لماذا أصبح التحول إلى مؤسسة مستندة إلى البيانات صعباً؟

5 دقائق
الاعتماد على البيانات
أندريه أونوفرينكو/غيتي إميدجيز

ملخص: لطالما كان الاعتماد على البيانات أولوية للشركات على مدى عقود، على الرغم من النتائج المتباينة التي شهدتها. لماذا؟ تُعتبر ثقافة الشركة عقبة يصعب تجاوزها مقارنة بأي مشكلة تقنية أخرى، وذلك بحسب استقصاء جديد أُجري على المسؤولين التنفيذيين. علاوة على ذلك، يؤدي التزايد المستمر لكمية البيانات والمخاوف المتنامية بشأن الخصوصية وملكية البيانات إلى جعل المهمة أكثر صعوبة. ويعرض الكاتب 3 مبادئ لمساعدة الشركات في تحقيق أهدافها.

 

تحاول الشركات أن تصبح أكثر اعتماداً على البيانات منذ سنوات عديدة، على الرغم من تباين نتائجها في هذا الصدد. وقد تؤتي تلك الجهود ثمارها مع مرور الوقت في المؤسسات، وتُعتبر المثابرة والقدرة على التحمل والتنفيذ والجهود الدؤوبة لتوظيف البيانات بهدف اتخاذ قرارات عمل أكثر استنارة هي ما يميز الشركات التي تزدهر وتسود مقارنة بتلك التي لا تزال تواجه صعوبات في النمو. وعلى الرغم من أن الهدف واحد، تتغير التفاصيل.

وقد لا يرتبط التحدي الأكبر للمؤسسات التي تعمل على استراتيجية البيانات بالتكنولوجيا على الإطلاق هذه الأيام. ففي أحدث استقصاء سنوي لشركة "نيو فينتدج بارتنرز" (NewVantage Partners)، الذي يتتبع التقدم المحرز في مبادرات بيانات الشركات، أفاد المسؤولون التنفيذيون عن البيانات والمعلومات والتحليلات المحوسبة بأن التغيير الثقافي هو أحد أهم ضرورات العمل. إنها مشكلة مفهومة؛ فالاعتماد على البيانات يتعلق بقدرة الأفراد والمؤسسات على التكيف مع التغيير، وهي الفكرة التي غالباً ما يُستهان بأهميتها. ومن غير المرجح أن تتغير الشركات الراسخة التي نجحت على مدى أجيال أو قرون بين عشية وضحاها، فقد أثبت استخدام الإنترنت على مدار ربع القرن الماضي جدواه بالفعل من خلال جهود التحول الرقمي. وبالمثل، تمثّل الجهود التي تبذلها الشركات للتحول إلى مؤسسات مستندة إلى البيانات تحولاً في الأعمال سيؤتي ثماره على مدى جيل كامل. وقد حققت الشركات إنجازات عديدة بالفعل في هذا الصدد، لكن لا يزال يوجد العديد من الخطوات التي يجب عليها تنفيذها.

وعلى الرغم من أن تلك المشكلة ليست بالجديدة، يوجد نوعان من  الديناميكيات الثقافية التي شكلت جهود الشركات خلال السنوات القليلة الماضية.

أولاً، أدت جائحة "كوفيد -19" والزعزعات التي سببتها إلى زيادة الوعي بأهمية البيانات والعلوم والحقائق. وعلى الرغم من أن الشركات أشادت بأهمية البيانات من قبل، توضحت مدى أهمية البيانات الجيدة في اتخاذ قرارات عمل مستنيرة وحكيمة ورشيدة خلال العامين الماضيين.

ثانياً، تشهد الخدمة الذاتية تزايداً كبيراً، ويستهلك الأفراد المعلومات والبيانات اليوم وقتما يشاؤون وكيفما يشاؤون. ونحن في وقت يزداد فيه الاعتماد على المعلومات اللامركزية، وهو ما يعني أنه يمكن للمستهلكين اختيار الأخبار التي يرغبون في متابعتها، ووسائل التواصل الاجتماعي التي يرغبون في التفاعل معها، والبيانات التي يختارون الوثوق بها، وهو ما يؤدي إلى تعرض مستهلكي المعلومات لعرض انتقائي من البيانات لدعم مجموعة واسعة من وجهات النظر المتباينة أحياناً. وقد أدى ذلك في أقصى حالاته إلى ظهور فكرة "الحقائق البديلة".

أخيراً، توجد حقيقة هيكلية، وهي أن كمية البيانات التي تتولد كل يوم آخذة في الازدياد بمعدلات هائلة. حيث يمكن للشركات اليوم بفضل قوة الحوسبة الأكبر معالجة كميات ضخمة من البيانات لتوليد إجابات دقيقة، بدلاً من الاعتماد على عينات البيانات التمثيلية.

وقد يكون فهم تلك التوجهات مفيداً في مساعدة الشركات على إحراز تقدم حقيقي نحو أهدافها المتمثلة في اتخاذ قرارات مستندة إلى البيانات، لا سيما عند النظر إلى كيفية تعامل الشركات الأخرى معها.

العوائق التي تحول دون الاعتماد على البيانات

هناك 3 مؤشرات لقياس التقدم تبرز بين المؤسسات التي شملها الاستقصاء. أولاً، لا يزال تحقيق القيادة الموجهة بالبيانات يمثل طموحاً لمعظم المؤسسات، حيث أفادت نسبة 26.5% فقط من المؤسسات باعتمادها على البيانات. ثانياً، يتطلب الاعتماد على البيانات تركيزاً مؤسسياً على التغيير الثقافي. وقد ذكر 91.9% من المسؤولين التنفيذيين في الاستقصاء الذي أُجري هذا العام أن العقبات الثقافية تمثّل أكبر عائق أمام التحول إلى مؤسسات مستندة إلى البيانات. وكما ذكرنا أعلاه، لا يندرج ذلك العائق ضمن المشكلات التقنية، بل هو تحدٍّ خاص بالموظفين. أخيراً، تمنح المؤسسات العاملين في مناصب الرؤساء التنفيذيين للبيانات والتحليلات المحوسبة فرصة القيادة، وهو ما سيوفر لها الأساس لتصبح مؤسسات معتمدة على البيانات. ومع ذلك، كانت نسبة الشركات التي أفادت بأن ذلك الدور ناجح وفاعل في مؤسساتها 40.2% فقط.

وما يزيد الأمر صعوبة هو أن التحول إلى مؤسسات مستندة إلى البيانات يزداد صعوبة. إذ تستقبل الشركات اليوم أحجاماً جديدة وهائلة من البيانات، فضلاً عن مصادر جديدة للبيانات، التي تشمل بيانات أجهزة الاستشعار والإشارات والنصوص والصور وأشكالاً أخرى من البيانات غير المنظمة. وذُكر مؤخراً أن 80% من جميع البيانات الجديدة غير منظمة، وهو ما يعني أنه ليس من السهل جمعها أو قياس كميتها. ويجب على الشركات أن تدرك أن البيانات هي أحد الأصول التجارية التي تتدفق عبر إدارات المؤسسة وأن تفهم قيمتها. فالبيانات تتخطى الحدود المؤسسية التقليدية، وغالباً ما يكون ذلك دون ملكية واضحة. وتضاعف سيولة البيانات من تعقيد إدارة تلك الأصول بطريقة توفر قيمة تجارية على نحو مستمر.

علاوة على ذلك، هناك واحد من الشواغل الناشئة المرتبطة بملكية البيانات وإدارتها يعترض الشركات هذه الأيام، ألا وهو ضمان الاستخدام المسؤول والأخلاقي للبيانات. وقد نُشر العديد من البحوث حول هذا الموضوع في السنوات الأخيرة بالفعل وكان موضوعاً رئيسياً للعديد من النقاد، بدءاً من كاثي أونيل، في كتابها الذي نُشر عام 2016 بعنوان: أسلحة الدمار الحسابي: كيف تزيد البيانات الضخمة من عدم المساواة وتهدد الديمقراطية" (Weapons of Math Destruction: How Big Data Increases Inequality and Threatens Democracy)، إلى شوشانا زوبوف في دعوتها للاستعداد في كتابها الذي نُشر عام 2019 بعنوان "عصر رأسمالية المراقبة: الكفاح من أجل مستقبل بشري على حدود السلطة الجديدة" (The Age of Surveillance Capitalism: The Fight for a Human Future at the New Frontier of Power). والكتب التي نُشرت مؤخراً من قبل كاريسا فيليز بعنوان "الخصوصية تعني القوة: كيف تستعيد السيطرة على بياناتك ولماذا؟" (Privacy is Power: How and Why You Should Take Back Control of Your Data) الذي نُشر عام 2021، وكتاب "لماذا الخصوصية مهمة" (Why Privacy Matters) الذي نُشر عام 2021 ويعود لأستاذ القانون نيل ريتشاردز؛ حيث يتعمق هذان الكتابان في قضايا الخصوصية الفردية ومسؤولية البيانات في الشركات.

ويعكس الاستقصاء الذي نُشر هذا العام مدى جسامة شواغل الشركات فيما يتعلق بأخلاقيات البيانات ومسؤولية البيانات ويسلط الضوء عليها، وهو ما تؤكده نسبة 21.6% القليلة من قادة البيانات الذين أفادوا أن القطاع اتخذ كثيراً من الإجراءات لمعالجة قضايا ومعايير أخلاقيات البيانات والذكاء الاصطناعي.

الخطوات التي يمكن للشركات اتخاذها اليوم

إن التحول إلى مؤسسات مستندة إلى البيانات هو رحلة تتكشف بمرور الوقت، وتُقاس بالسنوات وأحياناً بالعقود. ما هي الخطوات التي يمكن للمؤسسات وقادة الأعمال اتخاذها لتسريع تلك الجهود؟ تؤكد التجارب أن المؤسسات المستندة إلى البيانات تُظهر صفات تميزها عن المؤسسات الأقران الأخرى باستمرار. حيث تنفذ الشركات المستندة إلى البيانات هذه المبادئ الثلاثة المحفزة باستمرار:

  1. التفكير بشكل مختلف. يدرك قادة البيانات أن الاعتماد على البيانات يتطلب عقلية مختلفة؛ أي يجب على المؤسسات الاستعداد للتفكير بشكل مختلف. من جهة أخرى، لا يوجد في تلك الشركات أي نقص في الخوارزميات التحليلية. وهي تقرن تلك العمليات بالتفكير النقدي، وحصافة الرأي البشري، ونظرة تطلعية حول الابتكار الإبداعي.
  2. الفشل السريع والتعلم الأسرع. يدرك قادة البيانات أن الأفراد والمؤسسات يتعلمون من تجاربهم التي غالباً ما تستلزم التجربة والخطأ. وقد قيل بالفعل أن الفشل هو أساس الابتكار؛ وأن الشركات التي تُبدي استعداداً للتعلم التكراري الأسرع وتختبر الفشل وتتعلم من أخطائها بسرعة، ستكتسب البصيرة والمعرفة قبل منافسيها.
  3. التركيز على الهدف الطويل الأجل. يقدّر قادة البيانات أن رحلة البيانات هي جهد تحولي يتكشف بمرور الوقت. فالتحول إلى مؤسسة مستندة إلى البيانات هو عملية. وقد قال الكاتب الفرنسي فولتير بالفعل في جملته الشهيرة أن "الكمال عدو الخير". ونادراً ما يمكن تحقيق الكمال. وتدرك الشركات المستندة إلى البيانات بالفعل أن النجاح يتحقق على مراحل، ثم ينمو ويزدهر. وتتوقع المؤسسات الناجحة أن تخوض مراحل النمو فترة من الوقت، وهو ما يدفعها إلى التركيز على الهدف الطويل الأجل.

وبالتالي، يجب أن يتعلم قادة الأعمال من تجارب أسلافهم بهدف المنافسة في عالم القرن الحادي والعشرين الذي يتزايد اعتماده على البيانات. كما يجب عليهم أن يعملوا بنشاط لتفادي مزالق الماضي والاستفادة من الشركات التي ازدهرت بنجاح. وبما أننا في وقت يجري فيه تحدي البيانات والعلوم والحقائق من جهات عديدة، أصبح التحول إلى مؤسسة مستندة إلى البيانات ضرورة حتمية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي