لا تبدو الأمور مبشرة جداً لشركة "سامسونج" في الآونة الأخيرة. بعد أسابيع فقط من إطلاق هاتفها الذكي الجديد جالاكسي "نوت 7"، وجدت الشركة نفسها مضطرة إلى استدعاء أكثر من 3 ملايين جهاز باعته، وذلك بعد حديث عن ارتفاع درجة حرارة بطارية الهاتف وانفجارها. بعد ذلك بوقت قصير أوقفت الشركة عملية إنتاج هذا الجهاز تماماً. تشير التقديرات الحالية إلى أن عملية استدعاء الأجهزة بعد أزمة سامسونج نوت 7 قد كلفت الشركة أكثر من 6 مليارات دولار (وهناك بعض التقديرات التي تشير إلى رقم أعلى). ولكن التوجس الحقيقي يتعلق بالأثر السلبي الذي سيلحق بالعلامة التجارية لـ "سامسونج" على المدى البعيد. فهي على أي حال واحدة من العلامات التجارية العالمية الأكثر قيمة، إذ تشير شركة "إنتربراند" (Interband) للاستشارات الخاصّة بالعلامات التجارية إلى أن قيمة العلامة التجارية لـ "سامسونج" تبلغ 51.8 مليار دولار.
تأثير أزمة سامسونج نوت 7 على علامتها التجارية
تكهّن بعض المراقبين بالأسوأ وأشاروا إلى أن الشركات المنافسة ستجد فيما حدث فرصة سانحة لاقتناص أعداد كبيرة من زبائن "سامسونج". وقد توقع أحد المحللين أن شركة "آبل" وحدها قد تكسب بين خمسة إلى سبعة ملايين مستخدم جديد لهواتفها. والأسوأ من ذلك، أن هذه التحولات قد تتعدى الهواتف الذكية حين ينتقل الزبائن لاستخدام المنتجات الأخرى من شركة "آبل".
إلى أي مدى يلزم أن تشعر "سامسونج" بالقلق بخصوص الضرر الذي سيلحق بعلامتها التجارية على المدى الطويل بسبب أزمة "نوت 7"؟ في الحقيقية، ليس الأمر بهذا القدر من التشاؤم كما يروج البعض. هناك ثلاثة أسباب بالتحديد تبين قدرة "سامسونج" على التعافي من هذه الأزمة بسرعة وتجنب الكثير من أضرارها.
اقرأ أيضاً: ما أهمية اختيار الكلمات المناسبة في الأزمات؟
تعافي العلامة التجارية للشركة
العلامة التجارية للشركة محصّنة بقاعدة كبيرة من الزبائن الذين يمتلكون الولاء لها. لقد شاهدنا مثالاً من قبلُ على ذلك. في عامي 2009 و2010 استدعت شركة "تويوتا" أكثر من 8 ملايين سيارة حول العالم بعد اكتشاف بعض العيوب التي أدت إلى عشرات الحوادث التي تسببت في وفيات وإصابات خطيرة بين السائقين. وقد توقّع الخبراء حينها أن تفقد الشركة القدرة على التعافي من الضرر الذي سيلحق بعلامتها التجارية على المدى الطويل. لكن حين أجرينا استبياناً بين مالكي سيارات "تويوتا" بداية العام 2010 وجدنا الأمر خلاف ما كان متوقعاً. فقد كان أصحاب السيارات عموماً راضين جداً عن سياراتهم. وعلى الرغم من عملية الاستدعاء التي حصلت، فإن هؤلاء الأشخاص أشاروا إلى أنهم لن يترددوا في شراء سيارة أخرى من "تويوتا" في المستقبل، بل قالوا كذلك إنها أكثر السيارات التي يمكن الاعتماد عليها. وقد سميّنا ذلك "أثر تحصين العلامة التجارية" والتي تشير إلى حقيقة أن قاعدة العملاء الكبيرة ذات الولاء لشركة "تويوتا" قد حصنتها من خسارة حصتها في السوق بسرعة.
اقرأ أيضاً: عليك تجنب إخفاء الأخبار السيئة في الأزمات
هذا ينطبق أيضاً على شركة "سامسونج". ففي الربع الثاني من عام 2016 وحده باعت الشركة أكثر من 78 مليون هاتف ذكي حول العالم. ولو أحصينا كافة الأجهزة الإلكترونية التي تبيعها "سامسونج"، فسنجد أن قاعدة عملاء الشركة تتجاوز المليار شخص. وثمة مؤشرات إيجابية أخرى. فعندما استدعت الشركة أجهزة "نوت 7" من السوق، عرضت على الزبائن خيار استعادة النقود أو الحصول على جهاز آخر (قبل أن تسحب الشركة الجهاز بالكامل من السوق)، فاختار 90% من الزبائن الحصول على هاتف جالاكسي "نوت 7" جديد. في الواقع، لا يزال بعض عشاق "سامسونج" يستخدمون أجهزتهم "نوت 7" التي بحوزتهم، على الرغم من احتمال تعرض الأجهزة لارتفاع درجة حرارة بطاريتها. ونظراً لارتفاع مستوى الرضا لدى العملاء عن سلسلة هواتف "نوت" من "سامسونج"، بالإضافة إلى ولاء هؤلاء العملاء لمنتجات "سامسونج" الأخرى، فإنهم سيغضون نظرهم عن هذه الكبوة العابرة ويتجاوزونها سريعاً.
تتعافى العلامات التجارية ذات الهوية الجغرافية المحددة بسرعة. الأمر الثاني الذي كان بصالح "سامسونج" هو الدعم الوطني لزبائن الشركة في كوريا الجنوبية، والذين ينظرون إلى هذه العلامة التجارية على أنها مصدر فخر وطني. وهناك أدلة تشير إلى أن العلامات التجارية التي تتعرض لنكسات تتجاوز أزمة استدعاء منتجاتها بسرعة إن كانت متجذرة في تراث مجموعة معينة من الناس، وذلك لأن الزبون المحلي يصفح بسرعة عن العلامة التجارية المحلية ويمنحها فرصة أخرى، ومن ثم ينتقل أثر ذلك إلى مجموعات أخرى من الزبائن.
انظر، على سبيل المثال، ما حدث مع شركة "فولكس فاغن". بعد أقل من شهرين على فضيحة الشركة عام 2015 على خلفية التلاعب باختبارات انبعاثات عوادم سياراتها، كان الزبائن الألمان جاهزين للصفح عن الشركة وتجاوز أخطائها. ففي استبيان وطني تبين أن 65% من الألمان يعتقدون أن "فولكس فاغن" لا تزال تقدم أفضل السيارات وأن فضيحة الانبعاثات مبالغ فيها. وبعد أقل من عام، تعافت الشركة وحققت أرباحاً.
اقرأ أيضاً: بعد مرور عشر سنوات، ما التكاليف الاجتماعية والسياسية التي ترتبت على الأزمة المالية؟
وفي ولاية تكساس الأميركية، استدعت شركة "بلو بيل" (Blue Bell) منتجاتها من الآيس كريم بسبب تلوث بجرثومة الليستريا في مصانعها ومصانع مزوديها، وحصل ذلك ثلاث مرات خلال ستة عشر شهراً. ولكن أهالي تكساس استمروا رغم ذلك بشراء منتجات الشركة، فكلما عادت إلى الأسواق كانوا يشترون منها بكميات كبيرة. لقد كان سكان المدينة مستعدين لتعريض صحتهم للخطر مقابل ذلك. وقد قال أحد الزبائن في مقابلة أجريت معه على محطة "هيوستن": "أعرف الأعراض المختلفة لمرض الليستريا، وأرجو ألا أصاب به. المسألة عندي قريبة من الإيمان".
تقتصر أزمة "نوت 7" على منتج واحد ويمكن احتواؤها. العامل الثالث الذي يخفف من وطأة أزمة "نوت 7" هو ما ظهر من قدرة الشركة على احتوائها حتى اللحظة. على الرغم من أن سبب العلّة لم يتبين بعد، فإن مشكلة ارتفاع درجة حرارة الجهاز مقتصرة على هاتف "نوت 7" ولم تحدث في هواتف "سامسونج" الأخرى ولا في بقية أجهزتها الإلكترونية. أضف إلى ذلك أن الشركة قد أكدت لزبائنها منذ البداية وجود هذا الفصل، كما أبدت حزماً في التعامل مع القضية حين أعلنت وقف إنتاج هاتف "نوت 7" بسبب الخلل الحاصل. وتظهر الأبحاث الأكاديمية أن الزبائن يتفهمون هذه التصريحات والإجراءات بعد أن تستدعي الشركة المنتج ويقدّرنها، وسرعان ما يعودون إلى ولائهم السابق للعلامة التجارية.
ثمة تحذير مهم بين هذه التوقعات الإيجابية بخصوص مستقبل "سامسونج". إذا تبين أن مشكلة "نوت 7" ليست خللاً عابراً وحدث تخبّط في تصميم المنتج وامتدت عمليات الاستدعاء لتطال منتجات أخرى لـ "سامسونج"، فسيكون من الصعب التنبؤ بما سيحدث. ولو كان هنالك أي خلل في "نوت 8" بعد طرحه في السوق في العام المقبل، فقد تتعرض علامة "سامسونج" التجارية لأضرار بالغة.
الآن يبدو أن "سامسونج" قد ألقت وراءها ما حدث في الماضي بسبب أزمة سامسونج نوت 7 الشهيرة، وهذا ما يجدر بها فعله.
اقرأ أيضاً: ضرورة تجربة الأزمة