ماذا يحدث عندما تفقد مرشدك؟

3 دقائق
فقدان المرشد

كان مرشدي طيلة 30 سنة. وقد وافته المنية أمس. فماذا عن فقدان المرشد الخاص بك؟

كان الرئيس التنفيذي للشركة التي بدأت فيها مشواري المهني بمجال الاستشارات، وعلى مدار الخمسة عشر عاماً التالية ربطتني به علاقة خالية من الرسميات. كان أسلوبه في القيادة يخلو من إلقاء التوجيهات المباشرة، وأقرب إلى الحث على استكشاف موضوعات مبتكرة ويذكّرنا دائماً بقوله: "فكر بهذا". كان يسعى لوضوح أساليب القيادة دون أي تعقيد: كيف تساعد الناس على إبراز أفضل ما لديهم، على الرغم من كل الصخب المحيط بك؟ كيف يمكننا بناء فرق عمل قوية مؤلفة من أفراد أقوياء؟ كيف نناقش مسألة الأجور دون الإضرار بثقافة الشركة؟ كيف نحافظ على شغف حقيقي لدى عملائنا مع استمرار نمونا؟ كان منهجه يعبّر عن ثقة عميقة لدرجة أننا كنا أشبه بشركاء في الشركة، نفسر قصصه وأسئلته ونطبقها على نحو صحيح. وكان ينتظر منا أن نصنع أسلوبنا الخاص. كان نجاح شركته مثالاً واضحاً على أن القيادة من خلال معاملة الآخرين كراشدين خير من أي أسلوب إداري آخر.

أقدر أستاذيته لي من من نواحٍ كثيرة، وتحديداً بعد أن غادر كل منا الشركة. كنا نتناول الغداء ونتجاذب أطراف الحديث حول مسائل أكثر عمقاً بلا أجندات مسبقة. كان يشاركني آخر مغامراته، وملاحظاته المضحكة، وأهم لحظات عمره في القيادة. في ذلك الحين كنت قد صرت رئيساً تنفيذياً لشركتي الخاصة، أصارع المشكلات الأبدية ذاتها في القيادة والتي سبق أن طرحها عليّ. وكنت كلي آذان مصغية. فقد ساعدتني نقاشات موائد الغداء بيننا على رؤية القيادة بعين أكثر خبرة لكنها لم تزل أقل حزماً. حين أخبرته ذات يوم بأنني أعتبره مرشداً عظيماً، رد بابتسامة ولم يزد. ولست أدري ما إذا كان يرى نفسه كذلك أم لا.

فقدان المرشد

حين أتأمل العلاقة التي تشكلت بيننا على مدى عقود، أدرك أنه رغم ما توفره الشركات من توجيه وإرشاد للموظفين النابهين، فإنه وبعد سن معينة، فإن ذلك التوجيه والإرشاد يتلاشى. مع أن هذا أكثر أوقات احتياجنا إليه، لأننا نصير حينها قادة لنا التأثير الأعظم على مرؤوسينا. يمكن لأعضاء مجلس الإدارة أن يقوموا بدور المرشدين، لكنهم في الوقت نفسه رؤساء العمل، وهو ما يجعل العلاقة أكثر حذراً، فضلاً عن أنها مرتبطة بجدول أعمال. وقد نستعين بمدربين متخصصين في الإدارة، لكن جل مساعدتهم تنصب على تكتيكات الإدارة. مع تقدم العمر والترقي لمناصب أرفع، يبدأ المرشدون من أمثال مرشدي في الاختفاء.

وباعتبارنا قادة جاوزنا الخمسين من العمر، يتوقع منا معرفة ما يجب فعله حق المعرفة. فقد تعلمنا دروس الحياة وصرنا نطبقها الآن. ألم يشكل معظمنا أسلوبه في القيادة ولم نزل شباناً؟ أما اليوم، ومع وتيرة الأعمال السريعة، من الذي يريد قائداً "يتدبر" الأمور؟ الناس يريدون قادة لديهم وضوح في الفكرة والتنفيذ. يريدوننا متسقين تماماً. يريدون منا قراراً.

لكن هل يجب أن يكون هناك المزيد؟

هل توجد مرحلة ما نصل فيها إلى عمر لا نحظى فيه بمرشدين ونصير ملزمين، بدلاً من ذلك، أن نلعب دور المرشدين، لا التلاميذ؟ حين أتدبر الرؤى التي قدمها لي مرشدي، أرى أن تلك هي المسألة المحورية. على الأغلب لن أجد مرشداً آخر في مجال عملي، لكن مرشدي الراحل قدم توجيهاته وحكمته مع توقع ضمني بأن أجد سبيلاً لتمريرها لغيري. وبذلك ربما لن تموت أستاذيته بموته. ولعل آخر هبة منحني إياها كانت الفرصة لتدبر ما منحني إياه، بهدف محاولة أن أصير مرشداً يستحق ما استثمره فيّ.

موت مرشدي يذكرني بأن جولتي محدودة، وربما قصيرة. ولست واثقاً ما إذا كنت جديراً بتمرير أفكاره ورؤاه لغيري. ودائماً ما يدهشني قول من هم أصغر مني سناً أنهم يعتبرونني مرشداً. "روب، حين قلت هذا، كان ذلك إيذاناً بتغيير اتجاه حياتي. وأريد أن أشكرك على هذا". وغالباً ما يكون "هذا" الذي يقصدونه عبارة عن تعليقات، لا أذكر، بصراحة، أنني قلتها.

لكن يبدو أن الوقت قد حان لارتداء عباءة الأستاذ. فالدروس التي تعلمتها من مرشدي - وغيره ممن قدموا لي توجيهات قيمة - صارت الآن جزءاً مني. علماً بأنني لم أتعلم منهم شيئاً بناءً على طلب منهم أو بطريق الإجبار والإكراه. بل كانت تأملاتهم العارضة النابعة من قلب خبراتهم هي مصدر تعليمي. كانوا يقدمون ومضات عبقرية من الحكمة مستقاة من تجاربهم الحياتية الغنية. كانوا يضعون حكمتهم على الطاولة، دون أن يحاولوا حشرها في فمي.

لقد أدركت أن المرشدين العظام لا يخبرونك بما عليك فعله، بل يجدون طريقة يخرجون بها أفضل ما لديك. علمني مرشدي ألا أحيط بكل شيء علماً أو أدير التفاصيل الدقيقة، بل أعرض التصورات المثيرة للتفكير. ليس المهم أن يفعل الموظفون الأشياء على طريقتي لكن الأهم أن نشكل معاً قيم ومبادئ مؤسستنا. فإن عرفوا خلال ذلك كيف يربطون شغفهم الشخصي بغاية المؤسسة، فهذا يعني أنك نجحت في إرشادهم. أرجو أن أكون قد فعلت هذا بالسليقة مع زملائي على مدى السنوات. لكن الوقت قد حان الآن لفعل هذا بنية مبيتة هذه المرة، على موائد الغداء، وفي الاجتماعات، وفي جلسات "النقاش" الجانبية.

وفي نهاية الحديث عن فقدان المرشد الخاص بك، كأي شخص فقد أحد أحبائه، فإني حزين لأني لم أر مرشدي مؤخراً. من يدري عدد القصص أو الأمثلة التي فاتتني فرصة التفكير فيها. أشعر كأنني لم أكمل تعليمي على يديه. وأعلم كذلك أنه عليّ الآن حمل الراية من بعده. فمن يا ترى سأتناول معه الغداء؟ إن الأستاذية، كمرشد ومتلقٍ، خاصة بالنسبة لمثلنا ممن بلغوا سن الخمسين، أثمن من أن نفرط فيها.

لكن لعل حياتنا لا تخلو أبداً من مرشد عظيم. فالحوارات القيمة التي أثروا بها عقولنا لا تُنسى.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي