لماذا تفشل الاستراتيجيات؟ لأنها ليست استراتيجيات حقيقية

5 دقائق

تفشل غالبية عمليات تنفيذ الاستراتيجية لأن الشركة لا تمتلك أي شيء يستحق التنفيذ.

وعندما يجتمع مستشارو الاستراتيجية، يؤدي كل منهم مهامه ويوثّقون الاستراتيجية الجديدة في عرض تقديمي على برنامج "باور بوينت" (PowerPoint)، ويُعدّون تقريراً مهماً، وينظّمون اجتماعات مفتوحة، ويطلبون من الموظفين تغيير سلوكهم، ويُعيدون صياغة بطاقات قياس الأداء المتوازنة، ويخصّصون الميزانيات لدعم المبادرات التي تتناسب مع الاستراتيجية الجديدة، ثم لا يحدث شيء بعد ذلك.

ويتمثّل أحد الأسباب الرئيسة لعدم اتخاذ أي إجراء في أن "الاستراتيجيات الجديدة" لا تُعتبر استراتيجيات على الإطلاق، فالاستراتيجية الحقيقية تتضمن مجموعة واضحة من القرارات التي تحدد ما تنوي الشركة القيام به وما سوف تتجنبه. ويعود السبب في فشل تنفيذ العديد من الاستراتيجيات إلى أنها لا تُمثّل مجموعة من القرارات الواضحة، رغم الجهود الكثيرة التي يبذلها الأفراد.

وتُعتبر غالبية الاستراتيجيات المزعومة في الحقيقة أهدافاً فقط، على سبيل المثال "هدفنا هو أن نحتّل المرتبة الأولى أو الثانية في الأسواق التي نعمل فيها كلها". كما أنها لا توضّح ما يجب على الموظفين فعله، بل جلّ ما تتضمنه هو إعلامنا بالهدف المنشود، إلا أننا ما زلنا نحتاج إلى استراتيجية لبلوغ هذا الهدف.

وقد تُمثّل استراتيجيات أخرى بعض أولويات الشركة وقراراتها، لكن هذه الأولويات لا تشكّل استراتيجية متماسكة عند النظر فيها مجتمعة، على سبيل المثال "هدفنا هو زيادة الكفاءة التشغيلية، واستهداف أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، وتصفية أعمالنا في الشركة س". قد تكون هذه القرارات والأولويات ممتازة، إلا أنها لا تشكل استراتيجية متكاملة.

وسأقدم لكم مثالاً أوضح. كانت شركة الألعاب البريطانية الشهيرة "هورنبي ريل وايز" (Hornby Railways) المصنِّعة لألعاب سكك الحديد ومسارات سيارات السباق تواجه الإفلاس قبل حوالي 15 عاماً. وقررت الشركة، في عهد الرئيس التنفيذي الجديد فرانك مارتن، تغيير مسار أعمالها والتركيز على هواة جمع الألعاب وأصحاب الهوايات بدلاً من الأطفال. وانطوى هدف مارتن في الاستراتيجية الجديدة على (1) صنع نماذج كاملة الحجم بدلاً من الألعاب. (2) استهداف هواة جمع الألعاب البالغين، وليس للأطفال. (3) الذين أبدوا إحساساً بالحنين إلى الماضي، لأن هذه الألعاب تذكر البالغين بطفولتهم. وحقق هذا التحول نجاحاً باهراً، فارتفع سعر سهم شركة "هورنبي" من 35 جنيهاً استرلينياً إلى 250 جنيهاً استرلينياً على مدار خمس سنوات فقط.

وقد تأتّى هذا النجاح لأن الاستراتيجية مثّلت مجموعة واضحة من ثلاثة قرارات تتوافق معاً لتشكيل توجّه استراتيجي واضح للشركة. لسوء الحظ، تخلّت شركة "هورنبي" في السنوات الأخيرة عن مجموعة قراراتها، وهو ما أسفر عن تعرضها إلى عواقب وخيمة للغاية، فاضطرت الشركة إلى إصدار سلسلة من تحذيرات الأرباح، وهو ما شجع مارتن على التقاعد المبكر. وبالتالي، سيُحكم على أي عملية تنفيذ للاستراتيجية بالفشل دون وجود توجّه استراتيجي واضح.

شارك المنطق الذي تستند إليهأخبَرني سلاي بيلي، عندما كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لصحيفة بريطانية تُدعى "ترينيتي ميرور" (Trinity Mirror) ذات مرة قائلاً "الشيء الوحيد الذي تعلمته عن مشاركة القرارات هو أننا دائماً ما نركز على ماهية هذه القرارات، إلا أنني أدركتُ اليوم ضرورة قضاء وقت كافٍ في شرح المنطق الذي نستند إليه في اتخاذ قراراتنا".

وتسهل مشاركة مجموعة القرارات المحدودة التي تتواءم مع بعضها البعض، مثل "نماذج ألعاب شركة "هورنبي" كبيرة الحجم لهواة جمع الألعاب البالغين الذين يشعرون بالحنين إلى الماضي"، وهنا تكمن أهمية تحديد هذه المجموعة المحدودة من القرارات، إذ لا يمكنك مشاركة قائمة تضم 20 قراراً، ذلك أن الموظفين لن يتذكّروا هذه القرارات. وفي حال فشل الموظفون في تذكرها، فلن يحصل أي تغيير في سلوكهم، وفي هذه الحالة لن يكون لديك استراتيجية وإنما مجرد مجموعة من شرائح عرض تقديمي. ومع ذلك، لا تُعتبر مشاركة القرارات كافية وحدها، كما اقترح بايلي.

لنتأمل مثال شركة "هورنبي" مرة أخرى. يستطيع موظفو الشركة إعلامي بقرارات شركتهم الجديدة كلها، ومعهم مصممو المنتجات والمهندسون الفنيون، ويمكنهم حتى إعلامي بالمنطق البسيط الذي يقف وراء اتخاذ هذه القرارات، وهو أن علامتهم التجارية الشهيرة راقت للبالغين الذين ذكّرتهم هذه الألعاب بطفولتهم، وأن سوق هواية جمع الألعاب كان يضم عدداً قليلاً من الشركات المنافسة نتيجة وجود عدة عوائق أمام دخول هذا السوق، وهو ما يضمن توجه المستهلكين إليهم. ويعود السبب في نجاح هذه الاستراتيجية إلى أن موظفي الشركة فهموا المنطق الذي استندت إليه قرارات فرانك مارتن وآمنوا بها وتبنوها في أعمالهم اليومية.

تنفيذ الاستراتيجية ليست مجرد عملية من القمة إلى القاعدة. يوجد سبب آخر لفشل العديد من جهود تنفيذ الاستراتيجية، وهو أن المسؤولين التنفيذيين يرون أنها عملية تُجرى من القمة إلى القاعدة وتتألف من خطوتين اثنتين تتمثّلان في "الإعداد والتنفيذ"، إلا أنه من غير المرجح أن ينجح هذا النهج. ونادراً ما تكون عملية تنفيذ الاستراتيجية الناجحة عبارة عن سلاسل تعاقبية تدريجية من القرارات.

وكما قال الأستاذ الجامعي في جامعة "ستانفورد" (Stanford) روبرت بورجلمان "تتميز الشركات الناجحة بتبنّيها عمليات التجريب والاختيار الداخلية التي تُجرى من القاعدة إلى القمة مع الحفاظ على النية الاستراتيجية المدفوعة من القمة في الوقت نفسه". وقد يبدو هذا النهج معقداً، لكن ما يقصده بورجلمان هو ضرورة وجود توجّه استراتيجي واضح من القمة إلى القاعدة، مثل مجموعة قرارات شركة "هورنبي". ولن يكون هذا النهج فاعلاً إلا إذا مكنت موظفيك من إنشاء مبادرات من القاعدة إلى القمة تقع ضمن الحدود التي تحددها هذه النية الاستراتيجية.

وقد تحدّث بورجلمان عن شركة "إنتل" (Intel) عندما كانت لا تزال شركة تركز على إنتاج رقائق إلكترونية وتتبع استراتيجية واضحة من القمة إلى القاعدة تتمثّل في "(1) أن تكون في طليعة من ينتج. (2) تقنيات أشباه الموصلات. (3) الموجهة نحو قطاع الذاكرة". ولم توضع مجموعة القرارات الثلاثة الواضحة هذه من قبيل الصدفة، فقد اتخذت شركة "إنتل" هذه القرارات عبر توفير قدر كبير من الاستقلالية والميزانيات اللامركزية لمجموعاتها وفرقها المختلفة، حتى يتسنّى للموظفين تجربة المبادرات التي من شأنها أن تسفر عن نجاح هذه النية الاستراتيجية.

وقد فشلتْ العديد من هذه التجارب التي جرى "انتقاؤها" حسب مصطلح بورجلمان، في حين أصبحت تجارب أخرى ناجحة جداً. وشكّلت إحداها الأساس لاستراتيجية معالج بنتيوم (Pentium) الدقيق التي حوّلت شركة "إنتل" إلى واحدة من أنجح شركات التكنولوجيا التي شهدها العالم على الإطلاق. وما أسفر عن تحقيق النجاح كان مزيجاً من توجّه استراتيجي واسع وواضح من القمة إلى القاعدة، ومبادرات وافرة من القاعدة إلى القمة.

اسمح للاختيار أن يحدث بشكل طبيعي. يتمثّل أحد الأخطاء الشائعة في عملية التنفيذ من القاعدة إلى القمة في عدم قدرة العديد من المدراء على مقاومة اتخاذ القرار بأنفسهم، لأنهم ينظرون إلى المبادرات المختلفة التي يقترحها الموظفون باعتبارها جزءاً من عملية تنفيذ الاستراتيجية، ويختارون المبادرات التي يفضلونها.

على النقيض من ذلك، يجب على المسؤولين التنفيذيين مقاومة إغراء اتخاذ قرار بشأن المشاريع التي يودون تنفيذها داخل شركاتهم، بل يتطلب تنفيذ الاستراتيجية أن يصمم المدراء النظام الداخلي للشركة بطريقة تُرشدهم إلى القرارات التي يجب اتخاذها. على سبيل المثال، لم تتخذ الإدارة العليا لشركة "إنتل" قرارها من بين مختلف المبادرات في الشركة بشكل شخصي، وإنما استخدمتْ صيغة موضوعية لتعيين الطاقة الإنتاجية. كما أنها منحتْ مدراء الأقسام استقلالية كبيرة لاتخاذ قرار بشأن التقنيات التي يرغبون في العمل عليها، وهو ما أسفر عن فشل المشاريع التي آمن بها عدد قليل من الأشخاص في الحصول على الدعم.

لذا، كن شجاعاً بما يكفي لمقاومة اتخاذ هذه القرارات من القاعدة إلى القمة، وصّمم نظاماً يقوم بذلك لأجلك.

اجعل التغيير مبدأك. في النهاية، يوجد سبب آخر لفشل جهود التنفيذ، وهو أنها عادة ما تتطلب تغيير عادات الأفراد، وعادة ما توصف العادات في المؤسسات أنها ثابتة. ولن تتغير العادات من خلال إخبار الموظفين في الاجتماعات المفتوحة بضرورة التصرف بشكل مختلف بالتأكيد، إذ غالباً ما يكون الموظفين غير مدركين للطريقة التي يتّبعونها في إنجاز المهام، وأنه قد توجد طرق مختلفة لإنجاز المهام نفسها.

ومن المهم أن ندرك أن تحديد العادات السيئة التي تحُول دون تنفيذ الاستراتيجية ومواجهتها ليست عملية سهلة، ولكن كما أوضحتُ في كتابي الذي يحمل عنوان "الإقلاع عن العادات السيئة"، يوجد العديد من الممارسات المختلفة التي يمكنك اتباعها في مؤسستك لتنفيذ الاستراتيجية بنجاح، وذلك اعتماداً على الظروف والاستراتيجية المحددة، وقد يشمل ذلك التعامل مع عملاء أو مشاريع صعبة تتناسب مع استراتيجيتك الجديدة وتحفز التعليم في جميع أقسام الشركة، أو إعادة توزيع الأشخاص على وحدات مختلفة بهدف زعزعة طرق العمل المعتادة وتغييرها وتعريف الموظفين بطرق بديلة لإنجاز المهام. وقد يشتمل ذلك أيضاً تحديد العمليات الرئيسة، وطرح السؤال التالي صراحةً: لماذا ننجز مهامنا بهذه الطريقة؟ وإذا تمثّلت الإجابة في هزّ الكتفين والتصريح بأن "هذا هو النهج المتّبع دائماً"، فقد تكون هذه الإجابة حافزاً رئيساً للتغيير.

وتوجد عادة طرق مختلفة لإنجاز المهام، ونادراً ما يوجد حل مثالي واحد، لأن جميع البدائل تنطوي على مزايا وعيوب، سواء كانت تتعلق بهيكل المؤسسة أو نظام الحوافز أو عملية تخصيص الموارد. وغالباً ما يقاوم الموظفون التغيير ما لم يكن واضحاً أن النهج البديل أفضل بكثير. ومن أجل نجاح عملية تنفيذ الاستراتيجية، من المفيد صياغة المبدأ بطريقة أخرى، بمعنى أن تعمل على تغيير نهجك ما لم يكن واضحاً أن النهج القديم أفضل بكثير، فالتنفيذ ينطوي على التغيير، تقبّل ذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي