبالغ فيه بالاستحقاق بصراحة، ونصبح المستفيدين المفضوحين والمتكرّرين لهذا التحيّز غير الواعي، وكلّما فكّرنا في مساهماتنا وحدها فقط، حكمنا على الآخرين الذين نعمل معهم بطريقة أقلّ عدلاً.

توضّح البحوث المخبرية هذه التحيّزات ذات الطابع الشخصي. فطلب يوجين كاروسو ونيك إيبلي وماكس بازرمان مؤخراً في جامعة "هارفارد" من طلاب ماجستير إدارة الأعمال في مجموعات الدراسة تقدير نسبة العمل الذي اضطلع به كلّ منهم في مجموعته. وبطبيعة الحال فإنّ مجموع مساهمة جميع الأعضاء يجب أن تصل في مجموعها إلى نسبة 100%. لكن وجد الباحثون أن متوسّط المجموع لكلّ مجموعة دراسية قد بلغ 139%. وفي دراسة ذات صلة، كشف كاروسو وزملاؤه عن المبالغة المتفشية التي يقوم بها الكتّاب الأكاديميون حول مساهماتهم في مشاريع بحثية مشتركة. وللأسف ولا غرابة، كلّما تجاوز مجموع الجهود الجماعية المقدّرة نسبة 100% (بعبارة أخرى، كلّما زاد الفضل الذي يعزوه كل شخص إلى نفسه)، قلّت رغبة الأطراف في التعاون في المستقبل. وبالمثل في عالم الأعمال، أن تعزو قدراً مبالغاً به من الفضل لنفسك يمكنه أن يزعزع التحالفات. فعندما يعزو كلّ طرف في شراكة استراتيجية قدراً مبالغاً به من الفضل لمساهمته ويُشكك فيما إذا كان الطرف الآخر يساهم بشكل منصف، يميل كلاهما إلى التعويض عن ذلك من خلال تخفيض مساهماتهم. وسيترتب على ذلك بالطبع تبعات واضحة فيما يتعلق بأداء المشروع المشترك.

هل صُنع أعضاء شركتك ذوي الإنجازات الفائقة كلهم من العجينة ذاتها؟

من المتوقع أن تخفض المغالاة غير الواعية في المطالبة بالفضل أداء المجموعات واستدامتها داخل المنظّمة تماماً كما قلّصت من رغبة الكتّاب الأكاديميين في التعاون، كما يمكن أن يكون لها أثر سلبيّ على التزام الموظفين. فكّر كيف يتلقى الموظفون نبأ زيادة الراتب. إذ لا يختلف الكثيرون منهم عن الأطفال في بحيرة ووبيجون، معتقدين أنهم بدورهم، يُصنّفون في النصف الأعلى بين أقرانهم. ولكن من المحتّم أن يتلقى الكثيرون زيادة في الراتب أقلّ من المعدّل. فإن علم موظف بتلقي زميله تعويضاً أكبر – بينما كان يعتقد وبصدق أنه أكثر جدارةً به – فقد يكون الشعور بالمرارة أمراً طبيعياً. وقد تُترجم مرارته في أفضل الأحوال إلى انخفاض في الالتزام والأداء. وقد يترك المؤسسة التي لا يبدو أنها تقدّر إسهاماته في أسوأ الأحوال.

تضارب المصالح: التحيّز الذي يفضّل أولئك الذين يمكن لهم أن ينفعوك

يعلم الجميع أنه يمكن لتضارب المصالح أن يقود إلى سلوك فاسد مقصود. غير أن العديد من التجارب النفسية تُظهر مدى قدرة صراعات مماثلة على تشويه عملية اتخاذ القرار ولو بشكل غير مقصود. تقترح هذه التجارب تفشي حالات في عالم العمل تدفع فيها صراعات مماثلة أشخاصاً مهنيين صادقين وأخلاقيين بشكل غير واعٍ للقيام بتوصيات غير سليمة ولا أخلاقية.

يواجه الأطباء على سبيل المثال، تضارب مصالح عندما يقبلون دفعات من شركات الأدوية من أجل توجيه مرضاهم للمشاركة في التجارب السريرية. وفيما يعتقد معظم الأطباء بالتأكيد وبشكل واع أنهم يوجهون مرضاهم لأفضل هذه التجارب، فكيف يمكنهم التأكّد من أن الوعد بالدفع لم يحرف قراراتهم؟ وبشكل مماثل يكسب العديد من المحامين رسوماً ناجمة عن فوز موكليهم بقضايا التسويات المالية. وبما أن التقاضي مكلف ونتيجته غير مؤكّدة، فغالباً ما تكون التسويات خارج قاعات المحكمة خياراً مغرياً للمحامي. وقد يؤمِن المحامون وبشكل واع أن التسوية تصبّ في مصلحة موكليهم الفضلى، ولكن كيف يمكن لهم التأكد من أنه بوسعهم إعطاء حكم موضوعي وغير منحاز في هذه الحالة؟

يُظهر بحث أُجري مع محلّلي مركز وساطات مالية إلى أي حدّ يمكن لتضارب المصالح أن يشوّه وبشكل غير واعٍ عملية اتخاذ القرار. إذ أظهر استبيان للمحللين أجرته خدمة للبحث المالي تدعى "فيرست كول" (First Call) أنه خلال الفترة الزمنية عام 2000 عندما انخفض مؤشر "ناسداك" بنسبة 60%، فإن 99% من توصيات المحللين الماليين لزبائنهم ظلّت "اشترِ بقوة"، "اشترِ" أو "احتفظ بأسهمك". ما السبب في هذا التباين بين ما كان يجري في الواقع والتوصيات؟ قد تكمن الإجابة في نظام يعزّز تضارب المصالح. ويعتمد جزء من أجر المحلّل على عائدات شركة الوساطة المالية. لا بل تَعمد بعض شركات الوساطة إلى الربط ما بين تعويضات المحلّل وكمّ الأعمال التي يجلبها المحلّل إلى الشركة من الزبائن، معطية المحللين بذلك حافزاً واضحاً لإطالة وتوسيع نطاق العلاقة مع زبائنهم. لكن افتراض أن كل محللي شركة السمسرة كانوا فاسدين عن وعي أثناء هذا الهبوط الحادّ لمؤشر ناسداك وكانوا يعملون على استغلال عملائهم بهدف استثمار نظام الحوافز هذا يخالف المنطق السليم للأمور. وما من شكّ أن هناك بضع تفاحات فاسدة. ولكن على الأغلب هناك آخرين كثر آمنوا بأن توصياتهم هي في مصلحة زبائنهم الفضلى. إلا أن ما لم يدركه الكثيرون هو أن تضارب المصالح المتأصل في نظام حوافزهم جعل من المستحيل بالنسبة لهم أن يدركوا التحيّز الضمني الموجود في توصياتهم المغلوطة.

السعي جاهداً لا يكفي

فيما تستمرّ الشركات بالانهيار على وقع فضائح مالية ملاقية الخراب، تستجيب الشركات الكبرى بإعطاء تدريبات أخلاقية للمدراء، كما أنشأت مجموعة من كليات الأعمال الرائدة حول العالم مقرّرات جديدة، وكراسِ أستاذية في الأخلاقيات المهنية. وتركز العديد من هذه الجهود على تدريس مبادئ واسعة للفلسفة الأخلاقية بغية مساعدة المدراء على فهم التحدّيات الأخلاقية التي تواجههم.

نحن نُثني على هذه الجهود، إلا أننا نشكّ بأن مقاربة حسنة النية من نوع حاول بشكل أكثر جدية سوف تحسّن جذرياً نوعية اتخاذ القرار من قِبل المسؤولين التنفيذيين. ولنصل إلى ذلك، ينبغي توسيع تدريبات الأخلاقيات المهنية لتشمل ما نعرفه اليوم عن كيفية عمل عقولنا كما ينبغي، تعريض المدراء بشكل مباشر للآليات غير الواعية التي تكمن خلف عمليات اتخاذ القرار المنحازة.

يمكن للمدراء اتخاذ قرارات أكثر حكمة وأخلاقية إن أدركوا تحيزاتهم غير الواعية. ولكن كيف يمكن لنا الوصول إلى ما هو خارج إدراكنا الواعي؟ يتاح ذلك من خلال تسخير العقل الواعي؛ فكما يقاوم سائق سيارة متراصفة بشكل خاطئ قوة سحبها بشكل متعمّد، يستطيع المدراء أيضاً أن يطوّروا استراتيجيات واعية لمقاومة تحيّزاتهم اللاشعورية. فالمطلوب هنا هو اليقظة، أي الوعي المستمر بالقوى التي من شأنها أن تؤدي إلى انحراف عملية صنع القرار عن مسارها المقصود والتعديلات المتواصلة الرامية إلى التصدّي لهذه القوى. وتندرج هذه التعديلات ضمن ثلاث فئات عامة هي: جمع البيانات وتشكيل البيئة وتوسيع نطاق عملية صنع القرار.

جمع البيانات

إن الخطوة الأولى للحدّ من التحيّز اللاشعوري هي جمع البيانات للكشف عن وجوده. وغالباً ما تكون البيانات مضادة للحدس. تأمّل مثلاً في مفاجأة العديد من الأشخاص عند معرفتهم بتحيّزاتهم العرقية والجنسية في اختبار الترابط الضمني. لماذا يشعرون بالدهشة؟ لأنّ معظمنا يثق في "الإحصاءات" التي يوفرها حدسنا. يمكن جمع بيانات أفضل بسهولة لكن نادراً ما يحدث ذلك. وتتمثّل إحدى طرق الحصول على تلك البيانات في دراسة قراراتنا بطريقة منهجية.

أتذكُر مجموعات دراسة ماجستير إدارة الأعمال التي بالغ المشاركون فيها بتقدير مساهماتهم الفردية في الجهود التي بذلتها المجموعة بحيث فاق معدل الجهود المبذولة 139%؟ عندما طلب الباحثون من أعضاء المجموعة تقدير نسبة مساهمات كلّ من الأعضاء الآخرين قبل تقدير مساهماتهم الخاصة، انخفض مجموع المساهمات إلى 121%. لمّا يزل الميل إلى المطالبة بقدر أكبر مما ينبغي من الفضل قائماً، لكن استراتيجية "تحليل" العمل هذه قلّصت حجم الانحياز. في البيئات التي تتّسم بادعاءات من قبيل "أنا أستحق أكثر مما تمنحني"، غالباً ما يعمل مجرد الطلب من أعضاء الفريق أن يحلّلوا مساهمات الآخرين قبل تقدير نصيبهم الخاص من العمل على مواءمة الادعاءات بشكل أوثق مع ما هو مستحقّ بالفعل. وكما يبيّن هذا المثال، يمكن إجراء مراجعات منتظمة كهذه لعمليات صنع القرار الفردية والجماعية حتى أثناء اتخاذ القرارات.

التحليل هو استراتيجية بسيطة يتعيّن على المدراء استخدامها غالباً لتقييم عدالة ادعاءاتهم الخاصّة ضمن المؤسّسة، لكن بوسعهم أيضاً تطبيقها في أيّ موقف يبالغ فيه أعضاء الفريق أو المرؤوسون بالادعاء. على سبيل المثال، عند تفسير علاوة يشعر أحد الموظفين بأنّها غير مناسبة، لا يتعين على المدير أن يسأل المرؤوس عمّا يعتقد أنّه يستحقه وحده بل عمّا يعتبره علاوة ملائمة بعد أخذ مساهمة كلّ زميل والمبلغ المتوافر لزيادة الأجور بعين الاعتبار. وبالمثل، عندما تشعر إحدى النساء بأنّها تقوم بما يفوق نصيبها العادل من عمل الفريق، يمكن للطلب منها أن تفكّر في الجهود التي بذلها الآخرون قبل أن تقدّر الجهود التي بذلتها أن يساعد على تكييف تصوّرها مع الواقع واستعادة التزامها والتقليل من إحساسها المشوّه بالاستحقاق.

يُعدّ الخضوع لاختبار الترابط الضمني استراتيجية قيّمة أخرى لجمع البيانات. ونوصي بأن تستخدم الاختبار مع زملائك في المؤسّسة لكشف أوجه التحيّز الضمنية الخاصّة بكم. لكن لدينا تحذير واحد: من المهم أن تتعامل مع نتائج اختبارك ونتائج اختبارات الآخرين باعتبارها معلومات خاصّة؛ لأن الاختبار هو وسيلة تعليمية وبحثية وليس أداة اختيار أو تقييم. ويمكن أن تساعدك معرفة مقدار التحيّز الخاص بك ومدى انتشاره ببساطة على توجيه انتباهك إلى مجالات صنع قرار تحتاج إلى دراسة وإعادة نظر متأنية. على سبيل المثال، يتعيّن على المديرة التي يكشف اختبارها تحيّزاً نحو مجموعات محدّدة أن تفحص ممارسات التوظيف التي تقوم بها لمعرفة ما إذا كانتْ بالفعل تُفضّل هذه المجموعات على نحو غير متناسب. لكن، ولأن لدى العديد من الناس تحيّزات مماثلة، يمكن الإقرار بها أيضاً بشكل عام ويمكن استخدام تلك المعرفة كأساس لتغيير طريقة اتّخاذ القرارات. ومن الأهمية بمكان أن نتوخّى الحذر من اتخاذ تفشي هذه الظاهرة كحجّة لتبرير الرضا عن الذات والتقاعس عن العمل، إذ إن انتشار التحيّز لا يعد دليلاً على اعتباره ملائماً، تماماً كما لا يمكننا اعتبار ضعف البصر أمراً عادياً للغاية، بحيث لا يتطلّب عدسات تصحيحية للنظر.

ما هي قائمة الأسماء التي تبدأ بها عند التفكير في الأشخاص الذين سوف ترسلهم إلى برنامج تدريبي أو توصي بهم لمهمّة أو ترشّحهم لمنصب سريع التطوّر؟

شكّل بيئتك

تُظهر البحوث أنّه يمكن صياغة المواقف الضمنية من خلال مؤشّرات خارجية في البيئة. على سبيل المثال، استخدم كورتيس هاردين وزملاؤه من "جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس" (UCLA) اختبار الترابط الضمني لدراسة ما إذا كان التحيّز الضمني للشخص الخاضع للاختبار تجاه العرق سيتأثّر ما إذا كان الاختبار مُداراً من قبل باحثٍ أسود البشرة. خضعتْ مجموعة من الطلاب للاختبار تحت إشراف مُختبِر أبيض البشرة؛ وخضعتْ مجموعة أخرى له تحت إشراف مُختبِر أسود البشرة. وجد هاردين أن مُجرّد وجود مُختبِر أسود البشرة حدّ من مستوى التحيّز الضمني المناهض للأشخاص ذوي البشرة السوداء لدى لأشخاص الخاضعين للاختبار وأظهرت دراسات مماثلة عديدة آثاراً مماثلة مع فئات اجتماعية أخرى. ما هي أسباب تغيّرات مماثلة؟ يمكننا أن نتكّهن بأنه يُفترض بالمُختبَرين في الفصول الدراسية أن يكونوا مؤهّلين ومسؤولين وموثوقين. يعزي الأشخاص الخاضعون للاختبار الذين يرشدهم مُختبر أسود البشرة هذه السمات الإيجابية إلى ذلك الشخص ومن ثم إلى المجموعة برمتها ربما. وتشير هذه النتائج إلى أن أحد سبل علاج التحيّز الضمني يتمثّل في تعريض الشخص نفسه إلى صور وبيئات اجتماعية تتحدّى الصور النمطية.

نعرف قاضيةً تقع محكمتها في حيّ يغلب عليه الطابع الإفريقي الأميركي. وبسبب الجريمة وأنماط الاعتقال في المجتمع، فإنّ معظم الأشخاص الذين تصدر القاضية أحكاماً في حقهم هم من ذوي البشرة السوداء. واجهتْ القاضية معضلة، إذ أدّت اليمين القضائية لتكون موضوعية ومناصرة للمساواة، واعتقدت بالطبع أن قراراتها كانت غير متحيّزة. ومن ناحية أخرى، تعرّضت يومياً إلى بيئة عززت العلاقة بين الرجال ذوي البشرة السوداء والجريمة. وعلى الرغم من رفضها بشكل واعٍ للصور النمطية العرقية، إلا أنها اشتبهت في أنها أخفت تحيّزات لا شعورية لمجرّد العمل في عالم منعزل. وتساءلت وقد غرقت في هذه البيئة يومياً ما إذا كان من الممكن أن تمنح المتّهمين جلسة استماع عادلة.

بدلاً من السماح لبيئتها بأن تعزّز التحيّز، أوجدت القاضية بيئة بديلة؛ إذ قضت أسبوع عطلتها جالسة في محكمة أحد الزملاء الواقعة في حيّ كان معظم المجرمين الذين يُحاكمون فيه من ذوي البشرة البيضاء. وتحدّت قضية تلو الأخرى الصورة النمطية لذوي البشرة السوداء على أنهم مجرمون وذوي البشرة البيضاء على أنهم خاضعون للقانون، متحدية بذلك أيّ تحيّز ضد ذوي البشرة السوداء كان من المحتمل أن تعزّزه.

فكّر في الروابط المتحيزة المحتملة التي يعزّزها مكان عملك. هل يوجد "جدار للمشاهير" يتضمّن صوراً لأصحاب الإنجازات الكبيرة الذين صُنعوا جميعاً من الطينة نفسها؟ هل يُروّج بشكل ثابت لأنواع معيّنة من المدراء؟ هل يبالغ الناس في استخدام مقارنات محدّدة مستمدّة من مجالات معرفة نمطيّة أو محدودة (كالاستعارات الرياضية مثلاً أو مصطلحات الطهي)؟ يستطيع المدراء تدقيق مؤسّساتهم للكشف عن هذه الأنماط أو الإشارات التي تفضي إلى تكوين روابط نمطيّة عن غير قصد.

إذا كشفتْ إحدى عمليات التدقيق أن البيئة قد تعزّز السلوكيات غير الأخلاقية أو المتحيزة، فكّر في إنشاء تجارب نقيضة كما فعلتْ القاضية. على سبيل المثال، إذا كان القسم الذي تعمل فيه يعزّز الصورة النمطية للرجال باعتبارهم مهيمنين بشكل طبيعي في التسلسل الهرمي (معظم المدراء من الذكور ومعظم المساعدين من الإناث)، فابحث عن قسم يولي النساء مناصب قيادية وأعدّ برنامج تدريب. سوف تستفيد المجموعتان من تبادل أفضل الممارسات، وسوف تتعرّف مجموعتك بهدوء على إشارات مناهضة للقوالب النمطية. يجب أن يحرص المدراء الذين يُرسلون الأشخاص إلى الخارج لقضاء الوقت في مؤسّسات العملاء كطريقة لتحسين الخدمات على اختيار المؤسّسات التي يرجح أن تتصدّى للقوالب النمطية المعزّزة في شركتك.

توسيع نطاق عملية صنع قرارك

تخيّل أنك تتّخذ قراراً في أحد الاجتماعات حول سياسة هامة للشركة ستعود بالنفع على بعض مجموعات الموظفين أكثر من غيرها. قد تقدّم السياسة مثلاً وقت إجازة إضافي لجميع الموظفين ولكنها تلغي الوقت المرن الذي أتاح للعديد من الآباء الجدد الموازنة بين العمل والمسؤوليات العائلية. وقد تخفض سياسة أخرى سنّ التقاعد الإلزامي لتُقصي بعض العمال الأكبر سناً ولكنها ستخلق فرصاً للشباب ليتطوروا. الآن، تظاهر فيما تتّخذ قراراتك بأنّك لا تعرف المجموعة التي تنتمي إليها. ويعني ذلك أنك لا تعرف ما إذا كنت من كبار السن أو الشباب أو كنت متزوّجاً أو عازباً أو والداً أو ليس لديك أطفال أو ذكراً أم أنثى أو بصحة جيدة أم مريضاً. ستكتشف ذلك في النهاية ولكن ليس قبل اتخاذ القرار. في ظل هذا السيناريو الافتراضي، ما هو القرار الذي ستتّخذه؟ هل ستكون على استعداد للمجازفة بأن تكون ضمن المجموعة المتضرّرة من قرارك المجحف؟ كيف ستختلف قراراتك إذا كان بإمكانك إضفاء هويات متعدّدة عليها وألا تضفي الهوية الخاصة بك؟

يمكن لمجرد التفكير في خيار مناهض للقوالب النمطية على المستوى الواعي أن يحدّ من التحيّز الضمني. 

هذه التجربة الفكرية هي نسخة من مفهوم الفيلسوف جون راولز بعنوان "حجاب الجهل" الذي يفترض أنّ الشخص الذي يجهل هويته هو الشخص الوحيد القادر على أن يكون أخلاقيّاً بحقّ. يمكن لعدد قليل منّا ارتداء هذا الحجاب بالكامل، ولهذا السبب بالضبط يصعب تصحيح التحيّزات الخفية حتى عند تحديدها. ومع ذلك، قد يقدّم لك تطبيق حجاب الجهل على قرارك الإداري المهم التالي بعض البصيرة حول مدى تأثير التحيزات الضمنية عليك.

كما يمكن للمدراء الكشف عن التحيّز من خلال جمع البيانات قبل التصرّف بناءً على الحدس، فإنه يمكنهم اتخاذ خطوات وقائية أخرى. ما هي قائمة الأسماء التي تبدأ بها عند التفكير في الشخص الذي سترسله إلى برنامج تدريبي أو توصي به لمهمّة جديدة أو ترشحه لمنصب سريع التطور؟ يستطيع معظمنا، وبقليل من التركيز، التوصّل إلى مثل هذه القائمة بسرعة. لكن تذكّر أن حدسك يميل إلى التحيّز الضمني (وهو ما سيفضّل بشدّة المجموعات المهيمنة وذات الشعبية) والمحاباة داخل المجموعة (التي ستفضّل الأشخاص في مجموعتك الخاصة) والمبالغة في الادعاء (التي ستفضّلك)، وتضارب المصالح (الذي سيفضّل الأشخاص الذين تؤثّر مصالحهم على مصالحك الشخصية). بدلاً من الاعتماد على قائمة ذهنية قصيرة عند اتخاذ قرارات شخصية، ابدأ بقائمة كاملة من أسماء الموظّفين الذين يتمتّعون بمؤهّلات ذات صلة.

تترتب مجموعة من المزايا على استخدام قائمة واسعة من الأسماء، وأكثر هذه المزايا وضوحاً هو ظهور مواهب كان من الممكن أن تغفل عنها. أما الأمر الأقلّ وضوحاً والذي يتمتع بقدر مماثل من الأهمية، فهو أنّ مجرّد التفكير في اختيار مناهض للنمطية على المستوى الواعي يمكنه أن يقلّل من التحيز الضمني. وفي الواقع، فإنّ مجرّد التفكير في سيناريوهات افتراضية مناهضة للنمطية، من قبيل ما سيكون الحال عليه فيما لو ائتمنت إحدى زميلاتك الإناث على القيام بعرض تقديمي معقّد أو الحصول على ترقية من مدير أميركي من أصل أفريقي قد يؤدّي إلى اتخاذ قرارات أقلّ تحيّزاً وأكثر أخلاقية. وبالمثل، يمكن للتفكير الواعي في خيارات مناهضة للحدس في مقابل تضارب المصالح، أو عند وجود فرصة للمبالغة في الادعاء، أن يعزّز قرارات أكثر موضوعية وأخلاقية.

المدير اليقظ

إن كنتَ أجبت بـ"صحيح" عن السؤال المطروح في بداية هذه المقالة حول ما مدى انعدام أخلاقك؟، وشعرتَ ببعض الثقة أنك صانع قرار أخلاقي، فكيف سوف تجيب عن ذلك السؤال الآن؟ من الواضح أنّه لا الاقتناع البسيط ولا النية الصادقة كافيان لضمان أن تكون الممارس الأخلاقي الذي تتخيّله. يتعيّن على المدراء الذين يطمحون إلى أن يكونوا أخلاقيين أن يتحدّوا الافتراض القائل إنهم غير متحيّزون دائماً والإقرار بأنّ اليقظة، أكثر من حسن النية، هي الخاصية التي تميّز المدير الأخلاقي. ويجب أن يجمعوا البيانات بنشاط، وأن يشكلوا بيئاتهم ويوسعوا نطاق عملية صنع القرار الخاصة بهم. وعلاوة على ذلك، يجب أن يتاح سبيل واضح لجبر الضرر، إذ يجب على المدراء السعي وراء كلّ فرصة متاحة لتطبيق سياسات التمييز الإيجابي، لا بسبب أخطاء الماضي التي حدثت لمجموعة أو لأخرى، بل لأن الأخطاء اليومية التي نستطيع توثيقها الآن متأصّلة في السلوكيات العادية واليومية للأشخاص الجيدين وذوي النية الحسنة. ومما يثير السخرية أن أولئك الذين يفهمون إمكاناتهم في القيام بسلوكيات غير أخلاقية فقط يستطيعون أن يصبحوا صنّاع القرار الأخلاقيين الذي يطمحون لأن يكونوه.

اقرأ أيضاً: الثمن الذي ندفعه بسبب الممارسات غير الأخلاقية

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي