لماذا تتعثر الشركات أحادية القرن؟

4 دقائق

عندما وصل سهم شركة الخدمات المالية "سكوير" (Square)، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى 9 دولارات، وهو فارق مذهل مقارنة بأكثر من 15 دولاراً دفعها المستثمرون قبل عام، كان لهذا الفارق وقع الصاعقة على الشركة ذات السنوات الست. فقد ارتفعت قيمة السهم خلال الطرح العام الأولي للأسهم، لكن تقييم الشركة استمر في الانخفاض حتى وصل في النهاية إلى 4 مليارات دولار، وهو ما يعادل ثلثي قيمتها فقط في الطرح العام الأولي. في ذلك الوقت، كانت "سكوير" واحدة من أكثر من 130 شركة "أحادية القرن" (يونيكورن) (Unicorn)، وهي شركات التكنولوجيا التي تقدّر قيمتها بمليار دولار أو أكثر.

على الرغم من النمو السريع لعدد شركات "أحادية القرن" في السنوات الأخيرة، فإن المؤشرات التي حفلت بها نهاية السنة الماضية –مثل ما حصل مع أسهم "سكوير"– كانت كفيلة بإقناع الجميع أن شمس هذه الشركات ماضية إلى أفول. فالحاصل أن أداء كثير منها كان أقل من المتوقع، وعزا بعض المحللين سبب ذلك إلى المبالغة غير المنطقية في تقييمها، في حين اتجه فريق آخر إلى إلقاء اللوم على الإنفاق المفرط لهذه الشركات. وكلا التفسيرين أصاب كبد الحقيقة ونال من الكتابة والتعليل ما يستحق، لكن هناك سبب آخر لا يقل أهمية عنهما وهو: فشل شركات "أحادية القرن" في الابتكار وتوليد مزيد من الأفكار عند اشتعال حدة المنافسة من شركات أخرى.

تعمل هذه الشركات الوليدة في بيئة مليئة بالمؤسسات العملاقة والمخضرمة في مجالها، وما يمكّنها من النمو السريع هو تركيزها على مفهوم إبداعي جديد وعالي القيمة. على سبيل المثال، شقت شركة "سكوير" طريقها لتنافس شركات بطاقات الائتمان التي تتقاضى رسوماً عالية من صغار التجار، أما شركة "دروب بوكس"، الرائدة في التخزين الإلكتروني ومشاركة الملفات عبر الويب، فقد وفرت طريقة رخيصة وسهلة التعامل مع الملفات إلكترونياً، لمن ليس لديه خبرة بالتكنولوجيا، ولا يختلف عنهما عدد كبير من الشركات التي باتت تقدم الخدمات أو المنتجات عبر تطبيقات الهواتف الذكية فاتحة بذلك الباب واسعاً أمام جمهور عريض من المستهلكين الذين لم يكونوا جزءاً من المنظومة الاستهلاكية المعتادة. والأمر الذي بدا واضحاً للعيان الآن أن عدداً لا يستهان به من هذه الشركات لا تصارع من أجل البقاء فحسب، ولكن أيضاً لجلب المزيد من الإبداع والابتكارات للبناء على ما بدأته وتجاوزته

هذا وتعد شركة "دروب بوكس" التي تأسست عام 2007 واحدة من ألمع شركات "أحادية القرن"، حيث تخصصت في مجال التخزين السحابي والمبادلة الإلكترونية للملفات، وبرعت في تبسيط إجراءات التخزين على الويب عبر تصميم واجهة استخدام لا تكلف فيها ولا تعقيد، تشبه وضع مجلد على واجهة "سطح المكتب" وهي ليست في الواقع إلا امتداداً لنظام التشغيل في الكمبيوتر. وبهذه الفكرة العبقرية التي تجمع بين البساطة وتقدم التكنولوجيا استطاعت "دروب بوكس" أن تحفر اسمها باعتبارها واحدة من أولى شركات "اليونيكورن" في العالم.

لقد كانت "دروب بوكس" هي "الوجه الإعلاني" لمرحلة الصعود الصاروخي لشركات "أحادية القرن" خلال السنوات الماضية، لقد تمكنت من كسب ثقة 400 مليون مستخدم حول العالم وتقدر قيمتها اليوم بحوالي 10 مليارات دولار. لكن دوام الحال من المحال، فهذه الشركة الناشئة صارت اليوم في حلبة المصارعة ذاتها التي يوجد فيها عمالقة مثل "آبل" و"مايكروسوفت" و"جوجل" و"أمازون"، يتنافسون جميعهم في قطاع التخزين السحابي والمشاركة الإلكترونية منافسة طاحنة يحاول كل طرف فيها تقديم المزيد من المميزات مقابل رسوم أقل من طرف المستخدم. ليس هذا فحسب، بل إن جموع المستخدمين اليوم صارت تميل نحو الأجهزة الجوالة والحواسيب اللوحية حيث لا مكان لمفهوم "المجلد الذكي" الخاص بـ "دروب بوكس"، وحيث الكلمة الفصل في نظام التشغيل والتحكم به تعود إلى "آبل" و"جوجل" وأمثالهما. على سبيل المثال، إذا كان هاتفك الذكي مزوداً بخاصية التخزين السحابي عبر نظامه الخاص، فلن تجد نفسك مضطراً لإنفاق الوقت أو المال على تطبيق خارجي يوفر لك ما هو بين يديك. وبالتالي، يجب على "دروب بوكس" العمل على إنتاج ابتكارات جديدة تقيها السقوط في الهاوية أو الخروج من اللعبة تماماً. وهناك مثال من منافس أصغر اسمه "بوكس" (Box)، الذي فهم هذا الأمر وراح يأتي بخصائص جديدة منها تطبيق لإدارة المشاريع.

مثالنا الآخر يأتي من شركة "إيفرنوت" (Evernote)، التي ملأت الدنيا وشغلت الناس باعتبارها أداة رقمية فعالة لأخذ الملاحظات، تساعدك في تنظيم كل ما تجمعه بغض النظر عن نوع الجهاز الذي تستخدمه، حتى أنها جعلت رسالتها التي تعمل من أجلها هو أن تصبح "عقلك الثاني". لم يمض وقت كثير حتى أطلقت "جوجل" تطبيق "جوجل دوكس" (مستندات جوجل)، وتبعتها "آبل" بعمل مماثل وأطلقت تطبيق "آبل نوتس" (ملاحظات آبل). فما كان من "إيفرنوت" إلا أن اتجهت نحو تنويع خدماتها، وافتتحت عام 2013 "إيفر نوت ماركت" لبيع البضائع غير الإلكترونية (طابعات، حقائب، دفاتر ملاحظات)، غير أن ضرر هذا العمل كان أكثر من نفعه بسبب التشتت الذي يلم بالشركة حين تتبنى أنشطة تجارية غير متسقة وقد يعرّضها ذلك لبعض المخاطر التجارية.

يجب اتخاذ القرارات التجارية برؤية ثاقبة مع إعطاء الفرصة للتجريب للتأكد من النتائج. وفي حين أن الابتكارات عادة ما تلبي احتياجات الناس المعروفة، لا تزال هناك حاجة لاختبار هذه الابتكارات لاكتساب المصداقية. يتم ذلك عبر البدء بنطاق محدود ثم توسيعه لاحقاً وليس عبر إغراق السوق بالمنتجات والخدمات، ثم الترقب لمعرفة ما يُرجى نجاحه وما أخفق منها. وقد وقعت "إيفرنوت" في الخطأ التقليدي عندما ظنت أن عرضها للمزيد فيه تحسين لموقفها، لكن يُحسب لها تراجعها في فبراير/شباط 2016، حين وضعت إعلاناً على موقعها الإلكتروني توضح فيه عزمها إغلاق متجرها الإلكتروني، مبررة ذلك بأنها "في الأصل شركة برمجيات وتطبيقات".

وخاتمة القول، تتمتع شركات "أحادية القرن" التي لم تطرح أسهمها للاكتتاب العام (مثل "دروب بوكس" و"إيفرنوت") بميزة على الشركات الأخرى التي فعلت ذلك (مثل "سكوير"). فهم ما زالوا يمتلكون الفرصة لتحسين وتطوير أفكارهم قبل الخوض في مجال الاستثمار العام. بوسعهم أيضاً المضي في بناء ثقافة إبداعية ترى الابتكار عملاً يتجاوز توليد الأفكار الجديدة وطرحها في الأسواق: ثقافة تتوقع التغيير، بل وتبصر الفرصة في قلب هذا التغيير، ولا تعدم وسيلة لاختبار المبادرات بأوفر الطرق قبل اعتمادها على أوسع نطاق. وهم يفعلون ذلك دائماً، حيث يسبقون غيرهم فيما ينشغل منافسوهم في آخر ما ابتكروه ولا يكادون يتجاوزونه. وحين يطرق التنافس الشرس الأبواب، فلن ينجو من تلك الشركات إلا من كانت دائمة النظر إلى الأفق البعيد، ودائمة الاجتهاد للإتيان بكل جديد، وهو ما سيجعلها عصية على الوقوع في براثن الإعجاب بنجاحها السابق والركون إليه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي