لماذا تنجح بعض المنصات وتفشل أخرى؟

14 دقيقة
لماذا تنجح بعض الشركات بينما تفشل الأخرى
هذا ما تعلمناه من "علي بابا" و"تينسنت" و"أوبر" عن الشبكات التي تزدهر. الخصائص الخمس التي تصنع الفرق، ولكن لماذا تنجح بعض الشركات بينما تفشل الأخرى بشكل واضح؟

في عام 2016 أصبحت شركة "ديدي" (Didi) أكبر شركة في العالم للنقل التشاركي، مع وصول عدد رحلاتها إلى 25 مليون رحلة يومياً في الصين وتجاوزها للرحلات اليومية المُجمّعة لجميع شركات النقل التشاركي الأخرى في العالم. وصلت ديدي إلى هذه المكانة اللافتة بعد الاندماج مع منافستها المحلية "كوايدي" (Kuaidi) في عام 2015 وبعد طردها لشركة "أوبر" خارج السوق الصيني عقب معركة عنيفة وباهظة الثمن. وبعد الإجهاز على المنافس، بدأت ديدي تدريجياً في تحسين هوامش إيراداتها عن طريق خفض الإعانات المقدمة للسائقين والخصومات المقدمة للركاب، ولكن لماذا تنجح بعض الشركات بينما تفشل الأخرى بشكل واضح وملموس؟

اقرأ أيضاً: دراسة لأكثر من 250 منصة تكشف لماذا فشل معظمها

تظهر تأثيرات الشبكة بصورة ضعيفة في وحدات التحكم في ألعاب الفيديو. لا يعتبر العدد الإجمالي لعناوين الألعاب المتاحة بنفس أهمية وجود بضع ألعاب شيقة ومحببة وسط هذا العدد. لهذا، يمكن للاعب جديد دخل تواً إلى السوق بميزة تقنية صغيرة أن يستحوذ على حصة مهمة في السوق.

ولكن ما إن بدأت الشركة في تحقيق الأرباح في مطلع عام 2018، حتى أطلقت شركة "ميتوان" (Meituan) العملاقة في خدمات الإنترنت ذات الأنشطة المتعددة، كتوصيل الأطعمة، وحجز تذاكر الأفلام، وحجوزات السفر، نشاطها الخاص في سيارات الأجرة في مدينة شنغهاي. لم تفرض ميتوان على السائقين أي نسبة مقابل استخدامهم لمنصتها خلال الأشهر الثلاثة الأولى، بعدها حصّلت نسبة بلغت 8% من إيراداتهم، مقارنة بـ 20% في ديدي. توافد السائقون والركاب على حد سواء على الخدمة الجديدة، وفي شهر أبريل/نيسان، ردت ديدي بنشاط تجاري منافس في سوق توصيل الأطعمة في مدينة ووشي القريبة من شنغهاي. ما تلا ذلك كان حرب أسعار مُكلّفة، مع صرف العديد من الوجبات بلا مقابل يُذكر بسبب الإعانات الكبيرة المقدمة من كلا الشركتين. كل ذلك صبّ في أرباح ديدي.

فكرة مقال لماذا تنجح بعض الشركات بينما تفشل الأخرىلكن ديدي كانت أيضاً تتلقى ضربات من نوع آخر. في مارس/أذار 2018، بدأت وحدة رسم الخرائط في شركة "علي بابا" والمسماة بـ "خريطة جايود" (Gaode Map)، التي تعتبر أكبر شركة خدمات ملاحية في الصين، نشاطاً تجارياً للركوب التشاركي في مدينتي تشنغدو ووهان. لم تفرض رسوماً على السائقين على الإطلاق، وفي شهر يوليو/تموز، قدمت خياراً للركاب يسمح لهم بطلب رحلة من خدمات الركوب التجارية المختلفة. في غضون ذلك، أعلنت شركة "سي تريب" (Ctrip)، وهي أكبر شركة للسياحة في الصين، في شهر أبريل/نيسان حصولها على ترخيص يسمح لها بنشر خدمات السيارات لديها في جميع أنحاء البلاد.

لماذا لم يتسبب حجم خدمات ديدي الضخم في القضاء على منافسيها في خدمات الركوب في السوق الصيني؟ لماذا لم يستحوذ المنتصر على هذا السوق بأكمله كما تنبأ العديد من المحللين؟ علاوة على ذلك، لماذا تزدهر بعض منصات الأعمال، مثل "علي بابا" و"فيسبوك" و"إير بي إن بي" (Airbnb)، في حين تخسر "أوبر" و"ديدي" و"ميتوان" وغيرها وكأنه نزيف للأموال؟ ما الذي يُمكّن الأنظمة الرقمية من محاربة المنافسة وزيادة الأرباح؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، عليك فهم الشبكات التي تعمل المنصة في نطاقها. تختلف العوامل المؤثرة على النمو والاستدامة في شركات المنصات (ونماذج التشغيل الرقمي عموماُ) عنها في الشركات التقليدية. لنبدأ بحقيقة أن تكلفة خدمة مستخدم إضافي على العديد من الشبكات الرقمية لا تكاد تُذكر، ما يجعل توسع العمل التجاري وانتشاره بطبيعته أسهل. ولأن غالبية التعقيدات التشغيلية التي تواجهها الشركة المعتمدة على نظام الشبكات يتم التعامل معها خارجياً من قِبَل مقدمي الخدمة على المنصة أو من خلال البرمجيات، فإن الاختناقات التي تساعد على تقدير الابتكار والنمو لا ترتبط عادةً بالعوامل البشرية أو التنظيمية، وهو اختلاف آخر مهم في المنصات الرقمية عن النماذج التقليدية. في نهاية المطاف، فإن الموظفين في الأعمال التجارية المعتمدة على الشبكات الرقمية لا يقدمون المنتج أو الخدمة بأنفسهم، بل يكتفون بالتصميم والإشراف على عملية تلقائية تعتمد على الخوارزميات. تعتبر الميزة التنافسية الدائمة في هذه المنصات هي التفاعل بين المنصة والشبكة التي تُحركها بشكل أكبر، فيما يقل اعتمادها على العوامل الداخلية على مستوى الشركة. بعبارة أخرى، في الاقتصاد المتصل رقمياً، يعتمد نجاح المنتج أو الخدمة لفترة طويلة وبشكل كبير على ملاءمة بيئة العمل أو المجال الذي يعمل فيه أو تحت مظلته بشكل عام، وعلى قوته الدفاعية، وعلى هيمنته على بيئة العمل.

لماذا تنجح بعض الشركات بينما تفشل الأخرى

كما تتعلم ديدي، فإن المنصة الرقمية يسهل عليها في الغالب تحقيق الانتشار أكثر من الحفاظ عليه، فالمزايا التي تسمح للمنصة بالتوسع السريع تسمح بالأمر نفسه لمنافسيها ولأي شخص آخر يريد أن يدخل السوق. يرجع السبب في ازدهار بعض المنصات في مقابل معاناة منصات أخرى إلى إدارة الخصائص الخمس الأساسية للشبكات وهي: تأثيرات الشبكة، والتجمعات، وخطورة اللاوساطة، واستخدام المنصات المتعددة، والربط مع الشبكات.

قوة تأثيرات الشبكة

يعرف الجميع أهمية تأثيرات الشبكة، فقد فهم الاقتصاديون لوقت طويل أن المنصات الرقمية مثل فيسبوك تتمتع بنفس تأثيرات الشبكة الجانبية ("المباشرة"). كلما زاد عدد الأصدقاء في شبكتك على فيسبوك، كلما كان من المرجح أن تجذب أصدقاء إضافيين من خلال معارف أصدقائك. يستفيد فيسبوك أيضاً من التأثيرات الجانبية ("غير المباشرة") للشبكة، حيث تجذب مجموعتان مختلفتان من المشاركين، من المستخدمين ومطوري التطبيقات، بعضهما البعض. تستطيع أوبر أيضاً وبالمثل أن تقوم بتلغيم الآثار الجانبية المتداخلة، وذلك نظراً لأن زيادة السائقين تجذب المزيد من الركاب، والعكس صحيح.

حقيقة أخرى معترف بها ولكن بدرجة أقل هي أن قوة تأثيرات الشبكة يمكن أن تختلف اختلافاً هائلاً ويمكن أن تُشكّل كلاً من عملية خلق القيمة واكتسابها. عندما تكون تأثيرات الشبكة قوية، فإن القيمة المقدمة من خلال المنصة تواصل الارتفاع بشكل حاد كما هو الحال بالنسبة لعدد المشاركين. على سبيل المثال، مع زيادة عدد المستخدمين لمنصة فيسبوك، فإن حجم المحتوى الشيق والملائم وتنوعه يزداد كذلك. ومع ذلك، فإن أجهزة عرض ألعاب الفيديو لا تُظهر سوى التأثيرات الضعيفة للشبكة، كما اكتشفنا في دراسة بحثية. لهذا تعتبر ألعاب الفيديو عملاً تجارياً مدفوعاً بالنجاح الساحق، وأي منصة تحتاج نسبياً لبضع نجاحات ساحقة لكي تكون ناجحة. لا يهم العدد الإجمالي لعناوين الألعاب المتاحة في مبيعات وحدة التحكم بقدر أهمية اقتناء بضع ألعاب مناسبة. في الواقع، حتى اللاعب المنضم حديثاً إلى السوق ويتمتع بميزة فنية صغيرة (وفريق تطوير أعمال جيد) يمكنه أن يسرق حصة بارزة في السوق من الشركات القائمة. هذا ما يفسر التهديد الذي شكلته لعبة "إكس بوكس" ​​الجديدة من مايكروسوفت في عام 2001 على لعبة "بلاي ستيشن 2" لشركة سوني التي كانت تهيمن على السوق وقتها، وهو السبب وراء اضطراب كل وحدة تحكم وعدم استقرار حصتها السوقية وتبادل دور الصدارة فيما بينهما على مر السنين.

اقرأ أيضاً: لماذا تخوض الشركات التكنولوجية غمار المنافسة على منصاتها؟

الأهم من ذلك هو أن قوة تأثيرات الشبكة يمكن أن تتغير بمرور الوقت، ولنا في نظام "ويندوز" خير مثال. ففي ذروة انتشار الحواسيب الشخصية في التسعينيات، كانت معظم التطبيقات التي تعتمد على الكمبيوتر الشخصي "تتخذ من الزبون محوراً لها"، ولهذا كانت تستمر فترات طويلة على أجهزة الكمبيوتر. في ذلك الوقت، كانت تأثيرات شبكة البرنامج قوية، وازدادت قيمة نظام ويندوز بشكل درامي مع زيادة عدد مطوري تطبيقاته، ليبلغ عددهم 6 ملايين في ذروة شعبيته. وبحلول أواخر التسعينيات، بدا أن ويندوز صار منصة رائدة ومتجذرة. ومع ذلك، ونظراً لتوقف تطبيقات الإنترنت، التي تعمل عبر أنظمة تشغيل مختلفة، تضاءلت تأثيرات شبكة نظام ويندوز وانهارت الحواجز التي تعترض دخول لاعبين جدد إلى المجال، ما سمح لنظم التشغيل أندرويد وكروم و"آي أو إس" بالتوسع بقوة على أجهزة الكمبيوتر الشخصية والأجهزة اللوحية. كانت شحنات أجهزة ماك قد زاد استخدامها أيضاً في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتضاعفت لأكثر من خمسة أضعاف بحلول نهاية العقد. يُمثل هذا التحول في الأحداث دليلاً على أن ضعف تأثيرات الشبكة الحاضنة يعني ضعف وضعها السوقي كذلك.

ورغم ذلك، يُمكن أن تقوم الشركات بتصميم ميزات تعزز بها تأثيرات الشبكة. على سبيل المثال، قامت شركة "أمازون" ببناء أنواع متعددة من التأثيرات في نموذج عملها على مر السنين. في البداية، أدت أنظمة مراجعات الزبائن في أمازون إلى حدوث تأثيرات جانبية: فمع زيادة عدد مراجعات المنتجات على الموقع، زاد احتمال زيارة المستخدمين لموقع أمازون لقراءة المراجعات وكتابتها أيضاً. وفي وقت لاحق، حقق سوق أمازون، الذي يسمح للجهات الخارجية ببيع منتجاتها إلى مستخدمي المنصة، تأثيرات متداخلة عبر الشبكة، حيث اجتذب المشترون والبائعون الوسطاء بعضهم البعض. في الوقت نفسه، فإن نظام التوصيات في أمازون، الذي يعرض المنتجات المقترحة على أساس سلوك الشراء السابق، زاد من تأثير حجم عمليات الشركة من خلال التعلم المستمر لتفضيلات المستهلكين. وكلما زاد استخدام المستهلكين للموقع، زادت دقة التوصيات التي قد تقدمها أمازون. وبينما لم تجرِ العادة على اعتبارها تأثيرات للشبكة ولو للحظة، فإن تأثيرات التعلم تعمل في كثير من الحالات مثل التأثيرات الجانبية ويمكنها زيادة الحواجز المانعة أمام الدخول إلى السوق.

تجمعات الشبكة أحد أسباب لماذا تنجح بعض الشركات بينما تفشل الأخرى

في مشروع بحثي مع شينشين لي من جامعة كونكتيكت وإحسان فالافي طالب الدكتوراه في كلية هارفارد للأعمال، وجدنا أن بنية الشبكة تؤثر في قدرة المنصة على الحفاظ على مكانتها كعمل تجاري. كلما ازدادت تجزئة الشبكة إلى تجمعات محلية، وزاد عزلها عن بعضها البعض، كلما كان العمل التجاري أكثر عرضة لمواجهة تحديات. انظر إلى أوبر كمثال على ذلك حيث يوجه السائقون في مدينة بوسطن جُلّ اهتمامهم لعدد الركاب، بينما يهتم الركاب في المدينة نفسها بالسائقين في الغالب، وباستثناء المسافرين المتكررين، لا يوجد أحد في بوسطن يكترث كثيراً بعدد السائقين والركاب في مدينة سان فرانسيسكو على سبيل المثال. من شأن هذا أن يُسهّل على شركة خدمات نقل تشاركي أخرى الوصول للكتلة الحرجة في سوق محلي والانطلاق منه عن طريق تقديم عرض مختلف عن السائد مثل تخفيض السعر. ومن ناحية أخرى، بالإضافة إلى منافستها "ليفت" (Lyft) على المستوى الوطني، فإن أوبر تواجه عدداً من التهديدات المحلية في مدن نيويورك، على سبيل المثال، من جونو (Juno) وفيا (Via)، بالإضافة إلى منافسيها من شركات سيارات الأجرة المحلية. وبالمثل، تواجه ديدي منافسة مع عدد من الشركات القوية في العديد من المدن.

دعونا الآن نقارن سوق أوبر مع سوق "إير بي إن بي". لا يكترث المسافرون كثيراً لعدد مضيفي أير بي إن بي في المدن التي يقطنون فيها، وإنما يهتمون بعدد المضيفين الموجودين في المدن التي ينوون زيارتها. بالتالي، فإن الشبكة هي تجمع واحد كبير في نهاية الأمر. من هنا، سيكون لزاماً على أي منافس حقيقي لأير بي إن بي أن يقتحم السوق على مستوى دولي، ويبني الوعي بعلامته التجارية على مستوى العالم لجذب الكتل الحرجة من المسافرين والمضيفين على حد سواء، أي أن اقتحام سوق أير بي إن بي سيكون أكثر تكلفة من اقتحام سوق أوبر.

من الممكن تقوية الشبكة عن طريق بناء تجمعات دولية على رأس التجمعات المحلية. منصة "كريجز ليست" (Craigslist) هي مثال على ذلك، فهي عبارة عن موقع للإعلانات المبوبة يربط المستخدمين بمقدمي السلع والخدمات في الأسواق المحلية بشكل أساسي، بينما تجذب إعلانات السكن والوظائف مستخدمين من أسواق أخرى. أما الألعاب الاجتماعية في منصة فيسبوك (مثل المزرعة السعيدة) فقد أسست لعلاقات جديدة بين اللاعبين الذين كانوا في السابق غرباء لتنشئ شبكة أكثر كثافة وعالمية وتكاملية يسهل لها صد المنافسين. لقد ظلت كل من منصتي فيسبوك و"وي تشات"، شبكة التواصل الاجتماعي الصينية الشهيرة، يعززان من شبكتيهما عن طريق علامات تجارية شهيرة ومشاهير لهم حضور قومي وغالباً عالمي يقومون بإنشاء حسابات عامة والنشر والتفاعل مع المستخدمين.

خطر اللاوساطة

يمكن أن تكون اللاوساطة التي يتجاوز فيها أعضاء الشبكة مركز أعمال رئيس ليتصلوا مباشرة ببعضهما البعض مشكلة كبيرة لأي منصة تستمد قيمتها مباشرة من عملية التوفيق بين الأطراف أو من خلال تسهيل المعاملات بينهم. تصور أنك استأجرت شخصاً من منصة خدمية مثل "هوم جوي" (Homejoy) لتنظيف منزلك وقد أنهى المطلوب وحاز رضاك عن الخدمة المقدمة. هل ستعود إلى "هوم جوي" مجدداً لتوظيف الشخص نفسه؟ إذا وجد المستخدم الشخص المناسب لتأدية الغرض المطلوب، فلن يوجد لديه حافز يُذكر للعودة إلى المنصة مرة أخرى، بل أكثر من ذلك فإن شركة النظافة بعد تأمينها لعدد زبائن كاف يملأ جدول أعمالها لن تكون في حاجة للمنصة بعد ذلك. كانت هذه هي المشكلة التي واجهتها "هوم جوي" بالفعل واضطرتها لإنهاء أعمالها في عام 2015، بعد خمس سنوات من تأسيسها.

بنية الشبكة

استخدمت المنصات آليات مختلفة لردع اللاوساطة مثل خلق شروط للخدمة تمنع المستخدمين من إجراء تعاملات تجارية على المنصة، وحظر تبادل بيانات الاتصال بينهم. تحتفظ منصة إير بي إن بي، على سبيل المثال، بالمواقع الجغرافية الدقيقة للمضيفين وأرقام هواتفهم ولا تُطلع المستأجرين عليها حتى الانتهاء من سداد المدفوعات. لا تُجدي هذه الاستراتيجيات دوماً على أية حال، فما يجعل المنصة مرهقة في الاستخدام، يجعلها عرضة لمنافس يقدم تجربة أكثر انسيابية.

تحاول بعض المنصات تجنب اللاوساطة عن طريق تعزيز قيمة ممارسة الأعمال التجارية والإعلاء من الدور الذي تلعبه. قد تعمل هذه المنصات على تسهيل المعاملات التجارية من خلال توفير مبلغ تأميني، أو دفع ضمانات، أو عبر أدوات الاتصال؛ كما قد تساعد في حل نزاعات أو مراقبة أنشطة، لكن هذه الخدمات تصبح أقل قيمة بمجرد بناء الثقة بين مستخدمي المنصة، بل يمكن للاستراتيجيات أن تأتي بنتائج عكسية مع انخفاض الحاجة إلى المنصة. لمس فينج، أحد كاتبي هذا المقال، مع جريس جو، طالب الدكتوراه في كلية هارفارد للأعمال، هذا الأثر في دراستهما للسوق الحر على شبكة الإنترنت. كلما حسّنت المنصة من نظام تقييم سمعتها، قويت الثقة بين العملاء وأصحاب الأعمال الحرة، وصارت اللاوساطة أكثر تكراراً إلى حد استبعاد المكاسب المحققة من الإيرادات من عمليات المطابقة بشكل أفضل بين الأطراف.

تعالج بعض المنصات مخاطر اللاوساطة عن طريق وضع استراتيجيات مختلفة لاكتساب القيمة رغم تباين النتائج. إذا نظرنا إلى "ثامتاك" (Thumbtack)، وهو سوق تجاري إلكتروني يربط بين الزبائن وبين مقدمي الخدمات المحلية مثل الكهربائيين ومدرسي العزف على الجيتار، سنجد أنه يُحصّل رسوماً على جذب العملاء المحتملين، إذ يقوم الزبائن بنشر طلباتهم على الموقع لتلقي عروض أسعار من مقدمي الخدمة، الذين يدفعون بدورهم رسوماً للموقع حال تجاوب الزبائن بالرد عليهم. يكتسب هذا النموذج قيمته من قبل وصول الطرفين إلى اتفاق للعمل معاً، وقد ساعد هذا في إنقاذ الشركة من الانهيار الذي حدث لشركة هوم جوي. تدير "ثامتاك" اليوم ما يزيد عن مليار دولار سنوياً في معاملاتها التجارية، أما الوجه السلبي لنموذج إيراداتها فهو عدم منعها لإقامة علاقة قوية طويلة الأجل بين الطرفين خارج المنصة وبمجرد أن يحدث التوفيق بينهما.

اختار "علي بابا" نهجاً مختلفاً في منصته التجارية "تاوباو" (Taobaoe) التي دخلت السوق في عام 2003 حين كانت منصة "إيتش نت" EachNet المملوكة لموقع "إيباي" تستحوذ على 85% من سوق البيع من المستهلك للمستهلك في الصين. ولكن رغم ذلك، لم تفرض "تاوباو" أي رسوم على الإعلان على منصتها ولا على المعاملات التجارية من خلالها، بل أنشأت خدمة مراسلات فورية باسم "وانج وانج" تسمح للمشترين بطرح أسئلة مباشرة على البائعين ومساومتهم على السعر النهائي وقت الشراء الحقيقي. على النقيض، كانت "إيتش نت" تفرض رسوماً على التعاملات التجارية للبائعين. ولخشيتها من اللاوساطة، لم تسمح بتفاعل مباشر بين البائعين والمشترين إلا بعد تأكيد عملية البيع. لم يكن مُستغرباً أن تهيمن تاوباو سريعاً على السوق، وفي نهاية عام 2006، أغلقت إيباي موقعها الصيني "إيتش نت". واليوم، تواصل تاوباو تقديم خدماتها لسوق من المستهلك للمستهلك بالمجان، وتكتسب قيمتها عبر إيرادات الإعلانات ومبيعات متاجر التجزئة التي تساعد البائعين على إدارة أعمالهم التجارية على الإنترنت.

بعد تقدير خسارة محتملة تصل إلى 90% من حجم العمل بسبب اللاوساطة، بدأ متجر "زد بي جيه" (ZBJ) الصيني المورّد للمنتجات في البحث عن مصادر جديدة للإيرادات. فمنذ انطلاقه في عام 2006 وهو يقوم بتحصيل عمولة قيمتها 20%. في عام 2014، اكتشف أن العديد من أصحاب الأعمال الجدد استخدموا موقعه للحصول على مساعدة في تصميم الشعار الخاص بهم. عادةً ما تكون المهمة التالية التي يحتاجها هؤلاء العملاء هي تسجيل العمل التجاري والعلامة التجارية، وهو ما بدأت المنصة في تقديمه. اليوم، تعتبر شركة ZBJ أكبر موفر لخدمة تسجيل العلامات التجارية في الصين، وهي خدمة تحقق أكثر من 70 مليون دولار أميركي إيرادات سنوية للشركة. كما قامت الشركة أيضاً بتخفيض رسوم المعاملات التجارية إلى حد كبير وركزت مواردها على تنمية قاعدة مستخدميها بدلاً من محاربة اللاوساطة. كما تُظهر تجربة ZBJ، التي تقدر قيمتها الآن بأكثر من 1,5 مليار دولار، فإن اللاوساطة عندما تلوح كتهديد، يكون حينها توفير الخدمات التكميلية أفضل كثيراً من فرض رسوم على المعاملات.

قابلية استخدام منصات متعددة

يحدث استخدام المنصات المتعددة في حال قيام المستخدمين أو مقدمي الخدمة (يمثلون "العقد" الشبكية أو نقاط إعادة التوجيه) بتكوين روابط مع منصات متعددة (أو "مراكز أعمال رئيسة") في الوقت نفسه. يحدث هذا عادةً عند انخفاض تكلفة تبني منصة إضافية. في صناعة نقل الركاب، يستخدم العديد من السائقين والركاب خدمات شركتين معاً، أوبر وليفت على سبيل المثال، فالركاب يفعلون ذلك لمقارنة الأسعار وأوقات الانتظار، بينما يقوم السائقون بذلك لتقليل أوقات توقفهم عن العمل. بالمثل، غالباً ما يعمل التجار مع مواقع متعددة للشراء الجماعي بسعر الجملة، وتعمل المطاعم مع منصات متعددة لتوصيل الأطعمة، حتى مطوري التطبيقات، الذين لا تعد تكاليفهم شيئاً هيناً، ما زالوا يجدون تطوير منتجات لأنظمة "آي أو إس" و"أندرويد" أمراً منطقياً.

عندما ينتشر وضع استخدام المنصات المتعددة لدى كل طرف من طرفي المنصة، كما هو الحال في صناعة نقل الركاب، يصبح من الصعب للغاية أن تحقق هذه المنصة ربحاً من نشاطها الأساسي. وشركتا أوبر وليفت مثالان على ذلك، حيث يُضعفان بعضهما البعض أثناء تنافسهما على الركاب والسائقين.

يمكن لأصحاب المنصات الحاليين تحجيم استخدام المنصات المتعددة عن طريق حجب أحد طرفي السوق (أو الطرفين معاً) عن بعضهما البعض. وتشجيعاً للتفرد الحصري، منحت كل من أوبر وليفت مكافآت في العديد من الأسواق للسائقين الذين أكملوا عدداً معيناً من الرحلات على التوالي دون رفض أو إلغاء أي طلب أو الانتقال إلى خارج نطاق الاتصال وإغلاق استقبال الطلبات أثناء ساعات الذروة. وبينما يمضي السائقون في رحلاتهم، توفر لهما كلتاالمنصتين طلبات تشغيل جديدة قريبة جداً من مواقع إنزال ركابهم المحددة، ما يقلل من زمن توقف نشاطه ومن ثمّ عدم الشعور بالإغراء لاستخدام منصات أخرى. ومع ذلك، وبسبب التكلفة المتدنية في الأساس عند العمل مع منصات متعددة، لا تزال قابلية استخدام المنصات المتعددة مستمرة في النقل التشاركي.

يمكن أن تكون هناك آثار جانبية غير مقصودة لمحاولات منع استخدام المنصات المتعددة. في أحد المشاريع البحثية، قام فينج وهواي لي من جامعة كارنيغي ميلون بفحص ما حدث في عام 2011 عندما أعادت منصة "غروبون" (Groupon) تجهيز عداد الصفقات الخاص بها، والذي يتعقب عدد الأشخاص الذين قاموا بالتسجيل للحصول على عرض محدد من موقعها، من أجل عرض نطاقات غامضة بدلاً من عرض أرقام محددة. أصبح بعدها من الصعب على "ليفنج سوشيال" (LivingSocial) تحديد التجار الشعبيين وصيدهم على منصة "غروبون". ونتيجة لذلك، بدأت ليفنج سوشيال في القيام بدور المُصدّر للصفقات المتفردة الحصرية بشكل أكبر. وبينما تمكنت "غروبون" من الحد من استخدام المنصات المتعددة من طرف التجار، وجد الباحثون أن احتمال زيارة الزبائن لكلا الموقعين صار أكبر، وذلك لوجود عدد أقل من الصفقات المتداخلة بهما؛ كما أن تكلفة استخدام المنصات المتعددة هي تكلفة بسيطة. يشير هذا الاستنتاج إلى تحد رئيس تواجهه شركات المنصات وهو أن الحد من استخدام المنصات المتعددة لدى طرف واحد في السوق قد يؤدي إلى زيادته لدى الطرف الآخر.

هناك أساليب أخرى يبدو أنها تعمل بشكل أفضل. لننظر مرة أخرى إلى صناعة ألعاب الفيديو: فغالباً ما يُوقّع صانعو وحدة التحكم على عقود حصرية مع ناشري الألعاب. ومن ناحية مستخدمي المنصات، يؤدي ارتفاع أسعار وحدات التحكم وخدمات الاشتراك، مثل "إكس بوكس لايف" و"بلاي ستيشن بلس" إلى تقليل حافز اللاعبين تجاه استخدام المنصات المتعددة. ويؤدي خفض استخدام المنصات المتعددة لدى كلا الطرفين في السوق إلى خفض شدة المنافسة والسماح لمصنعي وحدات التحكم بجني الأرباح. تفرض شركة أمازون، التي تقدم خدمات تحظى برضا البائعين الوسطاء وتحقق متطلباتهم، رسوماً أعلى عليهم حين يتم تسجيل طلباتهم من خارج سوق أمازون، وذلك لدفعهم للبيع حصرياً عبر منصتها. وتساعد "أمازون برايم"، التي تمنح المشتركين إمكانية الشحن المجاني خلال يومين للعديد من المنتجات، الشركة على خفض ميل المتسوقين عبر الإنترنت إلى استخدام المنصات المتعددة.

الربط مع الشبكات

في العديد من الحالات حول موضوع لماذا تنجح بعض الشركات بينما تفشل الأخرى ستكون أفضل استراتيجية نمو للمنصة هي ربط الشبكات المختلفة ببعضها البعض. في أي عمل تجاري يعتمد على وجود منصة، يكون النجاح حليف الاستحواذ على عدد كبير من المستخدمين وتكديس البيانات الخاصة بتفاعلاتهم. يمكن أن تكون هذه الأصول ذات قيمة ثابتة لا تتغير في العديد من السيناريوهات والأسواق. وبالاستفادة منها، غالباً ما تقوم الشركات التي حققت نجاحاً تصاعدياً في صناعة واحدة بتنويع نشاطها في خطوط مختلفة من الأعمال التجارية وتحسين الاقتصاد. هذا هو السبب الرئيس وراء دخول شركتي أمازون وعلي بابا العديد من الأسواق.

عندما يتصل مُلاّك المنصات بشبكات متعددة، يصبح بإمكانهم بناء علاقات تآزر مهمة. نجحت منصة علي بابا في الربط بين منصة مدفوعاتها "علي باي" ومنصتيها "تاوباو" و"تي مول" (Tmall) للتجارة الإلكترونية، لتمدهما بخدمة طال احتياج المشترين والبائعين لها على حد سواء، كما أنها تعزز الثقة فيما بينهم. استفادت علي بابا أيضاً من بيانات المعاملات وبيانات المستخدمين الموجودة لدى "تاوباو" و"تي مول" في إطلاق عروض جديدة من خلال "آنت فاينانشال" (Ant Financial)، وهي بمثابة ذراع الشركة الأم للخدمات المالية، وتشمل نظام تصنيف ائتماني للتجار والمستهلكين. سمحت المعلومات الواردة من نظام التصنيف المشار إليه لـ "آنت فاينانشال" بإصدار قروض قصيرة الأجل للمستهلكين والتجار بنسب فوائد منخفضة للغاية تفرض على من يتخلف عن السداد. يمكن للمستهلكين من خلال هذه القروض شراء المزيد من المنتجات عبر منصات التجارة الإلكترونية الخاصة بعلي بابا؛ كما يمكن للتجار المتعاملين مع المنصة تمويل مخزون أكبر من السلع. تعزز هذه الشبكات بشكل متبادل موقع كل منها في السوق، وتقدم المساعدة لكل منها لكي تحافظ على نطاق تقديم خدماتها. في الواقع، فإن "علي باي"، وحتى بعد إطلاق منافسها "وي تشات باي" (WeChat Pay) من قِبَل شركة "تينسنت" (Tencent) عبر تطبيقها "وي تشات" (WeChat)، ظلت جذابة للمستهلكين والتجار بسبب اتصالها الوثيق بخدمات "علي بابا" و"آنت فاينانشال" الأخرى.

وكما تتصل أكثر المنصات نجاحاً في المزيد والمزيد من الأسواق، فإن فعاليتها تزداد في ربط الصناعات ببعضها البعض. فمثلما انتقلت مجموعة علي بابا من التجارة إلى الخدمات المالية، انتقلت أمازون إلى ما وراء التجزئة للترفيه والإلكترونيات الاستهلاكية. وبذلك تصبح المنصات مراكز أعمال حيوية في الاقتصاد العالمي.

عند تقييم فرصة تجارية تنطوي على منصة، يجب على رواد الأعمال (والمستثمرين) تحليل الخصائص الأساسية للشبكات التي ستستخدمها والنظر في طرق تقوية تأثيرات الشبكة. من الأهمية بمكان أيضاً تقييم إمكانية التقليل من استخدام المنصات المتعددة إلى الحد الأدنى، وبناء هياكل الشبكة الدولية، واستخدام الربط بالشبكة لزيادة الانتشار، مع التقليل من خطر اللاوساطة. سيقضي هذا التدريب على التحديات الرئيسة المتعلقة بتنمية المنصة واستدامتها، كما يساعد رجال الأعمال على تطوير تقييمات أكثر واقعية لإمكانات المنصة في اكتساب القيمة.

وفي نهاية الحديث عن لماذا تنجح بعض الشركات بينما تفشل الأخرى بشكل واضح، وبالنسبة إلى ديدي وأوبر، فإن تحليلنا لا يحمل الكثير من الآمال لهما، إذ تتكون شبكاتهما من العديد من نقاط التجميع شديدة المحلية. وتواجه كلتاهما مشكلة استخدام المنصات المتعددة المنتشرة والتي قد تزداد سوءاً مع دخول مزيد من المنافسين إلى الأسواق. حتى الآن، لم تحقق فرص الربط مع الشبكات، وهي أقصى آمالهما، سوى نجاح محدود.فقد تمكنت هذه الشركات من إنشاء جسور تربطها بأعمال تجارية أخرى عالية المنافسة مثل توصيل الأطعمة وبيع الوجبات الخفيفة. (في عام 2018، توصلت أوبر إلى صفقة تضع بموجبها آلات لبيع الوجبات الخفيفة داخل مركباتها على سبيل المثال). إن الصعود الحتمي لسيارات الأجرة ذاتية القيادة سوف يشكل تحدياً للشركتين أمام استدامة قيمتهما السوقية. ففي النهاية، تتفوق خصائص الشبكة على نطاق المنصة.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي