يكذب الناس في المتوسط من مرة إلى مرتين في اليوم، وبينما تختلف النسبة المئوية للأكاذيب التي يرويها كل شخص، والظروف التي نكذب فيها، والدرجة التي نبتعد فيها عن الحقيقة، إلا أنّ البحث يؤكد أننا جميعاً نكذب في بعض الأحيان. إذاً، بالنظر إلى انتشار الكذب، فلا مناص من أن ننكشف في وقت من الأوقات. فماذا تفعل إذا انكشف الكذب؟
إنّ الكثير من الناس لا ينظرون إلى الأمر على هذا النحو، إذ يعتقد معظمنا أنّ أكاذيبنا تنطلي على الآخرين بالفعل، ويعود هذا بصورة أساسية إلى أنه نادراً ما تجري مواجهتنا. لكن في كثير من الأحيان تظهر إشارات، هذا إذا كنا على استعداد لرؤيتها، على وجوه من نكذب عليهم في شكل شكوك وعدم إيمان كاف.
لقد واجهتُ هذا مؤخراً أثناء اجتماع مراجعة عمل مع أحد العملاء، وهو مسؤول تنفيذي، سأطلق عليه اسم جابر، كان يقدم عرضاً عن الحالة المالية لشركته. وبينما كان يوضّح جابر الأسباب الكامنة وراء أوجه القصور في المرحلة المالية السابقة، وتوقعاته للمرحلة المقبلة، بدا على الأشخاص الموجودين في غرفة الاجتماع شعور عدم الارتياح المتزايد، لا، بل الشعور بالاضطراب، وشت نظراتهم المتبادلة والكاشفة حول الطاولة، إضافة للتلميحات الغريبة لأسئلتهم، بأنهم لم يقتنعوا تماماً بما يقول. بعد ذلك، تحدثتُ إلى جابر جانباً، وقلت له إن بعض زملائه بدوا متشككين. بيد أنه كان هنالك بعض الطرق التي مكنته من البدء في إصلاح الضرر الذي حدث.
ماذا تفعل إذا انكشف الكذب؟
إذا شعرتَ أنّ الالتفاف على المعلومات، أو إنكار الخطأ، أو زخرفة البيانات، أو المبالغة في حجم إسهاماتك قد جاءت بنتائج عكسية، فلا تفترض أنّ الأمور ستكون على ما يرام بعد أن ينحسر الصمت المؤلم، أو تتلاشى علامات الاستغراب البادية على الوجوه، فسمعتك الآن على المحك. إليك طريقة لاستعادة بعض مصداقيتك.
أولاً، فكر في السبب الذي دعاك إلى الكذب
عندما سألتُ جابر حول سبب تقديم بيانات غير صحيحة تماماً، أخبرني أنه شعر وكأنه لم يكن لديه خيار آخر. قال "كنت آخر مَن جرى تعيينه كمندوب للمبيعات حينها، وتوقع مني الجميع الفشل، وشعرت كأنني شخص غريب". دفعته حاجته اليائسة للشعور بالانتماء إلى محاولة شراء القبول.
نحن لا نكذب مصادفة، توجد وراء الأكاذيب احتياجات غير ملباة، ونعتقد أنّ الكذب قد يشبعها. إنّ تحديد هذه الاحتياجات هو بمثابة الخطوة الأولى لإيجاد طرق صحية أكثر لتلبيتها.
تذكر آخر مرة كذبت فيها في العمل، هل كانت لأنك شعرت أنّ مديرك قد تجاهلك أو حكم عليك بأسلوب غير عادل؟ هل لأنك خشيت أنّ يُنتقد خطؤك بقسوة أكثر من اللازم؟ هل لأنك تعتقد أنّ شعار "نتعلم من الأخطاء" الخاص بشركتك ينطبق على "تفضيلات خاصة" فقط، وليس عليك؟ أم لأنك كنت تتعامل مع مسألة تنظيمية كبيرة؟ يكشف بحثي الذي أجريته حول موضوع الكذب، وهو عبارة عن دراسة مطولة أُجريت على مدى 15 عاماً تناولتْ الظروف التي تتنبأ بأسباب الكذب في المؤسسات، أنّ بعضاً من تلك المؤسسات تخلق، عن غير قصد، ظروفاً تشجعنا على الكذب. عندما نشعر على سبيل المثال أنّ عملنا يُقيّم بصورة غير عادلة، فمن المحتمل أن نكون غير صادقين أربع مرات أكثر تقريباً من المعتاد.
مهما كانت دوافعك، تذكر أنّ تحديد سبب الكذب لا يبرره بأي حال من الأحوال. قد تميل إلى إخماد أي مشاعر ناتجة عن الإحساس بالعار من خلال تبرير الكذب لنفسك في المقام الأول، فلنتذكر أنّ عبارات مثل "هذا ليس عدلاً"، و"أنا أستحق كذا"، و"لماذا عليّ أن أفعل هذا" هي جميعها وسائل للدفاع نستخدمها لتبرير الخداع. إذا وجدت نفسك تدافع عن أكاذيبك، فإنّ ذلك يُعتبر علامة واضحة على أنك تتجنب أمراً أعمق بداخلك. بدلاً من فعل هذا، اسأل نفسك التالي "ما هي المخاوف الكامنة التي أحاول حماية نفسي منها؟" وتذكر أنّ الكذب لا يقدم لنا في الغالب أكثر من حالة مؤقتة من الاحترام الزائف في نظر الآخرين.
قيّم الضرر الذي سيلحق بك إذا كنت صادقاً
رغم أنّ ذلك ليس سهلاً، إلا أنه من المهم قياس إلى أي مدى سحبَ الآخرون ثقتهم منك. لاحظ الطريقة التي يستجيب بها زملاؤك إليك، هل يُطلب رأيك بوتيرة أقل من ذي قبل؟ هل يتم التعامل مع الأمور التي تقولها بأسلوب مختلف عن ذي قبل؟ في الحالات التي تبددت فيها مصداقيتك بمرور الوقت، قد تلاحظ أنّ هناك اجتماعات لم تعد تدعى إليها، أو هناك مشاريع لم يُطلب منك المساهمة فيها، رغم أنّ خبرتك مناسبة تماماً.
وبينما تتعرف على مؤشرات ضعف مصداقيتك لدى الآخرين، قد يحثك ذلك على الكذب أكثر لاستعادتها. قاوم الغريزة الطبيعية لديك لمحاولة تقليل مدى الضرر، لأنّ فعل هذا لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد دورة الخداع. عوضاً عن هذا، قيّم الفجوة بين السمعة التي تريدها والسمعة التي لديك، هل تريد أن تُعرف كشخص لديه أفكار رائعة ويفي بالالتزامات؟ أو كقائد يمكنه حل أصعب المشكلات؟ بمجرد أن تكون واضحاً مع نفسك بهذا الشأن، يمكنك تقييم درجة الشك بدقة أكبر، ذلك الشك الذي ساور الآخرين بعد تخطيطك لتصوير سمعتك بأسلوب غير صادق.
سيساعدك فهم هذا على تحديد الخيارات المختلفة التي تستطيع اتخاذها في المستقبل، والتي تعكس الشخصية التي تريد أن تتحلى بها في العمل، والتي تحد من إرغامك على "الزيف".
ابحث عن طرق لإظهار صدقك
من المستبعد أن يسأل زملاؤك أنفسهم حول السبب الذي دعاك إلى الكذب، أو البحث عما يجعلهم يصدقونك، فمن الأرجح أنّ ما يسألون أنفسهم عنه الآن هو قدرتك على أن تكون صادقاً.
في بعض الحالات، قد يتساءلون أيضاً عن الجوانب الأخرى من شخصيتك. على سبيل المثال، إذا بالغت في الحديث عن مساهمتك في أحد المشاريع أو التستر على الخطأ، فقد يتشككون في قدرتك على التواضع، إلى جانب قدرتك على الصدق. قد لا تتاح لك فرصة الاعتراف الصريح بأنك كذبت، لأنّ الشروط السياسية التنظيمية داخل العديد من الشركات غالباً ما تجعل مثل هذه الاعترافات بمثابة مخاطرة كبيرة. (لكن إذا شعرت أنه لا مخاطرة في فعل ذلك من جميع الجوانب، فأدعوك إلى تحمل مسؤولية أفعالك). بمجرد تحديد الاستنتاجات التي توصل إليها زملاؤك عنك، يمكنك البدء في إظهار الصدق بطرق تنفي تلك الاستنتاجات.
بالنظر إلى المثال أعلاه، وإذا كان تواضعك موضع تساؤل، فإنّ التعبيرات الحقيقية عن شكك في أفكارك، واعترافك بالنقد الذاتي حول ما لا تجيده، وتأكيد تجاوز قدرات الآخرين لبعض قدراتك، هي جميعها أمور يمكن أن تذكر الآخرين أنك شخص جيد، وأنّ الجوانب الأخرى من نزاهتك ما زالت سليمة.
في الحالات التي تشعر فيها بالارتياح لعدم كشف أحاديثك غير الصادقة، لا تظن أنّ الآخرين قد خدعوا في تصديق تلك الأشياء غير الصحيحة عنك أو عن عملك. إلى جانب ذلك، سوف تضطر إلى أداء المهمة المبهمة المتمثلة في الحفاظ على ما تعتقد أنهم صدقوه، والتي قد تتطلب المزيد من الأكاذيب. حرر نفسك من هذه الحلقة المفرغة التي تدمرك، وقيّم الظروف التي تميل فيها إلى الكذب. كن صريحاً بشأن الاحتياجات المشروعة التي تحاول تلبيتها، وما هي السمعة التي تحاول كسبها، لأن فعل هذا سيساعدك على إيجاد طرق أكثر شرعية لتحقيق الأمرين.
اقرأ أيضاً: