ماذا تعرف عن مطلقي الصفارة؟

5 دقائق

تنتشر قصص الإبلاغ عن المخالفات في الأخبار بكثرة، وفسر بعض المراقبين ذلك بحدوث تغيير شامل في المجتمع، كما يبدو أن تزايد قصص الإبلاغ عن المخالفات يرجع إلى ازدياد الجرائم التي يجب الإبلاغ عنها.

إلا أننا نلاحظ أمراً آخر غير ازدياد الجرائم، وهو ازدياد استعداد الموظفين للإبلاغ. خذ مثلاً الارتفاع الكبير في حالات الإبلاغ عن التحرش في عام 2017، مع تزايد نشاط حركة #أنا_أيضاً (#MeToo). هل كانت هذه زيادة مفاجئة في عدد حوادث التحرش أم زيادة الاستعداد للتحدث عن مشاكل يعاني الناس منها منذ سنوات؟

أجرينا بحثاً حول إبلاغ الموظفين عن المخالفات، واستخدمنا بيانات لم تكن متوفرة سابقاً، وتبين نتائج البحث للمرة الأولى احتمال أننا نعيش في العصر الذهبي لأنظمة المساءلة. في عام 2018، أتاحت لنا شركة "نافكس غلوبال" (NAVEX Global) الرائدة في مجال أنظمة خطوط الإبلاغ الساخنة وإدارة الحوادث، الدخول الآمن إلى أكثر من مليوني بلاغ داخلي قدمه موظفون في شركات عامة أميركية، مع الحفاظ على سرية هوياتهم.

وقادتنا دراسة البيانات إلى نتيجتين هامتين، وهما: أولاً، المبلغون عن المخالفات هم عنصر أساسي للحفاظ على صحة المؤسسة. فالمدير العادي يتعامل مع هذه التبليغات على نحو جدي ويستخدمها كي يعرف بأمر المخالفات ويعالجها في وقت مبكر قبل أن تتفاقم وتتحول إلى مشاكل مكلفة أكثر. كما وجدنا أن الإبلاغ غير المباشر يتمتع بمصداقية وقيمة أكبر وسطياً من الإبلاغ المباشر.

وبناء على بحثنا، حددنا ثلاثة دروس يمكن للقادة الاستفادة منها في التعامل بكفاءة مع أنظمة الإبلاغ عن المخالفات.

الدرس الأول: ازدياد عدد المشاكل المبلغ عنها هو أمر جيد.

أي شركة تفضل قيادتها؟ شركة يتم الإبلاغ فيها عن عدد أكبر من المشاكل عبر نظام الإبلاغ الداخلي، أم شركة لا يتم الإبلاغ فيها سوى عن بضع مشاكل؟

توصلت دراستنا الأولى إلى أن الشركات التي لديها عدد أكبر من الخطوط الساخنة المخصصة للإبلاغ عن المخالفات تواجه عدداً أقل من الدعاوى القضائية والغرامات، وتدفع مبالغ أقل كتكاليف للتسويات القانونية. فضلاً عن أن الشركات التي يوجد فيها عدد بلاغات أكبر تتمتع بخصائص أكثر (تجني أرباحاً أكبر وتتمتع بممارسات حوكمة أفضل على سبيل المثال).

في الظاهر، قد يفترض المرء أن الشركات التي يوجد لديها عدد أكبر من المشاكل المبلغ عنها تعاني من اضطرابات أكثر. ولكن يبدو أن عدد البلاغات الداخلية هو انعكاس لثقافة إيجابية قائمة على تقديم الآراء والملاحظات أكثر من اعتباره انعكاساً لحجم المشكلات داخل الشركة. فجميع الشركات لديها عدد من المشكلات الخاصة بها، ولكنها لا تتمتع جميعها بثقافة تُشعر الموظف بالأمان والتقدير عندما يقدم رأياً أو ملاحظة. وإجمالاً، وجدنا أن ازدياد عدد البلاغات هو أمر جيد، إذ يعكس تمتع الإدارة بثقة كبيرة من الموظفين وتدفق المعلومات إليها بغزارة حول المشاكل المحتملة.

تعتبر أنظمة الإبلاغ عن المخالفات الداخلية وسيلة لرؤية ما لن تراه لولاها، فمن غير الممكن ملاحظة جميع المشاكل عن طريق مقاييس العمليات وتقارير المحاسبة. ينوه دانيال غارين، مدير في إدارة الامتثال لدى شركة "بيفوت بوينت" (Pivot Point) والرئيس الأسبق للامتثال في "داناهير" (Danaher) و"سيمنز" (Siemens)، قائلاً: "كانت خطوط الإبلاغ الساخنة المخصصة للموظفين المصدر الوحيد والأهم لكشف المشكلات في الشركات التي عملت معها".

ومعروف أن من يعتبر وجود عدد أكبر من البلاغات الداخلية أمراً سيئاً يقوم بأمور مثل تغيير رقم خط الإبلاغ الساخن وتجاهل البلاغات أو الانتقام من الموظف الذي يقدم البلاغ. يقول دانيال مفسراً: "لا شيء يدمر خط الإبلاغ الساخن وثقافة الامتثال للقوانين في المؤسسة أسرع من الانتقام ممن يبلغ عن المخالفة بنية حسنة". ويجب أن يعرف المدراء الذين يرغبون بعدد أقل من البلاغات المقدمة أن الشركات التي لا يوجد فيها عدد بلاغات كبير تكون نتائجها أسوأ فعلياً فيما يتعلق بالدعاوى القضائية والغرامات.

والسؤال الذي يجب على المدراء طرحه لا يتعلق بطريقة تقليل عدد البلاغات عن المخالفات، بل ينظر المدير الفطن إلى تزايد عدد البلاغات ويسأل: "هل يملك فريق الامتثال ما يكفي من الموارد للتحقق من هذه البلاغات؟".

الدرس الثاني: البلاغات غير المباشرة تتمتع بمصداقية وقيمة أكبر.

أي بلاغ داخلي تثق فيه أكثر؟ الذي يقدمه الموظف الذي يشكل المصدر الأول للمعلومات، أم الذي يقدمه موظف بناء على معلومات من مصدر آخر؟

طور مدراء الامتثال الذين يسعون لتخصيص الموارد بكفاءة افتراضات بشأن التعامل مع البلاغات والتحقق منها، ويقول أحد هذه الافتراضات إنه يجب ألا تحتسب البلاغات غير المباشرة. وقد يبدو ذلك منطقياً للوهلة الأولى، ولكن يشير بحثنا إلى غير ذلك. فقد استنتجنا أن المعلومات غير المباشرة، أي القادمة من مصدر آخر، لا تتمتع بمصداقية عالية فحسب، وإنما هناك احتمال كبير أنها تقدم معلومات تساعد على تجنب الدعاوى القضائية والغرامات الحكومية.

ويفسر غارين هذه النتيجة غير المتوقعة بقوله: "غالباً ما تتمتع البلاغات غير المباشرة بقيمة أكبر لأنها لا تترافق بقدر كبير من العواطف والتحيز. وحتى عندما لا تتم المصادقة على هذه البلاغات كلياً، إلا أنها غالباً تنبهنا إلى وجود المشكلة قبل أن تتفاقم".

وعلى الرغم من أن الإبلاغ المباشر عن أي مخالفة يكون عادة موثوقاً أكثر، إلا أن الوضع في الإبلاغ الداخلي عن المخالفات يختلف قليلاً، إذ تختلف أنواع المشاكل التي يبلغ عنها صاحب العلاقة مباشرة عن التي يبلغ عنها أشخاص آخرون بصورة غير مباشرة. فغالباً ما تحمل البلاغات المباشرة مزاعم شخصية صغيرة، مثل "لقد تعطل جهاز التنظيم الحراري لدي"، في حين تحمل البلاغات غير المباشرة مشكلات حساسة تتعلق بموظفين آخرين، مثل "أعتقد أن زميلي يختلس أموال الشركة".

غالباً ما يسيء من يتحققون من البلاغات الداخلية فهم التوجيه الوارد في الكتيبات الإرشادية للتدريب على الامتثال للقوانين. خذ مثلاً رابطة الامتثال والأخلاقيات في الشركات (Society of Corporate Compliance and Ethics)، وهي الاتحاد الأكبر والأكثر نشاطاً لمسؤولي الامتثال، إذ ورد في توجيهاتها ما يلي: "يتمتع أساس معلومات الشاهد بالأهمية دائماً. ويجب أن تحدد ما إذا كان الشاهد يقدم بلاغه بناء على معرفة شخصية أم على أقاويل الآخرين". وبالمثل، في شهر أغسطس/ آب 2019، نصت الصيغة المستخدمة ضمن دوائر الاستخبارات في الولايات المتحدة لتقديم تقارير الإبلاغ عن المخالفات للمفتش العام لدوائر الاستخبارات على ما يلي: "كي تعتبر المشكلة العاجلة ’ذات مصداقية‘، يجب أن يملك المفتش العام لدوائر الاستخبارات معلومات موثوقة من مصدرها المباشر".

ولتوضيح الأمر، لا ننصح باتخاذ إجراء حاسم بناء على الإبلاغ غير المباشر فقط، ومن الضروري عند التحقق من الادعاءات أن نبحث عن شهود وأدلة مادية. بيد أنه من الممكن أن يشكل البلاغ غير المباشر نقطة انطلاق لتحقيق ثم استجابة لاحقة لم تكن لتتحقق لولاه. يخصص المدير الذي يعتبر أن البلاغات غير المباشرة غير موثوقة موارد أقل للتحقق من هذه البلاغات، وتشير نتائجنا التجريبية إلى وجود عواقب خطيرة تترتب على ذلك.

الدرس الثالث: يمكن أن تشكل البلاغات التي لا تحمل كثيراً من التفاصيل نقطة انطلاق لاكتشاف المزيد

أي نوع من البلاغات الداخلية مفيد أكثر؟ الذي يحمل تفاصيل أكثر أم تفاصيل أقل؟

أخيراً، توصلنا إلى جانب مفاجئ من دراستنا الثانية، وهو أن البلاغات المقدمة من دون تفاصيل كثيرة تفيد في تجنب الدعاوى القضائية والغرامات الحكومية، وكشفت لنا نقاشاتنا مع رؤساء الامتثال أن هذا أمر يرونه بكثرة. إذ يقدم هذه البلاغات موظفون يرغبون في التحدث عما شهدوه من دون إدراج التفاصيل في وثيقة رسمية، فهم فعلياً يقدمون البلاغات في محاولة لمعرفة من سيأتي للتحدث إليهم، وعندما يجرون محادثة شخصية أخيراً يدلون بما لديهم من معلومات.

تقول كيمبرلي كامينسكي، رئيسة شؤون الأخلاق في شركة "بي أيه إي سيستمز" (BAE Systems): "شهدت حالات كان لدى المبلغ مخاوف تتعلق بمدير أو زميل ما أو بيئة العمل التي تتسم بالسمية، ولكن كانت التفاصيل في بلاغه الأولي شحيحة للغاية. يبحث المبلغ عادة عن شخص يمكنه الوثوق به، وعندما يجده يقدم كنزاً من المعلومات".

قد يفوّت المدير الذي يخصص الموارد للتحقق من البلاغات التي تحوي أكبر قدر من التفاصيل فقط بعضاً من أهم المعلومات المتوفرة، ومن دواعي السخرية أنها قد تحمل أكبر قدر من التفاصيل.

والمعلومة الأهم هنا، هي أن الموظفين يستخدمون نظام الإبلاغ عن المخالفات كلٌ بطريقته، فقد يرغب البعض في إدراج كل ما يعرفونه في البلاغ الأولي، في حين يفضل آخرون إجراء محادثات شخصية، والبلاغ الأولي هو نقطة انطلاق لهم ليس إلا.

وفيما يخص نسبة 71.5% من المبلغين الذين يفصحون عن هوياتهم، فالمتابعة والمحادثات النهائية هي ما يولد الثقة ويحسن خطوط التواصل ويقدم معلومات عملية من أجل منع المشكلات الصغيرة من التفاقم والتحول إلى مشكلات ذات كلفة كبيرة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي